fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الخصوم في ليبيا…تفرّقهم السياسة ويجمعهم نهب النفط

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

دأبت الميليشيات في ليبيا على مهاجمة المنشآت النفطية بإيعاز من فرقاء السلطة بهدف السيطرة على الحقول النفطية وضمان إيرادات أكثر، لا سيما في حالة الفساد والنهب الكبير للثروة النفطية في ليبيا، فما هي تفاصيل هذا الصراع ؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شهدت العاصمة الليبية طرابلس، خلال الأيام الأخيرة، تحركات مسلّحة نفذتها إحدى الميليشيات القادمة من مدينة مصراتة، ما أثار جدلاً كبيراً في البلاد، لا سيما في الغرب الليبي، حول نفوذ الميليشيات المتزايد، فيما التزمت حكومة الوحدة الليبية بقيادة عبد الحميد الدبيبة الصمت. 

كشفت تقارير لاحقاً أن ذلك يأتي في إطار خطة للسيطرة على إحدى المناطق الثرية بالنفط والغاز(منطقة الحمادة الحمراء) والمتنازع عليها مع الشرق الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، على يد عدد من الميليشيات الموالية للدبيبة. تحركات تتزامن أيضاً مع خلافات قائمة هذه الفترة بين فرقاء ليبيا حول منصب رئاسة المؤسسة الليبية للنفط، في تتمة لمسار طويل من الصراع والتنافس بين فرقاء ليبيا على نهب النفط الليبي وسرقته بعناوين مختلفة مستفيدين من حالة “اللادولة” وسطوة الميليشيات شرقاً وغرباً.

في 5 نيسان/ أبريل، ذكرت وسائل إعلام ليبية أن رتلاً مسلحاً تابعاً لما يعرف بميليشيا “القوة المشتركة”، بقيادة عمر بوغدادة، كان مدعوماً بالدبابات ومدافع الهاون، تحرك من مصراتة باتجاه طرابلس. واستمر التحشيد حتى اليوم التالي مثيراً حفيظة بقية الميليشيات المسلّحة في غرب ليبيا، والتي تبادلت الاتهامات بجر البلاد إلى حرب أهلية وشيكة، ومخاوف الليبيين من سيناريوها دامية. في المقابل، لم يعلق الدبيبة على ما يحصل رغم ادعاءاته السابقة بأنه سيضع حداً لنفوذ الميليشيات. 

ولكنّ المراقبين الليبيين أكدوا أن هذه التحركات تُجرى بدفع وتنسيق مباشر من الدبيبة بهدف الاستعداد للسيطرة على إحدى المناطق الثرية بالنفط، وهي الحمادة الحمراء الثرية بالنفط والغاز، بعدما فشلت جهوده في إقناع آمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي، الذي تسيطر قواته على الحمادة الحمراء، بالتحالف معه والتخلي عن علاقاته مع حفتر على رغم الإغراءات التي قدمها له.

الصراع على النفط

دأبت الميليشيات في ليبيا على مهاجمة المنشآت النفطية بإيعاز من فرقاء السلطة بهدف السيطرة على الحقول النفطية وضمان إيرادات أكثر، لا سيما في حالة الفساد والنهب الكبير للثروة النفطية في ليبيا. وكان آخر هذه التحركات، الاشتباكات العنيفة التي حصلت فجر الخامس من نيسان الجاري بين الميليشيات المسلحة في مدينة الزاوية غرب ليبيا (قوات “المنطقة العسكرية الساحل الغربي” التي يرأسها صلاح النمروش وميليشيا “القصب” التي يقودها محمد كشلاف)، للسيطرة على مصفاة تكرير النفط، وسط أنباء عن سقوط قتلى.

ويبدو أن الإفطار الرمضاني المثير للجدل الذي أقامه إبراهيم الدبيبة، مستشار عبد الحميد الدبيبة وابن شقيقته، في 24 آذار/ مارس الماضي لعدد من المسؤولين وأمراء الحرب من قادة ميليشيات مسلحة متورطة في جرائم كبرى، كان تمهيداً لهذه الخطوات الجارية اليوم. إذ جمع الإفطار أمير الحرب البارز في مدينة الزاوية محمد بحرون المعروف بلقب “الفار”، المتهم بالتورط في اغتيال قائد معسكر الأكاديمية البحرية الحربية في طرابلس التابعة لرئاسة أركان الجيش بطرابلس عبدالرحمن سالم ميلاد الملقب بـ”البيدجا”، وعبد الغني الككلي الشهير بـ”غنيوة” رئيس “جهاز دعم الاستقرار” المتورط بأنشطة غير قانونية مرتبطة بتجارة المخدرات، وفهيم بن رمضان المتهم في قضية محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون رئيس ومجلس الوزراء عادل جمعة في شباط/ فبراير الماضي. 

وعلى رغم السجال الكبير الذي أثاره هذا الإفطار إلا أن رئيس الحكومة في طرابلس اختار أيضاً الصمت، الذي فسّره الليبيون على أنه تواطؤ للحفاظ على السلطة والنفط، بخاصة في ظل رغبة الدبيبة في السيطرة الكاملة على المؤسسة الوطنية للنفط. 

من يرأس المؤسسة الوطنية للنفط؟

ويدور في الأيام الأخيرة خلاف كبير بين رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، والمشير خليفة حفتر، حول تسمية رئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط. إذ تحدثت تقارير عن اقتراح الدبيبة شخصية محسوبة عليه لتولي رئاسة الشركة في الفترة المقبلة، إلا أنها قوبلت بالرفض من حفتر وطرح بديلاً له. ولم يتم التوافق على الاسم حتى الآن لأن كلَي الرجلين يرغبان في ترشيح شخصية موالية تسمح لهما بوضع اليد على عائدات الثروة النفطية ونهبها.

ولكن هذا الخلاف بين الرجلين على السيطرة على المؤسسات الرسمية الكبرى، لا يلغي حالة التوافق على نهب الثروة النفطية بطرق مختلفة وصلت حد تأسيس شركة خاصة بهذا الغرض تضم أطرافاً من كلَي الجانبين.

وكانت الأمم المتحدة سعت منذ إطاحة الزعيم معمر القذافي في 2011، الى منع مختلف الفصائل السياسية من نهب عائدات النفط، لكنها فشلت في ذلك. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الثروة النفطية الهائلة بالبلاد والتي تشكل نحو 95 بالمئة من ميزانية الدولة، العنوان الأبرز والسبب الرئيسي لصراعات الفرقاء السياسيين الليبيين وخلافاتهم. وعلى مدار هذه السنوات، استشرى الفساد سواء في شرق البلاد أو في غربها، من خلال التهريب والتلاعب بالصفقات.

تهريب الذهب الأسود

في أحدث التحقيقات الدولية المتعلقة بالفساد النفطي الليبي زائد أحدث تقرير للأمم المتحدة، فإن ليبيا تشهد عملية تهريب نفط كبيرة تحصل من خلال نظام مقايضة مثير للجدل. إذ تبادل ليبيا التي لا تستطيع القيام بعملية تكرير النفط على نطاق واسع، إنتاجها من النفط الخام بالوقود المكرر، عوضاً عن دفع ثمنه نقداً، وذلك عبر المؤسسة الوطنية للنفط. وبعد أن تدفع القيمة الكاملة بالنفط الخام تبيع الوقود المكرر لمواطنيها الليبيين بأسعار مدعومة بشدة. ولكن ما يحصل، أن سياسيي هذا البلد الماسكين بالسلطة وميليشياتهم شرقاً وغرباً، يستغلون هذا الدعم ويحوّلون المنتجات البترولية إلى السوق السوداء المحلية وإلى خارج البلاد، حيث تباع بقيمتها السوقية الكاملة بوثائق مزوّرة. وتوفر هذه العملية تدفقات مالية ثابتة لكلَي الفريقين.

وذكرت هذه التقارير أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي القديم سمح لقوات حفتر “بالوصول غير المباشر إلى الأموال العامة”، بينما سيطرت الجماعات المسلّحة في طرابلس والزاوية “بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الحكومية الرئيسية ذات الصلة لتهريب جزء كبير من الديزل”.

ورصدت الأمم المتحدة 185 عملية تصدير غير مشروعة للديزل من ميناء بنغازي القديم منذ آذار/ \
ارس/آذار 2022، أي ما يعادل حجم تصدير بقيمة حوالي 1.125 مليون طن من الديزل. علما الشركة العامة للكهرباء الليبية هي المصدر الرئيسي للديزل المهرب إلى خارج البلاد حسب ذات المصدر.

وكانت عن الأمم المتحدة قد تحدثت سابقا عن الارتفاع الكبير لواردات ليبيا من المنتجات البترولية النظيفة في السنوات الأخيرة. إذ تضاعف معدل الواردات من 5.5 مليون طن في عام 2020 إلى 10.35 مليون طن في عام 2024، حسب بيانات من شركة كبلر الاستشارية للسلع الأساسية. 

وأرجعت الأمم المتحدة هذا الارتفاع في الواردات إلى عمليات تهريب الوقود عبر الحدود، نظراً الى أن الاقتصاد الليبي لم يشهد أي تغيرات جديدة قد تؤدي إلى زيادة الطلب على الوقود إلى هذا الحد. وبلغ الطلب الرسمي على الوقود في ليبيا عام 2023 نحو 11 مليون طن، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، وهو معدل كبير بالنسبة الى الليبيين.

وأثقلت الواردات المتزايدة من المنتجات البترولية النظيفة كاهل الاقتصاد الليبي المتعثر أساساًـ نظراً الى الزيادة الكبيرة في تكلفة الدعم، وهو ما أشار إليه محافظ المصرف المركزي السابق الصديق الكبير في رسالة إلى الدبيبة (الذي أقاله) في آذار/ مارس 2024، قال فيها إن “التكلفة السنوية لواردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار تفوق احتياجات البلاد”، لافتاً إلى أن الدعم تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 12.5 مليار دولار بين عامي 2021 و2023. علماً أن حصة دعم الوقود 8.4 مليار دولار.

صفقات خارج القانون

لم يتوقف مسلسل الفساد النفطي في ليبيا عند هذا الحد، إذ كشف تقرير أممي عن ظهور شركة جديدة تحمل اسم “أركينو” لتصدير النفط، كأول شركة نفطية خاصة تنخرط في أنشطة التصدير بعيداً عن المؤسسة الوطنية للنفط، وترتبط بأطراف من شرق ليبيا وغربها أيضاً. 

تقول تقارير إن إبراهيم الدبيبة، مستشار رئيس حكومة الوحدة بطرابلس وابن سقيقته، استطاع إبرام صفقة بين صدام حفتر، نجل خليفة حفتر، وبين عبد الحميد الدبيبة، تخص بيع النفط الليبي. وذكرت التقارير ذاتها أن نجل شقيقة الدبيبة،  قد تمكن من إقناع صدام حفتر بإنشاء شركة خاصة لبيع النفط الليبي بعيداً عن الرقابة داخل ليبيا. وكانت “أركينو” هي الشركة التي تم الاتفاق على أن تقوم بهذا الدور، والتي أُنشئت أساساً لبيع النفط الليبي بعيداً عن المسار القانوني الرسمي.

وحسب الأمم المتحدة، صدّرت “أركينو” ما مجموعه 6 ملايين برميل من النفط الخام ما بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2024، ووصلت قيمة هذه الشحنات إلى 463 مليون دولار أميركي. لكن المؤسسة الوطنية للنفط تنفي هذه التقارير.

وهذا يعني أن الخلافات السياسية الظاهرة بين الفريقين تختفي عند مسألة اقتسام غنائم النفط، بل وتحلّ محلّها الشراكة والتنسيق أيضاً، طالما أن كلَي الطرفين يضمنا نصيباً وافراً من الثروة النفطية الهائلة، والإفلات من أي عقوبة أو تتبع قضائي، في ظل غياب أي ضغوط دولية حقيقية لوقف هذا المستوى الكبير من الفساد. 

تجدر الإشارة الى أن ليبيا أنتجت في العام 2023، 1.189 مليون برميل نفط يومياً، وصدرت 1.024 مليون برميل يومياً، مسجلة إيرادات  بقيمة 20.04 مليار دولار أميركي وفقاً لبيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). علماً أن احتياطي ليبيا من النفط الخام المؤكد نحو 3.9 بالمئة من إجمالي احتياطيات أوبك، التي بلغت 48.36 مليار برميل في عام 2023. فيما سجلت إيرادات النفط خلال عام 2024، 15.51 مليار دولار أميركي، أي بعجز قدره 5.2 مليار دولار أميركي، وفقاً لمصرف ليبيا المركزي.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
25.04.2025
زمن القراءة: 6 minutes

دأبت الميليشيات في ليبيا على مهاجمة المنشآت النفطية بإيعاز من فرقاء السلطة بهدف السيطرة على الحقول النفطية وضمان إيرادات أكثر، لا سيما في حالة الفساد والنهب الكبير للثروة النفطية في ليبيا، فما هي تفاصيل هذا الصراع ؟

شهدت العاصمة الليبية طرابلس، خلال الأيام الأخيرة، تحركات مسلّحة نفذتها إحدى الميليشيات القادمة من مدينة مصراتة، ما أثار جدلاً كبيراً في البلاد، لا سيما في الغرب الليبي، حول نفوذ الميليشيات المتزايد، فيما التزمت حكومة الوحدة الليبية بقيادة عبد الحميد الدبيبة الصمت. 

كشفت تقارير لاحقاً أن ذلك يأتي في إطار خطة للسيطرة على إحدى المناطق الثرية بالنفط والغاز(منطقة الحمادة الحمراء) والمتنازع عليها مع الشرق الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، على يد عدد من الميليشيات الموالية للدبيبة. تحركات تتزامن أيضاً مع خلافات قائمة هذه الفترة بين فرقاء ليبيا حول منصب رئاسة المؤسسة الليبية للنفط، في تتمة لمسار طويل من الصراع والتنافس بين فرقاء ليبيا على نهب النفط الليبي وسرقته بعناوين مختلفة مستفيدين من حالة “اللادولة” وسطوة الميليشيات شرقاً وغرباً.

في 5 نيسان/ أبريل، ذكرت وسائل إعلام ليبية أن رتلاً مسلحاً تابعاً لما يعرف بميليشيا “القوة المشتركة”، بقيادة عمر بوغدادة، كان مدعوماً بالدبابات ومدافع الهاون، تحرك من مصراتة باتجاه طرابلس. واستمر التحشيد حتى اليوم التالي مثيراً حفيظة بقية الميليشيات المسلّحة في غرب ليبيا، والتي تبادلت الاتهامات بجر البلاد إلى حرب أهلية وشيكة، ومخاوف الليبيين من سيناريوها دامية. في المقابل، لم يعلق الدبيبة على ما يحصل رغم ادعاءاته السابقة بأنه سيضع حداً لنفوذ الميليشيات. 

ولكنّ المراقبين الليبيين أكدوا أن هذه التحركات تُجرى بدفع وتنسيق مباشر من الدبيبة بهدف الاستعداد للسيطرة على إحدى المناطق الثرية بالنفط، وهي الحمادة الحمراء الثرية بالنفط والغاز، بعدما فشلت جهوده في إقناع آمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي، الذي تسيطر قواته على الحمادة الحمراء، بالتحالف معه والتخلي عن علاقاته مع حفتر على رغم الإغراءات التي قدمها له.

الصراع على النفط

دأبت الميليشيات في ليبيا على مهاجمة المنشآت النفطية بإيعاز من فرقاء السلطة بهدف السيطرة على الحقول النفطية وضمان إيرادات أكثر، لا سيما في حالة الفساد والنهب الكبير للثروة النفطية في ليبيا. وكان آخر هذه التحركات، الاشتباكات العنيفة التي حصلت فجر الخامس من نيسان الجاري بين الميليشيات المسلحة في مدينة الزاوية غرب ليبيا (قوات “المنطقة العسكرية الساحل الغربي” التي يرأسها صلاح النمروش وميليشيا “القصب” التي يقودها محمد كشلاف)، للسيطرة على مصفاة تكرير النفط، وسط أنباء عن سقوط قتلى.

ويبدو أن الإفطار الرمضاني المثير للجدل الذي أقامه إبراهيم الدبيبة، مستشار عبد الحميد الدبيبة وابن شقيقته، في 24 آذار/ مارس الماضي لعدد من المسؤولين وأمراء الحرب من قادة ميليشيات مسلحة متورطة في جرائم كبرى، كان تمهيداً لهذه الخطوات الجارية اليوم. إذ جمع الإفطار أمير الحرب البارز في مدينة الزاوية محمد بحرون المعروف بلقب “الفار”، المتهم بالتورط في اغتيال قائد معسكر الأكاديمية البحرية الحربية في طرابلس التابعة لرئاسة أركان الجيش بطرابلس عبدالرحمن سالم ميلاد الملقب بـ”البيدجا”، وعبد الغني الككلي الشهير بـ”غنيوة” رئيس “جهاز دعم الاستقرار” المتورط بأنشطة غير قانونية مرتبطة بتجارة المخدرات، وفهيم بن رمضان المتهم في قضية محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون رئيس ومجلس الوزراء عادل جمعة في شباط/ فبراير الماضي. 

وعلى رغم السجال الكبير الذي أثاره هذا الإفطار إلا أن رئيس الحكومة في طرابلس اختار أيضاً الصمت، الذي فسّره الليبيون على أنه تواطؤ للحفاظ على السلطة والنفط، بخاصة في ظل رغبة الدبيبة في السيطرة الكاملة على المؤسسة الوطنية للنفط. 

من يرأس المؤسسة الوطنية للنفط؟

ويدور في الأيام الأخيرة خلاف كبير بين رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، والمشير خليفة حفتر، حول تسمية رئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط. إذ تحدثت تقارير عن اقتراح الدبيبة شخصية محسوبة عليه لتولي رئاسة الشركة في الفترة المقبلة، إلا أنها قوبلت بالرفض من حفتر وطرح بديلاً له. ولم يتم التوافق على الاسم حتى الآن لأن كلَي الرجلين يرغبان في ترشيح شخصية موالية تسمح لهما بوضع اليد على عائدات الثروة النفطية ونهبها.

ولكن هذا الخلاف بين الرجلين على السيطرة على المؤسسات الرسمية الكبرى، لا يلغي حالة التوافق على نهب الثروة النفطية بطرق مختلفة وصلت حد تأسيس شركة خاصة بهذا الغرض تضم أطرافاً من كلَي الجانبين.

وكانت الأمم المتحدة سعت منذ إطاحة الزعيم معمر القذافي في 2011، الى منع مختلف الفصائل السياسية من نهب عائدات النفط، لكنها فشلت في ذلك. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الثروة النفطية الهائلة بالبلاد والتي تشكل نحو 95 بالمئة من ميزانية الدولة، العنوان الأبرز والسبب الرئيسي لصراعات الفرقاء السياسيين الليبيين وخلافاتهم. وعلى مدار هذه السنوات، استشرى الفساد سواء في شرق البلاد أو في غربها، من خلال التهريب والتلاعب بالصفقات.

تهريب الذهب الأسود

في أحدث التحقيقات الدولية المتعلقة بالفساد النفطي الليبي زائد أحدث تقرير للأمم المتحدة، فإن ليبيا تشهد عملية تهريب نفط كبيرة تحصل من خلال نظام مقايضة مثير للجدل. إذ تبادل ليبيا التي لا تستطيع القيام بعملية تكرير النفط على نطاق واسع، إنتاجها من النفط الخام بالوقود المكرر، عوضاً عن دفع ثمنه نقداً، وذلك عبر المؤسسة الوطنية للنفط. وبعد أن تدفع القيمة الكاملة بالنفط الخام تبيع الوقود المكرر لمواطنيها الليبيين بأسعار مدعومة بشدة. ولكن ما يحصل، أن سياسيي هذا البلد الماسكين بالسلطة وميليشياتهم شرقاً وغرباً، يستغلون هذا الدعم ويحوّلون المنتجات البترولية إلى السوق السوداء المحلية وإلى خارج البلاد، حيث تباع بقيمتها السوقية الكاملة بوثائق مزوّرة. وتوفر هذه العملية تدفقات مالية ثابتة لكلَي الفريقين.

وذكرت هذه التقارير أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي القديم سمح لقوات حفتر “بالوصول غير المباشر إلى الأموال العامة”، بينما سيطرت الجماعات المسلّحة في طرابلس والزاوية “بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الحكومية الرئيسية ذات الصلة لتهريب جزء كبير من الديزل”.

ورصدت الأمم المتحدة 185 عملية تصدير غير مشروعة للديزل من ميناء بنغازي القديم منذ آذار/ \
ارس/آذار 2022، أي ما يعادل حجم تصدير بقيمة حوالي 1.125 مليون طن من الديزل. علما الشركة العامة للكهرباء الليبية هي المصدر الرئيسي للديزل المهرب إلى خارج البلاد حسب ذات المصدر.

وكانت عن الأمم المتحدة قد تحدثت سابقا عن الارتفاع الكبير لواردات ليبيا من المنتجات البترولية النظيفة في السنوات الأخيرة. إذ تضاعف معدل الواردات من 5.5 مليون طن في عام 2020 إلى 10.35 مليون طن في عام 2024، حسب بيانات من شركة كبلر الاستشارية للسلع الأساسية. 

وأرجعت الأمم المتحدة هذا الارتفاع في الواردات إلى عمليات تهريب الوقود عبر الحدود، نظراً الى أن الاقتصاد الليبي لم يشهد أي تغيرات جديدة قد تؤدي إلى زيادة الطلب على الوقود إلى هذا الحد. وبلغ الطلب الرسمي على الوقود في ليبيا عام 2023 نحو 11 مليون طن، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، وهو معدل كبير بالنسبة الى الليبيين.

وأثقلت الواردات المتزايدة من المنتجات البترولية النظيفة كاهل الاقتصاد الليبي المتعثر أساساًـ نظراً الى الزيادة الكبيرة في تكلفة الدعم، وهو ما أشار إليه محافظ المصرف المركزي السابق الصديق الكبير في رسالة إلى الدبيبة (الذي أقاله) في آذار/ مارس 2024، قال فيها إن “التكلفة السنوية لواردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار تفوق احتياجات البلاد”، لافتاً إلى أن الدعم تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 12.5 مليار دولار بين عامي 2021 و2023. علماً أن حصة دعم الوقود 8.4 مليار دولار.

صفقات خارج القانون

لم يتوقف مسلسل الفساد النفطي في ليبيا عند هذا الحد، إذ كشف تقرير أممي عن ظهور شركة جديدة تحمل اسم “أركينو” لتصدير النفط، كأول شركة نفطية خاصة تنخرط في أنشطة التصدير بعيداً عن المؤسسة الوطنية للنفط، وترتبط بأطراف من شرق ليبيا وغربها أيضاً. 

تقول تقارير إن إبراهيم الدبيبة، مستشار رئيس حكومة الوحدة بطرابلس وابن سقيقته، استطاع إبرام صفقة بين صدام حفتر، نجل خليفة حفتر، وبين عبد الحميد الدبيبة، تخص بيع النفط الليبي. وذكرت التقارير ذاتها أن نجل شقيقة الدبيبة،  قد تمكن من إقناع صدام حفتر بإنشاء شركة خاصة لبيع النفط الليبي بعيداً عن الرقابة داخل ليبيا. وكانت “أركينو” هي الشركة التي تم الاتفاق على أن تقوم بهذا الدور، والتي أُنشئت أساساً لبيع النفط الليبي بعيداً عن المسار القانوني الرسمي.

وحسب الأمم المتحدة، صدّرت “أركينو” ما مجموعه 6 ملايين برميل من النفط الخام ما بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2024، ووصلت قيمة هذه الشحنات إلى 463 مليون دولار أميركي. لكن المؤسسة الوطنية للنفط تنفي هذه التقارير.

وهذا يعني أن الخلافات السياسية الظاهرة بين الفريقين تختفي عند مسألة اقتسام غنائم النفط، بل وتحلّ محلّها الشراكة والتنسيق أيضاً، طالما أن كلَي الطرفين يضمنا نصيباً وافراً من الثروة النفطية الهائلة، والإفلات من أي عقوبة أو تتبع قضائي، في ظل غياب أي ضغوط دولية حقيقية لوقف هذا المستوى الكبير من الفساد. 

تجدر الإشارة الى أن ليبيا أنتجت في العام 2023، 1.189 مليون برميل نفط يومياً، وصدرت 1.024 مليون برميل يومياً، مسجلة إيرادات  بقيمة 20.04 مليار دولار أميركي وفقاً لبيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). علماً أن احتياطي ليبيا من النفط الخام المؤكد نحو 3.9 بالمئة من إجمالي احتياطيات أوبك، التي بلغت 48.36 مليار برميل في عام 2023. فيما سجلت إيرادات النفط خلال عام 2024، 15.51 مليار دولار أميركي، أي بعجز قدره 5.2 مليار دولار أميركي، وفقاً لمصرف ليبيا المركزي.

25.04.2025
زمن القراءة: 6 minutes
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية