ظنت هيلين ويتي أنها علّمت أطفالها كل شيء عن مخاطر شرب الخمر. فقد علِمت منذ طفولتها أن إدمان جدها الأكبر الكحول أودى به إلى الانتحار. ولطالما حذرتها والدتها من أن هذه النقمة “تسري في العائلة”. لذا حرصت ويتي على جعل معاقرتها الخمور محدودة، في محاولة تقليدية للتغلب على التأثير المضاعف لعادات الشرب الضارة. وعلّمت طفليها أن يفهَما هذا وأن يحذَرا من الخطر المحدق الناجم عن الإفراط في شرب الخمور.
لكن ما لم يستعدّ له أحد من أفراد العائلة، هو اليوم الذي وقفت فيه هيلين ماري، ابنة ويتي والبالغة من العمر 16 سنة، أمام منزل العائلة في فلوريدا منتعلة حذاء التزلج، عندما أرادت أن تهدئ أعصابها قليلاً بسبب التوتر الذي تشعر به لمشاركتها في مسرحية مدرسية كبيرة. ومرَّت على والدتها مسرعةً وأعطتها قبلة، وقالت إنها لن تتغيب طويلاً.
لم تعد الفتاة الشابة إلى المنزل. وعندما ذهب والدها للبحث عنها، علم أنها تعرضت أثناء التزلج على طريق الدراجات لحادث سيارة كان يقودها شاب (17 سنة)، بينما كان يشرب “التيكيلا” ويدخن المخدرات. وبدلاً من العودة مع ابنته إلى المنزل بسلام، كان على والدها التعرف إلى جثتها.
لقيت هيلين ماري مصرعها بسبب إدمان شخص آخر الكحول، في مثال مأساوي لما يسمى “شرب الخمر السلبي”، أو “التأثير السلبي غير المباشر لشرب الخمر”. على رغم أن مفهوم “التدخين السلبي” مألوف بالنسبة إلى كثيرين، يعتبر “شرب الخمر السلبي” مجالاً دراسيّاً حديثاً ما زال ينمو. نشرت مجموعة أبحاث الكحول – التابعة لمعهد الصحة العامة في مدينة إميريفيل، بولاية كاليفورنيا – الأسبوعَ الماضي دراسةً حديثة أظهرت أن 53 مليون أميركي يتعرضون سنويّاً للأذى، بسبب أحد المخمورين. ونظراً لأن التدخين السلبي يُعامَل على أنه يُشكل خطراً متزايداً على الصحة العامة في الدول من منغوليا إلى كولومبيا، ومن أستراليا إلى المملكة المتحدة، فلماذا إذاً تتباطأ الحكومات في التعامل مع التأثير السلبي غير المباشر لشرب الخمر، ناهيك بالتصدي له؟
لقيت هيلين ماري مصرعها بسبب إدمان شخص آخر الكحول، في مثال مأساوي لما يسمى “شرب الخمر السلبي”، أو “التأثير السلبي غير المباشر لشرب الخمر”.
يقول البروفيسور البريطاني سير إيان غيلمور، رئيس تحالف الكحول والصحّة البريطاني، ومدير مركز ليفربول لأبحاث الكحول، “ساهم مفهوم التدخين السلبي في تغيير الرأي العام ومهَّد الطريق أمام إصدار تشريعات جعلت من غير المسموح التدخين في الحانات والأماكن العامة، فلا شك في أن ثمة أضراراً كثيرة تنتج عن التدخين السلبي، ولكن من المحتمل أن يكون مدى الأضرار الناجمة عن الكحول وحجمها، أكبر بكثير”.
قالت الدكتورة كاترين كاريكر-جافي، وهي عالمة بارزة في مجموعة أبحاث الكحول في الولايات المتحدة، ومؤلفة الدراسة التي نُشرت الأسبوع الماضي، “لقد بدأنا إدراك تأثير هذه الأضرار على المدى الطويل”. عمل فريقها على تحديد 10 فئات من تلك الأضرار، بدءاً من التحرش والمضايقات ووصولاً إلى الاعتداءات الجسدية. وعلى رغم أنها لا تتذكر تعرُّضها شخصياً لأي ضرر غير مباشر، فهي تعتبر حالة استثنائية، إذ كما يشير غيلمور “كل العائلات تقريباً تأثرت بذلك بطريقة ما، سواء كان طفلاً لأحد الآباء مدمني الكحول أو شخصاً تعرّض للضرب في إحدى الحفلات. هناك الكثير من الأمثلة، فمن النادر للغاية أن تصادف عائلة لم يتأثر فيها أحد بشرب الكحول”.
غالباً ما يُمكن أن تمتد تداعيات تعاطي الكحول من حياة إلى أخرى. ومن السهل للغاية أن يتحول الشخص الضحية الذي يعاني من ضرر ثانوي إلى جانٍ يرتكب المزيد من الأضرار.
سام هي والدة طفل مصاب بمتلازمة الكحول الجنينية (FASD). عندما كانت حاملاً فيه، كان شريكها آنذاك لديه مشكلة مع شرب الكحول. تُعبِّر سام عن تلك الفترة من حياتها بقولها “لقد كانت علاقة مشوبة بإساءة المعاملة، وعانيت كثيراً”. أصبحت سام شخصية منعزلة وفقدت ثقتها بنفسها، وكانت تشرب نحو زجاجة نبيذ أسبوعيّاً، وانغمست في “الحفلات الغريبة”.
يبلغ ابن سام الآن 12 سنة، ولكن حين وُلِد لم تكن الحكومة البريطانية تدعو إلى الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية أثناء الحمل. (اليوم، يُعتقد أن 41 في المئة من النساء في المملكة المتحدة يتناولن الخمور أثناء الحمل). ظنت سام أن حملها يسير بشكل جيد. وأظهرت جميع الفحوصات أن ابنها كان ينمو بشكل طبيعي. بيد أن احتمالية إصابته بمتلازمة الكحول الجنينية، على حد قولها، “خطرت ببالي نوعاً ما، ولكنها سريعاً ما غابت عن ذهني”.
كان ابن سام يبلغ من العمر 9 سنوات، وخلال تلك الفترة تعرض للاستبعاد مراراً وتكراراً من المدرسة العادية، عندما تم تشخيص حالته أخيراً على أنه يعاني جزئياً من متلازمة الكحول الجنينية. تقول سام: “عندما أكد لي طبيب الأطفال مخاوفي، انهرتُ وبكيت، ولكن عليك أن تتقبّلي حقيقة أنك أذيتِ طفلك: لقد تسببت في حدوث تلف في الدماغ لطفلك. ثمة جزء كبير منك يريد أن ينسى كل ذلك، لكنك لا تستطيعين. عليك أن تعيشي ذلك يوماً بعد يوم”.
تذكر سام قائمة طويلة من الأعراض التي يعاني منها ابنها، والتي تشمل اضطرابات النوم والسلوك الهَوَسي والاكتئاب وتدني النضج الاجتماعي، لكنها تشير إلى أن كل ذلك يقابله بالمثل قائمة طويلة لما تسميه “أسمَى الصفات” التي يتحلّى بها، والتي تشمل الإبداع، والمهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات، والولاء لأصدقائه، وقلبه الطيب. من الواضح أنها أم طيبة تهتم برعاية ابنها وتسعى جاهدة لتلبية احتياجاته. في مرحلة ما، عندما يكتسب ابنها الصغير ما يكفي من النضج العاطفي والاستقرار، ستحتاج إلى استجماع كل تلك الصفات لكي يمكنها أن توضح له ما يعاني منه.
يُعتقد أن 41 في المئة من النساء في المملكة المتحدة يتناولن الخمور أثناء الحمل
يُمثل ذلك الالتزام الأسمى بمسؤولية الأمومة، لكن سام تخشى أنّ كشفَ الحقيقة لابنها قد يمنعها – كما تقول – من أن تكون “الشخص الوحيد الذي يشعر معه بالأمان”. وأضافت “هذا ما أحدثه تناول الكحوليات غير المباشر بعائلتي”.
حتى عندما يحاول الشخص المتضرر من الآثار السلبية لتناول الكحول غير المباشر مقاومة تلك التداعيات، يُمكن أن يكون التأثير النفسي أمراً حتميّاً. عام 2014، توفي والد جابز موسينجا بعد سقوطه في نهر آير في مدينة ليدز البريطانية. استغرق ظهور جسده على سطح الماء عدة أسابيع، بيد أن جابز التي تبلغ من العمر 25 سنة، عرفت ما حدث بمجرد أن رأت فيديو المراقبة، الذي ظهر فيه والدها يمشي ثملاً على ضفاف النهر.
من المؤكد أن الشعور بحتمية حدوث ذلك كان شعوراً غريباً، لأنها قضت طفولتها “منتظرة بعصبية حدوث مثل هذا الأمر”. عبرت جابز عما عانَت منه بسبب إدمان والدها على الكحول بقولها إن ما شهدَتْه في المنزل، وسلوك والدها، قد “استمر في حياتي بعدما أصبحتُ شخصاً بالغاً، وأثّر في حياتي العاطفية. فقد كانت لدي معايير منخفضة لما يجب أن أتوقعه من الرجال، وحتى من الأصدقاء. لقد استغّلني الناس بسهولة”.
ولذا سرعان ما وجدت نفسها في علاقة مشوبة بإساءة المعاملة. “لم تستمر تلك العلاقة طويلاً. وصمّمتُ على رأيي في الحال. لم يمضِ حينها أكثر من أسبوعين وقلتُ إن هذا العلاقة لن تنجح”. تقول إنها كانت ممتنة لأنها كانت “قادرة على إنهاء هذه العلاقة” – ما يشير إلى أنها ربما كانت قادرة أيضاً على تقبلها والاستمرار فيها. فقد تطلَّب الأمر قناعةً خاصة للتوصل إلى القرار الصائب.
تقول جابز: “كان من الصعب للغاية الاعتراف للآخرين بأنّني تأثّرت من تناول شخص آخر الخمر. إذ ينصب التركيز عادة على الأشخاص الذين يعانون أنفسهم من الإدمان”، وليس من حولهم. إلّا أنّ جابز لا يُساورها أدنى شك في أن الكحول غيَّرت حياتها. تتحدث عن ذلك كما لو أنّها تنظر إلى شبح يحوم في الأفق لما كانت عليه في الماضي، وتضيف “لقد شكّل شخصيّتي. كنتُ لأصبح شخصاً مختلفاً تماماً، لو لم يحدث هذا. أفكّر في هذا الأمر بين الفينة والأخرى – في الشخص الذي كنتُ لأصبح عليه. أظّنني كنت لِأصبح أكثر ثقة بنفسي؛ وربّما شخصاً أفضل”.
تبدو جابز متكيّفة وسعيدة في حياتها، لكن تلك الملاحظة الأخيرة من توبيخ الذات تُعيد إلى الأذهان كلمات عضو البرلمان ليام بيرن، وهو ابنٌ لوالدٍ مدمن كحول وهو أحد الداعمين والرعاة ‘للرابطة الوطنية لأطفال مدمني الكحول” NACO، وهي منظمة خيرية تتطوّع جابز فيها. يقول بيرن “لا تعي ولا تعرف ما هو الطبيعيّ، ولذا تقوم بإنشاء وتركيب نماذج وقوالب مثاليّة لما تعتقد أنّه الأمر الجيّد”.
كتب بيرن، الذي يمارس التطبيب الذاتي في سبيل الوصول نحو المثالية، “قوائمَ طويلةً للخصائص والسمات” التي يسعى إلى الامتثال إليها – وهي أشبه “ببرنامج عمل يُمكنه من أن يصبح إنساناً خارقاً ذا قوى خارقة”. يبلغ اليوم من العمر 48 سنة. ولكن كم كان عمره حين كتبَ قائمتَه الأخيرة؟ يتنّهد بعمق، ويجيب “ربما 43 أو 44 سنة”.
إجراءات للمواجهة؟
يتضمن شربُ الخمر السلبيُّ طائفة واسعة من التجارب الإنسانيّة، التي تتطلّب بدورها مجموعة واسعة من الإجراءات لمواجهتها. يشير بيرن – الذي ساعدته تجاربه وخبراته في التواصل مع السكّان المشرَّدين في ميدلاند الغربيّة، حيث يقوم بحملة انتخابية للفوز بمنصب العمدة – إلى أنّ حوالى 2.5 مليون طفل في المملكة المتّحدة لديهم أحد الأبوين من مدمني الكحول، وأنّ 50 في المئة منهم “يستمرون في خلق مشكلاتهم الخاصّة بعد ذلك”. يمكن لقدرٍ أكبر من التعليم للعاملين في الخطوط الأماميّة مع الأطفال، ومنهم المعلّمون والأطبّاء العامّون، أن يساعد في تحسين الأوضاع – وهو أمرٌ تعمل على تغييره مجموعة برلمانيّة تضم أعضاء من جميع الأحزاب أنشأها بيرن تسمّى “أطفال مدمني الكحول”.
تحبّذ هيلين ويتي – التي ترأس اليوم جمعيّة “أمّهات ضد القيادة تحت تأثير الكحول” – إصدارَ قوانين أكثر صرامة ضدّ احتساء الخمور لمن هم دون السنّ القانونية. أمّا سام فترغب في مزيد من الدعم للأطفال الذين يعانون من اضطراب متلازمة الكحول الجنينية، ولأمهاتهم أيضاً. في الوقت الراهن، ما يقرب من 80 في المئة من مجموعات التكليف السريريّ في “هيئة الخدمات الصحّيّة الوطنيّة” البريطانيّة NHS لا تقدِّم تشخيصاً للأطفال الذين يُعانون من اضطراب متلازمة الكحول الجنينية، وفقَ طلب حرّية الحصول على المعلومات الذي أرسلته المنظمة الوطنيّة لمتلازمة الكحول الجنينية بالمملكة المتّحدة. تهتم كاريكر-جافي بمدى كون “الآثار السلبيّة على الأشخاص الذين لديهم في أسرتهم من يفرط في شرب الكحول، تبدو بصورة أقوى على النساء منها على الرجال”. ولكن لماذا إذاً لا تمكننا معالجة جميع أضرار شُرب الخمر السلبيّ من خلال القرارات التشريعيّة ذاتها التي أضعفَت القبول الاجتماعي للتدخين السلبيّ؟
يقول سير غيلمور، رئيس تحالف الكحول والصحّة “لو كان لي أن آمُل، يُمكن سنّ قانون وحيد لاستحداث حدّ أدنى لسعر الوحدة، مع زيادة الرسوم والضرائب على الكحوليات”، مشيراً إلى “جدول متغيّر للرسوم” استحدثته حكومة حزب العمّال عام 2008، لتدفع بالحد الأدنى للرسوم على الكحوليات إلى 2 في المئة فوق معدّل التضخّم على أساس سنوي. ويضيف: “كانت تلك أولَ مرّة نشهد فيها نتائج مثل تراجع وفيّات التليّف الكبديّ وبداية انحسارها. إلّا أنّ وزير الماليّة جورج أوسبورن للأسف ألغى ذلك الجدول”.
يشير غليمور إلى أنّنا “بالنسبة إلى السجائر، دفعنا بلا هوادة باتجاه رفع الأسعار. رويداً رويداً، ولكن بلا هوادة؛ وقد كان لهذا أثرٌ ضخم. إذ تعتبر المملكة المتّحدة دولة أوروبيّة رائدة في خفض معدّلات التدخين. ولدى الحكومة فرصة حقيقيّة لتبرهن أنّها في طليعة الدول التي تحدّ من الأضرار المرتبطة بالكحول، بما في ذلك الأضرار الواقعة على الآخرين. ولذا بريطانيا بحاجة إلى التوقف عن ترك الكحول للسوق الحرّ، مثل مساحيق الغسيل، ومعاملته كخطر صحيّ حقيقيّ محتمَل، تماماً مثلما فعلت مع التبغ”.
بالطبع هناك اختلافات بين التدخين وتناول الخمور. فقد نفّذت أكثر من 90 في المئة من 181 دولة، وقّعت اتفاقيّة منظمة الصحة العالمية الإطاريّة لمكافحة التبغ WHOFCTC، شكلاً من أشكال حظر التدخين. وتُعد المادة الثامنة – المتعلّقة بالتدخين السلبيّ – هي أكثر المواد تنفيذاً من بين جميع مواد الاتفاقيّة. إلّا أنّه بالنسبة إلى الكحول، فإنّ النتائج المرجوّة – وضع حدود ملائمة لتناوله – هي أكثر تنوّعاً وأكثر عرضةً للنقاش حولها. لا شكّ في أنّ التطبيع مع الكحوليات في طائفة متنوعة من المواقف الاجتماعيّة – من الحفلات العائليّة إلى حفلات عطلة نهاية الأسبوع – يعني أنّ الإسراف في تناولها يظلّ بشكلٍ كبير وصمةً اجتماعيّة: مسعى حميد خرج ببساطة عن السيطرة.
الآخر بين الدخان والخمر
تقول آمِي (30 عاماً) إنّ “الناس يزعمون أنّ المرء إذا دخّن فهو يؤذي الآخرين، ولكنه حين يتناول الخمر فإنّه لا يؤذي إلا نفسه”، لكنّها تُعارِض هذا بشدّة. بدأت أختها شرب الخمر حين كانت في بداية العقد الثالث من عمرِها، لكي تستمتع “بعطلة نهاية أسبوع جامحة”، كما وصف الأمر الفريق الطبّيّ الخاص بالعائلة في البداية. في غضون سبع سنوات، توفّيت إثر قصورٍ في القلب. تقول آمِي “أيّ شخصٍ آخر يُعاني من مرضٍ عُضال كان ليحظَى بوفرةٍ من تفهّم الأصدقاء والزملاء، ولكن في حالةٍ كهذه لا يجد المرء ذلك الدعم. في الواقع لا يكون لدى المرء القدرة على الحديث عن هذا من دون الشعور بالخزي”.
كانت آمِي – وهي من جنوب ويلز وتتطوّع في منظّمة خيرية وحملات بريطانية بهدف تقليل الأضرار الناجمة عن الكحول – تتدرّب لوظيفة جديدة حين بدأت حالة أختها الصحّيّة تتراجع. تقول: “كنت أخرج من المستشفى لأذهب مباشرةً إلى العمل وكأنّ شيئاً لم يحدث. أعمل في بيئة احترافيّة لحدٍّ بعيد. أعرف أنّ ما سأقوله يبدو سخيفاً، لكن لم أكن أرغب أن تؤثر حالة إدمان أختي الخمر في نظرة الناس لي بصفتي سيدة تتقن عملها”.
تقول آمِي (30 عاماً) إنّ “الناس يزعمون أنّ المرء إذا دخّن فهو يؤذي الآخرين، ولكنه حين يتناول الخمر فإنّه لا يؤذي إلا نفسه”، لكنّها تُعارِض هذا بشدّة.
لم تكن آمِي الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة. بعد يوم واحد من حديثنا، أرسلت إليّ كاريكر-جافي عبر البريد الإلكترونيّ لتقول إنّها تودّ تغيير إجاباتها حول تجربتها الخاصّة في شرب الخمر السلبيّ. تقول “شاهدت إحدى قريباتي تعاني اضطرابات تناول الكحول، وهي الاضطرابات التي أعتقد أنّها أدّت في النهاية إلى وفاتها”. تضيف كاريكر-جافي أنّها غير متأكّدة من سبب إغفالِها ذِكر هذا الأمر في اتصالنا الهاتفيّ، قائلةً “ربّما هو الشعور بالخزي”.
تشير، وهي خبيرة في المجال، إلى أنّنا بحاجة إلى إزالة الوصمة عن تعاطي الخمر وعن أضرار الشرب السلبيّ، لمواجهة الخطر كما ينبغي. يُنظَر إلى التدخين أمام الأطفال في المملكة المتّحدة، على نطاقٍ واسع، على أنه أمر يبعث على الأسى، لكن حتى أكثر الآباء وعياً ويقظةً لا يبدون الكثير من القلق بشأن احتساء الخمر أمام الأطفال. على سبيل المثال، هل يعني الأمر شيئاً أن يرى الطفل أحد الأبوَين يشرب عادةً كأساً من النبيذ لتخفيف التوتّر؟ يضحك بيرن بجمود قائلاً: “نعم، يعني هذا الكثير؛ لأنّ المرء بحاجة إلى أن يكون قادراً على إيجاد رعايةٍ ذاتيّة”.
يتّفق معه جوش كونوللي، المدرِّب في الأداء والقيادة وشؤون الحياة، الذي عانى من الشرب السلبيّ كطفل لوالد مدمن على الكحول، وكوالد مدمن على الكحول أيضاً، قائلاً “إنّنا في حاجة إلى إعادة بلورة معتقداتنا حول معضلة الشرب. أقول: ابتعد من الإفراط في الشرب، فإذا علِم أطفالُك أنّك بعد أن يخلدوا إلى النوم تذهب لتناول النبيذ للاسترخاء، فإنّهم سيظنون أنهم غير قادرين على مساعدتك على الاسترخاء والشعور بالراحة: فلديك دائماً النبيذ للحصول على هذا الشعور. إنّ الأمر كلّه يتصل بالسلوكيات والمشاعر التي يخلقها تعاطي الخمر”.
ساعدت برامج تتكوّن من 12 خطوة، منها برامج منظمة “مدمنو الكحول المجهولون”، كونوللي على التخلّص من الكحول ونبذه من حياته. إلّا أنّه في سنوات وعيه وجد أنّ حضوره يمكن أن يجعل معاقري الخمر لا يشعرون بالراحة في علاقتهم بالشراب. ويعتقد أنّ هذا هو الموضع الذي يمكن فيه لمَن يستمتعون بالخمر أن ينتفعوا من بعض التقييم الذاتيّ.
يقول كونوللي إن “الغريب في الأمر، بالنسبة إلى شخص أقلع عن الإدمان منذ 7 أعوام ونصف العام، هو أنّني أواجه الآن وصماً بالعار مِن قِبَل المجتمع لأنني لا أشرب أكثر ممّا كنتُ أواجهه بصفتي أباً يشرب الخمر”. لا شكّ أنّ هذا الإحجام عن تحليل علاقتنا بالكحوليات يُسهاِم في جعل الشرب السلبيّ أمراً عسيراً على الإقرار به، فكما يقول: “ليس لدى المجتمع حاجز يتعين أن يتجاوزه في ما يتعلق بهذا الأمر، فكيف يُمكن أن يكون لدى الفرد؟”.
ربما حان الوقت لاستكشاف ليس الأساليب التي عانينا من خلالها، كأفراد، من الأضرار السلبية غير المباشرة لشرب الخمر وحسب، ولكن أيضاً تلك الطرائق التي قد ألحقنا من خلالها مثلَ ذلك الضررَ بالآخرين.
هذا المقال مترجَم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي