fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الحرب في السودان… سوريون يبحثون عن طريق النجاة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عندما أغلقت الدول العربية أبوابها في وجه السوريين وفرضت قيوداً ضد حصولهم على تأشيرة لدخول أراضيها، كان الاستثناء الوحيد هو السودان، الذي سهل دخول السوريين إلى أراضيه، والحصول على التعليم والخدمات الصحية، مثلهم مثل المواطنين السودانيين تماماً، هكذا يقول معظم السوريين ممن التقاهم “درج” في رحلة فرارهم من السودان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أضحت السودان وجهة للكثير من الشبان السوريين الفارين من الخدمة العسكرية، بالإضافة الى التجار وأصحاب المهن والمطاعم، الذين نقلوا أعمالهم إليه، لسهولة ورخص استخراج التأشيرة، والتي تبلغ تكلفتها 150 دولاراً أميركياً، بينما تبلغ تكلفة تذكرة الطيران من دمشق الى الخرطوم 200 دولار. ويعتبر المبلغ كاملاً بسيطاً مقارنة بدول أخرى ليست هناك فرصة بالأصل للحصول على تأشيرة لدخول أراضيها. 

يمكن أن توضع التأشيرة على جواز السفر بعد يوم واحد من الحصول عليها وأحياناً في اليوم نفسه. بالإضافة إلى ذلك، تلقى السوريون معاملة طيبة من  الشعب السوداني، ما جعل من السودان الوجهة المثالية للسوريين الفارين من الظلم والفقر.

يتجمع السوريون بشكل أساسي  في العاصمة الخرطوم وخرطوم بحري وأم درمان، ولديهم الكثير من المحلات التجارية والمطاعم الدمشقية، والبعض منهم يعمل في النجارة والحدادة والتعليم أيضاً.

مع نشوب الحرب السودانية، غدت هذه المناطق مراكز للنزاع المسلح، ما دفع السوريين المقيمين فيها إلى الفرار، فتوجه البعض من الخرطوم الى وادي حلفا وبورتسودان، و البعض الآخر توجّه إلى وادي حلفا للعبور إلى مصر، وهناك آخرون قصدوا بورتسودان للعودة إلى سوريا.

افترش كثر من السوريين الشوارع واعتمدوا على المساعدات، لعجزهم عن الانتقال إلى مصر بسبب التكلفة المالية الباهظة، إذ إن تكلفة الرحلة للشخص الواحد ثلاثة آلاف دولار للعبور إلى مصر، أما تكلفة الموافقة الأمنية لدخول مصر فتبلغ 1200 دولار، فيما تصل تكلفة تذكرة الطيران للعودة إلى دمشق الى ألف دولار أميركي بحسب من التقاهم “درج”، وسط تغييب إعلامي سوري ودولي لمعاناتهم.

وادي حلفا والعبور إلى مصر 

تسببت الحرب في السودان بصدمة للسوريين المقيمين فيه، أولئك الذين فروا بحثاً عن مكان أفضل، لكنهم وجدوا أنفسهم فجأة وسط حرب جديدة، وفي رحلة النجاة مرة أخرى من الحرب. قابل “درج” مجموعة من السوريين الذين شاركوه تجاربهم في الفرار. وبحسب بيانات الدولة السودانية، هناك تسعين ألف سوري موجودين في الخرطوم، ولقي 20 منهم حتفه منذ اندلاع الحرب السودانية في 15 نيسان/ إبريل 2023.

جاءت ديما (اسم مستعار) مع طفليها على متن طائرة يوم 14 نيسان 2023، لإجراء مقابلة في القنصلية السويدية في الخرطوم، لإكمال رحلة لمّ الشمل مع زوجها، بعد انتظار أربع سنوات في دمشق، لكنها لم تستطع الوصول في اليوم التالي إلى السفارة، وبدأ سائق التاكسي بالتراجع إلى الوراء والانسحاب من المنطقة ليعيدهم إلى الفندق. 

حاول سائق التاكسي طمأنة ديما قائلاً: “لا تخافي، ثلاثة أو أربعة أيام وتهدأ الأوضاع إن شاء الله”، تتابع ديما: “أصبنا بخيبة أمل، بخاصة أن حجز موعد في أي سفارة ليس أمراً بسيطاً، وحجز الفندق يتم لسبعة أيام فقط، وهو الوقت المطلوب لموعد الطائرة العائدة الى دمشق من الخرطوم، إذ توجد طائرة واحدة تتوجه من دمشق الى الخرطوم والعكس كل أسبوع”.

انتظرت ديما وطفلاها سبعة أيام في الخرطوم من دون وجود أي أمل في وقف القتال. كل من قابل ديما نصحها بترك المدينة والتوجه إلى وادي حلفا، وهي مدينة في أقصى شمال السودان، والطريق من الخرطوم إليها يستغرق 16 ساعة.

لم تمتلك ديما الكثير من الخيارات، حجزت في باص متجه الى وادي حلفا، وكانت تكلفة التذكرة للشخص الواحد 500 دولار. في طريقها، واجهت ديما الكثير من الاستغلال وعمليات النصب لجهلها قوانين البلد. وفي وادي حلفا، انتظرت مع المئات في مدرسة “وادي حلفا الأساسية”، التي استُخدمت كمركز استقبال للناس القادمين من الخرطوم.

 تضيف ديما: “في بداية الأمر، لم أفهم سبب انتظار الناس هنا والاكتظاظ بالمئات من العائلات، وعندما أدركت أن العبور من السودان إلى مصر لن يكون سهلاً، بدأت أفقد أعصابي، لم أفهم أبداً كيف تحولت رحلة لإجراء مقابلة الى كابوس فظيع”.

يتّبع السوريون في السودان طريقين معروفين، الأول هو الخروج من الخرطوم الى وادي حلفا، ومنها إلى مصر بعد الحصول على موافقة أمنية خاصة للسوريين تكلفتها 1200 دولار، من القنصلية المصرية الموجودة في وادي حلفا. 

الطريق الثاني هو من الخرطوم الى بورتسودان، ثم ينتظرون في بورتسودان لحين وصول الطائرة السورية التي ستنقل الناس إلى دمشق. وتسيّر شركة أجنحة الشام السورية رحلتين أسبوعياً من بورتسودان الى دمشق، يومي الثلاثاء والأربعاء.

لكن الطريقين شديدا الصعوبة والخطورة، في ظل انتشار الميليشيات والمسلّحين على امتدادهما، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة.

بعد نفاد المال من ديما وانتظارها لأسبوع في المدرسة أملاً في الحصول على تأشيرة لمصر، لم تعد تستطيع الانتظار أكثر، في ظل توقّف القنصلية عن العمل لبضعة أيام بسبب الضغط الزائد. فقررت الذهاب الى بورتسودان لعدم الحاجة الى فيزا، وبعدها تتوجه مع طفليها إلى دمشق. تقول ديما إن ذلك أسوأ ما عاشته في حياتها، وحيدة مع طفلين، عالقة وسط حرب في بلد لا تعرفه.

“عندما أدركت أن العبور من السودان إلى مصر لن يكون سهلاً، بدأت أفقد أعصابي، لم أفهم أبداً كيف تحولت رحلة لإجراء مقابلة الى كابوس فظيع”.

طلاب الجامعات السورييّن في الخرطوم

ريتا (اسم مستعار)، هي طالبة في جامعة ابن سينا في الخرطوم. قبل يوم من الحرب، كانت  تحضّر لامتحاناتها الأخيرة، لكن في اليوم التالي، جمعت كل أوراقها المهمة من جواز السفر وبطاقات الجامعة والمال المتبقي معها لتخرج من المنزل مع صديقاتها تحت أصوات القصف المدفعي.

حاولت التواصل مراراً مع السفارة السورية عن طريق الإيميل والهاتف، من دون وصول أي رد، فشبكات الهاتف والإنترنت بدأت تنقطع بشكل تدريجي.

من خلال مجموعات “فيسبوك”، تعرفت ريتا الى مجموعة عائلات ستنطلق الى بورتسودان فانضمت إليهما، وتابعوا جميعاً طريقهم من الخرطوم الي بورتسودان منتظرين طائرة تعيدهم إلى البلاد.

تقول ريتا: “لم أستوعب كل هذا العبث بحياتي، خسرت جامعتي وأحلامي في متابعة الدراسة في الخارج، لأرى نفسي مجدداً في دمشق التي لم أزرها منذ ثلاث سنوات. عام واحد فقط وكنت سأنهي دراستي في كلية إدارة الأعمال، أما الآن فحياتي معلّقة بين السودان ودمشق”.

بيوت جديدة انهارت بسبب الحرب

تزوجت فاطمة (اسم مستعار) منذ ثلاثة أشهر وانتقلت من دمشق الى الخرطوم للالتحاق بزوجها الذي يعمل في شركة هندسية هناك.

تقول لـ “درج”: “كانت لدينا أحلام كثيرة، أولها أن نبني بيتاً صغيراً سويّةً في الخرطوم. خططنا للبقاء في السودان لمدة قصيرة بعيداً عن الحرب، والبحث بعدها عن طريق للسفر إلى أوروبا، فعائلة زوجي تقيم في أحد الدور الأوروبية”.

تتابع: “كانت الحياة تسير بشكل جيد قبل ثلاثة أشهر، واليوم أنا في وادي حلفا أنتظر تأشيرة للعبور الى مصر، أما زوجي فبقي في الخرطوم. لا نملك المال الكافي لرحلة لشخصين، فاختار أن يرسلني بعيداً لأصل الى دمشق وأجد طريقة لإرسال المال إليه، لمساعدته على الخروج أيضاً، بخاصة أن كل حسابات البنوك في السودان معطلة ولا نستطيع سحب المال منها أو التحويل إليها”.

أصحاب المشاريع والمهن خسروا أيضاً

جابر ومصطفى تاجران من مدينة حلب، قدما على متن طائرة في 14 نيسان 2023، أي قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، مع شحنة ثياب للتجارة. وبعد معاناة طويلة مع الأوراق الرسمية للجمارك والشحن في مطار دمشق والسودان أيضاً، وصلا الى الخرطوم، فتجارة الملابس السورية مشهورة هناك، لكنهما وجدا نفسيهما محاصرين في الفندق لمدة سبعة أيام خوفاً من الموت بالقصف والنيران.

يقول مصطفى بحرقة: “كنا نحاول أن ننهض بتجارتنا التي باتت ضعيفة في حلب بسبب ضعف القدرة الشرائيّة في سوريا، لنرى أنفسنا أمام خسائر كبيرة لا تعوض بيوم وليلة، وها نحن الآن في بورتسودان ننتظر طائرات الإجلاء، محمّلين بخيبات كثيرة وخسائر مادية ونفسية”.

أما تامر(اسم مستعار) الذي يعمل شيف شاورما في مطعم سوري، فيقول: “انتظرت في وادي حلفا ثلاثين يوماً بين فندق وبيت صديق ومسجد. لم يعد لدي ما يكفي من المال لمتابعة هذه الرحلة الصعبة. أريد أن أنجو من هذا الوضع المأساويّ، أرى نفسي محاطاً بالخسائر والخوف من كل جانب. وبعد شهر كامل من الانتظار، وصلت الى مصر وحيداً وحزيناً، لا عمل ولا مأوى ولا طريق للعودة الى سوريا، فقدتُ كل ما أسّسته في السودان، حتى رصيدي البنكي لا أعرف إن كنت سأعود لتحصيله أو لا”.

السودان حيث تلتقي العائلات السورية

أتت داليا (اسم مستعار) إلى الخرطوم للقاء عائلتها القادمة من أستراليا، وعن سبب اختيار السودان للقائهم تقول: “تأشيرة السوريين إلى السودان سهلة، وأهلي لا يستطيعون القدوم الى دمشق لأنهم ينتظرون الحصول على الجنسية الأسترالية. كنا نريد الاجتماع مجدداً بعد ثماني سنوات من الفراق، لم نكن نتوقع رؤية أنفسنا محاطين بالموت والخطر مرة أخرى”.

تمكن أفراد عائلة داليا من الدخول إلى مصر لأنهم يحملون إقامات أسترالية، أما هي وبناتها فكان عليهن الانتظار لمدة أسبوعين في وادي حلفا للحصول على تأشيرات للدخول الى مصر.

ليست المرة الأولى التي تضيق الأمكنة بالسوريين، كثيرة هي حكاياتهم التي تُروى بالدمع والألم والخيبة، والتي نقف فيها مذهولين أمام عبثية الحياة ولا منطقيتها في زيادة آلام السوريين المهجّرين في الشتات.

02.09.2023
زمن القراءة: 6 minutes

عندما أغلقت الدول العربية أبوابها في وجه السوريين وفرضت قيوداً ضد حصولهم على تأشيرة لدخول أراضيها، كان الاستثناء الوحيد هو السودان، الذي سهل دخول السوريين إلى أراضيه، والحصول على التعليم والخدمات الصحية، مثلهم مثل المواطنين السودانيين تماماً، هكذا يقول معظم السوريين ممن التقاهم “درج” في رحلة فرارهم من السودان.

أضحت السودان وجهة للكثير من الشبان السوريين الفارين من الخدمة العسكرية، بالإضافة الى التجار وأصحاب المهن والمطاعم، الذين نقلوا أعمالهم إليه، لسهولة ورخص استخراج التأشيرة، والتي تبلغ تكلفتها 150 دولاراً أميركياً، بينما تبلغ تكلفة تذكرة الطيران من دمشق الى الخرطوم 200 دولار. ويعتبر المبلغ كاملاً بسيطاً مقارنة بدول أخرى ليست هناك فرصة بالأصل للحصول على تأشيرة لدخول أراضيها. 

يمكن أن توضع التأشيرة على جواز السفر بعد يوم واحد من الحصول عليها وأحياناً في اليوم نفسه. بالإضافة إلى ذلك، تلقى السوريون معاملة طيبة من  الشعب السوداني، ما جعل من السودان الوجهة المثالية للسوريين الفارين من الظلم والفقر.

يتجمع السوريون بشكل أساسي  في العاصمة الخرطوم وخرطوم بحري وأم درمان، ولديهم الكثير من المحلات التجارية والمطاعم الدمشقية، والبعض منهم يعمل في النجارة والحدادة والتعليم أيضاً.

مع نشوب الحرب السودانية، غدت هذه المناطق مراكز للنزاع المسلح، ما دفع السوريين المقيمين فيها إلى الفرار، فتوجه البعض من الخرطوم الى وادي حلفا وبورتسودان، و البعض الآخر توجّه إلى وادي حلفا للعبور إلى مصر، وهناك آخرون قصدوا بورتسودان للعودة إلى سوريا.

افترش كثر من السوريين الشوارع واعتمدوا على المساعدات، لعجزهم عن الانتقال إلى مصر بسبب التكلفة المالية الباهظة، إذ إن تكلفة الرحلة للشخص الواحد ثلاثة آلاف دولار للعبور إلى مصر، أما تكلفة الموافقة الأمنية لدخول مصر فتبلغ 1200 دولار، فيما تصل تكلفة تذكرة الطيران للعودة إلى دمشق الى ألف دولار أميركي بحسب من التقاهم “درج”، وسط تغييب إعلامي سوري ودولي لمعاناتهم.

وادي حلفا والعبور إلى مصر 

تسببت الحرب في السودان بصدمة للسوريين المقيمين فيه، أولئك الذين فروا بحثاً عن مكان أفضل، لكنهم وجدوا أنفسهم فجأة وسط حرب جديدة، وفي رحلة النجاة مرة أخرى من الحرب. قابل “درج” مجموعة من السوريين الذين شاركوه تجاربهم في الفرار. وبحسب بيانات الدولة السودانية، هناك تسعين ألف سوري موجودين في الخرطوم، ولقي 20 منهم حتفه منذ اندلاع الحرب السودانية في 15 نيسان/ إبريل 2023.

جاءت ديما (اسم مستعار) مع طفليها على متن طائرة يوم 14 نيسان 2023، لإجراء مقابلة في القنصلية السويدية في الخرطوم، لإكمال رحلة لمّ الشمل مع زوجها، بعد انتظار أربع سنوات في دمشق، لكنها لم تستطع الوصول في اليوم التالي إلى السفارة، وبدأ سائق التاكسي بالتراجع إلى الوراء والانسحاب من المنطقة ليعيدهم إلى الفندق. 

حاول سائق التاكسي طمأنة ديما قائلاً: “لا تخافي، ثلاثة أو أربعة أيام وتهدأ الأوضاع إن شاء الله”، تتابع ديما: “أصبنا بخيبة أمل، بخاصة أن حجز موعد في أي سفارة ليس أمراً بسيطاً، وحجز الفندق يتم لسبعة أيام فقط، وهو الوقت المطلوب لموعد الطائرة العائدة الى دمشق من الخرطوم، إذ توجد طائرة واحدة تتوجه من دمشق الى الخرطوم والعكس كل أسبوع”.

انتظرت ديما وطفلاها سبعة أيام في الخرطوم من دون وجود أي أمل في وقف القتال. كل من قابل ديما نصحها بترك المدينة والتوجه إلى وادي حلفا، وهي مدينة في أقصى شمال السودان، والطريق من الخرطوم إليها يستغرق 16 ساعة.

لم تمتلك ديما الكثير من الخيارات، حجزت في باص متجه الى وادي حلفا، وكانت تكلفة التذكرة للشخص الواحد 500 دولار. في طريقها، واجهت ديما الكثير من الاستغلال وعمليات النصب لجهلها قوانين البلد. وفي وادي حلفا، انتظرت مع المئات في مدرسة “وادي حلفا الأساسية”، التي استُخدمت كمركز استقبال للناس القادمين من الخرطوم.

 تضيف ديما: “في بداية الأمر، لم أفهم سبب انتظار الناس هنا والاكتظاظ بالمئات من العائلات، وعندما أدركت أن العبور من السودان إلى مصر لن يكون سهلاً، بدأت أفقد أعصابي، لم أفهم أبداً كيف تحولت رحلة لإجراء مقابلة الى كابوس فظيع”.

يتّبع السوريون في السودان طريقين معروفين، الأول هو الخروج من الخرطوم الى وادي حلفا، ومنها إلى مصر بعد الحصول على موافقة أمنية خاصة للسوريين تكلفتها 1200 دولار، من القنصلية المصرية الموجودة في وادي حلفا. 

الطريق الثاني هو من الخرطوم الى بورتسودان، ثم ينتظرون في بورتسودان لحين وصول الطائرة السورية التي ستنقل الناس إلى دمشق. وتسيّر شركة أجنحة الشام السورية رحلتين أسبوعياً من بورتسودان الى دمشق، يومي الثلاثاء والأربعاء.

لكن الطريقين شديدا الصعوبة والخطورة، في ظل انتشار الميليشيات والمسلّحين على امتدادهما، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة.

بعد نفاد المال من ديما وانتظارها لأسبوع في المدرسة أملاً في الحصول على تأشيرة لمصر، لم تعد تستطيع الانتظار أكثر، في ظل توقّف القنصلية عن العمل لبضعة أيام بسبب الضغط الزائد. فقررت الذهاب الى بورتسودان لعدم الحاجة الى فيزا، وبعدها تتوجه مع طفليها إلى دمشق. تقول ديما إن ذلك أسوأ ما عاشته في حياتها، وحيدة مع طفلين، عالقة وسط حرب في بلد لا تعرفه.

“عندما أدركت أن العبور من السودان إلى مصر لن يكون سهلاً، بدأت أفقد أعصابي، لم أفهم أبداً كيف تحولت رحلة لإجراء مقابلة الى كابوس فظيع”.

طلاب الجامعات السورييّن في الخرطوم

ريتا (اسم مستعار)، هي طالبة في جامعة ابن سينا في الخرطوم. قبل يوم من الحرب، كانت  تحضّر لامتحاناتها الأخيرة، لكن في اليوم التالي، جمعت كل أوراقها المهمة من جواز السفر وبطاقات الجامعة والمال المتبقي معها لتخرج من المنزل مع صديقاتها تحت أصوات القصف المدفعي.

حاولت التواصل مراراً مع السفارة السورية عن طريق الإيميل والهاتف، من دون وصول أي رد، فشبكات الهاتف والإنترنت بدأت تنقطع بشكل تدريجي.

من خلال مجموعات “فيسبوك”، تعرفت ريتا الى مجموعة عائلات ستنطلق الى بورتسودان فانضمت إليهما، وتابعوا جميعاً طريقهم من الخرطوم الي بورتسودان منتظرين طائرة تعيدهم إلى البلاد.

تقول ريتا: “لم أستوعب كل هذا العبث بحياتي، خسرت جامعتي وأحلامي في متابعة الدراسة في الخارج، لأرى نفسي مجدداً في دمشق التي لم أزرها منذ ثلاث سنوات. عام واحد فقط وكنت سأنهي دراستي في كلية إدارة الأعمال، أما الآن فحياتي معلّقة بين السودان ودمشق”.

بيوت جديدة انهارت بسبب الحرب

تزوجت فاطمة (اسم مستعار) منذ ثلاثة أشهر وانتقلت من دمشق الى الخرطوم للالتحاق بزوجها الذي يعمل في شركة هندسية هناك.

تقول لـ “درج”: “كانت لدينا أحلام كثيرة، أولها أن نبني بيتاً صغيراً سويّةً في الخرطوم. خططنا للبقاء في السودان لمدة قصيرة بعيداً عن الحرب، والبحث بعدها عن طريق للسفر إلى أوروبا، فعائلة زوجي تقيم في أحد الدور الأوروبية”.

تتابع: “كانت الحياة تسير بشكل جيد قبل ثلاثة أشهر، واليوم أنا في وادي حلفا أنتظر تأشيرة للعبور الى مصر، أما زوجي فبقي في الخرطوم. لا نملك المال الكافي لرحلة لشخصين، فاختار أن يرسلني بعيداً لأصل الى دمشق وأجد طريقة لإرسال المال إليه، لمساعدته على الخروج أيضاً، بخاصة أن كل حسابات البنوك في السودان معطلة ولا نستطيع سحب المال منها أو التحويل إليها”.

أصحاب المشاريع والمهن خسروا أيضاً

جابر ومصطفى تاجران من مدينة حلب، قدما على متن طائرة في 14 نيسان 2023، أي قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، مع شحنة ثياب للتجارة. وبعد معاناة طويلة مع الأوراق الرسمية للجمارك والشحن في مطار دمشق والسودان أيضاً، وصلا الى الخرطوم، فتجارة الملابس السورية مشهورة هناك، لكنهما وجدا نفسيهما محاصرين في الفندق لمدة سبعة أيام خوفاً من الموت بالقصف والنيران.

يقول مصطفى بحرقة: “كنا نحاول أن ننهض بتجارتنا التي باتت ضعيفة في حلب بسبب ضعف القدرة الشرائيّة في سوريا، لنرى أنفسنا أمام خسائر كبيرة لا تعوض بيوم وليلة، وها نحن الآن في بورتسودان ننتظر طائرات الإجلاء، محمّلين بخيبات كثيرة وخسائر مادية ونفسية”.

أما تامر(اسم مستعار) الذي يعمل شيف شاورما في مطعم سوري، فيقول: “انتظرت في وادي حلفا ثلاثين يوماً بين فندق وبيت صديق ومسجد. لم يعد لدي ما يكفي من المال لمتابعة هذه الرحلة الصعبة. أريد أن أنجو من هذا الوضع المأساويّ، أرى نفسي محاطاً بالخسائر والخوف من كل جانب. وبعد شهر كامل من الانتظار، وصلت الى مصر وحيداً وحزيناً، لا عمل ولا مأوى ولا طريق للعودة الى سوريا، فقدتُ كل ما أسّسته في السودان، حتى رصيدي البنكي لا أعرف إن كنت سأعود لتحصيله أو لا”.

السودان حيث تلتقي العائلات السورية

أتت داليا (اسم مستعار) إلى الخرطوم للقاء عائلتها القادمة من أستراليا، وعن سبب اختيار السودان للقائهم تقول: “تأشيرة السوريين إلى السودان سهلة، وأهلي لا يستطيعون القدوم الى دمشق لأنهم ينتظرون الحصول على الجنسية الأسترالية. كنا نريد الاجتماع مجدداً بعد ثماني سنوات من الفراق، لم نكن نتوقع رؤية أنفسنا محاطين بالموت والخطر مرة أخرى”.

تمكن أفراد عائلة داليا من الدخول إلى مصر لأنهم يحملون إقامات أسترالية، أما هي وبناتها فكان عليهن الانتظار لمدة أسبوعين في وادي حلفا للحصول على تأشيرات للدخول الى مصر.

ليست المرة الأولى التي تضيق الأمكنة بالسوريين، كثيرة هي حكاياتهم التي تُروى بالدمع والألم والخيبة، والتي نقف فيها مذهولين أمام عبثية الحياة ولا منطقيتها في زيادة آلام السوريين المهجّرين في الشتات.