fbpx

الخيال العلمي “العربي”: في أثر رأسمال المستقبل!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ندخل معرض “نحو المستقبل-الخيال العلمي والمخيالات الجديدة” في معهد العالم العربيّ في باريس محمّلين بالأفكار المسبقة عن “الخيال العلمي” وعلاقته مع “العرب”، كون هذا النوع الفني والأدبي مرتبطاً بالآلة وتطوّرها، والاختراع العلمي، والرأسمالية، وحرية الاختراع، في حين ما نقرأه في المنطقة في هذا السياق يتحرك بين ماكينة كفتة لعلاج الأيدز اخترعت في مصر، وتسريبات البنتاغون عن صحون طائرة مجهولة المصدر تحوم فوق العراق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حذّر غافن شميت، أحد أبرز علماء المناخ في أميركا ضمن مقال نُشرت حديثاً، من أن علماء المناخ فقدوا القدرة على تفسير التغيرات الجويّة بسبب الاحتباس الحراري. بصورة ما، هُددت قدرة علم الأرصاد الجوية على توقّع الطقس بدقة.

النتيجة السابقة نتلمّسها في باريس، حيث نشهد 4 فصول في اليوم الواحد، وتقلبات في الحرارة أثبتت، إلى جانب الفضائح التي تدين البنوك والشركات، أن اتفاق باريس للمناخ عام 2015، لم ينتج منه شيء سوى خدعة “الاستثمارات الخضراء”.

نهبط مترو باريس باتجاه معهد العالم العربيّ لحضور معرض “نحو المستقبل-الخيال العلمي والمخيالات الجديدة”، غواية الخيال العلمي كنوع فني وأدبيّ، تلفت انتباه كل مهتم وفضولي، ومتحذلق لا يرى “العرب” سوى ضحايا في أفلام هوليوود عن غزو الفضاء أو نهاية العالم. لكن المفاجأة حين انتظار المترو، هي إعلان ضخم يدعونا إلى الاستثمار في المريخ مع دولة الإمارات تحت شعار “لا شيء مستحيل”، في امتداد لحملة وكالة الفضاء الإماراتية التي أعلنت استثمار أكثر من 10 مليارات دولار في قطاع الفضاء!

هذا الإعلان ربما هو أول لمسات الخيال العلمي “العربي”، في زمن تحولت فيه الرحلات نحو “الفضاء” إلى شكل سياحيّ لأصحاب الأموال، المستعدين لمغادرة الكوكب حين تنعدم فيه شروط الحياة إثر الكوارث البيئيّة أو الحروب أو الفقر، مع ذلك هناك اتساق ما، فإن كان المتخيّل عن حرب بين المجرات في فيلم Dune قائماً على مجاز الصراع على النفط، المتخيل المضاد، هو “إعلان” من أحد الدول الخليجية عن “غزو” الفضاء، التي أطلقت القمر الصناعي “خليفة سات”، المصنوع في أميركا، من الأراضي اليابانية!، مع الأخذ بالعلم أن “هوية” القمر الصناعي تكتسب ممن يدفع ثمنه.

ندخل المعرض محمّلين بالأفكار المسبقة عن “الخيال العلمي” وعلاقته مع “العرب”، كون هذا النوع الفني والأدبي مرتبطاً بالآلة وتطوّرها، والاختراع العلمي، والرأسمالية، وحرية الاختراع، والحادث العلميّ ذي الأثر العالميّ، في حين ما نقرأه في المنطقة في هذا السياق يتحرك بين ماكينة كفتة لعلاج الأيدز اخترعت في مصر، وتسريبات البنتاغون عن صحون طائرة مجهولة المصدر تحوم فوق العراق.

أول ما تقع عليه العين حين دخول المعرض عمل تجهيز للفنانة السعوديّة زهرة الغامديّ بعنوان “مولد مكان-2021″، بوصفه تعليقاً على الصراع بين العمارة التقليديّة وغزو ناطحات السحاب للمملكة، يأتي هذا العمل إلى جانب أعمال أخرى من المنطقة ذاتها تتحرك ضمن الموضوعات ذاتها بين صورة  الاستهلاكي المستقبلي في المولات التجارية، و”آثار” لمستقبل بعيد لا ملامح له.

نشاهد أيضاً مُتخيلات تظهر فيها سيارات تطفو شمال أفريقيا كما في “لوحات” يوسف أوباهو، وغزو الكائنات الفضائية لدمشق في لوحات أيهم جابر، وأركيولوجية تكنولوجية كما تجهيز هشام برادة، ورحلة عبر الواقع الافتراضي تحاكي رحلة ليون الأفريقي لمنير عياشي، نحن أمام وسائط متعددة وأشكال مختلفة لتقديم المستقبل، لكن العلاقة مع “العلم” و”المؤسسة العلمية” غائبة.

بصور عامة نحن أمام تصورات عن المستقبل والعلاقة مع الاختراع العلميّ، والأهم أثر التطور العمراني/ المادي على دول الخليج، لا التطور العلميّ، خصوصاً أن ما نراه هو “مُنتجات” تغزو المحليّ وتعيد تكوينه وتستبدله ربما بآخر صناعي وبلاستيكيّ، وربما هنا يمكن فهم عنوان المعرض الذي يجمع “الخيال العلمي” وتصورات عن المستقبل، نستثني هنا نماذج “الفطر” التي نراها في أعمال اللبنانيّة ثريا حداد كريدوس، والتي تفترض”حياة” جديدة من نوع ما.

الجهد لربط الفانتازي بالخيال العلميّ، مشابه للبحث عن اليوتوبيا العربية في “آراء أهل المدينة الفاضلة” للفارابي أو النسخ المتعددة لحيّ بن يقظان، بوصفها نصوصاً غرائبيّة.

أزمة التأصيل والنوع الفنيّ

يقدّم الكتاب المرافق للمعرض تساؤلات ونصوصاً مختلفة عن علاقة الثقافة العربيّة بالخيال العلميّ، مع إجماع على حداثة هذا النوع. في حين أن التراث يحوي “معالم” أو ملامح ” من الخيال العلمي حسب ابراهيم عقيل، الذي يقتبس من كتب التراث العربي، في محاولة تأويليّة لمقارنة الفانتازي/ الغرائبيّ  (أو ما يندرج تحت اسم تكاذيب الأعراب)  بالخيال العلمي، الذي يتضح بمثال بسيط كتشبيه البساط السحري بمكوك فضائي!

الجهد السابق لربط الفانتازي بالخيال العلميّ، مشابه للبحث عن اليوتوبيا العربية في “آراء أهل المدينة الفاضلة” للفارابي أو النسخ المتعددة لحيّ بن يقظان، بوصفها نصوصاً غرائبيّة. لكن هذه النصوص وعظية وذات طابع أيديولوجيّ، بل كتبت كما في تقاليد الكتابة العربيّة للرد على مسائل فلسفية ودينيّة، المتخيل فيها لا يحوي إحالة إلى “العلم” بمعناه التجريبيّ.

جهود البحث في الماضي لإيجاد معالم نوع أدبي لم تعرفه الثقافة العربيّة مشابهة لجهود تأصيل المسرح العربي، كما في “الظواهر المسرحيّة عن العرب” لعلي عقلة عرسان، ورصد “طقوس الفرجة” كبذور لـ”مسرح عربيّ”، الشأن الذي لا يتبناه أدونيس مثلاً، نافياً حضور المسرح في التراث العربي لـ”غياب الصراع”. هذا السعي الى التأصيل للنوع الأدبي متكرر، ويمتد نحو الرواية البوليسية، والملحمة، والهايكو، بل ونراه في محاولات تفسير “الحكاية الغرائبيّة” حين تنطق الحيوانات حكمةً كما حاول كلّ من عبد الفتاح كيليطو وهيثم الورداني أخيراً.

سؤال العلاقة بين الشرط السياسي- الاقتصادي والنوع الأدبي، مبني على موقف نقديّ يرى المخيلة والنوع الأدبي وليد شروط خارج الأدب، القراءة التي لا يتفق معها الكثيرون، حتى بعد ظهور أدب خيال علمي في مصر على يد توفيق الحكيم (العام مليون، تقرير قمري..)، وكتاب من سوريا (طالب عمران) ومصر والمغرب العربيّ، وهنا يمكن تبنيّ المصطلح الذي وضعته ديانا قاسم، أي “الفانتازيا العلميّة” لوصف النصوص العربيّة  من هذا النوع، للتحرر من سطوة شروط “الخيال العلمي” وما يحويه من عوامل سياسية، والهروب من تهمة الاستيراد، التي تطلق على كتاب هذا النوع.

العلم و”رأس المال العربي”

لا يخلو الأدب المكتوب بالعربية في القسم الثاني من القرن العشرين من روايات خيال علمي. ففي النهاية، يتجاوز النوع الأدبي وحرية المخيلة الشرط العلمي والاقتصادي، بل إن بعضها يأخذ موقفاً سياسياً كتلك التي تناقش استخدام إسرائيل السلاح النووي، كذلك روايات “اليافعين والشبان” التي تتبنى هذا النوع بوصفه “استهلاكيّاً”. لكن الموقف النقدي الذي يرى أن هذا النوع “أوروبي” ونتيجة شروط اقتصادية-علميّة، يتهم بالداروينية الأدبيّة أو ممارسة سلطة على المخيلة بوصفها عقيمة من دون شرط ماديّ. لكن الملاحظ أن الرهان هو على الخليج، صحيح هو يستورد التكنولوجيا، لكن شرط رأس المال قائم ونراه في “معجزة دبي” وتحول المدينة من صحراء إلى ناطحات سحاب مستقبلية ، وما يحاول محمد بن سلمان القيام به في نيوم و مدينة “المكعب”.

في ذاك السياق، يتحول النفط من محط صراع إلى عامل تطوريّ، الذهب الأسود يفتح الباب أمام المخيّلة، لكن ما زال حضوره متواضعاً، إذ يستخدم لـ”احتواء” العلم والعسكرة أو الدعاية الاستهلاكيّة، فالروبوت صوفيا، تصنيع شركة في هونغ كونغ، لكنها أول روبوت يحمل جنسية دولة، وللمفارقة هي الجنسية السعوديّة.

هذا الشكل من التمثيل المستقبلي لقدرة النفط على احتواء العلم، ما زال عاجزاً، هو إما ترفيهي كحالة النسخة الجديدة من غريندايزر الذي يهبط في بلد عربي لا نعرف بدقة ما هو لكن سكانه يرتدون الجلابية والشماغ، أو خدمي بحت، كروبوتات تعمل أثناء موسم الحج، لكن لم ينتحر أي وروبوت  منها إثر “ضغط العمل” كما حصل في كوريا الجنوبيّة.

إعادة امتلاك المخيّلة

صيغة المقارنة التي نتبناها بين شرط أوروبي/ أميركي، أنتجت نوعاً أدبياً وتابعاً “آخر” يحاول تقليد هذا النوع، من الممكن تفكيكها بشدّة، خارج ثنائيّة المخيلة الأوروبية العلمية والمخيلة الشرقيّة “العجائبيّة”، لكن العودة  الى التراث غير كافية ولا الصيغة الاستهلاكية الحالية لـ”العلم” والاختراع مقابل المال قادرة على تشكل عتبة نحو مستقبل مشترك  أو تطوير ذائقة فنية قادرة على تذوق المنتج “المحلي”، وهذا ما يفسَّر بغياب أفلام خيال علمية عربية تحولت إلى ظاهرة شعبيّة.

المحاولات الفرديّة لإنتاج أدب وفن تحت علامة تجنس “خيال علمي” قائمة ومستمرة، بل إن أدب الديستوبيا حاضر بوضوح حالياً (أخبار الرازي لأيمن الدبوسي) واكتشاف عوالم غرائبية ورحلات في المخيلة أيضاً حاضرة (الوصفة رقم 7 – محمد مجدي همام)،  فلا رقيب على المخيلة. لكن يبقى هذا “المتخيل العربي” غير استهلاكي محلياً على مستوى جديّ، وما زال خاضعاً للنظرة المتعالية “الغربيّة” التي تسعى إلى احتوائه ضمن سياقات بحثية وأنثروبولوجيّة  أو يظهر في المخيلة “الغربية” تنازلاً كشكل من أشكال “العدالة في التمثيل”.

"درج" | 27.09.2024

“إشعال السماء”: ماذا خلف ألسنة اللهب السامة التي تسمح بها شركات النفط العملاقة ؟

تٌعد شركات النفط العملاقة في غرب أوروبا مثل "بريتيش بتروليوم ـ بي بي" وشركة "إيني" الإيطالية "الوكالة الوطنية للمحروقات" و"توتال إنرجيز" و"شل"، من بين أكبر عشرة مصادر للتلوث في أفريقيا والشرق الأوسط نتيجة عمليات حرق الغاز. وتشارك هذه الشركات في إطلاق السموم في السماء وتلويث البيئة والإضرار بصحة الناس. هذا ما كشفه تحقيق "إشعال السماء"،…
18.09.2024
زمن القراءة: 6 minutes

ندخل معرض “نحو المستقبل-الخيال العلمي والمخيالات الجديدة” في معهد العالم العربيّ في باريس محمّلين بالأفكار المسبقة عن “الخيال العلمي” وعلاقته مع “العرب”، كون هذا النوع الفني والأدبي مرتبطاً بالآلة وتطوّرها، والاختراع العلمي، والرأسمالية، وحرية الاختراع، في حين ما نقرأه في المنطقة في هذا السياق يتحرك بين ماكينة كفتة لعلاج الأيدز اخترعت في مصر، وتسريبات البنتاغون عن صحون طائرة مجهولة المصدر تحوم فوق العراق.

حذّر غافن شميت، أحد أبرز علماء المناخ في أميركا ضمن مقال نُشرت حديثاً، من أن علماء المناخ فقدوا القدرة على تفسير التغيرات الجويّة بسبب الاحتباس الحراري. بصورة ما، هُددت قدرة علم الأرصاد الجوية على توقّع الطقس بدقة.

النتيجة السابقة نتلمّسها في باريس، حيث نشهد 4 فصول في اليوم الواحد، وتقلبات في الحرارة أثبتت، إلى جانب الفضائح التي تدين البنوك والشركات، أن اتفاق باريس للمناخ عام 2015، لم ينتج منه شيء سوى خدعة “الاستثمارات الخضراء”.

نهبط مترو باريس باتجاه معهد العالم العربيّ لحضور معرض “نحو المستقبل-الخيال العلمي والمخيالات الجديدة”، غواية الخيال العلمي كنوع فني وأدبيّ، تلفت انتباه كل مهتم وفضولي، ومتحذلق لا يرى “العرب” سوى ضحايا في أفلام هوليوود عن غزو الفضاء أو نهاية العالم. لكن المفاجأة حين انتظار المترو، هي إعلان ضخم يدعونا إلى الاستثمار في المريخ مع دولة الإمارات تحت شعار “لا شيء مستحيل”، في امتداد لحملة وكالة الفضاء الإماراتية التي أعلنت استثمار أكثر من 10 مليارات دولار في قطاع الفضاء!

هذا الإعلان ربما هو أول لمسات الخيال العلمي “العربي”، في زمن تحولت فيه الرحلات نحو “الفضاء” إلى شكل سياحيّ لأصحاب الأموال، المستعدين لمغادرة الكوكب حين تنعدم فيه شروط الحياة إثر الكوارث البيئيّة أو الحروب أو الفقر، مع ذلك هناك اتساق ما، فإن كان المتخيّل عن حرب بين المجرات في فيلم Dune قائماً على مجاز الصراع على النفط، المتخيل المضاد، هو “إعلان” من أحد الدول الخليجية عن “غزو” الفضاء، التي أطلقت القمر الصناعي “خليفة سات”، المصنوع في أميركا، من الأراضي اليابانية!، مع الأخذ بالعلم أن “هوية” القمر الصناعي تكتسب ممن يدفع ثمنه.

ندخل المعرض محمّلين بالأفكار المسبقة عن “الخيال العلمي” وعلاقته مع “العرب”، كون هذا النوع الفني والأدبي مرتبطاً بالآلة وتطوّرها، والاختراع العلمي، والرأسمالية، وحرية الاختراع، والحادث العلميّ ذي الأثر العالميّ، في حين ما نقرأه في المنطقة في هذا السياق يتحرك بين ماكينة كفتة لعلاج الأيدز اخترعت في مصر، وتسريبات البنتاغون عن صحون طائرة مجهولة المصدر تحوم فوق العراق.

أول ما تقع عليه العين حين دخول المعرض عمل تجهيز للفنانة السعوديّة زهرة الغامديّ بعنوان “مولد مكان-2021″، بوصفه تعليقاً على الصراع بين العمارة التقليديّة وغزو ناطحات السحاب للمملكة، يأتي هذا العمل إلى جانب أعمال أخرى من المنطقة ذاتها تتحرك ضمن الموضوعات ذاتها بين صورة  الاستهلاكي المستقبلي في المولات التجارية، و”آثار” لمستقبل بعيد لا ملامح له.

نشاهد أيضاً مُتخيلات تظهر فيها سيارات تطفو شمال أفريقيا كما في “لوحات” يوسف أوباهو، وغزو الكائنات الفضائية لدمشق في لوحات أيهم جابر، وأركيولوجية تكنولوجية كما تجهيز هشام برادة، ورحلة عبر الواقع الافتراضي تحاكي رحلة ليون الأفريقي لمنير عياشي، نحن أمام وسائط متعددة وأشكال مختلفة لتقديم المستقبل، لكن العلاقة مع “العلم” و”المؤسسة العلمية” غائبة.

بصور عامة نحن أمام تصورات عن المستقبل والعلاقة مع الاختراع العلميّ، والأهم أثر التطور العمراني/ المادي على دول الخليج، لا التطور العلميّ، خصوصاً أن ما نراه هو “مُنتجات” تغزو المحليّ وتعيد تكوينه وتستبدله ربما بآخر صناعي وبلاستيكيّ، وربما هنا يمكن فهم عنوان المعرض الذي يجمع “الخيال العلمي” وتصورات عن المستقبل، نستثني هنا نماذج “الفطر” التي نراها في أعمال اللبنانيّة ثريا حداد كريدوس، والتي تفترض”حياة” جديدة من نوع ما.

الجهد لربط الفانتازي بالخيال العلميّ، مشابه للبحث عن اليوتوبيا العربية في “آراء أهل المدينة الفاضلة” للفارابي أو النسخ المتعددة لحيّ بن يقظان، بوصفها نصوصاً غرائبيّة.

أزمة التأصيل والنوع الفنيّ

يقدّم الكتاب المرافق للمعرض تساؤلات ونصوصاً مختلفة عن علاقة الثقافة العربيّة بالخيال العلميّ، مع إجماع على حداثة هذا النوع. في حين أن التراث يحوي “معالم” أو ملامح ” من الخيال العلمي حسب ابراهيم عقيل، الذي يقتبس من كتب التراث العربي، في محاولة تأويليّة لمقارنة الفانتازي/ الغرائبيّ  (أو ما يندرج تحت اسم تكاذيب الأعراب)  بالخيال العلمي، الذي يتضح بمثال بسيط كتشبيه البساط السحري بمكوك فضائي!

الجهد السابق لربط الفانتازي بالخيال العلميّ، مشابه للبحث عن اليوتوبيا العربية في “آراء أهل المدينة الفاضلة” للفارابي أو النسخ المتعددة لحيّ بن يقظان، بوصفها نصوصاً غرائبيّة. لكن هذه النصوص وعظية وذات طابع أيديولوجيّ، بل كتبت كما في تقاليد الكتابة العربيّة للرد على مسائل فلسفية ودينيّة، المتخيل فيها لا يحوي إحالة إلى “العلم” بمعناه التجريبيّ.

جهود البحث في الماضي لإيجاد معالم نوع أدبي لم تعرفه الثقافة العربيّة مشابهة لجهود تأصيل المسرح العربي، كما في “الظواهر المسرحيّة عن العرب” لعلي عقلة عرسان، ورصد “طقوس الفرجة” كبذور لـ”مسرح عربيّ”، الشأن الذي لا يتبناه أدونيس مثلاً، نافياً حضور المسرح في التراث العربي لـ”غياب الصراع”. هذا السعي الى التأصيل للنوع الأدبي متكرر، ويمتد نحو الرواية البوليسية، والملحمة، والهايكو، بل ونراه في محاولات تفسير “الحكاية الغرائبيّة” حين تنطق الحيوانات حكمةً كما حاول كلّ من عبد الفتاح كيليطو وهيثم الورداني أخيراً.

سؤال العلاقة بين الشرط السياسي- الاقتصادي والنوع الأدبي، مبني على موقف نقديّ يرى المخيلة والنوع الأدبي وليد شروط خارج الأدب، القراءة التي لا يتفق معها الكثيرون، حتى بعد ظهور أدب خيال علمي في مصر على يد توفيق الحكيم (العام مليون، تقرير قمري..)، وكتاب من سوريا (طالب عمران) ومصر والمغرب العربيّ، وهنا يمكن تبنيّ المصطلح الذي وضعته ديانا قاسم، أي “الفانتازيا العلميّة” لوصف النصوص العربيّة  من هذا النوع، للتحرر من سطوة شروط “الخيال العلمي” وما يحويه من عوامل سياسية، والهروب من تهمة الاستيراد، التي تطلق على كتاب هذا النوع.

العلم و”رأس المال العربي”

لا يخلو الأدب المكتوب بالعربية في القسم الثاني من القرن العشرين من روايات خيال علمي. ففي النهاية، يتجاوز النوع الأدبي وحرية المخيلة الشرط العلمي والاقتصادي، بل إن بعضها يأخذ موقفاً سياسياً كتلك التي تناقش استخدام إسرائيل السلاح النووي، كذلك روايات “اليافعين والشبان” التي تتبنى هذا النوع بوصفه “استهلاكيّاً”. لكن الموقف النقدي الذي يرى أن هذا النوع “أوروبي” ونتيجة شروط اقتصادية-علميّة، يتهم بالداروينية الأدبيّة أو ممارسة سلطة على المخيلة بوصفها عقيمة من دون شرط ماديّ. لكن الملاحظ أن الرهان هو على الخليج، صحيح هو يستورد التكنولوجيا، لكن شرط رأس المال قائم ونراه في “معجزة دبي” وتحول المدينة من صحراء إلى ناطحات سحاب مستقبلية ، وما يحاول محمد بن سلمان القيام به في نيوم و مدينة “المكعب”.

في ذاك السياق، يتحول النفط من محط صراع إلى عامل تطوريّ، الذهب الأسود يفتح الباب أمام المخيّلة، لكن ما زال حضوره متواضعاً، إذ يستخدم لـ”احتواء” العلم والعسكرة أو الدعاية الاستهلاكيّة، فالروبوت صوفيا، تصنيع شركة في هونغ كونغ، لكنها أول روبوت يحمل جنسية دولة، وللمفارقة هي الجنسية السعوديّة.

هذا الشكل من التمثيل المستقبلي لقدرة النفط على احتواء العلم، ما زال عاجزاً، هو إما ترفيهي كحالة النسخة الجديدة من غريندايزر الذي يهبط في بلد عربي لا نعرف بدقة ما هو لكن سكانه يرتدون الجلابية والشماغ، أو خدمي بحت، كروبوتات تعمل أثناء موسم الحج، لكن لم ينتحر أي وروبوت  منها إثر “ضغط العمل” كما حصل في كوريا الجنوبيّة.

إعادة امتلاك المخيّلة

صيغة المقارنة التي نتبناها بين شرط أوروبي/ أميركي، أنتجت نوعاً أدبياً وتابعاً “آخر” يحاول تقليد هذا النوع، من الممكن تفكيكها بشدّة، خارج ثنائيّة المخيلة الأوروبية العلمية والمخيلة الشرقيّة “العجائبيّة”، لكن العودة  الى التراث غير كافية ولا الصيغة الاستهلاكية الحالية لـ”العلم” والاختراع مقابل المال قادرة على تشكل عتبة نحو مستقبل مشترك  أو تطوير ذائقة فنية قادرة على تذوق المنتج “المحلي”، وهذا ما يفسَّر بغياب أفلام خيال علمية عربية تحولت إلى ظاهرة شعبيّة.

المحاولات الفرديّة لإنتاج أدب وفن تحت علامة تجنس “خيال علمي” قائمة ومستمرة، بل إن أدب الديستوبيا حاضر بوضوح حالياً (أخبار الرازي لأيمن الدبوسي) واكتشاف عوالم غرائبية ورحلات في المخيلة أيضاً حاضرة (الوصفة رقم 7 – محمد مجدي همام)،  فلا رقيب على المخيلة. لكن يبقى هذا “المتخيل العربي” غير استهلاكي محلياً على مستوى جديّ، وما زال خاضعاً للنظرة المتعالية “الغربيّة” التي تسعى إلى احتوائه ضمن سياقات بحثية وأنثروبولوجيّة  أو يظهر في المخيلة “الغربية” تنازلاً كشكل من أشكال “العدالة في التمثيل”.