
بالنسبة إلي أجرؤ على القول إن الانتفاضة، التي أعتبر نفسي منها، تتحمل جزءاً لا بأس به من المسؤولية عن التسبب بمقتل كل من حسين شلهوب وسناء الجندي على الطريق الساحلي بين مدينتي بيروت وصيدا. فهما قضيا في حادث سير تسببت به إجراءات كانت جزءاً من مشهد الانتفاضة، وثمة من وضع حاجزاً لقطع الطريق في خطوة انسجمت، في الوقت الذي وقع فيه الحادث، مع خطوات موازية في جل الديب وفي العاصمة.
الضحيتان لم تموتا قضاء وقدراً. ثمة من تسبب بمقتلهما، وهذا يرتب مسؤولية جنائية على المتسبب المباشر ومسؤولية سياسية على الجهة التي قررت قطع الطريق ومسؤولية أخلاقية على الانتفاضة عموماً، ذاك أن أصواتاً منها كانت ضد قطع الطرق، لكنها لم تبلغ مستوى يجعل من هذا الفعل خروجاً من وجدان التظاهرة ومن سياقها.
قد يبدو هذا الكلام استجابة لابتزاز باشرته صحف ووسائل إعلام تطلب فيه إعلان المشاركين في دعم الانتفاضة مواقفَ مما حصل، لكن هذه الأصوات صدرت لكي تستفز فينا ميلنا إلى عدم الاستجابة لما يقولون. وهنا علينا وفي سياق وقوفنا في وجه الأداء الميليشيوي لجماعات السلطة في منطقة الرينغ وفي صور أن نكشف وجوهنا أكثر، وأن تتمكن الانتفاضة من تحديد مكامن خلل في أدائها، وأن نضاعف الحساسية حيال شركاء “أمل” و”حزب الله” في السلطة، أي “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، ذاك أن وقائع الإفلاس المالي تكشف حجم تورط هؤلاء وشراكتهم في عملية النهب التي تعرض لها اللبنانيون لا سيما في السنوات الثلاث الفائتة. فـ”الهندسة المالية” كانت الثمن الذي تقاضوه هم ومصارفهم ووزراؤهم لقاء قبولهم بـ”دولة حزب الله”.
الصمت حيال التسبب بمقتل شلهوب والجندي هو نوع من التمييز بين ضحية وأخرى، وطالما أننا طلبنا العدالة لعلاء أبو فخر، فيجب طلبها وبالحماسة ذاتها لضحيتي الطريق الساحلي، ذاك أننا لسنا حيال حادث سير عادي، لا بل حيال إجراء (قطع الطرق) مُختَلف عليه، وتدور حوله شبهات حزبية يجب أن نبقي الحساسية حيالها عالية جداً.
الضحيتان لم تموتا قضاء وقدراً. ثمة من تسبب بمقتلهما، وهذا يرتب مسؤولية جنائية على المتسبب المباشر ومسؤولية سياسية على الجهة التي قررت قطع الطريق ومسؤولية أخلاقية على الانتفاضة عموماً.
ومرة أخرى لا يأتي هذا الكلام استجابة لـ”فحوص الدم” التي يسعى خصوم الانتفاضة لإجرائها يومياً للمنتفضين، لا بل أن الصمت حيال التسبب بمقتل الضحيتين سيكون استجابة لرغبتهم في أن نكون جزءاً من مشهد الانقسام، وأن يكون لنا ضحايانا ولهم “ضحاياهم”!
تقتضي المهمة التحرك لتقصي ما حصل على الطريق الساحلي. من أقفل الطريق وغادر في عتمة الليل؟ ومن قرر أن عملية إقفال طرق احتجاجاً على التلكؤ بالاستشارات تتم على هذا النحو؟ وهل صحيح أن الفاعلين هم من مناصري تيار المستقبل؟ والأجوبة على هذه الأسئلة يجب أن تُبنى على أساسها وجهة ومواقف، لا سيما أن الحاضرين في الساحات يشعرون بأن ثمة من يحاول التسلل والتوظيف، وخلال الشهر الفائت فشل في مهمته إلى حدٍ كبير، واستمرت الانتفاضة متمسكة بـ”كلن يعني كلن”.
يبدو أن “حزب الله” نجح نسبياً في تصوير الانتفاضة لجمهوره بصفتها استهدافاً لهم، لكن الوقت لم يفت بعد للالتفاف على هذا المسعى. وما صدر في إعلام الحزب من كلامٍ حول مقتل شلهوب والجندي هذه وظيفته تحديداً، وهو صدر عن من لا يملك أدنى حساسية حيال ضحايا “الآخرين”، واستدراجنا إلى هذا الموقع سيمثل نجاحاً له.
لا تكفي إضاءة الشموع في ساحة الشهداء من أجل الضحيتين، يجب أن نحاسب ويجب أن نطلب العدالة لهما، والأهم أنه يجب أن نرفع الحساسية حيال شركاء “حزب الله” في هذه السلطة الفاسدة، ممن يسعون إلى توظيف الانتفاضة لتحقيق مكاسب لهم في هذه السلطة ذاتها.