fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الحج: لماذا بات رحلة الى الموت؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتكرّر سنوياً، الحوادث التي تتسبّب بوفاة حجاج في السعودية، وقد ناهزت الحصيلة الإجمالية للوفيات خلال موسم الحج 2024 الـ 900 شخص، غالبيتهم مصريون. نُسب سبب الوفاة الى الطقس الحار، فيما لا يزال كثرٌ يبحثون عن أقربائهم وأصدقائهم الذين فُقدوا خلال المناسك التي تمت في درجة حرارة وصلت حدّ الخمسين. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في العام الماضي، قضى أكثر من 200 حاج معظمهم من إندونيسيا، ويتأثر موسم الحج، وهو من أكبر التجمّعات الدينية في العالم، بشكل متزايد بالتغير المناخي بحسب دراسة سعودية أفادت بأن الحرارة في المنطقة ترتفع 0,4 درجة مئوية في كل عقد. 

تتيح المملكة أداء الحج حصراً للسكان ممن لديهم تصاريح والأجانب الحاصلين على تأشيرات مخصّصة، لكن توسّعها في إصدار تأشيرات عامة منذ عام 2019 فتح مجالاً أوسع لأداء مناسك الحج بشكل أقل كلفة، لكن غير قانوني، لآلاف الأجانب. 

الصادم هذا العام هو الصور والفيديوهات التي انتشرت عبر السوشيال ميديا للفوضى التي رافقت وفاة حجاج كثر وهم متروكون في الطرق وسط الحرّ. بدا وكأن هذه الحوادث خرجت عن سيطرة الحجيج والمنظّمين، وهو ما كشف عن جوانب تقصير حاول المنظمون في السعودية تجنّبها وأحياناً تجاهلها. 

الحوادث الأخيرة الحاصلة منذ تولّي الملك سلمان السلطة، بدت مختلفة إلى حد ما عن حالات موت حجاج سابقة، ليس لنوعها ولكن لكمّها وطبيعتها، فيما تبذل السعودية قصارى جهدها للترويج لكونها بلداً سياحياً يحاول أخذ مكانة بين الدول المتقدمة تقنياً واقتصادياً وحتى سياسياً!

افتتاحية هذه الحوادث والإخفاقات المتكررة في تنظيم الحج خلال عهد العاهل السعودي الحالي، والذي منح إبنه منذ الأشهر الأولى من حكمه صلاحيات كثيرة، بدأت بسقوط رافعة في الحرم المكي عام 2015، والتي أودت بحياة نحو 108 أشخاص و238 جريحاً. حينها، تناولت وسائل الإعلام العالمية الحادثة مبرّرة ذلك بشدة العاصفة التي أدت الى سقوط الرافعة على الناس في الحرم المكي. وحاولت في غالبيتها تجاهل غرابة وجود الرافعات في هذا التوقيت حول الحرم، بخاصة وأن التغييرات الهندسية للمنطقة قد تجاوزت خلال العقدين الأخيرين مسألة توسعة الحرم، فبنت برج الساعة والفنادق الفاخرة التي غطت المنطقة بتاريخها ووهجها، كما أخرجت سكان مكة منها.

في المقابل، ألقت السعودية اللوم بالكامل على مجموعة بن لادن السعودية لتتم معاقبتها، ولعلها كانت أولى بوادر محاولة ربط العهد السعودي الجديد بالإصلاح والتغييرات ومكافحة الفساد وغيرها من الملفات التي برزت الى العلن مع السلطة الجديدة، فهل كانت هذه النهاية لكوابيس الحجاج؟

للأسف لا، إذ تلتها بأسبوعين فقط حادثة جديدة وهي من النوع المتوقع والمتكرر في الحج، وهي حادثة التدافع في مشعر منى، إلا أنها هذه المرة كانت إحدى الحوادث الأعنف منذ العام 1990، عندما تسبّب عطل في تهوئة نفق الى اختناق الحجاج، وبالتالي التدافع الذي أودى بحياة نحو 1426 شخصاً. حينها، تجاهلت السعودية الإعلان عن الأسباب أو المسؤول، واكتفت باعتبار أن ما حدث مثله مثل سابقاته “قضاء وقدر” ما لم يكن عبثاً من المغرضين مع ربط المسألة بعامل الطقس المتكرر في كل مأساة تقريباً.

 لكن السعودية آنذاك لم تكن تكترث للرأي العام العالمي كما يحصل اليوم! 

الصادم هذا العام هو الصور والفيديوهات التي انتشرت عبر السوشيال ميديا للفوضى التي رافقت وفاة حجاج كثر وهم متروكون في الطرق وسط الحرّ.

وفي حادثة منى عام 2015، لقي نحو 770 شخصاً حتفهم فضلاً عن أكثر من 700 إصابة. لم تكن مجموعة بن لادن المسؤولة هذه المرة، إذ تم إيقافها عن العمل، فكان للسياسة نصيب الأسد، لتدخل الخلافات السعودية – الإيرانية في الأمر ويُلقى باللوم على احتمال افتعال الحجيج الإيرانيين ذلك وتسبّبهم في موت رفقائهم من الحجاج! وتاريخياً، هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها الحجاج الإيرانيون بالتسبّب في حوادث الحج المتكررة. 

بعد تسع سنوات فقط، نتابع اليوم حادثة جديدة لكنها هذه المرة قد تكون الأشرس والأعنف من حيث مبدأها لا أعداد الموتى أو أسبابها. فبعدما شهدنا هذا العام حملات مباغتة من الحكومة السعودية تجاه الحجاج غير المصرّح لهم “المخالفين” وتصريحات المسؤولين، وتصعيداً غير مسبوق على رغم وجود المخالفين من الحجيج على مر العقود الماضية، انتهى الأمر بهم بالبقاء تحت لهيب شمس مكة القاسي وعلى أرصفتها ليموت العشرات منهم ممن لم يحتمل الحرّ. فلا حكومات بلادهم تريد تحمّل مسؤولية خطأ بقائهم مخالفين أو عدم قدرتهم على التكلّف بنفقة الحج الباهظة، ولا الحكومة المستضيفة تحمّلت هذا العدد القليل من المخالفين أمام مئات الآلاف من المستضافين الذين يدرّون مالاً يفوق ما تحاول البلاد الترويج له من خلال مشاريع الرياضة أو الحفلات الموسيقية والمهرجانات. 

تناولت الصحافة العالمية الخبر هذه المرة وربطته بالطقس الحار كونها تعتقد أن الجزيرة العربية هي قطعة من جهنم، ناهيك بمحاولات تبرير المتابعين هذه الحادثة بأعذار الطقس المتكررة غير المقنعة، فيما هذا هو طقس مكة المعتاد ونحن ما زلنا في بداية فصل الصيف، وهذا ليس الحج الأول الذي يصادف في هذا التوقيت من العام، ولذلك ليس بإمكان المنظمين تجاهل عامل الطقس في كل عام وإلقاء اللوم عليه! فضلاً عن أنها لم تكن حادثة تدافع أو انهيار أو أي أمر طارئ غير متوقع، بل إنها حادثة متعمّدة ولم تلقَ اهتمام المسعفين أو أجهزة الإنقاذ والطوارئ! ففي ليلة وضحاها، استفاقت الحكومة وقررت بمزاجيتها المعهودة منع المخالفين، وبالتالي عدم تقديم الخدمات لهم حتى وإن تسبب ذلك في موتهم، لتكون رسالة واضحة لحجاج الأعوام المقبلة، التصريح أو الموت!  

ولا عجب، فهذه هي السياسة المتّبعة في تعامل السلطات السعودية مع مواطنيها والمقيمين على أراضيها خلال التسع سنوات الماضية، مزاجية في القرارات وعنجهية في التنفيذ. 

بالتالي، ليس بإمكان ماكينات الدعاية التي برزت خلال الأعوام الماضية، تصوير الخدمات كافة المقدّمة للحجاج وكأنها قدرات خارقة وأمور استثنائية تقدّمها البلاد لمن دفعوا كل ما يملكون من أجل هذه الرحلة والفريضة، بينما تتم مهاجمة كل من ينشر أي تقصير أو إخفاق أو إهمال مثلما حدث أخيراً.

تنظيم الحج ليس بالمسألة اليسيرة، فالحجاج ليسوا سائحين مرفهين بل إن عدداً كبيراً منهم من كبار السن الذين هم بحاجة الى المساعدة والعناية الفائقة، ناهيك بمسيرة الحج وطقوسه وحتى مناخه الذي لا يقارن برحلة صيفية عائلية للاستجمام. 

غير أن الشفافية وتحمّل المسؤولية واجب على الجهة المنظّمة، كما أن الحج وتنظيمه لا يجب أن يكونا ملفاً سياسياً تتنافس عليه الدول لجمع المال أو نيل مزيد من السلطة والنفوذ.

سمر فيصل - صحافية سعودية
المملكة العربية السعودية
20.06.2024
زمن القراءة: 4 minutes

تتكرّر سنوياً، الحوادث التي تتسبّب بوفاة حجاج في السعودية، وقد ناهزت الحصيلة الإجمالية للوفيات خلال موسم الحج 2024 الـ 900 شخص، غالبيتهم مصريون. نُسب سبب الوفاة الى الطقس الحار، فيما لا يزال كثرٌ يبحثون عن أقربائهم وأصدقائهم الذين فُقدوا خلال المناسك التي تمت في درجة حرارة وصلت حدّ الخمسين. 

في العام الماضي، قضى أكثر من 200 حاج معظمهم من إندونيسيا، ويتأثر موسم الحج، وهو من أكبر التجمّعات الدينية في العالم، بشكل متزايد بالتغير المناخي بحسب دراسة سعودية أفادت بأن الحرارة في المنطقة ترتفع 0,4 درجة مئوية في كل عقد. 

تتيح المملكة أداء الحج حصراً للسكان ممن لديهم تصاريح والأجانب الحاصلين على تأشيرات مخصّصة، لكن توسّعها في إصدار تأشيرات عامة منذ عام 2019 فتح مجالاً أوسع لأداء مناسك الحج بشكل أقل كلفة، لكن غير قانوني، لآلاف الأجانب. 

الصادم هذا العام هو الصور والفيديوهات التي انتشرت عبر السوشيال ميديا للفوضى التي رافقت وفاة حجاج كثر وهم متروكون في الطرق وسط الحرّ. بدا وكأن هذه الحوادث خرجت عن سيطرة الحجيج والمنظّمين، وهو ما كشف عن جوانب تقصير حاول المنظمون في السعودية تجنّبها وأحياناً تجاهلها. 

الحوادث الأخيرة الحاصلة منذ تولّي الملك سلمان السلطة، بدت مختلفة إلى حد ما عن حالات موت حجاج سابقة، ليس لنوعها ولكن لكمّها وطبيعتها، فيما تبذل السعودية قصارى جهدها للترويج لكونها بلداً سياحياً يحاول أخذ مكانة بين الدول المتقدمة تقنياً واقتصادياً وحتى سياسياً!

افتتاحية هذه الحوادث والإخفاقات المتكررة في تنظيم الحج خلال عهد العاهل السعودي الحالي، والذي منح إبنه منذ الأشهر الأولى من حكمه صلاحيات كثيرة، بدأت بسقوط رافعة في الحرم المكي عام 2015، والتي أودت بحياة نحو 108 أشخاص و238 جريحاً. حينها، تناولت وسائل الإعلام العالمية الحادثة مبرّرة ذلك بشدة العاصفة التي أدت الى سقوط الرافعة على الناس في الحرم المكي. وحاولت في غالبيتها تجاهل غرابة وجود الرافعات في هذا التوقيت حول الحرم، بخاصة وأن التغييرات الهندسية للمنطقة قد تجاوزت خلال العقدين الأخيرين مسألة توسعة الحرم، فبنت برج الساعة والفنادق الفاخرة التي غطت المنطقة بتاريخها ووهجها، كما أخرجت سكان مكة منها.

في المقابل، ألقت السعودية اللوم بالكامل على مجموعة بن لادن السعودية لتتم معاقبتها، ولعلها كانت أولى بوادر محاولة ربط العهد السعودي الجديد بالإصلاح والتغييرات ومكافحة الفساد وغيرها من الملفات التي برزت الى العلن مع السلطة الجديدة، فهل كانت هذه النهاية لكوابيس الحجاج؟

للأسف لا، إذ تلتها بأسبوعين فقط حادثة جديدة وهي من النوع المتوقع والمتكرر في الحج، وهي حادثة التدافع في مشعر منى، إلا أنها هذه المرة كانت إحدى الحوادث الأعنف منذ العام 1990، عندما تسبّب عطل في تهوئة نفق الى اختناق الحجاج، وبالتالي التدافع الذي أودى بحياة نحو 1426 شخصاً. حينها، تجاهلت السعودية الإعلان عن الأسباب أو المسؤول، واكتفت باعتبار أن ما حدث مثله مثل سابقاته “قضاء وقدر” ما لم يكن عبثاً من المغرضين مع ربط المسألة بعامل الطقس المتكرر في كل مأساة تقريباً.

 لكن السعودية آنذاك لم تكن تكترث للرأي العام العالمي كما يحصل اليوم! 

الصادم هذا العام هو الصور والفيديوهات التي انتشرت عبر السوشيال ميديا للفوضى التي رافقت وفاة حجاج كثر وهم متروكون في الطرق وسط الحرّ.

وفي حادثة منى عام 2015، لقي نحو 770 شخصاً حتفهم فضلاً عن أكثر من 700 إصابة. لم تكن مجموعة بن لادن المسؤولة هذه المرة، إذ تم إيقافها عن العمل، فكان للسياسة نصيب الأسد، لتدخل الخلافات السعودية – الإيرانية في الأمر ويُلقى باللوم على احتمال افتعال الحجيج الإيرانيين ذلك وتسبّبهم في موت رفقائهم من الحجاج! وتاريخياً، هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها الحجاج الإيرانيون بالتسبّب في حوادث الحج المتكررة. 

بعد تسع سنوات فقط، نتابع اليوم حادثة جديدة لكنها هذه المرة قد تكون الأشرس والأعنف من حيث مبدأها لا أعداد الموتى أو أسبابها. فبعدما شهدنا هذا العام حملات مباغتة من الحكومة السعودية تجاه الحجاج غير المصرّح لهم “المخالفين” وتصريحات المسؤولين، وتصعيداً غير مسبوق على رغم وجود المخالفين من الحجيج على مر العقود الماضية، انتهى الأمر بهم بالبقاء تحت لهيب شمس مكة القاسي وعلى أرصفتها ليموت العشرات منهم ممن لم يحتمل الحرّ. فلا حكومات بلادهم تريد تحمّل مسؤولية خطأ بقائهم مخالفين أو عدم قدرتهم على التكلّف بنفقة الحج الباهظة، ولا الحكومة المستضيفة تحمّلت هذا العدد القليل من المخالفين أمام مئات الآلاف من المستضافين الذين يدرّون مالاً يفوق ما تحاول البلاد الترويج له من خلال مشاريع الرياضة أو الحفلات الموسيقية والمهرجانات. 

تناولت الصحافة العالمية الخبر هذه المرة وربطته بالطقس الحار كونها تعتقد أن الجزيرة العربية هي قطعة من جهنم، ناهيك بمحاولات تبرير المتابعين هذه الحادثة بأعذار الطقس المتكررة غير المقنعة، فيما هذا هو طقس مكة المعتاد ونحن ما زلنا في بداية فصل الصيف، وهذا ليس الحج الأول الذي يصادف في هذا التوقيت من العام، ولذلك ليس بإمكان المنظمين تجاهل عامل الطقس في كل عام وإلقاء اللوم عليه! فضلاً عن أنها لم تكن حادثة تدافع أو انهيار أو أي أمر طارئ غير متوقع، بل إنها حادثة متعمّدة ولم تلقَ اهتمام المسعفين أو أجهزة الإنقاذ والطوارئ! ففي ليلة وضحاها، استفاقت الحكومة وقررت بمزاجيتها المعهودة منع المخالفين، وبالتالي عدم تقديم الخدمات لهم حتى وإن تسبب ذلك في موتهم، لتكون رسالة واضحة لحجاج الأعوام المقبلة، التصريح أو الموت!  

ولا عجب، فهذه هي السياسة المتّبعة في تعامل السلطات السعودية مع مواطنيها والمقيمين على أراضيها خلال التسع سنوات الماضية، مزاجية في القرارات وعنجهية في التنفيذ. 

بالتالي، ليس بإمكان ماكينات الدعاية التي برزت خلال الأعوام الماضية، تصوير الخدمات كافة المقدّمة للحجاج وكأنها قدرات خارقة وأمور استثنائية تقدّمها البلاد لمن دفعوا كل ما يملكون من أجل هذه الرحلة والفريضة، بينما تتم مهاجمة كل من ينشر أي تقصير أو إخفاق أو إهمال مثلما حدث أخيراً.

تنظيم الحج ليس بالمسألة اليسيرة، فالحجاج ليسوا سائحين مرفهين بل إن عدداً كبيراً منهم من كبار السن الذين هم بحاجة الى المساعدة والعناية الفائقة، ناهيك بمسيرة الحج وطقوسه وحتى مناخه الذي لا يقارن برحلة صيفية عائلية للاستجمام. 

غير أن الشفافية وتحمّل المسؤولية واجب على الجهة المنظّمة، كما أن الحج وتنظيمه لا يجب أن يكونا ملفاً سياسياً تتنافس عليه الدول لجمع المال أو نيل مزيد من السلطة والنفوذ.