ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الجوع في غزّة يأكل الأخضر… والسلحفاة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من يُحالفه الحظّ، قد يجد القليل من لحم السلاحف ويشتريه ويتذوّقه لأوّل مرّة في حياته، من دون أن يخطر في باله أنه سيأتي يوم يُجبَر فيه على أكل سلحفاة بحرية ليبقى على قيد الحياة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لطالما حاولت إنقاذ السلاحف البحرية، الكائنات المسكينة التي تعلق في شباك الصيّادين، وكنت حين أُعيدها إلى البحر أشعر بالفخر، لكنّني اليوم في ظلّ المجاعة الطاحنة، وقفت عاجزاً تماماً، ولم أستطع حمايتها”.

بهذه الكلمات المؤثّرة وصف الغوّاص الفلسطيني محمد أسعد، ابن قطاع غزّة، المشهد المؤلم لإقبال الصيّادين على اصطياد السلاحف البحرية، من أجل إطعام أطفالهم الذين أنهكهم الجوع.

في ظلّ الحصار الإسرائيلي المشدّد على قطاع غزّة، ومع تفاقم المجاعة التي باتت تهدّد حياة الآلاف، لجأ عدد من سكّان القطاع إلى أكل لحوم السلاحف البحرية، بعد أن نفدت الموادّ الغذائية الأساسية، بسبب منع سلطات إسرائيل إدخال أي نوع من الطعام.

وقد تمكّن بعض الصيّادين الذين حالفهم الحظّ، من اصطياد سلاحف بحرية واستخدام لحومها في الطهي، محاولةً منهم لسدّ جوعهم وجوع أُسرهم، بينما اختار آخرون بيع لحوم السلاحف في الأسواق، حيث بلغ سعر الكيلو الواحد منها نحو 100 شيكل (ما يعادل 30 دولاراً أميركياً) وهو سعر مرتفع لكنّه يعكس ندرة الغذاء.

منذ أوائل آذار/ مارس 2025، أوقفت السلطات الإسرائيلية بشكل كامل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة، بما في ذلك الموادّ الغذائية، والوقود، والأدوية، والبضائع الأساسية. هذا الإغلاق المحكم للمعابر أدّى إلى شلل شبه تامّ في سلاسل الإمداد وفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، إذ لم تعد المؤسّسات الإغاثية قادرة على تلبية أبسط احتياجات السكّان.

في الأسواق، بات السكّان يبحثون بيأس عن أي شيء يصلح للأكل، ولم تعد أمامهم خيارات، حتى لحوم العصافير الصغيرة والسلاحف، التي كانت محمية سابقاً، أصبحت مطلوبة في الأسواق. الحرب، التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة، حرمت الناس من أبسط حقوقهم، ولم تترك لهم ترف الاختيار بين أنواع الطعام.

من يُحالفه الحظّ، قد يجد القليل من لحم السلاحف ويشتريه ويتذوّقه لأوّل مرّة في حياته، من دون أن يخطر في باله أنه سيأتي يوم يُجبَر فيه على أكل سلحفاة بحرية ليبقى على قيد الحياة.

محمد الشوربجي، أحد سكّان غزّة، اضطرّ إلى أكل لحم السلاحف، ولكن انتابه شعور غريب ومتناقض، فقد تناول وجبة لا يعرف مذاقها من قبل، كما أنه لم يُخبر أطفاله ماذا يأكلون كي لا يكفّوا عن الأكل. كان يعلم أنهم بحاجة ماسّة إلى البروتين، وقد اختفى الدجاج واللحم والبقوليات منذ أسابيع، وأراد أن يُطعمهم من دون أن يشعرهم بالخوف أو الحزن.

لم يكن أمام الشوربجي خيارات أخرى، المجاعة التي اجتاحت القطاع تركته أمام واقع قاس لا مفرّ منه، وهو واقع حذّرت منه وكالات الأمم المتّحدة، التي أكّدت أن الوضع الإنساني في غزّة بلغ مرحلة “كارثية”، بعد أن نفدت مخزونات الغذاء لدى منظّمات الإغاثة، مع استمرار الحصار وغياب الأمل في إدخال مساعدات.

كما حذّر برنامج الأغذية العالمي أن آلاف السكّان في القطاع، يواجهون مجدّداً خطر الجوع الحادّ وسوء التغذية، مع تناقص مخزونات الغذاء وإغلاق الحدود أمام المساعدات. 

على شاطئ بحر خان يونس، كان محمد قنن يُمارس الصيد، حين رصد سلحفاة بحرية تقترب من الشاطئ، وتمكّن من اصطيادها، وأخرج منها نحو كيلو ونصف من اللحم، وعاد بها إلى منزله، وقدّمها لأطفاله ووالدته مع القليل من المرق. كانت هذه أوّل مرّة في حياته يتناول فيها لحم السلاحف، فقبل اندلاع الحرب كان معتاداً على أكل الأسماك بأنواعها، بحُكم عمله كصيّاد، وكان يبحر لمسافة 12 ميلاً بحرياً بموافقة بحرية إسرائيل ويعود بصيد وفير.

يقول قنن إنه لم يفكر كثيراً عند طهي لحم السلحفاة، كان همّه الوحيد هو إشباع بطون أطفاله، الذين باتوا ينامون جائعين معظم الليالي، ولم تكن المسألة ذوقاً أو قناعة، بل مسألة بقاء على قيد الحياة.

نفاذ الدقيق 

في موازاة أزمة اللحوم، يُعاني سكّان قطاع غزّة من نفاذ مادّة الدقيق الأساسية لصناعة الخبز. فقد اختفى الدقيق من الأسواق، واختفت معه أرغفة الخبز التي كانت تسدّ رمق الأطفال والأسر، الذين يعيشون حرباً طويلة منذ 19 شهراً، مما دفعهم إلى البحث عن بدائل لإنتاج الخبز، فلجأ بعضهم إلى طحن العدس، والمعكرونة، وبقايا الأرز، في محاولة لصنع أرغفة تسدّ الرمق.

وقفز سعر كيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوغراماً، إلى نحو 2000 شيكل (550 دولاراً) وهو سعر يفوق القدرة الشرائية للغالبية الساحقة من السكّان، في ظلّ توقّف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” عن توزيع المساعدات الغذائية، بسبب نفاد المخزون وعدم السماح بدخول أي شحنات جديدة عبر المعابر المغلقة.

أمام مطحنة لا تزال تعمل بفضل الطاقة الشمسية في وسط مدينة غزّة، يصطفّ المئات حاملين معهم كميّات صغيرة من العدس أو الأرز أو المعكرونة، ينتظرون دورهم في طحنها واستخدامها في صناعة الخبز في منازلهم.

ورغم هذه الخطط البديلة، يدرك الجميع أنها حلول مؤقتة لا تكفي لمحاربة الجوع، ولا تستطيع أن تلبّي احتياجات الأطفال اليومية، الذين لا يعرفون معنى الحصار أو الحرب أو إغلاق المعابر، وكلّ ما يعرفونه أنهم جائعون، ويريدون طعاماً يأكلونه ثلاث مرّات في اليوم.

يخشى الكثير من سكّان قطاع غزّة ألا يجدوا خلال الأيام القليلة المقبلة شيئاً يأكلونه بعد نفاذ الأرز والمعكرونة، وإمكانية تنفيذ إسرائيل تهديداتها بإعادة احتلال القطاع.

15.05.2025
زمن القراءة: 4 minutes

من يُحالفه الحظّ، قد يجد القليل من لحم السلاحف ويشتريه ويتذوّقه لأوّل مرّة في حياته، من دون أن يخطر في باله أنه سيأتي يوم يُجبَر فيه على أكل سلحفاة بحرية ليبقى على قيد الحياة.

“لطالما حاولت إنقاذ السلاحف البحرية، الكائنات المسكينة التي تعلق في شباك الصيّادين، وكنت حين أُعيدها إلى البحر أشعر بالفخر، لكنّني اليوم في ظلّ المجاعة الطاحنة، وقفت عاجزاً تماماً، ولم أستطع حمايتها”.

بهذه الكلمات المؤثّرة وصف الغوّاص الفلسطيني محمد أسعد، ابن قطاع غزّة، المشهد المؤلم لإقبال الصيّادين على اصطياد السلاحف البحرية، من أجل إطعام أطفالهم الذين أنهكهم الجوع.

في ظلّ الحصار الإسرائيلي المشدّد على قطاع غزّة، ومع تفاقم المجاعة التي باتت تهدّد حياة الآلاف، لجأ عدد من سكّان القطاع إلى أكل لحوم السلاحف البحرية، بعد أن نفدت الموادّ الغذائية الأساسية، بسبب منع سلطات إسرائيل إدخال أي نوع من الطعام.

وقد تمكّن بعض الصيّادين الذين حالفهم الحظّ، من اصطياد سلاحف بحرية واستخدام لحومها في الطهي، محاولةً منهم لسدّ جوعهم وجوع أُسرهم، بينما اختار آخرون بيع لحوم السلاحف في الأسواق، حيث بلغ سعر الكيلو الواحد منها نحو 100 شيكل (ما يعادل 30 دولاراً أميركياً) وهو سعر مرتفع لكنّه يعكس ندرة الغذاء.

منذ أوائل آذار/ مارس 2025، أوقفت السلطات الإسرائيلية بشكل كامل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة، بما في ذلك الموادّ الغذائية، والوقود، والأدوية، والبضائع الأساسية. هذا الإغلاق المحكم للمعابر أدّى إلى شلل شبه تامّ في سلاسل الإمداد وفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، إذ لم تعد المؤسّسات الإغاثية قادرة على تلبية أبسط احتياجات السكّان.

في الأسواق، بات السكّان يبحثون بيأس عن أي شيء يصلح للأكل، ولم تعد أمامهم خيارات، حتى لحوم العصافير الصغيرة والسلاحف، التي كانت محمية سابقاً، أصبحت مطلوبة في الأسواق. الحرب، التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة، حرمت الناس من أبسط حقوقهم، ولم تترك لهم ترف الاختيار بين أنواع الطعام.

من يُحالفه الحظّ، قد يجد القليل من لحم السلاحف ويشتريه ويتذوّقه لأوّل مرّة في حياته، من دون أن يخطر في باله أنه سيأتي يوم يُجبَر فيه على أكل سلحفاة بحرية ليبقى على قيد الحياة.

محمد الشوربجي، أحد سكّان غزّة، اضطرّ إلى أكل لحم السلاحف، ولكن انتابه شعور غريب ومتناقض، فقد تناول وجبة لا يعرف مذاقها من قبل، كما أنه لم يُخبر أطفاله ماذا يأكلون كي لا يكفّوا عن الأكل. كان يعلم أنهم بحاجة ماسّة إلى البروتين، وقد اختفى الدجاج واللحم والبقوليات منذ أسابيع، وأراد أن يُطعمهم من دون أن يشعرهم بالخوف أو الحزن.

لم يكن أمام الشوربجي خيارات أخرى، المجاعة التي اجتاحت القطاع تركته أمام واقع قاس لا مفرّ منه، وهو واقع حذّرت منه وكالات الأمم المتّحدة، التي أكّدت أن الوضع الإنساني في غزّة بلغ مرحلة “كارثية”، بعد أن نفدت مخزونات الغذاء لدى منظّمات الإغاثة، مع استمرار الحصار وغياب الأمل في إدخال مساعدات.

كما حذّر برنامج الأغذية العالمي أن آلاف السكّان في القطاع، يواجهون مجدّداً خطر الجوع الحادّ وسوء التغذية، مع تناقص مخزونات الغذاء وإغلاق الحدود أمام المساعدات. 

على شاطئ بحر خان يونس، كان محمد قنن يُمارس الصيد، حين رصد سلحفاة بحرية تقترب من الشاطئ، وتمكّن من اصطيادها، وأخرج منها نحو كيلو ونصف من اللحم، وعاد بها إلى منزله، وقدّمها لأطفاله ووالدته مع القليل من المرق. كانت هذه أوّل مرّة في حياته يتناول فيها لحم السلاحف، فقبل اندلاع الحرب كان معتاداً على أكل الأسماك بأنواعها، بحُكم عمله كصيّاد، وكان يبحر لمسافة 12 ميلاً بحرياً بموافقة بحرية إسرائيل ويعود بصيد وفير.

يقول قنن إنه لم يفكر كثيراً عند طهي لحم السلحفاة، كان همّه الوحيد هو إشباع بطون أطفاله، الذين باتوا ينامون جائعين معظم الليالي، ولم تكن المسألة ذوقاً أو قناعة، بل مسألة بقاء على قيد الحياة.

نفاذ الدقيق 

في موازاة أزمة اللحوم، يُعاني سكّان قطاع غزّة من نفاذ مادّة الدقيق الأساسية لصناعة الخبز. فقد اختفى الدقيق من الأسواق، واختفت معه أرغفة الخبز التي كانت تسدّ رمق الأطفال والأسر، الذين يعيشون حرباً طويلة منذ 19 شهراً، مما دفعهم إلى البحث عن بدائل لإنتاج الخبز، فلجأ بعضهم إلى طحن العدس، والمعكرونة، وبقايا الأرز، في محاولة لصنع أرغفة تسدّ الرمق.

وقفز سعر كيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوغراماً، إلى نحو 2000 شيكل (550 دولاراً) وهو سعر يفوق القدرة الشرائية للغالبية الساحقة من السكّان، في ظلّ توقّف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” عن توزيع المساعدات الغذائية، بسبب نفاد المخزون وعدم السماح بدخول أي شحنات جديدة عبر المعابر المغلقة.

أمام مطحنة لا تزال تعمل بفضل الطاقة الشمسية في وسط مدينة غزّة، يصطفّ المئات حاملين معهم كميّات صغيرة من العدس أو الأرز أو المعكرونة، ينتظرون دورهم في طحنها واستخدامها في صناعة الخبز في منازلهم.

ورغم هذه الخطط البديلة، يدرك الجميع أنها حلول مؤقتة لا تكفي لمحاربة الجوع، ولا تستطيع أن تلبّي احتياجات الأطفال اليومية، الذين لا يعرفون معنى الحصار أو الحرب أو إغلاق المعابر، وكلّ ما يعرفونه أنهم جائعون، ويريدون طعاماً يأكلونه ثلاث مرّات في اليوم.

يخشى الكثير من سكّان قطاع غزّة ألا يجدوا خلال الأيام القليلة المقبلة شيئاً يأكلونه بعد نفاذ الأرز والمعكرونة، وإمكانية تنفيذ إسرائيل تهديداتها بإعادة احتلال القطاع.