منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تعيش البلدة القديمة في الخليل ظروفاً قاهرة وحصاراً يُفرض على سكانها الذين يعانون أساساً بفعل الإجراءات الإسرائيلية والبؤر الاستيطانية التي تحيط بهم.
البلدة المحاطة أصلاً بعشرات الحواجز الإسرائيلية التي تتنوع بين نقاط تفتيش وأبراج مراقبة ومكعبات إسمنتية وأسلاك شائكة وسواتر ترابية وكاميرات مراقبة منتشرة في كل مكان، فُرضت عليها إجراءات مضاعفة منذ أكثر من شهر.
نصف ساعة كل ثلاثة أيام!
ليست وصفة أو موعد زيارة أو فعالية، إنها الأوقات التي يُسمح فيها لسكان حارة جابر بالخروج من منازلهم وقضاء حاجياتهم.
عارف جابر أحد سكّان حارة جابر في البلدة القديمة، والتي تقع شرق الحرم الإبراهيمي الشريف، يقول لـ “درج “، إن حظر تجوّل فُرض عليهم منذ 7 تشرين الأول، “ممنوع نطلع ع الشارع، ممنوع نمشي، ممنوع نطلع على سطح المنزل، ولا على شرفة منزلنا، ومن لا يلتزم بذلك قد يتعرّض لإطلاق نار مباشر أو الاعتداء بالضرب المبرح، وحصل هذا مع الكثير من الساكنين في حارة جابر. جنود الاحتلال منتشرين بكثافة أصلاً وتمت مضاعفة أعدادهم”.
حارة جابر مغلقة منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، وفي العام 2010 أحيطت مع باقي المناطق بـ 115 حاجزاً عسكرياً، وسكان الحارة يدخلون منازلهم بعد المرور ببوابات إلكترونية، “حالياً يسمح لنا بالخروج والعودة من وإلى منازلنا ثلاثة أيام في الأسبوع، وهي الأحد، الثلاثاء، والخميس بموعد محدد ووفق جدول زمني وزّعته علينا سلطات الاحتلال، بحيث نُمنح نصف ساعة فقط في الفترة الصباحية للخروج من منازلنا، ومن يفوته الموعد يُمنع من فتح الباب والخروج، والأمر ينطبق على العودة إلى بيوتنا، فهي في ساعة محددة ومن يتجاوزها يُمنع من الدخول، لذلك أنا عاطل عن العمل منذ بداية الحرب على قطاع غزة، مع العلم أن لي 5 أبناء”، بحسب جابر.
الحالات الإنسانية والمرضية ليس مستثناة من هذه الإجراءات، يلفت جابر: “لا يمكن سيارة الإسعاف أن تدخل إلى الحارة إلا بتنسيق طويل، تترتب عليه مضاعفات بحق المرضى. وقد فقدت سيدة حامل جنينها بسبب تأخر سيارة الإسعاف عن نقلها الى المستشفى”. ويضيف: “القوات الموجودة شرسة جداً، لا يُسمح لنا حتى بقطع الشارع، ولا يكترثون بالحالات الإنسانية أمام منزلي، وأمام عيوني تعرضت مجموعة من الشبان لإطلاق النار بشكل مباشر “.
ابنة جابر لا تذهب إلى المدرسة، فالمدارس مغلقة بشكل كامل وتم تحويل التعليم إلى إلكتروني نظراً الى عدم القدرة على التوجه إلى المدارس والحضور شخصياً في ظل هذه الظروف. وثمة ثلاث مدارس في المنطقة المغلقة والمعزولة من البلدة القديمة، وهي مدرسة قرطبة الأساسية المختلطة في شارع الشهداء و الإبراهيمية الأساسية للذكور والفيحاء الأساسية للإناث في السهلة.
يعاني طلاب هذه المدارس أصلاً من صعوبة الوصول إلى مدارسهم نتيجة وجود الكثير من الحواجز العسكرية وأبراج المراقبة المنتشرة في المكان؛ إضافة الى انتشار عشرات المستوطنين الحاقدين الذين يتجولون في المنطقة، ويعتدون على الطلاب. كما يتعرض معلمو المدارس ومعلماتها للتفتيش المهين خلال عبورهم الحواجز العسكرية.
إقرأوا أيضاً:
سجّادة حربيّة
في أحد الأيام، أرادت حربيّة موسى النزول إلى مخزن تابع لمنزلها لإحضار “سجادة”، لتتفاجأ بمستوطنة تتوجّه نحوها وتمنعها من ذلك. وعلى رغم وجود عناصر جيش الاحتلال إلا أنهم لم يمنعوا المستوطنة من الاقتراب، بل تمكنت من فرض ما تريد ولم تتمكّن حربية من إحضار السجادة حتى اليوم. المستوطنون في المنطقة مسلحون والجدال معهم قد يودي بالحياة.
حربيّة من سكان البلدة القديمة، يقع بيتها مقابل المدرسة الإبراهيمية قرب حاجز “أبو الريش” المقام في المنطقة، تتحدث لـ”درج” عن ظروف منع التجوّل الذي فُرض عليهم بداية الحرب، “كان مفاجئاً ولم يسمح لنا بترتيب أمورنا، كانت أوقاتاً صعبة”. لاحقاً، سمحت لهم السلطات الإسرائيلية بالخروج في أوقات معينة، حالهم حال بقية المناطق في البلدة القديمة.
تقول حربية، “في البداية لم نكن على علم بالأوقات التي يُسمح لنا فيها بالخروج أو الدخول. زوّدنا الارتباط الفلسطيني بالبرنامج الذي فرضته السلطات الإسرائيلية، وأحياناً لا يلتزمون به ويمنعوننا من الخروج حتى في الأوقات المسموحة، لحجج واهية”. وفي إحدى المرّات، تعرض ابنها لاعتداء حاوطه خلاله جنود الاحتلال وأشهروا السلاح في وجهه كونه توجه لتزويد جارهم بالقليل من السكر على الرغم من خروجه في الوقت المسموح به. بعد ذلك، شعر ابنها بتوعك لمدة ثلاثة أيام، وعندما طلبوا الإسعاف لرؤية الطبيب لم يتمكنوا من العودة إلى البيت بحجة تجاوزهم الوقت المحدد للعودة” .
حربيّة لم تتمكن من زيارة ابنتها منذ 7 تشرين الأول، مع أنها تسكن في حارة السلايمة التي تبعد 5 دقائق مشياً على الأقدام.
حالات نزوح وأوضاع غير مسبوقة!
مدير لجنة إعمار الخليل عماد حمدان، يصف الأوضاع في البلدة القديمة بغير المسبوقة، إذ فُرض منع التجول على معظم أحياء البلدة القديمة منذ بداية الحرب، تحديداً من المنطقة الممتدة من تل الرميدة مروراً بشارع الشهداء ومنطقة الحسبة ومنطقة السهلة، وصولاً الى منطقة واد الحصين وحارة جابر وحارة السلايمة وحارة غيث وجزء كبير من حارة الجعبري.
يضيف حمدان: “الساكن في هذه المنطقة لا يستطيع الخروج حتى لإلقاء أكياس القمامة، فأيّ جسم يتحرك يتم إطلاق النار عليه سواء فتح بوابة منزله أو شباكه أو خرج على شرفة منزله. هذا الوضع معقد جداً، وكأن البلدة القديمة أصبحت سجناً حقيقياً، حيث العائلات هم أسرى داخل منازلهم”.
الاحتلال يمنع أيضاً طواقم الصليب الأحمر من الدخول إلى البلدة والخروج منها، وسمح مؤخراً للمواطنين بالخروج والدخول بمواعيد معينة وبشرط العودة إلى منازلهم بعد سبع أو ثماني ساعات وفقاً لجدول زمني بأيام معينة.
للبلدة القديمة في الخليل ظروف خاصة يقول حمدان، نظراً الى البؤر الاستيطانية التي تحاول السلطات الإسرائيلية وما يسمى بمجلس المستوطنات، الربط في ما بينها وخلق حي استيطاني في قلب المدينة.
ويصل عدد المواطنين في منطقة H2 الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في البلدة القديمة، الى 45 ألف مواطن، فيما يُعتبر المستوطنون فيها الأكثر شراسة وعنفاً، إذ ينفذون اعتداءات في المنطقة بشكل يومي على منازل المواطنين وممتلكاتهم، وقد “تم تسجيل حالات نزوح من المنطقة، ولم نكن نتخيل أن يخرج عدد آخر منها، لكن الخوف دفع 7 عائلات إلى ترك منازلهم بشكل مؤقت” وفق حمدان.
يُذكر أن الخليل مقسّمة، بموجب ما يُعرف بـ “بروتوكول الخليل” الذي وُقع في 15 كانون الثاني/ يناير 1997، إلى قسمين: منطقة H1 وتشكل 80 في المئة من مساحة المدينة وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ومنطقة H2 ومساحتها 20 في المئة وتتركز في البلدة القديمة وسط الخليل، وتشمل البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي، وهي خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
وفي أواخر العام 2015، أعلن الاحتلال المستوطنات المقامة في المنطقة H2 منطقة عسكرية مغلقة، فعزل بذلك المواطنين الفلسطينيين الساكنين هناك، وقيد حركتهم من منازلهم وإليها بالتسجيل لدى السلطات الإسرائيلية، والخضوع للفحص على حاجز عسكري، إضافة إلى عدم السماح بدخول الزائرين.
ووفق منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، ينتشر نحو 700 مستوطن في البلدة القديمة. وتقول المنظمة، في ملف خاص بالخليل على موقعها الإلكتروني، إن السلطات الإسرائيلية تتبع في هذه المنطقة “نظاماً يقوم علناً وبصراحة على مبدأ الفصل”، مشيرة إلى 21 حاجزاً مأهولاً بالجنود، و65 عائقاً، إضافة إلى عشرات نقاط المراقبة ومئات الكاميرات التي تستهدف الفلسطينيين.
إقرأوا أيضاً: