شهدت الانتخابات البلدية والاختيارية عام 2010، وبعد استحقاقين تنافسيين قبلها، أول تحالف بين “حزب الله” و”حركة أمل”. التحالف حينها شمل كل القرى والمدن حيث تنتشر شعبية الطرفين.
والتحالف آنذاك، بدا محاولة للخروج من التنافر الحاد بين جمهورين سبق أن باشرا، متحالفين، خوض الاستحقاق النيابي منذ عام 1992، أي منذ الانتخابات النيابية الأولى التي أُجريت بعد اتفاق الطائف.
وضبط التنافر بين الطرفين وجمهورهما إلى حدود مقبولة في الانتخابات النيابية، أملى بعد تنافسين حادين للفوز بالمجالس البلدية والاختيارية، تعميم هذا التحالف.
وبرغم التحالف المذكور، بدا أن تخفيف الاحتقان في استحقاق نيابي، لا ينسحب بالضرورة على مثيله بلدياً واختيارياً. تبدى ذلك في انتخابات عام 2010، ثم في الانتخابات البلدية والاختيارية التي تلتها.
كانت مباشرة التحالف، بلدياً، مرتبطة برتق التشظي والتنافس العائلي والحزبي بين الطرفين داخل القرى، وأحياناً داخل الأسر، ثم في داخل كل طرف. هذا التنافس، ومع أسباب راهنة تتعلق بالشحّ المالي، وبروز أطر حزبية ومدنية من خارجهما، امتلكت حيثيات شعبية في منافستهما قياساً على نتائج آخر انتخابات نيابية، فتح باب التواطؤ مع “التيار الوطني الحر” كطرف آخر تتملّكه الخشية من تلك الانتخابات، ولأسباب تتعلق أولاً بالانحسار الشعبي عنه.
والحال، نحن أمام أطراف ثلاثة بدا أنها تنكبت تعطيل استحقاق ديمقراطي وشعبي أكثر من غيرها. وهو تعطيل يضاف إلى سياق تعطيلي باشرته الأطراف الثلاثة بفجاجة موصوفة منذ عام 2013، حتى لحظة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ويتكرر في الوقت الراهن.
يعود اندفاع “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” و”حزب الله”، نحو تأجيل الانتخابات البلدية، إلى تفادي خسائر سياسية وشعبية ومالية غالباً ما يكون مآلها أصعب من حاضرها.
ميشال عون صار رئيساً سابقاً. هذا سبب أول للخشية “العونية” الراهنة من الانتخابات البلدية، مع ما كانت توفّره الرئاسة للتيار وناسه من حظوة مادية ومعنوية.
سبب آخر لا يقل وجاهة عن سابقه، يتعلق بما آلت إليه “العونية” من تشظٍّ ناجم عن التنافر بين مكوناتها من جهة، وابتعاد حلفاء كثر منها من جهة أخرى. بهذا المعنى، يستطيع المرء فهم خشية “التيار الوطني الحر” من خسارة معاقل أساسية في بلديات كانت حتى وقت قريب مؤشراً إلى قوته الشعبية.
في الانتخابات النيابية الأخيرة، حلَّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ثانياً في قضاء البترون. هذا استطلاع رأي حقيقي لصنع الخشية. الأخيرة تتمدد أيضاً إلى معقلين بلديين يقيس التيار شعبيته على الفوز بهما. ففي مدينة جونية، يفترض أن يخوض “العونيون” الانتخابات مجردين من حليف سابق هو النائب نعمة افرام، الذي صار خارج تكتّلهم النيابي، والأهم أنه يعد نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية. فيما ستكون مدينة جزين امتحاناً عسيراً آخر ضد خصومهم، وضد “نمر” التيار المفصول النائب السابق زياد أسود.
سرد أسباب الخشية “العونية” يبدو قاصراً من دون إدراج المشقّة الحالية لتفاهم مار مخايل كأحد تلك المعضلات.فهذا التفاهم كان قادراً على رفد “العونيين” بما رفدتهم به رئاسة الجمهورية وأكثر.
والحال، يبدو تأجيل استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، وبالتالي التمديد لها، أسير هواجس الأطراف الثلاثة التي تبدو في كل استحقاق سياسي أو اقتصادي، الأكثر سلطوية من غيرها، وأن تشاركها مع سلطويين آخرين يفترض تقاسماً كميَّاً متوازياً مع آثارها في الاعتلال السياسي والاجتماعي الحاصل.
عموماً، وفي خضم دولة آيلة للانهيار، قد لا تبدو المجالس البلدية في راهنها، كما مستقبلها، على أحسن حال بحكم الارتباط السياسي لغالبيتها بقوى السلطة، وتسييل بعض عائداتها في خدمة الأخيرة. عدا أن المورد الأساس من مواردها المالية مناط بالصندوق البلدي المستقلّ، والذي أفضى عسره إلى عسر حالها.
عودٌ على بدء. فإن لم يخفّف التحالف بين “حزب الله” و” حركة أمل” من التنافر بين جمهورهما في لحظة الاستحقاق، فإنه في غالبية الأحيان أنتج مجالس بلدية انتقلت حالة التنافر إلى داخلها.
فسّر أحد ظرفاء قريتي حال تحالف “الثنائي الشيعي” في الانتخابات البلدية لعام 2010، بطرفة معبّرة. يقول، “إن تحالف الطرفين استوجب بالضرورة مكتباً انتخابياً مشتركاً. واستوجب أيضاً رفع رايتيهما فوق سطح المكتب. والرايتان يفترض أن تتحركا معاً في اتجاه سير الريح. المفارقة، أن الرايتين كانتا تتحركان واحدة مع الريح والثانية عكسها!”.
إقرأوا أيضاً: