fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“التغييري” هو دائماً الحلقة الأضعف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يُحمَّل “التغييريون” أحمالاً أكبر بكثير من قدرتهم على الاحتمال، في الدوائر التوّاقة الى تغيير، وأيضاً في تلك غير المعارضة له بحال تحقق بدون مساعدتها، بدون أي أخذ بالاعتبار لكيفية عمل النظام السياسي والقوى المشاركة فيه تقليدياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد كل فشل تُمنى به القوى والشخصيات “التغييرية”، يندفع في وجهها سيل من الانتقادات التي تتراوح بين النقد النابع من أسى وبين التجنّي والتشفّي، وتصل أحياناً إلى حدّ تحميلها وزر المشاكل التي يعاني منها المجتمع.

لا شك في أن كل الأفكار والمشاعر التي يحفّز على إطلاقها حدث الفشل أو الهزيمة حقٌّ لمطلِقيها، ولكن لافت جداً أن حجم النقد لأداء أو خطاب القوى “التغييرية”، يفوق بأضعاف ذلك الذي يُوجَّه عادةً الى قوى “تقليدية”، ما يحفّز على التفكير في الأسباب الكامنة وراء ذلك.

نقد بلا تبعات مؤذية

مصطلح “التغييريين” هلامي ويحوي تحته مروحة واسعة من الأفراد والجماعات التي تختلف دوافعها للانخراط العلني في العمل العام أو نقاش الشؤون العامة، من الرغبة في خلق سُبُل لمستقبل أفضل للجميع أو لفئة واسعة، إلى مجرد امتطاء شعارات للبروز الشخصي، أو مجرّد التلطّي خلفها لإخفاء ميول سياسية “تقليدية”.

و”التغيير” الذي يُنسب إليه “التغييريون” ليس له شكل واحد أو خطاب واحد أو طروحات واحدة، بل هو مفهوم تتنوّع معانيه بتنوّع خلفيات حامليه الفكرية والاجتماعية… وعليه، عادةً ما يؤشّر نقد “التغييريين” بأسلوب “القشة لفّة” إلى تفضيل الناقد القوى التقليدية أو أقله الى قواعد العمل السياسي التقليدية، وقد يكون ذلك لاستفادته منها كما قد يكون بكل بساطة لأنه اعتاد عليها وصار يفهمها ولا يرغب في استبدالها بأي شيء آخر يحتاج فهمه أو التعامل معه إلى مجهود أكبر. ولكنه أحياناً يؤشر إلى مجرّد غضب من عدم نجاح أي خطاب جديد في إحداث اختراق في بنية السلطة، بخاصة أن المأمول من القوى “التغييرية” كبير.

وعند فشل “التغييريين” في محطة معيّنة، يشترك في انتقادهم مؤيدو القوى “التقليدية”، بأجنحتها المختلفة المتصارعة في ما بينها داخل النظام والمتحالفة معاً ضد أي خطر يهدد هذا النظام، بالإضافة إلى مروحة واسعة من المواطنين “التغييريين” الذين قد يكونون معارضين لطروحات فئة “تغييرية” محددة أو لأدائها. ومن هنا ليس غريباً أن يكون حجم انتقاد “التغييريين” أوسع من الحجم المعتاد لانتقاد القوى التقليدية.

لكن الأهم من ذلك أن انتقاد “التغييريين” لا تبعات مؤذية له، بعكس انتقاد القوى السياسية التقليدية التي عادةً ما تمتلك القدرة على معاقبة مخالفيها، باستخدام ما يوفّره النظام السياسي لها من إمكانات، أكان بشكل قانوني أو بالمخالفة للقوانين لا فرق.

حِمْل لا يُحتَمل

يُحمَّل “التغييريون” أحمالاً أكبر بكثير من قدرتهم على الاحتمال، في الدوائر التوّاقة الى تغيير، وأيضاً في تلك غير المعارضة له بحال تحقق بدون مساعدتها، بدون أي أخذ بالاعتبار لكيفية عمل النظام السياسي والقوى المشاركة فيه تقليدياً.

في الحالة اللبنانية، هنالك فوارق ضخمة في القدرات المتوافرة للأطراف المتواجهة في الاستحقاقات الديمقراطية. صحيح أن هذه الاستحقاقات، وآخرها الانتخابات البلدية التي لم تنتهِ بعد، تُصوِّر المرشحين وكأنهم متساوون، ولكن خلف يوم الانتخابات هنالك علاقات قوة تصنع أشكال الحياة اليومية في كل يوم آخر من الأيام الفاصلة بين استحقاقين انتخابيين، وهو ما يخلق لا مساواة هائلة بين المرشح “التغييري” والمرشح “السلطوي”.

وتنجم الفوارق بين المرشحين المتنافسين عن طبيعة نظامنا السياسي المحابي للقوى الطائفية، عبر طبيعته التي توسّط الطائفة بين المواطن وبين الدولة وتختزل الطائفة وتمثيلها بأكبر أحزابها الطائفية، فيصير هذا الحزب مدخلاً لتوظيف أبناء الطائفة في الوظائف العامة، وفاعلاً كبيراً في حياتهم اليومية وفي صعودهم أو انحدارهم، عبر تدخّله في تفاصيل حياتهم اليومية في التعليم والمخافر والمحاكم وإدارات الدولة كافةة وما تصدره من تراخيص ومعاملات.

وفوق ذلك كله، وبسبب طبيعة هذا النظام التي تجمع ما بين التواطؤ على قسمة كل ما هو عام بين أحزاب الطوائف الأكبر وبين تصارع هذه الأحزاب الدائم على كل ما هو عام، يلعب عامل الخوف/ التخويف من “الآخر” الدور الأبرز في تحديد ولاءات اللبنانيين الذين يجدون أنفسهم منقادين الى التترّس خلف حزب الطائفة الأكبر، الذائد عن حقوقها وحامي أفرادها.

لذلك، من الإجحاف نسيان هذا كله والنظر إلى المرشحين “التغييريين” كأنداد متساوين في الفرص مع المرشحين “السلطويين” لمجرد أن نظامنا ذو شكل ديمقراطي ويتيح للمواطنين إمكانية التصويت لانتخاب ممثلين عنهم، لأن شروط تحقق الحرية والديمقراطية تتطلب أكثر بكثير من آلية الانتخاب.

لا يعفي هذا الحديث كله القوى “التغييرية” من المحاسبة عن التقصير، لأنها دائماً مطالبة ببذل المزيد وبفهم المجتمع اللبناني وتعقيداته أكثر، لاجتراح سبل لإحداث خرق في جدرانه السميكة. ولكن العمل السياسي والاستحقاقات الانتخابية ليسا مباراةً بين خطابين، كما في برامج الـ”توك شو”. في الحياة الواقعية قد تقنعني أو قد تداعبني “طموحاتك” و”أحلامك” بدون أن تتمكن من دفعي الى مساندتك أو حتى الى الكف عن مواجهتك.

مريم لطفي- صحفية إيرانيّة | 14.06.2025

عن الفجر الدامي في طهران

يقف مسعف شابّ، يحدّق ببقعة من الدماء على الأرض، في أحد أحياء طهران، يقف متعباً صامتاً بعد ساعات من عمليّات البحث والإنقاذ، ومشاهد الجثث المتفحّمة والأشلاء، يقول لي: "لم أكن أتوقّع أن يشهد جيلنا الحرب... لكنّها ها هي في ديارنا الآن، وها نحن نراها بأمّ أعيننا"
21.05.2025
زمن القراءة: 3 minutes

يُحمَّل “التغييريون” أحمالاً أكبر بكثير من قدرتهم على الاحتمال، في الدوائر التوّاقة الى تغيير، وأيضاً في تلك غير المعارضة له بحال تحقق بدون مساعدتها، بدون أي أخذ بالاعتبار لكيفية عمل النظام السياسي والقوى المشاركة فيه تقليدياً.

بعد كل فشل تُمنى به القوى والشخصيات “التغييرية”، يندفع في وجهها سيل من الانتقادات التي تتراوح بين النقد النابع من أسى وبين التجنّي والتشفّي، وتصل أحياناً إلى حدّ تحميلها وزر المشاكل التي يعاني منها المجتمع.

لا شك في أن كل الأفكار والمشاعر التي يحفّز على إطلاقها حدث الفشل أو الهزيمة حقٌّ لمطلِقيها، ولكن لافت جداً أن حجم النقد لأداء أو خطاب القوى “التغييرية”، يفوق بأضعاف ذلك الذي يُوجَّه عادةً الى قوى “تقليدية”، ما يحفّز على التفكير في الأسباب الكامنة وراء ذلك.

نقد بلا تبعات مؤذية

مصطلح “التغييريين” هلامي ويحوي تحته مروحة واسعة من الأفراد والجماعات التي تختلف دوافعها للانخراط العلني في العمل العام أو نقاش الشؤون العامة، من الرغبة في خلق سُبُل لمستقبل أفضل للجميع أو لفئة واسعة، إلى مجرد امتطاء شعارات للبروز الشخصي، أو مجرّد التلطّي خلفها لإخفاء ميول سياسية “تقليدية”.

و”التغيير” الذي يُنسب إليه “التغييريون” ليس له شكل واحد أو خطاب واحد أو طروحات واحدة، بل هو مفهوم تتنوّع معانيه بتنوّع خلفيات حامليه الفكرية والاجتماعية… وعليه، عادةً ما يؤشّر نقد “التغييريين” بأسلوب “القشة لفّة” إلى تفضيل الناقد القوى التقليدية أو أقله الى قواعد العمل السياسي التقليدية، وقد يكون ذلك لاستفادته منها كما قد يكون بكل بساطة لأنه اعتاد عليها وصار يفهمها ولا يرغب في استبدالها بأي شيء آخر يحتاج فهمه أو التعامل معه إلى مجهود أكبر. ولكنه أحياناً يؤشر إلى مجرّد غضب من عدم نجاح أي خطاب جديد في إحداث اختراق في بنية السلطة، بخاصة أن المأمول من القوى “التغييرية” كبير.

وعند فشل “التغييريين” في محطة معيّنة، يشترك في انتقادهم مؤيدو القوى “التقليدية”، بأجنحتها المختلفة المتصارعة في ما بينها داخل النظام والمتحالفة معاً ضد أي خطر يهدد هذا النظام، بالإضافة إلى مروحة واسعة من المواطنين “التغييريين” الذين قد يكونون معارضين لطروحات فئة “تغييرية” محددة أو لأدائها. ومن هنا ليس غريباً أن يكون حجم انتقاد “التغييريين” أوسع من الحجم المعتاد لانتقاد القوى التقليدية.

لكن الأهم من ذلك أن انتقاد “التغييريين” لا تبعات مؤذية له، بعكس انتقاد القوى السياسية التقليدية التي عادةً ما تمتلك القدرة على معاقبة مخالفيها، باستخدام ما يوفّره النظام السياسي لها من إمكانات، أكان بشكل قانوني أو بالمخالفة للقوانين لا فرق.

حِمْل لا يُحتَمل

يُحمَّل “التغييريون” أحمالاً أكبر بكثير من قدرتهم على الاحتمال، في الدوائر التوّاقة الى تغيير، وأيضاً في تلك غير المعارضة له بحال تحقق بدون مساعدتها، بدون أي أخذ بالاعتبار لكيفية عمل النظام السياسي والقوى المشاركة فيه تقليدياً.

في الحالة اللبنانية، هنالك فوارق ضخمة في القدرات المتوافرة للأطراف المتواجهة في الاستحقاقات الديمقراطية. صحيح أن هذه الاستحقاقات، وآخرها الانتخابات البلدية التي لم تنتهِ بعد، تُصوِّر المرشحين وكأنهم متساوون، ولكن خلف يوم الانتخابات هنالك علاقات قوة تصنع أشكال الحياة اليومية في كل يوم آخر من الأيام الفاصلة بين استحقاقين انتخابيين، وهو ما يخلق لا مساواة هائلة بين المرشح “التغييري” والمرشح “السلطوي”.

وتنجم الفوارق بين المرشحين المتنافسين عن طبيعة نظامنا السياسي المحابي للقوى الطائفية، عبر طبيعته التي توسّط الطائفة بين المواطن وبين الدولة وتختزل الطائفة وتمثيلها بأكبر أحزابها الطائفية، فيصير هذا الحزب مدخلاً لتوظيف أبناء الطائفة في الوظائف العامة، وفاعلاً كبيراً في حياتهم اليومية وفي صعودهم أو انحدارهم، عبر تدخّله في تفاصيل حياتهم اليومية في التعليم والمخافر والمحاكم وإدارات الدولة كافةة وما تصدره من تراخيص ومعاملات.

وفوق ذلك كله، وبسبب طبيعة هذا النظام التي تجمع ما بين التواطؤ على قسمة كل ما هو عام بين أحزاب الطوائف الأكبر وبين تصارع هذه الأحزاب الدائم على كل ما هو عام، يلعب عامل الخوف/ التخويف من “الآخر” الدور الأبرز في تحديد ولاءات اللبنانيين الذين يجدون أنفسهم منقادين الى التترّس خلف حزب الطائفة الأكبر، الذائد عن حقوقها وحامي أفرادها.

لذلك، من الإجحاف نسيان هذا كله والنظر إلى المرشحين “التغييريين” كأنداد متساوين في الفرص مع المرشحين “السلطويين” لمجرد أن نظامنا ذو شكل ديمقراطي ويتيح للمواطنين إمكانية التصويت لانتخاب ممثلين عنهم، لأن شروط تحقق الحرية والديمقراطية تتطلب أكثر بكثير من آلية الانتخاب.

لا يعفي هذا الحديث كله القوى “التغييرية” من المحاسبة عن التقصير، لأنها دائماً مطالبة ببذل المزيد وبفهم المجتمع اللبناني وتعقيداته أكثر، لاجتراح سبل لإحداث خرق في جدرانه السميكة. ولكن العمل السياسي والاستحقاقات الانتخابية ليسا مباراةً بين خطابين، كما في برامج الـ”توك شو”. في الحياة الواقعية قد تقنعني أو قد تداعبني “طموحاتك” و”أحلامك” بدون أن تتمكن من دفعي الى مساندتك أو حتى الى الكف عن مواجهتك.