شيّع أهالي قرية العجميين في محافظة الفيوم المصرية جثمان عبد الله رمضان عشري، الذي وصفه بيان القوات المسلّحة المصرية بـ “أحد العناصر” من دون ذكر اسمه ولا مهامه العسكرية على الشريط الحدودي مع رفح، ومن دون أي تشريفة عسكرية كما عادة القوات المسلّحة في حال مقتل أحد ضباطها في اشتباكات داخلية في سيناء.
رمضان عشري جندي عادي يؤدي فترة التجنيد الإجباري على الحدود، وهو من قرية فقيرة شيّعه أهاليها بهتافات “الشهيد حبيب الله”، فيما وصفت القوات المسلحة المصرية مقتله بالحادث، على عكس ما كانت تلقّب قتلاها أمام الجماعات الإسلامية المسلّحة بالشهداء.
أما في وسائل الإعلام المصرية، فحُذفت الجملة الصادرة عن القوات المسلّحة المصرية: “مقتل أحد العناصر بعد تعليمات الرقابة العسكرية”، وكأنها تخلي مسؤوليتها بهذا الحذف عن مقتل رمضان عشري الذي كان مكلفاً بإطلاق النيران في حال التعدّي على الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل. فيما غرد مصريون وعرب على منصة “إكس” على صفحة المتحدث العسكري المصري: “هل الدم المصري رخيص؟”، وعلق آخر “عايزين يلبسوها في حماس”.
بحسب جريدة الشرق الأوسط، فإن الجيش الإسرائيلي أعلن من خلال قناتَي “13” و”14″ الإسرائيليتين، عن مقتل الجندي المصري قبل أن تعلن القوات المسلحة المصرية ذلك، فيما ظلّ المصريون ينتظرون إن كانت القوات المسلحة المصرية ستعلن أم ستنفي.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، قال عبر حسابه على “إكس”: “قبل بضع ساعات، وقع حادث إطلاق نار على الحدود المصرية، ويتم التحقيق في هذا الموضوع. كما يتم التواصل مع الجانب المصري بهذا الشأن”.
أثار إعلان مصر نتائج التحقيقات غضباً مصرياً وعربياً على “إكس”، إذ قالت إن مقتل الجندي المصرى أتى بعد إطلاق نيران بين القوات الإسرائيلية وعناصر من الجانب الفلسطيني”. وعلق المغردون بأن مصر تحاول إثبات أن الجندي قُتل برصاص طائش لتضع الجانب الفلسطيني أيضاً في موضع المتّهم.
تدريبات عسكرية قديمة؟!
أعلنت القوات المسلحة المصرية مراراً في خطابات تحاول من خلالها تهدئة الشارع المصري، أنها تحمي حدودها بدبابات ومدرعات، وأنها جاهزة تماماً لأي سيناريو بالتعدي عليها. وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات غير معلوم مصدرها ولا أسباب نشرها في توقيت الحرب على غزة، تُظهر مدرعات على الحدود مع رفح. وقد تبيّن بعد ذلك أنها تدريبات عسكرية قديمة قبل الحرب على غزة.
وظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي، في الأكاديمية العسكرية المصرية وهو يستمع إلي قيادات الجيش في شرح مع الصور للدبابة الإسرائيلية “ميركافا ” وثغراتها وتفاصيلها الفنية، لكن حتى الآن لم تعلن القوات المسلحة عن مدى جاهزيتها وتأمين الشريط الحدودي والجنود الذين يقفون ببندقية على شريط الموت.
وفي ظلّ الاستعراض الإعلامي بجاهزية مصر لأي تجاوزات من الجانب الإسرائيلي، لا تزال مصر مرتبكة حتى في خطاباتها السياسية على رغم التجاوزات الجغرافية من إسرائيل، التي تسيطر على ثلثي محور ” فيلادلفيا”، الذي يعد منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام بين البلدين.
تعد رفح والعريش اليوم منطقتين شبه محظورتين على الصحافيين، وبخاصة المستقلين الذين لن يستطيعوا الحصول على تصاريح المخابرات العسكرية للدخول، ما يجعل من متابعة مدى التأمين المصري للجنود والحدود شبه مستحيلة، وما يجعلنا نتساءل: هل كان عبد الله رمضان وغيره من الجنود المصريين على الشريط الحدودي الذين يحظون بتأمين كاف وكفيل بإنقاذ حياتهم من رصاص طائش؟ وهل تأمين الحدود لا يعني بالضرورة تأمين الجنود؟
وكان عبد الله رمضان كتب على صفحته على فيسبوك وهو يقف على خط الموت الحدودي، “إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لعلى كربك يا غزة لمحزونون، غزة في كرب والعالم أصم أبكم أعمى عاق عن إنجاب الرجولة”، وأضاف: “يا رب هدوء تام في غزة”، فهو لم يكن يعلم أنه وأهله وقريته سينالهم الكرب نفسه الذي أصاب أهالي غزة وسيفقد حياته مثلهم.
إقرأوا أيضاً:
في حزيران/ يونيو 2023، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الجندي المصري محمد صلاح، الذي لقي حتفه بعد تبادل إطلاق نار سقط فيه 3 جنود إسرائيليين. وتداولت وسائل إعلام تصريحات عن أسرة الجندي المصري، بأن جنازته تمت بشكل سري بناء على طلب الأمن المصري، وأن الشرطة دفنته سريعاً من دون حضور والدته.
الجندي محمد صلاح هو أيضاً ضحية ضعف تأمين الجنود على الحدود، وبحسب تصريحات اللواء سمير فرج، فإن صلاح كانت لديه بندقية واحدة و100 طلقة، فيما كانت تحاصره 3 كتائب إسرائيلية، وكأن إسرائيل هي المسؤولة وحدها بكتائبها عن مقتله.
لو كان محمد صلاح مؤمّناً بشكل كاف لكان الآن في بيته بعدما كاد ينهي خدمته العسكرية، التي أمضى فيها 3 سنوات وكان على وشك تسليم عهدته والخروج نهائياً منها، ولو كان عبد الله عثمان مؤمناً كان سينهي مدته العسكرية الإجبارية ويبدأ في العمل ويسعى الى الزواج وبناء أسرة.
في تحقيق وثائقي صادم لـ”بي بي سي” بعنوان “موت في الخدمة”، كُشف عن تجاوزات ضد المجندين المصريين من رؤسائهم، أدت إلى مقتل جنود أبرياء في وضع سلمي من دون تأهب على الحدود. والآن، ومع مخاطر تأمين الحدود و”الرصاص الطائش”، هل سنعتاد أخبار موت الجنود المصريين حتى تنتهي الحرب على غزة؟
إقرأوا أيضاً: