في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2021، قبل ثلاثة أيام من إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في العاشر من الشهر نفسه، أغلق مجلس النواب العراقي ابوابه، بعد أن حلّ نفسه، استناداً إلى تصويت أكثر من 190 عضواً، في آذار/مارس الماضي.
ووفقا لهذا القرار تُرفع الحصانة عن 329 نائبا، ما يفسح بالمجال امام مجلس القضاء الأعلى لمحاسبة ومحاكمة المتورطين بملفات فساد وقذف وتشهير. وذكر نائب رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي المنحل محمد الغزي في تصريح صحفي ان مجلس القضاء أرسل طلبات عدة خلال الدورة الحالية والسابقة للبرلمان يطالب فيها برفع الحصانة عن 60 نائبا بدعاوى تشهير وفساد وقذف.

أستاذ القانون جواد كاظم يرى أن تصويت مجلس النواب العراقي على حل نفسه هو قرار تشريعي، وعادة ما يحدث في الحالات الاستثنائية وخلال الأزمات التي تحصل في البلدان إذ يجد المجلس نفسه غير قادر على القيام بمهامه لذا يقوم بالدعوة الى حل وإقامة انتخابات مبكرة.
ووفقا لهذا القرار تبقى الصلاحيات التشريعية معطلة إلى حين تشكيل مجلس نواب جديد إذ يتم اختيار أعضائه عبر صناديق الاقتراع من قبل الشعب وعادة ما تعمل الحكومة التنفيذية بكامل صلاحيتها خلال غياب السلطة التشريعية وتستمر بهذا الحال حتى يؤدي أعضاء المجلس الجديد اليمين الدستوري لتتحول الحكومة من بعدها إلى حكومة تصريف أعمال.
القرار الذي أقدم عليه مجلس النواب العراقي هو الأول من نوعه في تاريخ الدورات التشريعية الحديثة ما بعد عام 2003 وحتى الآن فلم يسبق ان حل مجلس النواب نفسه من قبل، الا ان التظاهرات الشعبية التي خرجت في تشرين الأول/اكتوبر 2019 أجبرت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة، على أن يلحقها مجلس النواب، لكن المجلس ارتأى ان يحل نفسه قبل ثلاثة أيام فقط من الانتخابات البرلمانية حتى لا تقع البلاد في فراغ دستوري.
ويرجح كاظم أن تتحول هذه الخطوة إلى عُرف دستوري في الدورات المقبلة خصوصاً وان البلاد تشهد تراجعاً في المستوى الخدمي والاقتصادي وهذا يضع احتمالية الخروج بتظاهرات من جديد والمطالبة بحل الحكومة والبرلمان.
فيما يرى الحقوقي رافد عبد الزهرة ان الصلاحيات التي استخدمها مجلس النواب تجافي الحقيقة، على حد قوله إذ قام المجلس بحل نفسه قبل أيام قليلة من الانتخابات وان الدستور نص وفق المادة 64 أن يكون حل مجلس النواب في مدة أقصاها ستون يوما تسبق الانتخابات المبكرة وبالتالي يجب ان يكون مجلس النواب قد انهى دورته التشريعية منذ ستين يوما من الآن.
أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي يجد أن هناك دافعان اثنان وراء قرار حل البرلمان قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات المبكرة: الأول هو المخاوف من إعطاء الحكومة متسعا من الوقت بغياب البرلمان وهذا الامر يدفعها إلى فتح ملفات قضائية بحق شخصيات نافذة. أما الدافع الثاني فهو محاولة الاستفادة من النفوذ التي يتيحها منصبهم الحالي لأطول فترة ممكنة مما قد يؤثر على خيارات الناخبين.
إقرأوا أيضاً:
ويتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 3200 مرشح بينهم مرشحين من أحزاب السلطة الذين تعاقبوا على حكم العراق وآخرين نتاج ساحات التظاهر او ما يسمى بالأحزاب “التشرينية” والتي يأمل المتظاهرون أن ينتج عنها حراك سياسي معارض داخل قبة البرلمان، فيما يعزف الآلاف من الناخبين عن الذهاب الى صناديق الاقتراع لقناعة لديهم إن لا شيء يمكن ان يتغير وسط المال المهدور من قبل السياسيين والسلاح المنفلت الذي تمتلكه المليشيات التابعة للأحزاب.
ويرى ناشطون في حل البرلمان فرصة لملاحقة النواب ممن ارتبطوا بدعم جماعات متهمة بقتل المتظاهرين وخطف وتهديد الناشطين والصحافيين، لكن كثيرين لا يرون أي أمل من تحرك القضاء العراقي في هذا المجال.
أما عن المدّة التي يمكن أن يبقى فيها مجلس النواب منحلاً، فهي “غير معلومة” بحسب اللجنة القانونية النيابية، اذ صرّح احد اعضائها أن “نتائج الانتخابات ستعلن خلال 24 ساعة، وبعدها تذهب النتائج للمصادقة عليها في المحكمة الاتحادية، كما سيتم النظر بالطعون المقدمة”، وهو ما يجعل من تحديد موعد لانعقاد أول جلسة للبرلمان الجديد أمراً غير ممكن. وفي حال عدم المصادقة على النتائج او كانت الطعون كثيرة، وذهبت المفوضية العليا الى إلغاء الانتخابات، فإن المجلس القديم يعود إلى مزاولة أعماله لملأ الفراغ الدستوري، لكن هذا الأمر مستبعد بحسب الكثير من المراقبين.
الانتخابات الحالية تم تأجيلها الى الموعد الحالي بعد ان كانت مقررة في السادس من حزيران/ يونيو الماضي الا ان طلبا رسميا من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات دعا الى تأجيلها حتى العاشر من تشرين الأول/ اكتوبر الحالي لعدم اكتمال الجوانب الفنية لتسجيل الأحزاب وتوزيع بطاقات الناخبين وتأمين الرقابة الدولية. وقد خصصت الموازنة المالية العامة للبلاد لعام 2021 ميزانية مالية خاصة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تقدر بنحو 327,5 مليار دينار عراقي (ما يعادل 224.3 مليون دولار).
إقرأوا أيضاً: