يتناول مسلسل “الحشاشين” الذي عرض خلال شهر رمضان 2024، الظروف التاريخية والسياسية والدينية، التي أدت إلى ظهور فرقة الحشاشين بزعامة حسن الصباح، الذي حكم إيران “من فوق”، نسبة إلى تمركز الفرقة في الحصون والقلاع في أعالي الجبال، في القرن 11 الميلادي.
ما يقدمه المسلسل، لم يخرج من إطار الفانتازيا، التي طبعت كل الروايات والأعمال الدرامية، التي تناولت نشوء الفرقة، والتي تعاملت مع الرواية التي عاد بها الرحالة الفينيسي ماركو بولو؛ الذي ولد بعد 100 عام على وفاة الصباح، من رحلته إلى الشرق، كوثيقة تاريخية.
للحديث عن الحشاشين، لا بد من الرجوع بداية إلى نشأة الإسماعيلية، أي إلى منتصف القرن الثاني الهجري، بعد وقوع الخلاف حول انتقال الإمامة، إثر وفاة الإمام جعفر الصادق، فقالت الإسماعيلية بإمامة الابن الأكبر إسماعيل، الذي مات في حياة والده، وانتقلت حكماً إلى ابنه محمد، بينما قالت الإمامية (الاثنا عشرية) بإمامة موسى الكاظم الابن الأصغر، علماً أن ترتيب الإمام جعفر هو السادس عند الاثني عشرية، بينما هو الخامس عند الإسماعيلية، لأنها تسقط إمامة الحسن بن علي، باعتباره إماماً مستودعاً غير مستقر.
ذلك أن الإمامة استمرت في ذرية الحسين وانقطعت في ذريته، وهكذا يصبح إسماعيل سادس الأئمة وابنه محمد سابعهم، وتصبح الإسماعيلية الإمامية السبعية، مقابل الإمامية الاثني عشرية التي تستمر في ذرية الكاظم حتى محمد بن الحسن الملقب بالمهدي المنتظر، وهو الثاني عشر.
لا تتوافر معلومات كثيرة عن إسماعيل الذي مات في حياة والده، ولا عن ابنه محمد الملقب بالمكتوم، والأخير هاجر من المدينة المنورة خوفاً من بطش العباسيين، ودخل في التقية حتى وفاته في تدمر، وظلت الإسماعيلية تعيش بعده في الستر حتى قيام الفاطمية في المغرب.
يذكر ذبيح الله صفا في تاريخ الأدب الإيراني، أنه “بعد استقرار عبيد الله المهدي في القيروان، أعلن الخلافة في الإسلام، ووسّع هو وأبناؤه ملكهم ونشروا الدعوة الإسماعيلية، حتى استولوا على مصر سنة 358هـ في عهد المعز لدين الله، ونقلوا عاصمتهم إلى القاهرة، ثم قرروا نشر الدعوة في إيران”.
أرسل المهدي لهذه المهمة رجلاً يدعى خلف، الذي جال في الديلم وأصفهان والري وطبرستان والعراق، وأنشأ طائفة من الإسماعيلية عرفت بالخلَفية، ودخل فيها الفيلسوف أبو حاتم الرازي، الذي أصبح من أهم دعاة الإسماعيلية في إيران، واستمال الكثير من الولاة والقادة العسكريين الكبار إلى المذهب الإسماعيلي، فخرجوا عن الطاعة العباسية ودخلوا في الطاعة الفاطمية، أشهرهم أصفار بن شيرويه ومردآويج بن زيار الديلمي ويوسف بن أبي الساج، وأرسلوا الهدايا إلى المهدي وبالغوا في إظهار طاعتهم له.
من دعاة الإسماعيلية في إيران محمد بن أحمد النسفي، وهو عالم وكاتب ومشهور، وأبو معين ناصر بن خسرو القبادياني، وهو فيلسوف وحكيم ومن أوائل الشعراء وكتاب الأدب الفارسي.
وللحصول على رتبة الدعوية، كان على الداعية أن يتجاوز سلسلة من المراحل، كل مرحلة ترفعه درجة في عالم الدعوية، إلى أن يصل إلى درجة الحجة، وهي أعلى المراحل، ونادراً ما حصل عليها دعاة في تاريخ الإسماعيلية، منهم ناصر خسرو والصباح.
وكان لجميع الدعاة قائد اسمه داعي الدعاة، الذي كان ينظم الاجتماعات للرجال والنساء، في أيام معينة من الأسبوع، وكانت هذه الاجتماعات نموذجاً لمجالس المناقشة والمناظرة السياسية والدينية والفلسفية التي تميزت بها الإسماعيلية.
ما يقدمه المسلسل، لم يخرج من إطار الفانتازيا، التي طبعت كل الروايات والأعمال الدرامية، التي تناولت نشوء الفرقة، والتي تعاملت مع الرواية التي عاد بها الرحالة الفينيسي ماركو بولو؛ الذي ولد بعد 100 عام على وفاة الصباح، من رحلته إلى الشرق، كوثيقة تاريخية.
لم يجبر الإسماعيليون أحداً على اعتناق عقيدتهم، وفي مراحل متقدمة من دعوتهم، اعتبروا الفلسفة والدين مكملين لبعضهما بعضاً، ووضعوا الفلاسفة الكبار بمستوى الأنبياء، وقالوا إن الأنبياء يضعون قوانين السياسة العامة والفلاسفة يمنحون الحكمة، وأدخلوا مبادئ الحكمة اليونانية إلى أصول مذهبهم، وتزامن نشر دعوتهم مع فترة من التعصب الديني وغلبة الفقهاء على أهل العلم والاستدلال، لذلك جذبت مجالسهم المهتمين بالعلوم المعرفية والعقلية، أمثال أبو علي سينا.
اعتقد الإسماعيليون أن “لظواهر القرآن بواطن”؛ من هنا جاءت تسميتهم بالباطنية، وأن الإمام وحده هو الذي يعرفها، ولأنهم اعتادوا على التفكير والاستدلال، واعتبروا استخدام مبادئ الفلسلفة اليونانية مباحاً في دعوتهم، وجدوا معاني الأحكام من خلال التأويلات العقلانية والفلسفية.
انقسمت الإسماعيلية إلى فرق عدة منذ بداية ظهور المذهب، منها: السبعية، الباطنية، الإمامية التي تؤمن بوجود إمام دائم، البرقعية، التعليمية، الخطابية، الدرزية، الغياثية، المباركية، المستعلية، النزارية، المهدوية، الميمونية والملاحدة…
تشير مصادر إيرانية، إلى أن الإسماعيلية بكل فرقها، عبارة عن طائفة غامضة، خلطت المعتقدات الدينية لفارس القديمة مع المذهب الشيعي، وهو ما يمكن رؤيته في شخصية الصباح وتعاليمه. وكانت معتقداتهم تقوم على قدسية الرقم سبعة. أخذوا اسمهم من ابن الإمام السادس للشيعة، أي من الإمام السابع، وذلك باعتقادهم يعني نهاية سلسلة الأئمة. وللقرآن عندهم سبعة بطون، ولا يمكن إلا لأهل السلوك أن يصلوا إليها.
وحول قدسية الأرقام لديهم، يشرح الفيلسوف الإيراني الراحل إحسان الطبري هذا المبدأ: “كان الإسماعيليون تحت تأثير المعتقدات الفيثاغورية، وما شابهها في عبادة الأعداد، وكانت الأرقام خمسة وسبعة واثني عشر وأربعة وعشرين وثلاثين مقدسة بالنسبة إليهم، وكان الرقم سبعة ذا قيمة خاصة، وقالوا إن وجود سبع سموات وسبع أرضين وسبع آيات في سورة الفاتحة وسبعة أعضاء في الجسد وسبعة ثقوب في وجه الإنسان، هي علامة على الأهمية الخاصة للرقم سبعة”.
بناءً على هذه المعتقدات، أنشأ الإسماعيليون نوعاً من التسلسل الطبقي في هيكل مذهبهم، فهناك سبع رتب للحكم، تبدأ من الأعلى حيث يتربع الخليفة، الذي يرسل حججه إلى أركان العالم السبعة للتبشير، وصولاً إلى أدنى رتبة.
واتهم بعض المؤرخين من غير الإيرانيين، الطائفة الإسماعيلية، النزارية بخاصة، بالخروج عن الدين، والتظاهر بالإسلام لهدمه وتجديد عادات المجوس، وقالوا إن مؤسسيها كانوا من نسل المجوس، وكانوا يسعون الى إحياء دين أسلافهم، ولأنهم لم يتجرأوا على التعبير عن هذا الرأي علناً، نشروا دعوتهم بالزي الباطني، وقالوا إن أساس معتقدهم قائم على الثنائية، أي أنهم يقولون إن الله خلق الروح، والله (الإله الأول) والنفس (الإله الثاني) وهما معاً يدبران شؤون هذا العالم، من خلال تخطيط الكواكب السبعة (هفت امشاسبند) والطبيعة (يزدان).
يتبع
إقرأوا أيضاً: