في مهرجان “كوتشيلا” الشهير في كاليفورنيا، وقف محمد رمضان على المسرح وسط أضواء عالمية، يرتدي ما وصفه كثيرون ببدلة رقص ذهبية تلمع وتخطف الأبصار. لم يكن هذا المشهد مجرّد لحظة فنّية عابرة، بل كان شرارة أشعلت نقاشاً اجتماعياً وثقافياً عميقاً حول معنى الذكورة، وحدود الجسد الذكوري، والدور الجندري في المجتمع المصري والعربي. في هذه اللحظة، لم يكن رمضان فقط يرقص أو يغني؛ بل كان، عن قصد أو من غير قصد، يضع المجتمع كلّه أمام مرآة تُسائل أعمق تناقضاته، وتكشف هشاشة الصور النمطية التي ظلّ يقدّسها لعقود.
منذ بداياته، بنى محمد رمضان مجده الفنّي على صورة الذكر القوي، البطل الشعبي، الذي لا ينكسر ولا يرقص إلا على إيقاع القوّة. في أعماله الدرامية من “الأسطورة” إلى “جعفر العمدة”، ظلّ يجسّد نموذج الذكورة الصلبة: رجل لا يلين، لا يعتذر، لا يسمح لجسده بأن يكون سوى أداة للهيمنة أو العنف أو السيطرة. هذه الصورة لم تكن مجرّد تمثيل، بل تحوّلت إلى هوّية علنية تبنّاها رمضان في حياته اليومية، حتى في تصريحاته الإعلامية وأغنياته مثل “نمبر وان” و”الملك”.
لكن صعوده إلى مسرح “كوتشيلا” ببدلة رقص ذهبية كان انقلاباً على هذه الهوّية. لم يعد الجسد الذكوري هنا أداة للقوّة، بل مساحة للعرض، للرقص، للانكشاف. في هذا الانقلاب، تكسّرت الحدود بين الذكر والأنثى، بين الصلابة والليونة، بين السلطة والتحرّر. لم يكن غريباً أن تنهال عليه التهم: “إهانة للرجولة”، “تشويه للهوّية”، “تخريب للرموز الوطنية”.
بدلة الرقص كأيقونة جندرية – لماذا أثارت كلّ هذا الغضب؟
ما الذي يجعل قطعة قماش؛ مهما كانت لامعة أو جريئة، قادرة على تفجير كلّ هذا الغضب؟ الإجابة تكمن في البنية الجندرية للمجتمع المصري. فالجسد الذكوري، في المخيال الجمعي، محكوم بقواعد صارمة: لا يرقص، لا يستعرض، لا يتحوّل إلى موضوع للنظر أو المتعة البصرية. الرقص، تاريخياً كان فعلاً أنثوياً، مرتبطًا بالنعومة والانسيابية، بينما ارتبط جسد الرجل بالقوّة والانضباط.
حين ارتدى رمضان بدلة الرقص، لم يكن فقط يختبر حدود الموضة أو الاستعراض، بل كان – بحكم شهرته – يختبر حدود النظام الرمزي الذي يحدّد من يحقّ له الرقص، ومن يحقّ له أن يكون موضوعاً للنظر. هذه الحدود ليست مجرّد تفاصيل سطحية، بل هي جوهر النظام الجندري الذي يوزّع الأدوار، ويحدّد ما هو “مقبول” وما هو “مرفوض”. في هذا السياق، يصبح الجسد الذكوري الراقص تهديداً للنظام كلّه، وليس فقط لذوق الجمهور.
محمد رمضان ليس غريباً عن الجدل. بل يمكن القول إن صناعة الجدل أصبحت جزءاً من استراتيجيته الفنّية والإعلامية. منذ بداياته، ظلّ يُثير النقاشات حول ملابسه، تصريحاته، حتى خلافاته مع زملائه. لكن في واقعة بدلة الرقص، بدا الجدل أعمق وأكثر خطورة. لم يعد الأمر يتعلّق فقط بـ”ترند” عابر أو رغبة في لفت الأنظار، بل أصبح صراعاً علنياً حول معنى الذكورة وحدود الجسد.
الناقد شريف صالح يرى أن “الترند أصبح كوحش افتراضي يبتلع كلّ شيء، وما لم تكن في الضوء سوف تنتهي إلى النسيان بعد 24 ساعة”، ويقول: “رمضان يدرك ذلك جيداً، ويستخدمه بمهارة للبقاء في دائرة الضوء. لكنّ الجدل هذه المرّة لم يكن مجرّد وسيلة للانتشار، بل كشف عن هشاشة الصورة التي بناها رمضان لنفسه: صورة الرجل القوّي المسيطر، الذي لا يهتز ولا يرقص”.
تناقضات الذكورة – من الشاشة إلى المسرح
من المفارقات الصارخة في حالة رمضان أن الرجل الذي جسّد على الشاشة صورة الذكر الصلب، القائد، البطل الشعبي الذي لا ينكسر، هو نفسه الذي ظهر في “كوتشيلا” ببدلة رقص يحتفي بجسده في مواجهة جمهور عالمي. في مسلسل “جعفر العمدة” وأعماله الأخرى، قدّم رمضان نموذجاً للرجولة التقليدية: رجل لا يُهزم، لا يرقص، لا يلين. هذه الصورة أسهمت في بناء شعبيته، وجعلته رمزاً للذكورة في المخيال الشعبي المصري.
لكن على المسرح، انقلبت الآية. لم يعد رمضان ذلك الرجل الذي يخشى التعبير الجسدي، بل أصبح رمزاً للتمرّد على القوالب، حتى لو كان الثمن هو اتّهامه بـ”خيانة الهوّية” أو “إهانة مصر”. هذا التناقض بين ما يقدّمه على الشاشة وما يفعله في حياته العامّة هو جوهر الأزمة التي فجّرتها بدلة الرقص. فالجمهور الذي أحبّ “جعفر العمدة” لم يكن مستعداً لرؤية بطله يرقص على طريقة “صبي الراقصة” في القرن التاسع عشر، أو يرتدي زياً يشبه أزياء النساء.
لفهم عمق الأزمة التي فجّرها ظهور محمد رمضان ببدلة الرقص، لا يكفي التوقّف عند حدود الحدث أو ردّة الفعل اللحظية؛ بل من الضروري الغوص في الجذور الثقافية والاجتماعية التي شكّلت مفهوم الجندر في مصر، وكيف تبلورت الصور النمطية للرجولة والأنوثة، وكيف تحوّلت إلى بنية ضاغطة على الأفراد، خاصّة حين يجرؤ أحدهم – كنجم جماهيري – على كسرها أو مساءلتها علناً.
تُشير الدراسات الجندرية الحديثة إلى أن الأدوار الجندرية ليست انعكاساً مباشراً للفروق البيولوجية، بل هي منظومة من السلوكيات والتوقّعات التي تُنتجها الثقافة وتُعيد إنتاجها عبر الأجيال. في مصر، كما في معظم المجتمعات التقليدية، تمّ بناء هذه الأدوار بدقّة: الرجل يُتوقع منه أن يكون قوّياً، صلباً، قادراً على الكبح، لا يرقص، ولا يبكي، ولا يستعرض جسده، بل يفرض حضوره عبر السلطة والانضباط. في المقابل، تُختزل المرأة في النعومة، والجمال، والرقص، وتُعتبر موضوعاً للأنظار، لا فاعلاً في الفضاء العامّ.
هذه الصور ليست مجرّد أفكار عابرة، بل هي جزء من نظام اجتماعي معقّد يوزّع السلطة والهيبة، ويحدّد من يملك حقّ الظهور، ومن يُفرض عليه الاختفاء أو الاحتشام. حين يخرج رجل – خصوصاً إذا كان نجماً – عن هذه القوالب، يُنظر إليه كتهديد للنظام كلّه، لا كفرد يمارس حرّيته الشخصية فقط.
إقرأوا أيضاً:
تاريخياً، عرفت مصر أشكالاً متنوّعة من التعبير الجندري، بعضها كان أكثر مرونة مما هو سائد اليوم. في مصر القديمة، ورغم وجود تمايزات واضحة بين أدوار الرجال والنساء، إلا أن المرأة كانت تتمتّع بحقوق قانونية واجتماعية واسعة نسبياً، بما في ذلك حقّ التملّك والتقاضي والعمل في بعض المجالات. ومع ذلك، ظلّت السلطة السياسية والإدارية في يد الرجال، وكانت الأدوار الجندرية محدّدة بدقّة في المجالين العامّ والخاصّ.
في العصر الحديث، تعمّقت هذه الفروق بفعل عوامل دينية وثقافية واقتصادية. فالمجتمع المصري الحديث يُنظّم حول فكرة أن الرجال والنساء مختلفون بطبيعتهم، وأن لكلّ جنس “مكانه” ودوره الذي لا ينبغي تجاوزه. الرجل هو المُعيل، وصاحب القرار، وصاحب الجسد المحصّن ضدّ الاستعراض أو الانكشاف، بينما المرأة هي الحامية للفضيلة، وموضوع الرغبة، والمطالَبة دوماً بالاحتشام.
لعبت الدراما المصرية والإعلام دوراً محورياً في ترسيخ هذه القوالب الجندرية. تُظهر الدراسات أن التلفزيون والسينما في مصر غالباً ما يقدّمان الرجل في أدوار السلطة والكفاءة، بينما تُختزل المرأة في أدوار ثانوية، أو جنسية، أو خاضعة للهيمنة الذكورية. حتى حين تظهر المرأة قوية أو مستقلّة، غالباً ما يكون ذلك ضمن حدود لا تهدّد النظام الجندري العامّ.
في هذا السياق، جاء محمد رمضان كنموذج متطرّف للذكورة التلفزيونية: بلطجي، عمدة، رجل لا يُهزم، ولا يرقص، ولا يُستعرض جسده إلا كدليل على القوّة. هذا النموذج، كما يُشير بعض النقّاد، لا يعكس الواقع الحقيقي للطبقات الشعبية، بل يُعيد إنتاج صورة متخيّلة للرجولة، تُفرغ البطل الشعبي من كلّ القيم الإنسانية والاجتماعية، وتختزله في “الدكرنة” فقط.
الرقص في الثقافة المصرية مرتبط تاريخياً بالأنوثة، وبالاستعراض الجسدي الذي يُسمح به للنساء ضمن شروط معينة. حتى في الفولكلور، هناك تمييز واضح: رقص النساء يُحتفى به، بينما يُنظر إلى رقص الرجال – خارج بعض السياقات الشعبية كـ”التحطيب” أو الرقص بالعصا – كفعل مشبوه أو مرفوض. تاريخياً، كان هناك وجود لما يُعرف بـ”الخواجات”، أو الراقصين الذكور الذين يتشبّهون بالنساء، لكنهم كانوا موضوعاً للجدل والسخرية، وغالباً ما ارتبطوا بالدونية أو الشذوذ.
حين اعتلى محمد رمضان المسرح ببدلة رقص شرقية، لم يكن فقط يغيّر زيه، بل كان يعلن عن كسر صريح للقاعدة: جسد الرجل يمكن أن يكون موضوعاً للمتعة البصرية، يمكن أن يرقص ويستعرض، ويمكن أن يحتفي بنفسه خارج منطق القوّة والهيمنة. هذا التحدي هو ما فجّر الأزمة، وجعل من الحدث قضيّة رأي عامّ تتجاوز حدود الموضة أو “الترند”.
الصور النمطية للجندر في مصر ليست مجرّد أفكار، بل هي آليات لتوزيع السلطة والهيبة. الرجل الذي يلتزم بقواعد الذكورة التقليدية يُكافأ بالاحترام والسلطة، بينما يُعاقب من يخرج عن هذه القواعد بالعزل أو السخرية أو حتى المحاكمة الأخلاقية. المرأة التي تلتزم بالنعومة والاحتشام تُكافأ بالقبول الاجتماعي، بينما تُعاقب من تتجاوز هذه الحدود بالوصم أو الإقصاء.
هذه البنية تتجلّى بوضوح في ردود الفعل على إطلالة رمضان: لم يُنظر إليه كفنان يجرّب أو يبتكر، بل كـ”خطر” على النظام الاجتماعي، وتهديد للرجولة المصرية. حتى البلاغات الرسمية للنائب العامّ لم تخرج عن هذا المنطق، حيث تمّ ربط ظهوره بـ”إهانة مصر” أو “تشويه الهوّية الوطنية”.
المفارقة أن النساء أنفسهن يشاركن أحياناً في ترسيخ هذه القوالب. تظهر الدراسات حول الأمثال الشعبية أن المرأة في مصر تلعب دوراً مهماً في تسويق المثل الشعبي، وتُعيد إنتاج الثقافة الذكورية لدى أبنائها، سواء بالسلب أو بالإيجاب. هذا التواطؤ الثقافي يُعمّق من صلابة النظام الجندري، ويجعل تغييره أكثر صعوبة.
رغم تزايد النقاشات حول الجندر وتنوّع التعبيرات الجندرية في أوساط الشباب، إلا أن المجتمع المصري لا يزال متمسكاً بقوّة بالصور التقليدية للذكورة والأنوثة. كلّ محاولة لكسر هذه القوالب تُقابل بمقاومة عنيفة، كما حدث مع محمد رمضان. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن هذه الصدمات المتكرّرة تفتح الباب أمام تحوّلات بطيئة في الوعي الجمعي، وتُعيد طرح سؤال: من يملك الجسد؟ ومن يحدّد حدود الذكورة والأنوثة؟
ما فعله محمد رمضان لم يكن مجرّد خروج عن المألوف في عالم الأزياء أو الاستعراض، بل كان – في جوهره – اختباراً حقيقياً لمدى صلابة النظام الجندري في مصر، وكشفاً لهشاشة الصور النمطية التي بدت عصيّة على التغيير. في مجتمع يوزّع السلطة والهيبة عبر الجسد، يصبح أي انزياح عن القاعدة تهديداً للنظام كله، لا مجرّد فعل فردي. هنا، تكمن الأزمة الحقيقية: في الصراع بين جسد يريد أن يرقص، ونظام اجتماعي يصرّ على أن يبقى هذا الجسد صامتاً، صلباً، لا يُحتفى به إلا كرمز للقوّة والانضباط.
من السخرية إلى المحاكمة
ردود الفعل على إطلالة رمضان لم تقتصر على التعليقات الساخرة أو الغاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي. بل وصلت إلى البلاغات الرسمية للنائب العامّ، ومطالبات بشطبه من نقابة الممثّلين، وتهم بإهانة العلم المصري، وترويج “الشذوذ”، بل وحتى الإساءة إلى الهوّية الوطنية. في كلّ هذه الردود، تتجلّى حساسية المجتمع المصري تجاه الجسد الرجولي وحدود التعبير عنه.
لكن اللافت أن رمضان نفسه لم يُظهر أي علامة على التراجع أو الاعتذار. بل واصل الترويج لإطلالته، ونشر صوراً تجمع بين ماضيه الفقير وحاضره كنجم عالمي، وكأنه يقول: “أنا هنا لأكسر القوالب، ولأحتفي بجسدي كما أريد”. في هذا التحدّي العلني، يكمن جزء من جاذبيته وجزء من أزمته.
ما حدث مع محمد رمضان يتجاوز مجرّد جدل عابر حول إطلالة نجم شهير. إنها تكشف عن توترات عميقة في المجتمع المصري حول قضايا الجندر والهوّية والطبقة. فمن ناحية، يمكن النظر إلى ما قام به رمضان كنوع من التمرّد على القوالب الجندرية التقليدية، ومن ناحية أخرى، يمكن رؤيته كمجرّد استراتيجية أخرى لجذب الانتباه وتصدّر “الترند”.
ما هو مؤكّد أن محمد رمضان نجح في إثارة نقاش مجتمعي حول مفاهيم الذكورة والأنوثة، وحدود حرّية التعبير عن الذات. وبغض النظر عن نواياه، فإن هذا النقاش قد يكون مفيداً في تسليط الضوء على التناقضات والتحيّزات الجندرية في المجتمع المصري المعاصر.
في النهاية، يمكن القول إن محمد رمضان، ببدلة الرقص، أعاد طرح سؤال قديم جديد: هل يمكن للرجل أن يرقص بحرّية في مجتمع يقدّس الصرامة الذكورية؟ هل يمكن للجسد الذكوري أن يتحرّر من عبء التوقّعات، ويحتفي بنفسه كمساحة للمتعة والفنّ، لا كأداة للهيمنة فقط؟
هذه الأسئلة لا تخصّ رمضان وحده، بل تخصّ مجتمعاً بأكمله يعيش على حافّة التغيير. بين الطفل الفقير الذي كان ينتظر أصدقاءه أمام محطّة المترو، والنجم الذي يرقص على مسرح “كوتشيلا”، تتجسّد رحلة مجتمع يتأرجح بين التقليد والحداثة، بين الانفتاح والانغلاق، بين التمرّد والامتثال.
ليس السؤال الحقيقي هو ما إذا كان محمد رمضان قد تعمّد كسر التقاليد، بل لماذا تبدو تلك التقاليد نفسها بحاجة ماسّة إلى الصدمة كي تُراجع؟ لماذا لا يُسمح لأي جسد بالانحراف ولو لحظة واحدة عن النصّ الأبوي المقدّس من دون أن تُشهر في وجهه كلّ الأسلحة الرمزية والاجتماعية؟ في لحظة واحدة، بدا وكأن المجتمع كلّه قد نُكّس علم “الرجولة” فوق رأسه، لا لأن أحدهم قال كلمة، بل لأن أحدهم رقص.
إنّ الخوف الجماعي من جسد راقص لا ينبع من الرقص نفسه، بل من هشاشة التصوّرات التي أُلصقت بالجسد الذكوري لعقود: الصمت، الصلابة، الحذر، الإنكار. حين يهتزّ الجسد، تهتزّ معه المنظومة بكاملها. وهذا يفسّر لماذا تصبح لحظة عابرة على مسرح موسيقي في كاليفورنيا، لحظة أزمة وطنية في القاهرة. في مجتمعات تُبنى فيها الرجولة من خارج الفرد، تصبح كلّ لفتة خارجة عنه إعلاناً عن حرب أهلية صامتة.
الخطر لم يكن في الذهب الذي ارتداه رمضان، بل في الضوء الذي انعكس منه على خطاب طويل من المحرّمات، خطاب يوزّع الأدوار داخل الجسد كما يوزّعها في السياسة والشارع والمدرسة والبيت. هنا، لا يُنظر إلى الرقص كفنّ، بل كخيانة؛ لا يُفهم كتحرّر، بل كفوضى؛ لا يُرى كاحتمال، بل ككسر لقواعد النجاة الجماعية.
من هذه الزاوية، لا تعود القضيّة مرتبطة بمحمد رمضان بقدر ما ترتبط بسؤال أكبر: ماذا يحدث حين يرقص الرجل في مجتمع لا يعرف إلا مشية عسكرية واحدة للذكورة؟ الرقص يصبح هنا ليس مجرّد حركة جسدية، بل حركة فكر، تمريناً على التفكيك، تمريناً على إعادة تعريف الذات في مواجهة من يريدون لها أن تكون صورة منسوخة.
إنّ المعركة لم تكن أبداً حول قطعة قماش، بل حول الحقّ في أن يكون الجسد الذكوري ساحة للاختيار لا حلبة للتكرار. وهنا تماماً، تبرز المأساة الحقيقية: أن الجسد لا يزال يطلب إذناً ليرقص، في زمنٍ يُفترض فيه أن يكون الرقص بديهياً كالخطوة الأولى نحو الحياة.