يشهد الواقع الجزائري تناقضاً واضحاً، بين اضطراب الشارع السياسي رفضاً لإجراء الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الخميس 12 كانون الأول/ ديسمبر لاختيار خليفة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبرودة المرشحين في التفاعل مع حملاتهم الانتخابية.
الحملات الانتخابية: إهانة المرشحين
تأتي هذه الانتخابات في وضع غير مسبوق تشهده الجزائر. فبعد 8 أشهر من إطاحة الشعب ببوتفليقة، في 2 نيسان/ أبريل الماضي، بانتفاضة شعبية دعمها الجيش، تحضرّت السلطة لانتخابات جديدة، لم يختلف متنها عن سابقاتها، إذ حملت الوجوه والشعارات والوعود نفسها.
انطلقت حملة الانتخابات الرئاسية في الجزائر منذ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر واستمرت ثلاث أسابيع لتنتهي راهناً، وسط رفضٍ شعبيٍ واضح لإجراء الانتخابات أو حتى تقبّل رسائل المرشحين الانتخابية. فلم يجد المرشحون الخمسة جمهوراً كافياً لحضور فعاليات حملاتهم الانتخابية، وواجهوا حشوداً غاضبة، كما مزّق المتظاهرون ملصقات دعائية للانتخابات ورموها في القمامة.
الاحتجاجات التي أدت إلى استقالة بوتفليقة بعد 20 عاماً من رئاسته البلاد لم تنحسر هنا، إذ جال المتظاهرون في شوارع العاصمة الجزائرية منتفضين ضد انتخابات “ستعيد إنتاج النظام نفسه”. وعبّروا عن استنكارهم، فغطّوا اللوحات الانتخابية بشعارات مناهضة للانتخابات، كما انتشرت دعوات لعرقلة حركة المرشحين.
دفع ذلك محمد شرفي، رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، إلى القول في مؤتمرٍ صحافي، إن “الدولة لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول عرقلة المسار الانتخابي”. وإنه “من حق الدولة التصدي لمن يعرقل سير الاقتراع الرئاسي”.
من هم المرشحون؟
من بين 143 مرشحاً تقدموا للانتخابات الرئاسية الجزائرية، تم النظر في ملفات 23 مرشحاً ممن استوفوا شروط السباق الرئاسي. وتمّ قبول 5 فقط، معظمهم يحظى بدعمٍ من أحزاب صغرى، وأحدهم تدعمه الموالاة السابقة.
المرشحون الخمسة هم علي بن فليس، رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب طلائع الحريات، عز الدين ميهوبي، الأمين العام بالنيابة لـ”حزب التجمع الديموقراطي” ووزير الثقافة السابق، إضافة إلى عبدالقادر بن قرينة، رئيس “حزب حركة البناء”، الذي تقلّد مناصب عدة في الجزائر، أهمها وزير السياحة والصناعات التقليدية ونائب رئيس البرلمان.
الانتخابات ليست إلا آلية لاستمرارية نظام سياسي استبدادي تولى السلطة عقب الاستقلال من فرنسا عام 1962.
كما ضمت القائمة عبدالمجيد تبون، وهو مرشح مستقل ترأس الحكومة لفترة وجيزة في عهد بوتفليقة، وتقلّد منصب وزير السكن لمدة سبع سنوات. وآخرهم عبدالعزيز بلعيد رئيس “حزب جبهة المستقبل”.
عبد المجيد تبون وعلي بن فليس هما المرشحان الأوفر حظاً، إلا أن العامل المشترك بين المرشحين جميعاً هو أنهم من رائحة نظام بوتفليقة، فجميعهم ينتمون إلى أحزابٍ تدور في فلك النظام نفسه. وهذا ما يؤكد أن الانتخابات ليست إلا آلية لاستمرارية نظام سياسي استبدادي تولى السلطة عقب الاستقلال من فرنسا عام 1962.
انتخابات لا يريدها أحد
تعتقد الغالبية أن الانتخابات الرئاسية ستجرى بالحد الأدنى من المشاركة الشعبية. وهذا بسبب انخفاض درجة الحماسة لدى المواطنين للمشاركة في التصويت نتيجة التشكيك في جدية الانتخابات ونزاهتها، وكذلك ضعف الجدوى من الانتخابات المقررة في 12 كانون الأول/ ديسمبر، ومحدودية دورها في تحقيق الانتقال الديموقراطي.
أعلن قطاع واسع من التشكيلات السياسية، وفي مقدمها الإسلاميون والعلمانيون، مقاطعة الانتخابات المرتقبة، إذ قررت “حركة مجتمع السلم” عدم تزكية أي مرشح أو انتخابه، تاركةً الخيار أمام مناصريها للتصويت بورقة بيضاء. ترافق ذلك مع تحركاتٍ شعبية منددة بالانتخابات، التي اعتبرتها عاجزة عن انتشال دولة الجزائر من وضعها الاقتصادي والسياسي الراهن.
ونظّم الناشطون والمعارضون الجزائريون وقفاتٍ احتجاجية أمام القنصليات الجزائرية في دول عدة، تزامناً مع انطلاق عملية انتخاب المغتربين خارج الجزائر.
ولكن على رغم اعتزام عدم مشاركة الفئات الشبابية وغيرها في الاقتراع، إلا أن الفئات المعتادة على المشاركة من موالي الأحزاب الداعمة للمرشحين لن تتردد في التصويت، ما يحمّل الانتخابات الجزائرية المرتقبة شيئاً من الضبابية وعنصر المفاجأة.