fbpx

“البحث عن علا”… النجاح الذي تواطأت النساء
على صناعته وتقاسم بطولته المطلقة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

علا التي استماتت في البحث عن رجل حين فاجأها قطارا العمر والمجتمع معاً وهي تصل إلى الثلاثين من دون زواج، انتفت لديها، وقد نضجت، الحاجة الملحة أو الضرورية لوجود رجل. يمكنها أن تكمل من دونه. في الأربعين، تبحث ليس عن نفسها بحسب، بل عن علاقتها بناسها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بخمس دقائق، انتهى ما سعت إليه علا عبد الصبور طوال ثلاثين حلقة قبل 12 عاماً.

عام 2010، كانت هند صبري تقفز من  احتمال عريس سيئ فتقع في احتمال أسوأ. مسلسل “عايزة أتجوز”، ما زال واحداً من أفضل أعمال الكوميديا الاجتماعية المصرية. سيتكوم شديدة الذكاء نبهت إلى صوت جديد في الكتابة لصاحبة القصة والسيناريو والحوار غادة عبد العال، والتي كانت في حينها صاحبة مدونة ناجحة اشتق عنوان المسلسل منها.

“البحث عن علا”، الذي أطلقت “نتفلكس” حلقاته الست في بداية شباط/ فبراير، ليس جزءاً ثانياً من “عايزة أتجوز”، كما بات معروفاً. لكن ليس تماماً، فعلا عبد الصبور هي نفسها، ما زالت تتواطأ مع مشاهديها وتحكي لهم، للكاميرا، ما لا تسمعه بقية الشخصيات. ما زالت اعترافاتها وبوحها للكاميرا مرحاً صافياً. وما زالت تستطيع بلحظة القفز بخفة نادرة من الهزل إلى الجدية، وتظل هند صبري متفوقة بأدائها في الحالين. 

هي نفسها إذاً، لكنها تنتمي إلى طبقة اجتماعية أكثر رخاءً، لكن إلى فئة عمرية أكثر اضطراباً… أربعينية، أم لمراهقة وطفل، ينهار عالمها برمته بألطف سوء تفاهم ممكن. عند الباب يقول لها زوجها هشام (هاني عادل) أنه غير قادر أن يكمل فتقول له أن اللحمة التي جلبوها من الباربكيو عند السيدة والدته ستفسد ما لم يدخل البيت، فيصحح لها ظنها طالباً الطلاق.

ينهار عالمها فعلاً؟ الطلاق يكاد يكون الثيمة الأفضل، إلى جانب الموت والخيانة، لاستجلاب الهموم والدموع في الدراما ومن ثم لاستخلاص المواعظ والعبر. لكن “البحث عن علا” لا يعظ. كوميديا لا تدعي فناً هادفاً سبب وجوده سبر أغوار المجتمع ومشكلاته. على العكس، فالحلقات الست تبدو أنها لا تهدف إلا إلى دفع المتفرجين إلى مشاهدة المسلسل دفعة واحدة، binge watching، وهذا في زمن “نتفلكس” أول معيار للنجاح، وأن تترك لهم انطباعاً إيجابياً، ما يسمونه بالإنكليزية Feel good وقد بات نوعاً بدوره، و”البحث عن علا”، يتدافع فيه بالمناكب الناس الطيبون بمشاعرهم النبيلة. ليس من رجل سيئ في المسلسل. الرجال هنا أنواع: طليق غارق في أزمة منتصف العمر بطريقة كاريكاتورية (دراجة نارية وشقة عزوبية وصديقة شابة). مشروع حبيب يفضل أن يكون أباً وأرملاً حزيناً على أن يكون عشيقاً. شاب يصغر علا بعشر سنوات لكنه يفوق الجميع بالبصيرة والحكمة. الرجال موجودون في المسلسل، لكنهم ثانويون تماماً. تمكن الاستعانة بهم لسند الحبكة الرئيسية التي تتلخص، في نواتها، بالعلاقة المعقدة لمن تقف في النصف، بين جيلين، أولاً أمها التي تتغير الآن، وثانياً ابنتها، التي تريد أن تعرفها إلى العالم، من دون أن تقع في خطأ التلقين، مع علمها باستحالة التفاهم التام بين امرأة ومراهقة.

علا التي استماتت في البحث عن رجل حين فاجأها قطارا العمر والمجتمع معاً وهي تصل إلى الثلاثين من دون زواج، انتفت لديها، وقد نضجت، الحاجة الملحة أو الضرورية لوجود رجل. يمكنها أن تكمل من دونه. في الأربعين، تبحث ليس عن نفسها بحسب، بل عن علاقتها بناسها. هذه قد تكون هموماً حقيقية لنساء في فقاعات مجتمعية عربية لم يقفزن من أعلى برج حياتهن لأنهن تطلقن. من حقها أن تعيش أزمة منتصف العمر أيضاً. حين يبرر بأنه “زهقان ومش مبسوط”، تسأله: “مين مبسوط؟”. تقول له ما معناه أن أهلاً بك في الطريق الرمادية للمؤسسة الزوجية بشكل خاص، ولمؤسسة الحياة بعد الأربعين بشكل عام. لكن أزمته كرجل تقتصر على حقيبة ظهر يغادر بها بيته، ودراجته النارية وشقة عزوبية. أما هي، فلن يكون لديها ترف التفكير بهذه الأزمة الوجودية أصلاً لأنها بحاجة إلى عمل، وصداقات جديدة غير تلك المشتركة مع طليقها، وإلى تربية الأطفال.

أزمته بدت حقه الطبيعي كرجل، كذلك تصابيه ولاحقاً عودته إلى رشده. أما هي، فظلت كما لو أنها تستحي بما تفكر فيه، بالتبرج الزائد استعداداً لسهرة، أو بالمواعدة، أو حتى التفكير برفض عودة الزوج إلى البيت الذي تركه. امتيازاته التي تبدو بدهيات عنده، هي ما تسعى إليه علا الجديدة.

هكذا إذاً، عادت العزيزة علا عبد الصبور، أكثر نضوجاً وتعقيداً من النسخة القديمة، وقد جلبت معها مجموعة من النساء المتواطئات على صناعة كوميديا ناجحة، تحار من البطلة الأولى فيها، هل لهند صبري وسوسن بدر وندى موسى وياسمين العبد وأيسل رمزي، أم الحوار الذي تقاسمت كتابته غادة عبد العال ومها الوزير؟ هذا الحوار الذي فرض نفسه نجماً أول في العمل، بطبقاته الكثيرة، وبالحرفة في كتابة كوميديا لذيذة وعصرية وجديدة.

هي التوليفة الناجحة بين هؤلاء جميعاً على الأرجح، جعلت “البحث عن علا” مسلسلاً نسائياً ناجحاً. ليس نسوياً بالضرورة وليس معادياً للرجال، لكنه يستغلهم حين تدعو الحاجة إليهم في سياق القصة الأولى التي تدور حول ما يحصل في ذهن امرأة، كما كتبتها امرأة مثلها. 

“نسائية” المسلسل ليست جديدة على نتفلكس أو على الإنتاج الدرامي الغربي عموماً. كثيرات يكتبن مسلسلات يلعبن فيها دور البطولة ويكن منتجاتها المنفذات. هذه الأعمال يمكن بسهولة لمس اختلاف حساسيتها ومزاجها وزاوية النظر إلى المواقف والعلاقات الانسانية فيها، إضافة إلى حس الفكاهة المختلف. إنها أعمال أذكى وأحلى وأكثر نضارة من السائد العام. “البحث عن علا”، النسائي بهذا المعنى، تنطبق عليه هذه الأوصاف، وأكثر. 

إقرأوا أيضاً:

"درج" | 27.09.2024

“إشعال السماء”: ماذا خلف ألسنة اللهب السامة التي تسمح بها شركات النفط العملاقة ؟

تٌعد شركات النفط العملاقة في غرب أوروبا مثل "بريتيش بتروليوم ـ بي بي" وشركة "إيني" الإيطالية "الوكالة الوطنية للمحروقات" و"توتال إنرجيز" و"شل"، من بين أكبر عشرة مصادر للتلوث في أفريقيا والشرق الأوسط نتيجة عمليات حرق الغاز. وتشارك هذه الشركات في إطلاق السموم في السماء وتلويث البيئة والإضرار بصحة الناس. هذا ما كشفه تحقيق "إشعال السماء"،…
14.02.2022
زمن القراءة: 4 minutes

علا التي استماتت في البحث عن رجل حين فاجأها قطارا العمر والمجتمع معاً وهي تصل إلى الثلاثين من دون زواج، انتفت لديها، وقد نضجت، الحاجة الملحة أو الضرورية لوجود رجل. يمكنها أن تكمل من دونه. في الأربعين، تبحث ليس عن نفسها بحسب، بل عن علاقتها بناسها.

بخمس دقائق، انتهى ما سعت إليه علا عبد الصبور طوال ثلاثين حلقة قبل 12 عاماً.

عام 2010، كانت هند صبري تقفز من  احتمال عريس سيئ فتقع في احتمال أسوأ. مسلسل “عايزة أتجوز”، ما زال واحداً من أفضل أعمال الكوميديا الاجتماعية المصرية. سيتكوم شديدة الذكاء نبهت إلى صوت جديد في الكتابة لصاحبة القصة والسيناريو والحوار غادة عبد العال، والتي كانت في حينها صاحبة مدونة ناجحة اشتق عنوان المسلسل منها.

“البحث عن علا”، الذي أطلقت “نتفلكس” حلقاته الست في بداية شباط/ فبراير، ليس جزءاً ثانياً من “عايزة أتجوز”، كما بات معروفاً. لكن ليس تماماً، فعلا عبد الصبور هي نفسها، ما زالت تتواطأ مع مشاهديها وتحكي لهم، للكاميرا، ما لا تسمعه بقية الشخصيات. ما زالت اعترافاتها وبوحها للكاميرا مرحاً صافياً. وما زالت تستطيع بلحظة القفز بخفة نادرة من الهزل إلى الجدية، وتظل هند صبري متفوقة بأدائها في الحالين. 

هي نفسها إذاً، لكنها تنتمي إلى طبقة اجتماعية أكثر رخاءً، لكن إلى فئة عمرية أكثر اضطراباً… أربعينية، أم لمراهقة وطفل، ينهار عالمها برمته بألطف سوء تفاهم ممكن. عند الباب يقول لها زوجها هشام (هاني عادل) أنه غير قادر أن يكمل فتقول له أن اللحمة التي جلبوها من الباربكيو عند السيدة والدته ستفسد ما لم يدخل البيت، فيصحح لها ظنها طالباً الطلاق.

ينهار عالمها فعلاً؟ الطلاق يكاد يكون الثيمة الأفضل، إلى جانب الموت والخيانة، لاستجلاب الهموم والدموع في الدراما ومن ثم لاستخلاص المواعظ والعبر. لكن “البحث عن علا” لا يعظ. كوميديا لا تدعي فناً هادفاً سبب وجوده سبر أغوار المجتمع ومشكلاته. على العكس، فالحلقات الست تبدو أنها لا تهدف إلا إلى دفع المتفرجين إلى مشاهدة المسلسل دفعة واحدة، binge watching، وهذا في زمن “نتفلكس” أول معيار للنجاح، وأن تترك لهم انطباعاً إيجابياً، ما يسمونه بالإنكليزية Feel good وقد بات نوعاً بدوره، و”البحث عن علا”، يتدافع فيه بالمناكب الناس الطيبون بمشاعرهم النبيلة. ليس من رجل سيئ في المسلسل. الرجال هنا أنواع: طليق غارق في أزمة منتصف العمر بطريقة كاريكاتورية (دراجة نارية وشقة عزوبية وصديقة شابة). مشروع حبيب يفضل أن يكون أباً وأرملاً حزيناً على أن يكون عشيقاً. شاب يصغر علا بعشر سنوات لكنه يفوق الجميع بالبصيرة والحكمة. الرجال موجودون في المسلسل، لكنهم ثانويون تماماً. تمكن الاستعانة بهم لسند الحبكة الرئيسية التي تتلخص، في نواتها، بالعلاقة المعقدة لمن تقف في النصف، بين جيلين، أولاً أمها التي تتغير الآن، وثانياً ابنتها، التي تريد أن تعرفها إلى العالم، من دون أن تقع في خطأ التلقين، مع علمها باستحالة التفاهم التام بين امرأة ومراهقة.

علا التي استماتت في البحث عن رجل حين فاجأها قطارا العمر والمجتمع معاً وهي تصل إلى الثلاثين من دون زواج، انتفت لديها، وقد نضجت، الحاجة الملحة أو الضرورية لوجود رجل. يمكنها أن تكمل من دونه. في الأربعين، تبحث ليس عن نفسها بحسب، بل عن علاقتها بناسها. هذه قد تكون هموماً حقيقية لنساء في فقاعات مجتمعية عربية لم يقفزن من أعلى برج حياتهن لأنهن تطلقن. من حقها أن تعيش أزمة منتصف العمر أيضاً. حين يبرر بأنه “زهقان ومش مبسوط”، تسأله: “مين مبسوط؟”. تقول له ما معناه أن أهلاً بك في الطريق الرمادية للمؤسسة الزوجية بشكل خاص، ولمؤسسة الحياة بعد الأربعين بشكل عام. لكن أزمته كرجل تقتصر على حقيبة ظهر يغادر بها بيته، ودراجته النارية وشقة عزوبية. أما هي، فلن يكون لديها ترف التفكير بهذه الأزمة الوجودية أصلاً لأنها بحاجة إلى عمل، وصداقات جديدة غير تلك المشتركة مع طليقها، وإلى تربية الأطفال.

أزمته بدت حقه الطبيعي كرجل، كذلك تصابيه ولاحقاً عودته إلى رشده. أما هي، فظلت كما لو أنها تستحي بما تفكر فيه، بالتبرج الزائد استعداداً لسهرة، أو بالمواعدة، أو حتى التفكير برفض عودة الزوج إلى البيت الذي تركه. امتيازاته التي تبدو بدهيات عنده، هي ما تسعى إليه علا الجديدة.

هكذا إذاً، عادت العزيزة علا عبد الصبور، أكثر نضوجاً وتعقيداً من النسخة القديمة، وقد جلبت معها مجموعة من النساء المتواطئات على صناعة كوميديا ناجحة، تحار من البطلة الأولى فيها، هل لهند صبري وسوسن بدر وندى موسى وياسمين العبد وأيسل رمزي، أم الحوار الذي تقاسمت كتابته غادة عبد العال ومها الوزير؟ هذا الحوار الذي فرض نفسه نجماً أول في العمل، بطبقاته الكثيرة، وبالحرفة في كتابة كوميديا لذيذة وعصرية وجديدة.

هي التوليفة الناجحة بين هؤلاء جميعاً على الأرجح، جعلت “البحث عن علا” مسلسلاً نسائياً ناجحاً. ليس نسوياً بالضرورة وليس معادياً للرجال، لكنه يستغلهم حين تدعو الحاجة إليهم في سياق القصة الأولى التي تدور حول ما يحصل في ذهن امرأة، كما كتبتها امرأة مثلها. 

“نسائية” المسلسل ليست جديدة على نتفلكس أو على الإنتاج الدرامي الغربي عموماً. كثيرات يكتبن مسلسلات يلعبن فيها دور البطولة ويكن منتجاتها المنفذات. هذه الأعمال يمكن بسهولة لمس اختلاف حساسيتها ومزاجها وزاوية النظر إلى المواقف والعلاقات الانسانية فيها، إضافة إلى حس الفكاهة المختلف. إنها أعمال أذكى وأحلى وأكثر نضارة من السائد العام. “البحث عن علا”، النسائي بهذا المعنى، تنطبق عليه هذه الأوصاف، وأكثر. 

إقرأوا أيضاً: