مشى الجزائريون في مسيرات حاشدة في معظم المناطق. آلاف و آلاف وآلاف.. تظاهرات سلمية دفنت رمزيا حكم بوتفليقة المتواصل منذ 20 سنة. تتبع “درج” المتظاهرين في الجزائر العاصمة. من حي باب الواد الشعبي إلى أعالي المدينة، تقريبا إلى مقر رئاسة الجمهورية بالمرادية حيث أوقفت قوات قمع الشغب تقدمهم.
علّق أحد المتظاهرين عن سؤال حول من يقف وراء النداءات المجهولة التي دعت إلى التظاهر بعد صلاة الجمعة من يوم 22 فبراير/شباط 2019 بقوله: ” ليس مهما بقدر السؤال الذي مفاده من يحكم الجزائر باسم الرئيس الغائب“.
فعلا، فقد لبى النداء عدد هائل من سكان الجزائر العاصمة و خرجوا في مسيرة لم يشهدها البلد منذ أحداث منطقة القبائل في 2001 التي راح ضحيتها 126 شخصاً و التي عرفت ب” الربيع الأسود“. لم يتمكن منذ ذلك الوقت أي من التيارات السياسية المعارضة حشد هذا الكم من المتظاهرين. متظاهرون من كل مكونات الشعب الجزائري: شباب و شيوخ، ونساء و أطفال، قالوا لا لعهدة خامسة للرئيس بوتفليقة.
كان الجو ربيعيا في هذا اليوم من الشتاء الذي عبر فيه الجزائريون عن تضامنهم ضد فساد منظومة الحكم: ” الدولة و الشعب، خاوة، خاوة“. ردد المتظاهرون هذا الشعار في كل مرة حاولت فيها قوات قمع الشغب إيقاف تقدمهم في بدايات المسيرة وهذا من بين شعارات مماثلة: ” لابوليس ديالنا، ديالنا” أي الشرطة شرطتنا و كذلك ” سلمية، سلمية“. كان هذا من أجل القول بأن لا شيء يدعو للقلق. ووزع بعض المتظاهرين وروداً على عناصر الشرطة المدججة بكل ما يخيل لإنسان من وسائل القمع في إيماءة لنبذ العنف. سلوك وإن جرد قوات قمع الشغب من عدوانيتها المعتادة ، لم يمنعها من صدّ المتظاهرين عندما اقتربوا من رئاسة الجمهورية بقنابل الغاز المسيل للدموع و الرصاص المطاطي و جرح بعضهم. لم يثن ذلك من عزيمة المتظاهرين و لم يؤد بهم لمواجهة العنف بالعنف. فقط شعارات لشحذ الهمم و تجاوز حاجز الخوف: ” ماكانش الخامسة يا بوتفليقة، جيبو ال بياري و زيدو الصاعقة“. أي: ” لن تكون هناك عهدة خامسة يا بوتفليقة، و لن تخيفنا كتائب البحث و التدخل (القوات الخاصة للشرطة) و لا قوات الصاعقة (القوات الخاصة للجيش)“.
من باب الواد إلى شارع بكين المؤدي إلى قصر المرادية عبر الشوارع الرئيسية لوسط العاصمة، بن مهيدي وعبان رمضان حتى ساحة البريد المركزي سيل من المواطنين التقى بآخر كان قادما من حي بلوزداد في الجهة الأخرى ليرتقي إلى أعالي المدينة مرورا بقصر الحكومة في شارع الدكتور سعدان، و شارع كريم بلقاسم ثم قصر الشعب (إحدى إقامات الدولة). كانت الشعارات تندد ببوتفليقة وأخيه الأصغر سعيد ، مستشاره الخاص و أحد أعمدة عصبته التي تحكم البلد في ظل ظروفه الصحية. كيّف المتظاهرون شعاراتهم لدى مرورهم بمؤسسات الدولة وما ترمز إليه. في وقفة أمام المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) ردد المتظاهرون:” هذه جمهورية و ليست مملكة“. و أمام قصر الحكومة: ” كليتو البلاد يالسراقين” (أخذتم كل شيء في هذا البلد يا عصبة السراق) وكذلك ” أويحيى السراق، السراق” (أحمد أويحيى السارق، عن رئيس الوزراء). لكن نال بوتفليقة و أخوه الحظ الأكبر من سخط المتظاهرين.
عندما يجرد الشعب رئيسه من الجنسية
في صورة مثيرة في شارع العربي بن مهيدي وأمام لافتة على الرصيف تشير إلى ممر لذوي الاحتياجات الخاصة أو المعوقين، توقف جمع ليوبخ الكرسي المتحرك المصور في اللافتة، مجردين الرئيس من جنسيته الجزائرية : “بوتفليقة، يا المروكي، ماكانش عهدة خامسة” أي يا بوتفليقة، يا مغربي، في إشارة إلى مكان ولادته، لن تكون هناك عهدة خامسة. كان هذا الشعار المهين و الذي يجرد رمزيا الرئيس من جنسيته الجزائرية الأكثر ترديدا، ليس في العاصمة فقط و لكن في كل المسيرات عبر ربوع البلد. ” الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد” أي أنه يرفض الرئيس عبد العزيز و أخوه الأصغر سعيد. رافقت المسيرة زغاريد النساء المطلة من النوافذ و من أمام أبواب المباني ووزع البعض قوارير المياه على المتظاهرين و كذلك “الخل” لتخفيف أثر الغاز المسيل للدموع. صور تضامنية رسالتها واحدة وهي: معاً من أجل الحرية ضد منظومة الحكم الفاسدة. فقد كان أقوى شعار ردد في المسيرة بلا منازع: “Liberté pour l’Algérie” أو الحرية للجزائر.
لم تسجل أي أحداث شغب أخرجت المسيرة من نطاقها السلمي الرافض لمنظمة حكم بوتفليقة. و نظف المتظاهرون الأماكن التي مروا منها للتأكيد على سلوك احتجاج حضاري و إثبات عكس ما يروج له عن عدوانية المتظاهرين الجزائريين و تبرير منع المسيرات في الجزائر العاصمة. لم يكن هناك عنف إلا من طرف واحد، قوات الشرطة التي منعت تقدم المتظاهرين إلى قصر المرادية. لم يواجه المتظاهرون الشرطة التي قطعت طريقهم بوضع شاحناتها ثم بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. بل ردوا بتصرف ساخر صنع صورة أخرى قوية حيث قاموا بإشعال حماسة الشرطة لدى إلقائها بالقنابل المسيلة للدموع كمن يشجع لاعب كرة قدم عند تنفيذه لرمية جزاء. تصرف يفيد بأنه لا خوف من المواجهة ولكن المسيرة سلمية.
تجمع المتظاهرون قبل أن يعودوا أدراجهم في ملتقى شارعي بكين و سويداني بوجمعة المطل على مبنى التلفزيون العمومي المتواجد في شارع الشهداء حيث صلى بعضهم صلاة العصر هناك في محاولة للتعبير عن لون سياسي معين. لكن كانوا قلة قليلة و لم يتمكن هذا التيار السياسي من بسط صبغته على المسيرة و كتمت شعاراته بما هو أقوى، ألا و هو التنديد بالفساد والحكم مدى الحياة. كما شمل المتظاهرون بانتقاداتهم التلفزيون الرسمي و قنوات التليفزيون الخاصة بانتقاداتهم : ” أين هي الصحافة، أين هي الصحافة“.
إقرأ أيضاً:
الولاية الخامسة لبوتفليقة تضع الجزائر في مهبّ الريح
الجزائر: أعمال عائلة عابرة للحدود وللحكومات وللأحزاب… والضرائب
الجزائر : أموال مريبة لابن مدير شركة سوناطراك عبر مصارف لبنانية