أطلقت منصة “نتفليكس” الجزء الثاني من مسلسل “البحث عن علا”، وهو الظهور الثالث لشخصية علا عبد الصبور، التي تحولت من فتاة ثلاثينية – في ظهورها الأول- تبحث عن عريس في “عايزة أتجوز”، إلى سيدة وأم عزباء، تبحث عن نفسها في الجزءين التاليين.
قدّمت غادة عبد العال مؤلفة العمل وهند صبري المشاركة في الإنتاج، صورة السيدة المطلقة من الطبقة المتوسطة الميسورة الحال، التي استطاعت بسهولة أن تجد الدعم المادي والنفسي لتبدأ حياة جديدة.
وفي الأسبوع نفسه وبالمصادفة، أصدر جهاز التعبئة العامة والإحصاء نشرته السنوية عن حالات الزواج والطلاق في مصر، ليُظهر الفارق بين الواقع والعمل الفني.
البحث عن المرأة المُعيلة
يمتدح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دائماً، المرأة ودورها في الحياة السياسية، بخاصة في أوقات الانتخابات أو الاستفتاءات على التعديلات الدستورية، ويحرص على شكرها كل عام في احتفالية يوم المرأة المصرية، ويُكرّم العديد من “الأمهات المثاليات”.
قام السيسي بمنح “معاش” لما يزيد عن 2.5 مليون مستفيدة (75% من إجمالي المستفيدين) من برنامج “تكافل وكرامة”حتى شباط/ فبراير 2021، منهن 18% من السيدات المُعيلات، بتكلفة 3.4 مليارات جنيه سنوياً، لكن حتى الآن تبدو أوضاع الأمهات المُعيلات المصريات بائسة، حتى إن معاش كل سيدة مُعيلة ضمن معاش “تكافل وكرامة” حوالي 17 دولاراً شهرياً ( 845 جنيهاً مصرياً).
وعلى رغم الإشادة الدائمة بدور المرأة وإطلاق حملات توعوية لصحتها، وتقديم برامج دعم مالي للمشاريع الصغيرة للنساء، وبرامج تمويلية تستهدف المرأة المُعيلة تحديداً، لكن أحوال المرأة المصرية في ظل الأزمة الاقتصادية، تأثرت سلباً، خاصة العاملات في البيوت والبائعات في الأسواق وصاحبات المشاريع الصغيرة اللاتي لا يشملهن التأمين الاجتماعي، كما أن التأمين الصحي يغطي تحت مظلته 880 ألف سيدة مُعيلة فقط، من أصل 3.3 ملايين سيدة.
البحث عن عريس… مجدداً
منذ 14 عاماً خرجت شخصية علا عبد الصبور من صفحات المدونة الإلكترونية إلى الشاشة، وانتقلت معها الكاتبة غادة عبد العال لترسم حياة عزباء في الثلاثينيات من عمرها، تبحث عن زوج في مسلسل “عايزة أتجوز”، وقدّمت الشخصية الفنانة هند صبري، التي كثيراً ما تتحدث عن أهمية تمكين المرأة ودعم الفتيات ومناهضة التحرش. لاقى المسلسل نجاحاً كبيراً حينها بضيوفه المتتالين، ضيف لكل حلقة وقصة مختلفة للشخصية نفسها وأسرتها.
ومنذ عامين عادت علا عبد الصبور مرة أخرى للظهور في مسلسل “البحث عن علا” من إنتاج منصة “نيتفيلكس”، في جزئه الأول وتلاه إطلاق الجزء الثاني منذ أيام، ليصبح الأخير الحلقة الثالثة من سلسلة حياة علا عبد الصبور؛ الأم المطلقة التي تحاول أن تجد نفسها بين زحمة أدوارها كأم وكسيدة أعمال، إلا أنها كانت لا تبحث عن ذاتها، بل عن رجل/ زوج أو شريك منذ أولى حلقاته، على عكس عنوان المسلسل.
المسلسل عبارة عن 6 حلقات، تبدأ أول حلقة بعلا وهي تحلم بيوم زفافها، وتنتهي الحلقة بمشاكل في العمل والناحيتين العاطفية والعائلية، كما أن الحلقات السابقة في الجزء الأول من”البحث عن علا” كانت تسير على نهج “عايزة أتجوز”، فبعد الطلاق مباشرة تبدأ علا في تحميل تطبيق للمواعدة على الإنترنت، ومن خلاله تُقابل رجالاً يُحتمل أن يكون أحدهم زوجاً، حتى إن المسلسل كان يستقبل ضيف شرف كل حلقتين، ليصبح البحث عن الحب والزوج هو هدف علا، بينما مشروعها الذي تحاول أن تجد نفسها فيه كسيدة عاملة، وُلدت فكرته ببساطة والأسهل من الفكرة كان تنفيذها.
إقرأوا أيضاً:
علا جديدة تماماً لم نعرفها
على الرغم من أن علا تركت العمل كموظفة صيدلانية في وزارة الصحة بعد زواجها من هشام، لكنها وجدت دعماً مادياً من صديقتها الثرية التي شاركتها في مشروعها، ومشروعها نفسه بدأ في الجزء الأول بإشراف مجاني من مطوّر المشاريع المشهور في المسلسل طارق ذهني/خالد النبوي، الذي كان فكرة عريس محتملة.
مشروع زواج علا في الجزء الثاني كان من الممكن أن يصبح مستحيلاً، لولا ظهور كريم/ظافر العابدين ليدعم المشروع، كصاحب الأرض التي تمدهم بالمواد الخام وكشريك أيضاً، وبمنتهى البساطة تجد علا أن مشروعها في الجزء الأول بدأ “بتساهيل ربنا”، وحين كاد أن يتوقف في الجزء الثاني ظهر الحل يسعى إليها، تأتيها الشراكة في البداية، وفي العثرة، من دون تعب ولا جهد، ولا قرض من البنك، ولا فواتير متراكمة، ولا بحث عن ضامن.
أما في الحياة الحقيقية، فانتشر فيديو لسيدة تتبرع بآخر 20 جنيهاً معها في محفظتها، السيدة مطلقة وتُعيل طفليها وتعمل، ولكنها حين تم تصوير الفيديو كانت في طريقها للبحث عن عمل آخر بجانب الأول، حتى تستطيع أن تشتري لأبنائها الزي المدرسي والكتب الخارجية، لأن طليقها يدفع نفقة قليلة لا تكفي المصاريف.
أما في المسلسل، فكان طلاق علا من هشام متحضراً بدون محاكم وبإنفاق كامل على أبنائه، حتى إنه عرض على أم أبنائه/علا أن يدفع لها مصروفاً كي لا تعمل، مثال يحدث في الواقع حقاً، ولكن بنسب قليلة ولا يمثّل القسم الأكبر من حالات الطلاق، فحسب أرقام التعبئة والإحصاء المصرية، ثُلث حالات الطلاق (34%) تحدث بين حاملي الشهادات المتوسطة، كدبلوم التجارة والصناعة والمعاهد الفنية، أي أن أغلبهن عاملات وأزواجهن السابقين أصحاب مهن لا تدرّ دخلاً كافياً، ومع تدهور الحالة الاقتصادية تجد الكثيرات أنفسهن يُعِلن الأبناء بمفردهن، ويتزوج الطليق بأخرى فلا ينفق على أبنائه، ويستخدم النفقة سلاحاً للضغط على الأم وتهديدها.
البحث عن هشام طليق علا
تُعتبَر النفقة على الأبناء بعد الطلاق هي ورقة ضغط في يد الأب والزوج السابق، فتخشى الأم من الطلاق لأنها من دون مصدر للإنفاق، فتحاول التفاوض مع الأب ثم تذهب إلى المحكمة، التي أحياناً كثيرة ما تحكم للأبناء بمبلغ بسيط، يتم تحديده على أساس راتب الزوج ودخله، وهو أمر يُضلل فيه بعض الآباء القاضي بتزوير رقم دخل أقل مما يتلقّون، أو يهدد الأب بأنه سيحتفظ بحضانة الأبناء إذا تزوجت الأم بآخر.
تخبرني هند مسعود، مطلقة وأم لطفلين منذ 5 سنوات، وهي تضحك: “لما طلبت الطلاق ما كانش عايز يطلق، وكان بيضغط عليا عشان أكمل معاه صورة الأسرة السعيدة بالعافية، ضغط نفسي وتهديد بعدم دفع النفقة، ووصل في النهاية لما لاقاني مش هاممني تهديده، إنه قالي لو اتجوزتي أنا هاخد العيال”، وتشير إلى أن الأب الذي كان يهددها بحضانة الأبناء، لم يرهم منذ شهور، وقليلاً ما يخرج معهم، ويكتفي فقط بإرسال النفقة الشهرية، وبمكالمات هاتفية قصيرة كل عدة أيام.
في عام 2023 سُجلت 266 ألف حالة طلاق، في الريف الطلاق يحدث أقل بنسبة 43%، أما في المدن فنسبته 57%، والمفارقة أن حالات الزواج تحدث في الريف بنسبة أكبر 60%، أما في المدن فهي 40%، فمعظم الذين يتزوجون في الريف لا يتكلّفون كثيراً، فالزواج يكون في بيت العائلة، والطلاق يكون أقل لأن أغلب السيدات لا يعملن في الريف، ولا يجدن دعماً من الأهل في حال طلبن الطلاق، ويجدن أنه ليس أمامهن حل سوى الاستمرار من أجل الأبناء، عدا الخوف من حمل لقب مطلقة في مجتمع تقليدي.
في مسلسل “عايزة أتجوز” الذي عُرض على شاشة التلفزيون منذ 14 عاماً، كانت بطلته علا عبد الصبور تعيش في شارع في حي متوسط، مفروش بأثاث تقليدي مثل بيوت آبائنا: المكرمية والورد البلاستيك والمفارش على أرفف النيش، وتجلس في بلكونة عليها كراسٍ بلاستيكية، وتذهب للعمل في معمل تابع لوزارة الصحة، يمتلئ بموظفات تشبه جاراتنا الثرثارات، وتقفز إلى الميكروباص في الزحام، وترتدي ملابس مثل أي فتاة من الطبقة الوسطى.
ولكن حين عادت علا منذ عامين في الجزء الأول من “البحث عن علا”، وجدناها تعيش في بيت كبير وواسع في حي راقٍ ولديها سيارة، وترتدي ملابس تنتمي إلى طبقة أخرى، وليست لفتاة كانت موظفة حكومية وأصبحت ربة منزل، ولكن تم تبرير ذلك بأن حالة زوجها المادية الطبيب النفسي كانت أفضل، وحين طلقت لم تذهب إلى المحكمة ولا وقفت في طوابير بنك ناصر لصرف النفقة الشهرية، وبالرغم من هذه النقلة الكبيرة بين مستويين اجتماعيين مختلفين، تمنينا لو كانت كل علا في الواقع تُفرج أحوالها ويسهل وضعها الاقتصادي، بدلاً من ضياع عمرها في طابور معاش التكافل.
إقرأوا أيضاً: