fbpx

الحرب التي انتهت ولم تنتهِ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في مثل هذه الأيّام قبل ثلاثين عاماً، انتهت الحرب العراقيّة – الإيرانيّة. الحرب أشعلها صدّام حسين وأجّجها آية الله الخمينيّ بحيث لا تنتهي بأقلّ من ثماني سنوات ومليون قتيل وبدون إحراق ثروات وتهديم مدن. ما لا يقلّ سوءاً عن ذلك، إطلاق الطائفيّات والعنصريّات على نحو غير مسبوق في تاريخ المنطقة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مثل هذه الأيّام قبل ثلاثين عاماً، انتهت الحرب العراقيّة – الإيرانيّة. الحرب أشعلها صدّام حسين وأجّجها آية الله الخمينيّ بحيث لا تنتهي بأقلّ من ثماني سنوات ومليون قتيل وبدون إحراق ثروات وتهديم مدن. ما لا يقلّ سوءاً عن ذلك، إطلاق الطائفيّات والعنصريّات على نحوٍ غير مسبوق في تاريخ المنطقة: سنّيّة عربيّة متعصّبة في مواجهة شيعيّة إيرانيّة متعصّبة. قاموس التعيير بشتائم التاريخ القديم بات يستولي على التبادل السياسيّ والخطابيّ.

الاثنان كانا بحاجة إلى هذه الحرب: أوّلهما، صدّام، كان قد حلّ محلّ أحمد حسن البكر في قيادة الحزب والدولة. وضعُه كان صعباً في الحزب والدولة. “حزب الدعوة” الشيعيّ الراديكاليّ كان يتمدّد في الوسط والجنوب العراقيَّين مستفيداً من مناخ الثورة الإيرانيّة. تضعضع إيران، بعد ثورتها، بدا فرصةً للانتقام منها ومن التنازل الكبير الذي قُدّم لها اضطراراً في شطّ العرب عام 1974.

الثاني، الخميني، وجد نفسه، هو الآخر، جالساً فوق نظام مهدّد. علاقاته سلبيّة جدّاً مع الولايات المتّحدة بسبب الاستيلاء على سفارتها، من دون أن تكون إيجابيّةً مع الاتّحاد السوفياتيّ “الشيوعيّ الملحد”. جيرانه في الخليج خائفون من وعيده بـ “تصدير الثورة”. الأهمّ أنّ العلاقات داخل السلطة بدت سيّئة جدّاً: النزاع على أشدّه بين أبو الحسن بني صدر ومحمّد بهشتي، بعد إبعاد المهدي بازركان عن رئاسة الحكومة “لاتّصاله بالأميركيّين”. منظّمة “مجاهدي خلق” وسواها من تنظيمات متطرّفة أصغر يشنّون حرباً إرهابيّة بلا هوادة…

 “إذاً كان كلّ من صدّام والخميني بحاجةٍ إلى حرب يتأدّى عنها تصليب موقعيهما ونظاميهما” 

ما حصل أنّ أحداً لم ينتصر على نحو واضح، لكنّ النتيجة الفعليّة ما لبثت أن ظهرت لاحقاً: فالخميني نجح في تعزيز نظامه بينما نجح صدّام في تعزيز ضعفه الذي حاول تلافيه بحرب أخرى على الكويت. هكذا تولّى مستبدّ العراق تفجير الوحدة الظاهريّة للعالم الإسلاميّ بالحرب مع إيران، لينتقل إلى تفجير الوحدة الظاهريّة للعالم العربيّ بغزوه الكويت. وفيما انكفأت إيران قليلاً، تاركةً حاكم العراق يحتكر الشرّ في نظر العالم، تلاحقت الأحداث حصاراً وحشيّاً للعراق ثمّ إسقاطاً مدوّياً للنظام نفسه. هكذا، وبقوّة أميركا، انتقمت إيران من عدوّها العراقيّ، بعدما انتقمت، وأيضاً بقوّة أميركا، من خصمها الطالبانيّ المزعج في أفغانستان.

الإمام الخميني

مع هذا، فتلك الحرب التي انتهت في 1988 لم تنتهِ. فالإشكال العراقيّ – الإيرانيّ الكبير مستمرّ بأشكال أخرى. إيران، التي استكملت ابتلاعها للعراق بعد الانسحاب الأميركيّ منه، لن تقوى اليوم، هي الفقيرة المُعاقَبَة، على الاحتفاظ بالعراق. مفاجآت العلاقة بين الجارين ممكنة وواردة جدّاً. أهمّ من ذلك أنّ ما أطلقته تلك الحرب من رياح التفتّت والكراهية والطائفيّة والعنصريّة هي التي انتصرت ولا تزال تنتصر. بهذا المعنى، كانت المواجهة الكبرى العراقيّة – الإيرانيّة، وبإطلاق، أهمّ حروب المنطقة في القرن العشرين. فعلى عكس الحروب العربيّة – الإسرائيليّة التي أظهرت وحدة مزعومة، تولّت حرب العراق وإيران هتك الوحدة المزعومة. لقد كانت حرباً شنّها مجرمان وكذّابان، إلاّ أنّهما، في لحظة صدق نادرة، استهدفا كذبة كبرى وحطّماها. عن هذه الحقيقة تنجم ديمومة تلك الحرب، ولو بقوى وأدوات أخرى، كما تنجم راهنيّتها القاتلة.