مثل بياتريكس في بدلتها الصفراء من فيلم Kill Bill الشهير لـ”تارنتينو”، يبدو أن الجميع يريدونني ميتة. هاتفي يطن بسبب أنواع مختلفة من التهديدات – إشعارات تحذر من تدهور الأمن على الحدود الشمالية للبنان مع سوريا، تحديثات من الجنوب حيث تواصل إسرائيل قصف “الأهداف العسكرية”، في حين كل ما تفعله هو قتل المزيد من المدنيين، وهنا في بيروت، إشعارات قانونية من المافيا المصرفية لنا في “درج”، لأن تحقيقاتنا بدأت تعيق فسادهم. أنا محاطة بالدبابات والطائرات بدون طيار والمحامين، ومثل “بياتريكس” في الفيلم، ليس لدي سوى سيفي – قلبي.

خلال معركتها النهائية مع “أورين”، ينكسر سيف “بياتريكس”. منذ بداية الفيلم، بغض النظر عن عدد أعدائها، كانت “بياتريكس” دائماً قادرة على الاعتماد على سيفها للدفاع عن نفسها. لكن بعدما تعرض للكسر، كان عليها أن تعتمد على شيء أكثر بدائية – مهارتها. ومثلي، على رغم الشقوق في قلبي، يجب عليّ الاستمرار في المواجهة، وإطعام النار التي بداخلي. هاتفي لا يتركني وحدي – رسائل حب قبيحة من قلوب ترفض أن تلتوي، ورسائل صوتية غاضبة من أمي تطالب بمعرفة سبب اختفائي. اسمي على الجدران: الغضب والحزن والحرب في كل مكان، وأنا مطلوبة.
العيش في هذا البلد يعني أن تعتاد على عدم الاستقرار وعدم اليقين، بخاصة إذا كنت مثلي، من أثمن موارد هذا البلد – يدعوننا “ضرراً جانبياً”. مثل “بياتريكس”، أنا أرتدي بدلة صفراء في حديقة مغطاة بالثلج في الليل؛ من الواضح أنني لا أنتمي إلى المشهد العام. كل هذه التهديدات تواجهني، تتمثل بــ “أورين”، التي ترتدي الأبيض، وتندمج مع الخلفية. تسألني: لماذا لم أفعل ما فعله الجميع – الدراسة في الخارج؟ كوني لا أستطيع محاربة كل هذه التحديات بمفردي. ومع ذلك، ها أنا هنا، وقد وصلت إلى هذا الحد، بسيف مكسور.

أنظر إلى “أورين” وللحظة، أرى كل ما كان يمكن أن يكون. كنت سأكون الآن في فرنسا، أشرب قهوة ذات جودة أفضل بالسعر نفسه الذي أدفعه هنا في لبنان، وربما حتى أقل ثمناً، وأمضي وقتي في عدم الهروب من المحامين والطائرات بدون طيار والدبابات. كنت سألتقي بأشخاص لديهم هوايات أكثر هدوءاً، مثل العزف على الترومبيت أو مراقبة الطيور في أيام الأحد.
تستمر “أورين” في التحديق فيّ، وكل الاحتمالات الأخرى تبدأ بالاندفاع في ذهني. ما كان يجب على والديّ التضحية بهذا كله. كان سيكون لدي وقت أكثر مع والدي عندما كنت طفلة؛ لم يكن عليه أن يعمل بجدٍّ شديد ويكون غائباً طوال الوقت. لم يكن عليه شراء الكثير من الهدايا لتعويض الوقت الضائع. ولما كنت في النهاية سأقع في حب رجل غائب أيضاً – رجل كان عليه التضحية بالكثير من أجل الحرب، مثل والدي. رجل لا يحتاج إلى أن يكون في حالة تأهب دائمة، ولا يحتاج قلبه إلى أن يتعلم الإغلاق والصلابة – من أجل البقاء. لم أكن لأوجه سيفي إليك. لماذا كسرتِه؟ الآن أصبح الوضع أكثر خطراً علي. ألا يمكنك أن ترى ما أواجهه؟ ليس لدي الآن سوى مهارتي وناري.

خلال مواجهة “أورين” بسيف مكسور، أشعر وكأنني الصرصار في Metamorphosis لكافكا. كافكا يظهر كيف يمكنك أن تستيقظ يوماً ما كحشرة، وسرعان ما سيكرهك المجتمع لأنك لم تعد تنتج وتقوم بمهامك على أكمل وجه. لكن في الشرق الأوسط، لا تحتاج إلى فقدان قدرتك على العمل أو التفكير أو الأداء لينبذك المجتمع – أحياناً، فقط تحتاج الى أن تُولد في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. فلسطيني في النكبة. لبناني في الحرب الأهلية. سوري تحت نظام الأسد. أو ببساطة أي شخص في هذه المنطقة من 2023 إلى 2025. نحن جميعاً حشرات هنا، كلنا “أضرار جانبية”. لكن لحسن الحظ، علمتنا “هوليوود” أنه حتى الحشرات يمكنها الحصول على نهاية سعيدة.
لن تقوى “أورين” علي وعلى ناري. في هذه الحديقة الثلجية، حيث لا أنتمي، حيث تترك الدبابات آثاراً على الثلج، حيث أنا غير مرحب بي، حيث تحوم الطائرات بدون طيار في السماء المليئة بالنجوم، حيث أنا مجروحة وسيفي مكسور، حيث تتطاير القضايا القانونية ويغطي الدم بدلتي الصفراء والثلج الأبيض، كما فعلت “بياتريكس”، سأقطع رأس “أورين”.
إقرأوا أيضاً: