fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

البصرة : “نعيش داخل أكبر حقل نفطي في العالم ونعاني من الفقر”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تدهورت صحة ابنتي وهي لا تستطيع المشي، وأصبحت مشكلة ضيق التنفس شبه مستعصية عندها، وما يثقل كاهلي أكثر هو انعدام الخدمات الصحية والأدوية في البلدة”… من يحرم سكان البصرة حقوقهم؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بلدة عراقية جنوبية تستقطب شركات النفط العالمية الكبرى وسكانها يعيشون في ظل شروط أمنية تحرمهم من بناء دور سكنية جديدة؛ وحتى من ترميم منازلهم القديمة التي يعود تاريخ انشائها الى سبعينات القرن المنصرم.
انها بلدة رميلة النفطية (11000 ألف نسمة) في محافظة البصرة جنوبي العراق، والتي تعمل فيها شركات عملاقة مثل بريتش بتروليوم، ميتسوبيشي وشل وتحميها شركة G4S البريطانية.
يؤكد جواد كاظم، وهو أحد سكان البلدة، أنه تم منع دخول مواد الإنشاء الأساسية الى بلدته لتشييد منازل جديدة، وذلك بحجة منع بناء العشوائيات على حساب الحقول النفطية. وبحسب جواد كاظم “المنازل في البلدة لم تعد مناسبة للعيش لأنها بنيت قبل خمسة عقود وآيلة إلى التهالك. ويعاني السكان من واقع بيئي وصحي رديء من شأنه التأثير المباشر على الصحة العامة”. يشير جواد الى ان البيوت القديمة، حتى لو تهدمت فوق رؤوس ساكنيها، لا تستطيع العائلات شراء المواد وإدخالها من أجل البناء أو الترميم، موضحاً في نفس السياق بأن معاناة الناس مع المياه الآسنة في البلدة بسبب انعدام نظام الصرف الصحي، هي الأخرى تشكل خطراً مباشراً على صحة السكان.
ويؤكد آخرون تحدثنا معهم، منع ادخال المواد الانشائية الى البلدة، موضحين لمعدي التحقيق كيفية قيام شركة غاز البصرة وG4S لسنوات بتعطيل الحياة الطبيعية لسكان الرُمَيلة الذين يتظاهرون ويطالبون، منذ عام 2015، بالخدمات الأساسية مثل شبكات الطرق، توفير مياه الشرب والصرف الصحي، الكهرباء وترميم مركزهم الصحي الوحيد الذي أصبح منهكاً ولا يستجيب للواقع الصحي المتدهور.


بحسب سكان محليين، تمنع القوى الأمنية المحلية، بأوامر من شركة (جي فور إس) الأمنية إدخال مواد البناء الأولية لإنشاء وترميم المنازل السكنية، وتلقي هذه السياسة التي تمارسها الشركة الأمنية، ومن خلفها شركة غاز البصرة، بظلالها على حياة السكان إذ أن بيوتهم السكنية القديمة متهالكة ولا تستجيب لمتطلبات حياتهم اليوم.

غاز البصرة


شركة G4S الأمنية البريطانية تحمي الحقول التابعة لشركة غاز البصرة ( BGC) في جميع أنحاء جنوب شرقي العراق، وحقول النفط والغاز الواقعة في نطاق محافظة البصرة تحديداً. وتوظف الشركة الأمنية أكثر ما يقارب 500 حارس أمن وتملك أعداداً كبيرة من مركبات رباعية الدفع في هذه المنطقة الجنوبية الغنية بالغاز والبترول وتعمل فيها منذ كانون الثاني/ يناير 2016، تحت ما يسمى تفاصيل الأمن الخاصة لتوفير الحماية في مركبات نقل موظفي شركة غاز البصرة والمقاولين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
وبما أن نطاق مشاريع شركة BGC التي تأسست عام 2013 بالتعاون بين الحكومة العراقية، شل وميتسوبيشي، يشمل مناطق جغرافية واسعة، تتسع رقعة العمليات الأمنية أيضاً، ما أثر سلباً في حياة السكان المحليين. ويعد حقل الرميلة لإنتاج النفط والغاز، أحد الحقول العملاقة في العراق.


بالإضافة الى منع بناء دور جديدة وتقييد ترميم الدور المتهالكة، يشير السكان الى مشكلات التلوث الناتجة عن حرق الغاز وحصول حرائق أثناء العمليات وحركة مركبات الشركة الأمنية الكثيرة ليلاً ونهاراً، هي الأخرى تسهم في زيادة معاناة السكان. ويتحدث أحد أبناء البلدة عن معاناته وكثيرين من حريق كبير اندلع عام 2016 في حقل الرميلة، ما أدى إلى انتشار كميات هائلة من الدخان والتلوث في المنطقة. هذا الأمر عرّض عدداً من الأطفال إلى ضيق في التنفس. ويشير داخل جابر إلى إن ابنته (غزل، 7 سنوات) تعرضت لأزمة تنفس حادة جراء التلوث، الأمر الذي أثر في نموها وتبدو اليوم أصغر بكثير من عمرها الحقيقي بسبب ذلك.
يقول: “تدهورت صحة ابنتي وهي لا تستطيع المشي، وأصبحت مشكلة ضيق التنفس شبه مستعصية عندها، وما يثقل كاهلي أكثر هو انعدام الخدمات الصحية والأدوية في البلدة، ما يكلّفني أكثر من 400 دولار شهرياً لمراجعة العيادات الخاصة في مركز مدينة البصرة”. وأشار في معرض سرده الى أن شركات النفط والغاز تصرف المنافع الاجتماعية المخصصة للسكان على بناء حدائق وترميم المدارس القديمة، بينما تتجاهل الطرق والكهرباء والصحة، “نحن طلبنا بناء مستشفى عصري، واستجابت الشركات لطلبنا ببناء مركز صحي متنقل يتألف من سيارة صغيرة تحمل بعض الأدوية”.
وفي هذه المساحة التي يعيش فيها سكان قضاء الرُمَيلة بؤسهم اليومي بسبب التلوث والخدمات الأولية، تتحدث شركة G4S عن حركة هائلة لنقل موظفي شركة غاز البصرة تعادل 480 رحلة حول العالم من دون وقوع حوادث كبيرة خلال الفترة التي بدأت فيها العمل. وبمقارنة بسيطة بين هذه البيانات وبين شهادات السكان المحليين، يلحظ أن المجتمعات السكنية على رغم وجودها في قلب الحقل وقلب العمليات الأمنية حيث سقط ضحايا جراء الظلام والطرق غير المعبدة، تقع خارج تلك الرحلات حول العالم.


شركة G4S الأمنية البريطانية تحمي الحقول التابعة لشركة غاز البصرة ( BGC) في جميع أنحاء جنوب شرقي العراق، وحقول النفط والغاز الواقعة في نطاق محافظة البصرة تحديداً.


بغية القاء المزيد من الضوء على واقع الرميلة الصحي، البيئي، الخدمي ناهيك بمنع دخول المواد الإنشائية، أرسلنا سؤالاً عبر البريد الإلكتروني إلى شركة غاز البصرة، لكننا لم نتلق رداً منها حتى كتابة هذه التقرير. أما الحكومات العراقية المتعاقبة، فلم تستجب لمطالب السكان في تحسين ظروف عيشهم الصحية والبيئية والاقتصادية.
وعلى رغم إلقاء اللوم عليها من قبل المواطنين بسبب القيود الأمنية المفروضة على بناء وترميم دورهم السكنية، لا تتردد شركة (جي فور إس) في الإعلان عن توفير الخدمات الأمنية للحقل والمجتمع المحلي في منشوراتها. ففي مقال بعنوان شركة غاز البصرة، نُشر بتاريخ 22 تموز/ يوليو 2020 على موقعها على الإنترنت، تشير الشركة إلى أنها تنقل أكثر من 10000 عميل شهرياً، وتقول إن أولويتها هي “سلامة وأمن عملائنا وموظفينا والمجتمعات التي تعيش حولهم”. وكما جاء في المقال المذكور، تم نقل أكثر من 390 ألف عميل بأمان مذ بدأ مشروع شركة غاز البصرة في شهر أيار/ مايو 2013 وحتى الآن، مشددة مرة أخرى على “إعطاء الأولوية لسلامة وأمن عملائها وموظفيها والمجتمعات المحلية”. لكن سكاناً محليين يشيرون إلى أنهم يدفعون ثمن ممارسات أمنية في منطقتهم. ويقول الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة “جي فور إس” ماثيو نيكول بخصوص واقع السكان المحليين في الرميلة، حيث تواصلنا معه عبر البريد الإلكتروني: “يتم تقديم خدمات G4S الأمنية وفقاً لمتطلبات الصحة والأمن والبيئة ( HSSE)، ناهيك بتوجيهات عملائنا وقواعد التشغيل المتعلقة بمنطقة امتياز حقول النفط ذات الصلة. وتشمل خدماتنا بشكل أساسي حركة العملاء وأمنهم حول حقول النفط وتأمين المواقع الثابتة. لم نمنع أبداً أي فرد من أفراد المجتمع المحلي من التجول في أعمالهم اليومية، وهذا ليس دورنا”.


إن مفهوم HSSE، أي “متطلبات الصحة والأمن والبيئة “، لا يشمل المجتمعات المحيطة بنطاق عملياتها كما تقول، وذلك وفقاً لروايات محلية تشير إلى تفاقم الأزمة الصحية جرّاء التلوث الناتج عن الحرائق وحركة المركبات الأمنية التي لا تتوقف خلال 24 ساعة. ويؤكد داخل جابر بهذا الخصوص إصابة أعداد من الأطفال بأمراض التنفس جراء الحرائق والتلوث. كما يشير إلى أن الظلام شبه دائم بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر في محيط البلدة وداخلها ويؤدي الى حصول حوادث وإصابات كثيرة أثناء الليل وسقوط ضحايا. ويناشد جابر الجهات المختصة ” هل من المعقول ان نعيش داخل أكبر حقل نفطي في العالم، ونعاني من الفقر ويعاني أطفالنا من المرض؟”. فبينما تتحدث الشركة الأمنية على موقعها الإلكتروني عن توفير حلولاً أمنية فعالة من حيث الجودة والتكلفة مع مراعاة المجتمعات المحلية حول الحقول، وعدم التدخل في شؤونها، يشير جابر إلى أن الشروط الصعبة التي تُفرض على دخول مواد البناء الأولية من قبل القوى الأمنية التي تسيطر على بوابات الدخول إلى المنطقة، تحول دون تحسين الظروف السكنية.
يذكر أن القوات الأمنية التي تمنع إدخال مواد الإنشاء الأولية الى البلدة هي قوات أمنية محلية، انما تأتي القرارات من شركة الأمن الأجنبية وفق موظف أمني عراقي يعمل لدى (جي فور إس). ويقول هذا الموظف الأمني الذي لا يريد ذكر اسمه خوفاً من تعرضه الى أية عقوبة محتملة، ” من أجل إبعاد أي صدام بينها وبينه، تتجنب الشركة الأمنية الاتصال المباشر مع المجتمع المحلي، وذلك عبر بناء عقود الشراكة مع وكالات الأمن المحلية الرسمية وغير الرسمية”، إنما الشركة الأمنية الأجنبية، “هي الجهة التي ترسم مجمل السياسة الأمنية في هذا الحقل الكبير” كما يقول. علاوة على ذلك، يشير هذا المجند العراقي لدى (جي فور إس) إلى أن الموظفين العراقيين في هذه الشركة الأمنية التي تحمي حقل الرملية وغيره من حقول شركة غاز البصرة، يشغلون مكاناً هامشياً ويقتصر عملهم على حراسة نقاط التفتيش والبوابات والتعامل مع السكان المحليين. ولا يخفي تذمره من التمييز الواضح بين المجندين العراقيين وزملائهم الأجانب الذين تتراوح رواتبهم بين 6000 و8000 دولار شهرياً وهم عسكريون سابقون من بريطانيا وايرلندا واسكتلندا غالباً، فيما لا يتقاضى أي مجند عراقي هذا الراتب حتى لو كان يشغل أعلى المناصب، بحسب قوله. وتكمن المشكلة الأساسية برأيه في جهل السكان بالجهة التي تمنع وصول مواد البناء الأولية إلى بلدتهم، فهم لا يرون سوى بوابات ونقاط تفتيش أمنية حيث الشرطة المحلية، بينما هناك جهة أمنية أخرى خلف المشهد.
وفي السياق ذاته، يؤكد موظف تقني في حماية الأجهزة المتنقلة رقمياً، رفض ذكر اسمه في هذا التقرير، أن السياسات الأمنية وسبل إدارتها هي من اختصاص الشركة الأجنبية وليس للجهات الأمنية المحلية شأن بها. ولكن شركات الأمن الأجنبية وبموجب القوانين العراقية يجب أن تكون مسجلة في العراق، الأمر الذي يدفعها الى بناء الشراكة مع شركات أمنية محلية أو العمل مع الشرطة المحلية، ويساعدها ذلك في تجنب الاحتكاك المباشر مع المجتمعات المحلية وترك المسؤولية للقوات الأمنية العراقية. وكشف لنا المصدر عن احتمال ظهور آبار نفطية جديدة أو حقول غاز في أي مكان في الرُمَيلة، مشيراً الى خطة إنشاء خط أنابيب نفط استراتيجي في المنطقة السكنية ذاتها، ناهيك بحقول النفط الاستراتيجية التي لم تبدأ الحفر فيها بعد. وقال نهاية كلامه: تعد الرُمَيلة منطقة نفطية. ولا يعرف المواطنون شيئاً عن هذا الأمر.


يذكر أن شركة G4S تعمل في مجال حماية الشركات النفطية وأمن مطار بغداد، فضلاً عن إبرام عقود مع وكالات الأمم المتحدة. وتمكن الإشارة في هذا السياق إلى إبرامها عقداً مع دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام لرفع الألغام وإزالة الأنقاض في الجانب الأيمن من مدينة الموصل بعد تحريرها من “داعش” بداية عام 2019. وأشار بيان عن مطرانية السريان الكاثوليك في سهل نينوى بتاريخ 14/1/2019 إلى أن عمليات الإزالة “أساءت إلى قدسية كنيسة مريم العذراء التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1858 وتم تشويه معالمها الدينية والأثرية، وذلك بسبب رفع “الأنقاض بصورة همجية وعشوائية”، ما أفقد المكان حرمته الدينية والأثرية بحسب البيان. ولا يخلو ماضي المجندين الأجانب في الشركة من مشكلات ما بعد الصدمة بسبب مشاركتهم في حروب تركت آثاراً عميقة في نفوسهم. ونتذكر هنا قصة المجند داني فيتزسيمونز المعروف بماضيه المليء بالكراهية والعنصرية بحسب معلومات نشرتها وسائل إعلام بريطانية. وقتل هذا المجند اثنين من زملائه بعد تناوله مشروبات كحولية في بغداد عام 2009 وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً، إنما تم إخراجه من العراق ونُقل إلى بريطانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

تمت كتابة هذا التحقيق بدعم من مؤسسة International’s Women’s Media Foundation

“تدهورت صحة ابنتي وهي لا تستطيع المشي، وأصبحت مشكلة ضيق التنفس شبه مستعصية عندها، وما يثقل كاهلي أكثر هو انعدام الخدمات الصحية والأدوية في البلدة”… من يحرم سكان البصرة حقوقهم؟

بلدة عراقية جنوبية تستقطب شركات النفط العالمية الكبرى وسكانها يعيشون في ظل شروط أمنية تحرمهم من بناء دور سكنية جديدة؛ وحتى من ترميم منازلهم القديمة التي يعود تاريخ انشائها الى سبعينات القرن المنصرم.
انها بلدة رميلة النفطية (11000 ألف نسمة) في محافظة البصرة جنوبي العراق، والتي تعمل فيها شركات عملاقة مثل بريتش بتروليوم، ميتسوبيشي وشل وتحميها شركة G4S البريطانية.
يؤكد جواد كاظم، وهو أحد سكان البلدة، أنه تم منع دخول مواد الإنشاء الأساسية الى بلدته لتشييد منازل جديدة، وذلك بحجة منع بناء العشوائيات على حساب الحقول النفطية. وبحسب جواد كاظم “المنازل في البلدة لم تعد مناسبة للعيش لأنها بنيت قبل خمسة عقود وآيلة إلى التهالك. ويعاني السكان من واقع بيئي وصحي رديء من شأنه التأثير المباشر على الصحة العامة”. يشير جواد الى ان البيوت القديمة، حتى لو تهدمت فوق رؤوس ساكنيها، لا تستطيع العائلات شراء المواد وإدخالها من أجل البناء أو الترميم، موضحاً في نفس السياق بأن معاناة الناس مع المياه الآسنة في البلدة بسبب انعدام نظام الصرف الصحي، هي الأخرى تشكل خطراً مباشراً على صحة السكان.
ويؤكد آخرون تحدثنا معهم، منع ادخال المواد الانشائية الى البلدة، موضحين لمعدي التحقيق كيفية قيام شركة غاز البصرة وG4S لسنوات بتعطيل الحياة الطبيعية لسكان الرُمَيلة الذين يتظاهرون ويطالبون، منذ عام 2015، بالخدمات الأساسية مثل شبكات الطرق، توفير مياه الشرب والصرف الصحي، الكهرباء وترميم مركزهم الصحي الوحيد الذي أصبح منهكاً ولا يستجيب للواقع الصحي المتدهور.


بحسب سكان محليين، تمنع القوى الأمنية المحلية، بأوامر من شركة (جي فور إس) الأمنية إدخال مواد البناء الأولية لإنشاء وترميم المنازل السكنية، وتلقي هذه السياسة التي تمارسها الشركة الأمنية، ومن خلفها شركة غاز البصرة، بظلالها على حياة السكان إذ أن بيوتهم السكنية القديمة متهالكة ولا تستجيب لمتطلبات حياتهم اليوم.

غاز البصرة


شركة G4S الأمنية البريطانية تحمي الحقول التابعة لشركة غاز البصرة ( BGC) في جميع أنحاء جنوب شرقي العراق، وحقول النفط والغاز الواقعة في نطاق محافظة البصرة تحديداً. وتوظف الشركة الأمنية أكثر ما يقارب 500 حارس أمن وتملك أعداداً كبيرة من مركبات رباعية الدفع في هذه المنطقة الجنوبية الغنية بالغاز والبترول وتعمل فيها منذ كانون الثاني/ يناير 2016، تحت ما يسمى تفاصيل الأمن الخاصة لتوفير الحماية في مركبات نقل موظفي شركة غاز البصرة والمقاولين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
وبما أن نطاق مشاريع شركة BGC التي تأسست عام 2013 بالتعاون بين الحكومة العراقية، شل وميتسوبيشي، يشمل مناطق جغرافية واسعة، تتسع رقعة العمليات الأمنية أيضاً، ما أثر سلباً في حياة السكان المحليين. ويعد حقل الرميلة لإنتاج النفط والغاز، أحد الحقول العملاقة في العراق.


بالإضافة الى منع بناء دور جديدة وتقييد ترميم الدور المتهالكة، يشير السكان الى مشكلات التلوث الناتجة عن حرق الغاز وحصول حرائق أثناء العمليات وحركة مركبات الشركة الأمنية الكثيرة ليلاً ونهاراً، هي الأخرى تسهم في زيادة معاناة السكان. ويتحدث أحد أبناء البلدة عن معاناته وكثيرين من حريق كبير اندلع عام 2016 في حقل الرميلة، ما أدى إلى انتشار كميات هائلة من الدخان والتلوث في المنطقة. هذا الأمر عرّض عدداً من الأطفال إلى ضيق في التنفس. ويشير داخل جابر إلى إن ابنته (غزل، 7 سنوات) تعرضت لأزمة تنفس حادة جراء التلوث، الأمر الذي أثر في نموها وتبدو اليوم أصغر بكثير من عمرها الحقيقي بسبب ذلك.
يقول: “تدهورت صحة ابنتي وهي لا تستطيع المشي، وأصبحت مشكلة ضيق التنفس شبه مستعصية عندها، وما يثقل كاهلي أكثر هو انعدام الخدمات الصحية والأدوية في البلدة، ما يكلّفني أكثر من 400 دولار شهرياً لمراجعة العيادات الخاصة في مركز مدينة البصرة”. وأشار في معرض سرده الى أن شركات النفط والغاز تصرف المنافع الاجتماعية المخصصة للسكان على بناء حدائق وترميم المدارس القديمة، بينما تتجاهل الطرق والكهرباء والصحة، “نحن طلبنا بناء مستشفى عصري، واستجابت الشركات لطلبنا ببناء مركز صحي متنقل يتألف من سيارة صغيرة تحمل بعض الأدوية”.
وفي هذه المساحة التي يعيش فيها سكان قضاء الرُمَيلة بؤسهم اليومي بسبب التلوث والخدمات الأولية، تتحدث شركة G4S عن حركة هائلة لنقل موظفي شركة غاز البصرة تعادل 480 رحلة حول العالم من دون وقوع حوادث كبيرة خلال الفترة التي بدأت فيها العمل. وبمقارنة بسيطة بين هذه البيانات وبين شهادات السكان المحليين، يلحظ أن المجتمعات السكنية على رغم وجودها في قلب الحقل وقلب العمليات الأمنية حيث سقط ضحايا جراء الظلام والطرق غير المعبدة، تقع خارج تلك الرحلات حول العالم.


شركة G4S الأمنية البريطانية تحمي الحقول التابعة لشركة غاز البصرة ( BGC) في جميع أنحاء جنوب شرقي العراق، وحقول النفط والغاز الواقعة في نطاق محافظة البصرة تحديداً.


بغية القاء المزيد من الضوء على واقع الرميلة الصحي، البيئي، الخدمي ناهيك بمنع دخول المواد الإنشائية، أرسلنا سؤالاً عبر البريد الإلكتروني إلى شركة غاز البصرة، لكننا لم نتلق رداً منها حتى كتابة هذه التقرير. أما الحكومات العراقية المتعاقبة، فلم تستجب لمطالب السكان في تحسين ظروف عيشهم الصحية والبيئية والاقتصادية.
وعلى رغم إلقاء اللوم عليها من قبل المواطنين بسبب القيود الأمنية المفروضة على بناء وترميم دورهم السكنية، لا تتردد شركة (جي فور إس) في الإعلان عن توفير الخدمات الأمنية للحقل والمجتمع المحلي في منشوراتها. ففي مقال بعنوان شركة غاز البصرة، نُشر بتاريخ 22 تموز/ يوليو 2020 على موقعها على الإنترنت، تشير الشركة إلى أنها تنقل أكثر من 10000 عميل شهرياً، وتقول إن أولويتها هي “سلامة وأمن عملائنا وموظفينا والمجتمعات التي تعيش حولهم”. وكما جاء في المقال المذكور، تم نقل أكثر من 390 ألف عميل بأمان مذ بدأ مشروع شركة غاز البصرة في شهر أيار/ مايو 2013 وحتى الآن، مشددة مرة أخرى على “إعطاء الأولوية لسلامة وأمن عملائها وموظفيها والمجتمعات المحلية”. لكن سكاناً محليين يشيرون إلى أنهم يدفعون ثمن ممارسات أمنية في منطقتهم. ويقول الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة “جي فور إس” ماثيو نيكول بخصوص واقع السكان المحليين في الرميلة، حيث تواصلنا معه عبر البريد الإلكتروني: “يتم تقديم خدمات G4S الأمنية وفقاً لمتطلبات الصحة والأمن والبيئة ( HSSE)، ناهيك بتوجيهات عملائنا وقواعد التشغيل المتعلقة بمنطقة امتياز حقول النفط ذات الصلة. وتشمل خدماتنا بشكل أساسي حركة العملاء وأمنهم حول حقول النفط وتأمين المواقع الثابتة. لم نمنع أبداً أي فرد من أفراد المجتمع المحلي من التجول في أعمالهم اليومية، وهذا ليس دورنا”.


إن مفهوم HSSE، أي “متطلبات الصحة والأمن والبيئة “، لا يشمل المجتمعات المحيطة بنطاق عملياتها كما تقول، وذلك وفقاً لروايات محلية تشير إلى تفاقم الأزمة الصحية جرّاء التلوث الناتج عن الحرائق وحركة المركبات الأمنية التي لا تتوقف خلال 24 ساعة. ويؤكد داخل جابر بهذا الخصوص إصابة أعداد من الأطفال بأمراض التنفس جراء الحرائق والتلوث. كما يشير إلى أن الظلام شبه دائم بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر في محيط البلدة وداخلها ويؤدي الى حصول حوادث وإصابات كثيرة أثناء الليل وسقوط ضحايا. ويناشد جابر الجهات المختصة ” هل من المعقول ان نعيش داخل أكبر حقل نفطي في العالم، ونعاني من الفقر ويعاني أطفالنا من المرض؟”. فبينما تتحدث الشركة الأمنية على موقعها الإلكتروني عن توفير حلولاً أمنية فعالة من حيث الجودة والتكلفة مع مراعاة المجتمعات المحلية حول الحقول، وعدم التدخل في شؤونها، يشير جابر إلى أن الشروط الصعبة التي تُفرض على دخول مواد البناء الأولية من قبل القوى الأمنية التي تسيطر على بوابات الدخول إلى المنطقة، تحول دون تحسين الظروف السكنية.
يذكر أن القوات الأمنية التي تمنع إدخال مواد الإنشاء الأولية الى البلدة هي قوات أمنية محلية، انما تأتي القرارات من شركة الأمن الأجنبية وفق موظف أمني عراقي يعمل لدى (جي فور إس). ويقول هذا الموظف الأمني الذي لا يريد ذكر اسمه خوفاً من تعرضه الى أية عقوبة محتملة، ” من أجل إبعاد أي صدام بينها وبينه، تتجنب الشركة الأمنية الاتصال المباشر مع المجتمع المحلي، وذلك عبر بناء عقود الشراكة مع وكالات الأمن المحلية الرسمية وغير الرسمية”، إنما الشركة الأمنية الأجنبية، “هي الجهة التي ترسم مجمل السياسة الأمنية في هذا الحقل الكبير” كما يقول. علاوة على ذلك، يشير هذا المجند العراقي لدى (جي فور إس) إلى أن الموظفين العراقيين في هذه الشركة الأمنية التي تحمي حقل الرملية وغيره من حقول شركة غاز البصرة، يشغلون مكاناً هامشياً ويقتصر عملهم على حراسة نقاط التفتيش والبوابات والتعامل مع السكان المحليين. ولا يخفي تذمره من التمييز الواضح بين المجندين العراقيين وزملائهم الأجانب الذين تتراوح رواتبهم بين 6000 و8000 دولار شهرياً وهم عسكريون سابقون من بريطانيا وايرلندا واسكتلندا غالباً، فيما لا يتقاضى أي مجند عراقي هذا الراتب حتى لو كان يشغل أعلى المناصب، بحسب قوله. وتكمن المشكلة الأساسية برأيه في جهل السكان بالجهة التي تمنع وصول مواد البناء الأولية إلى بلدتهم، فهم لا يرون سوى بوابات ونقاط تفتيش أمنية حيث الشرطة المحلية، بينما هناك جهة أمنية أخرى خلف المشهد.
وفي السياق ذاته، يؤكد موظف تقني في حماية الأجهزة المتنقلة رقمياً، رفض ذكر اسمه في هذا التقرير، أن السياسات الأمنية وسبل إدارتها هي من اختصاص الشركة الأجنبية وليس للجهات الأمنية المحلية شأن بها. ولكن شركات الأمن الأجنبية وبموجب القوانين العراقية يجب أن تكون مسجلة في العراق، الأمر الذي يدفعها الى بناء الشراكة مع شركات أمنية محلية أو العمل مع الشرطة المحلية، ويساعدها ذلك في تجنب الاحتكاك المباشر مع المجتمعات المحلية وترك المسؤولية للقوات الأمنية العراقية. وكشف لنا المصدر عن احتمال ظهور آبار نفطية جديدة أو حقول غاز في أي مكان في الرُمَيلة، مشيراً الى خطة إنشاء خط أنابيب نفط استراتيجي في المنطقة السكنية ذاتها، ناهيك بحقول النفط الاستراتيجية التي لم تبدأ الحفر فيها بعد. وقال نهاية كلامه: تعد الرُمَيلة منطقة نفطية. ولا يعرف المواطنون شيئاً عن هذا الأمر.


يذكر أن شركة G4S تعمل في مجال حماية الشركات النفطية وأمن مطار بغداد، فضلاً عن إبرام عقود مع وكالات الأمم المتحدة. وتمكن الإشارة في هذا السياق إلى إبرامها عقداً مع دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام لرفع الألغام وإزالة الأنقاض في الجانب الأيمن من مدينة الموصل بعد تحريرها من “داعش” بداية عام 2019. وأشار بيان عن مطرانية السريان الكاثوليك في سهل نينوى بتاريخ 14/1/2019 إلى أن عمليات الإزالة “أساءت إلى قدسية كنيسة مريم العذراء التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1858 وتم تشويه معالمها الدينية والأثرية، وذلك بسبب رفع “الأنقاض بصورة همجية وعشوائية”، ما أفقد المكان حرمته الدينية والأثرية بحسب البيان. ولا يخلو ماضي المجندين الأجانب في الشركة من مشكلات ما بعد الصدمة بسبب مشاركتهم في حروب تركت آثاراً عميقة في نفوسهم. ونتذكر هنا قصة المجند داني فيتزسيمونز المعروف بماضيه المليء بالكراهية والعنصرية بحسب معلومات نشرتها وسائل إعلام بريطانية. وقتل هذا المجند اثنين من زملائه بعد تناوله مشروبات كحولية في بغداد عام 2009 وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً، إنما تم إخراجه من العراق ونُقل إلى بريطانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

تمت كتابة هذا التحقيق بدعم من مؤسسة International’s Women’s Media Foundation