“حزب الله” كما نعهده لن يقبل بصفقة وقف إطلاق النار، إلا إذا حدث ما لم نعد نعرفه بالحزب. ما تسرّب من بنود الصفقة، وهو ليس كل بنودها، يُفضي إلى بداية مسارٍ سيُخرج الحزب من المعادلة الإقليمية، وفي أحسن الأحوال سيدفعه إلى شمال نهر الليطاني، هناك سيجد نفسه محاصراً بالأسئلة اللبنانية الداخلية، حاله حال أحزاب المنظومة المذهبية التي تحكم من لبنان ما سبق أن مَنّ “حزب الله” عليها به!.
ما تسرّب من بنود التسوية يُفضي كله إلى أننا أمام تحكّم إسرائيلي شبه كامل بـ”الميدان”، جنرال أميركي سيرأس لجنة الإشراف على تطبيق الاتفاق. حق الطرفين في التدخل لضرب أي محاولة من قبل أي منهما للإخلال ببنود الاتفاق، وهذا يعني أن لإسرائيل حرية الحركة، في وقت سيكون فيه “حزب الله”، في شمالي النهر ومقيداً بشروط الاتفاق، ولا قدرة له على التدخل في حال أخلّت إسرائيل ببنود الاتفاق! ويبدو أن الاتفاق يشمل بنوداً لها علاقة بضبط الحدود مع سوريا، من دون أن نعرف آلية هذا الضبط.
هذه كلها مؤشرات غير مطمئنة، وتنطوي على احتمالات من غير الواضح ما إذا كانت ستغطيها بنود سرية في اتفاق وقف إطلاق النار. ثمة ما يوحي بأن تل أبيب متحمسة، وفي وقت يبدو صعباً فيه قياس “قناعة” حزب الله بهذه النهاية، فالقيادة الآن خارج رادارات الرصد، ومن المرجح أن هامش التحرك الذي كان يتمتع به الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله، ضاق بعد اغتياله، وانتقل القرار بالكامل إلى طهران. وأن يكون القرار بالكامل في طهران، فهذا يعني، في حال نجح الاتفاق، فإننا حيال صفقة تتعدّى لبنان، ولا يبدو أن ثمة مؤشرات على ذلك، وهذا ما يجب أن يخفض منسوب التفاؤل.
إقرأوا أيضاً:
إصرار “المصادر” من طرفي الجبهة على أن الاتفاق ناجز وسيُعلن قريباً، يدفع إلى الريبة. فما يسرّبه الإسرائيليون ينطوي على هزيمة شبه كاملة ل”حزب الله”. تعهّد أميركي مكتوب، من خارج الاتفاق، بحق إسرائيل بالتدخل العسكري في حال رصدت أي خرق للاتفاق! والـ60 يوماً التي ستسبق الانسحاب ستكون بمثابة اختبار لحقيقة تفكيك قواعد “حزب الله” في جنوب الليطاني! أما ما يسرّبه اللبنانيون فيقتصر على الالتزام بالقرار 1701، وعلى لجنة للإشراف على تنفيذه برئاسة جنرال أميركي! أما الاتفاق الفعلي فهو البنود التي تقع بين هذين الحدين.
للمرء أن يعتقد أن مسارعة طرفي الاتفاق المفترض إلى الإعلان عن اكتماله، ينطوي على استباق إفشاله، عبر تحميل كل منهما مسؤولية هذا الفشل إلى الآخر. إسرائيل لتدفع عن نفسها إفشاله أمام الإدارة الأميركية، و”حزب الله” ليتجنّب لوم بيئته التي تعيش ظروفاً قاهرة بفعل النزوح وتبعاته المأساوية.
أما الجيش اللبناني الذي ستقع على عاتقه من جهة مهمة تفكيك البنية العسكرية ل”حزب الله” جنوب الليطاني، وصد أي محاولة إسرائيلية لخرق الاتفاق، فيحتاج للتعامل مع هاتين المهمتين إلى مشهد سياسي داخلي مختلف تماماً. الانقسام اليوم في لبنان لا يسهّل هذه المهمة، ومؤسسات الحكم فارغة بالكامل، والجيش ليس كياناً مستقلاً عن هذا الفراغ.
القول إن “حزب الله” خسر قيادته وتعرض إلى ضربات مؤلمة، لا تكفي للاعتقاد بأن الحزب سلم أمره للمفاوض اللبناني، علماً أن هذا الأخير هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، المكلّف من قبل الحزب وليس من قبل لبنان بالتفاوض. ثمة عقد مخفية كثيرة في مشهد التفاوض. أثمان من الصعب أن تُدفع، وتحولات تفترضها البنود المعلنة، وأسئلة عن قدرة “حزب الله” على التكيف مع الانتقال الدراماتيكي المفترض لوظيفته بوصفه الذراع الأقوى لطهران في المنطقة إلى مجرد حزب شيعي لبناني.
ليس ما سبق تشاؤماً بمستقبل وقف إطلاق النار، ولكن شعور بعدم اكتمال عناصر التحليل والاستنتاج، وضرورة عدم التسرع بالرهان على نهاية الحرب. فما يقترحه الاتفاق المفترض هو تحوّل هائل لا تكفيه أشهر “قليلة” من القتال، ولا تُنضجه وقائع هذا القتال على رغم مأساويتها.
إلا إذا كان وراء وقف إطلاق النار تسوية تتعدّى لبنان.
إقرأوا أيضاً: