أثار تقرير صحفي مصوّر عرضته قناة “BBC أخيراً ضمن برنامج “بانوراما” سجالاً واسعاً حيال مصير المساعدات التي تصرفها الحكومة البريطانية، من جيب دافعي الضرائب، في مشاريع وبرامج يتمّ تنفيذها في مناطق الشمال السوري، الخارجة عن سيطرة النظام، ولا تحقق الاهداف المرجوة منها، بل قد تضل طريقها أحياناً وتذهب لـ “جهات متطرفة” كما يزعم التقرير. وعلى الفور علّقت الحكومة البريطانية مشروع المساعدات الخارجية، ريثما ينتهي التحقيق في المسألة، فيما بدأت الاضرار العملية تعد وتحصى.
ويسوق الفيلم الذي جاء بعنوان “الجهاديون الذين تموّلونهم” (Jihadis You Pay For) اتهامات لشركة “آدام سميث انترناشونال” التي تنفذ مشروع دعم “الشرطة السورية الحرة”، بالتغاضي عن تعاون عناصر وضباط من تلك الشرطة، مع محاكم “تصدر أحكاماً وحشية”، وتدخّل بعض الجماعات المسلّحة، في اختيار الضباط والعناصر العاملين في نطاقها، إلى فساد مالي بإبقاء اشخاص متوفين، أو وهميين على لوائح الرواتب وغير ذلك.
ويركّز الفيلم على الجزئية المتعلقة بأموال الدعم البريطاني، تحديداً في هذا البرنامج الدولي المّمول من ست دول مانحة، هي الولايات المتحدة بشكل رئيسي، والدنمارك، وهولندا، وألمانيا، وكندا، إلى جانب بريطانيا، وتنفذه شركة “آدام سميث الدولية”، تحت تسمية “أجاكس”.
وبلغت ميزانية المشروع للسنوات الثلاث الماضية ما يقارب ٢٠ مليون دولار، بحسب ما قال قائد فريق العمل في البرنامج، دايفيد روبسون، لـ “درج”.
و”آدم سميث”، هي شركة استشارات بريطانية، تأسست في ١٩٩٢، استجابةً للطلب المتزايد لدى الحكومات، في مجال التنمية والاصلاح الاداري والاقتصادي، لاسيما في البلدان التي تشهد نزاعات، أو فترات حكم انتقالي. كما نفّذت مشاريع في أوروبا الشرقية، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت “الشركة البريطانية الدولية الأولى”، التي أخذت عقوداً في أفغانستان بعد سقوط “طالبان” في ٢٠٠٢، ثم في العراق ما بعد ٢٠٠٣، وصولاً إلى عقود في سورية اليوم.
وإذ ينطلق التقرير من فكرة جديرة بالاهتمام، وهي تحّول المساعدات الدولية من عمل حكومي يعكس توجه السياسات الخارجية للدول، ويخضع لشروط المحاسبة ومساءلة الناخبين، إلى قطاع خاص تتحكم فيه نخبة من الشركات> التي تعمل بذهنية المقاولة، جاءت المعالجة مبتورة وبعيدة عن الفرضية التي انطلقت منها.
فعوضاً عن البحث في عمق المشكلة المتعددة الأطراف، من آليات التطبيق والمراقبة، إلى التعقب المالي الدقيق للمستفيدين من برنامج “دعم “الشرطة الحرة” للتحقق من دقّة التهم التي الموجهة، كما تقتضي بديهيات الصحافة الاستقصائية، ذهب التقرير إلى استعجال إطلاق الأحكام، عبر ربط حوادث متفرقة ببعضها البعض، وبالاستناد إلى كلام شهود من طرف واحد.
وإلى ذلك، لا يتطرق التقرير من قريب أو من بعيد، إلى مسؤولية الدول المانحة تجاه المجتمعات التي تخوض نزاعات، والمتضررة من قراراتها واخفاقات سياساتها الخارجية، ثم التعويض عنها بتمويل برامج دعم بمبالغ طائلة، قد تتحول عملياً الى تبذير لأموال دافعي الضرائب عبر عقود ومناقصات تمنح لشركات خاصة. ذاك أن ما يصل حقيقة للفئة المستهدفة، هو جزء يسير من المساعدات، التي تصرف بغالبيتها على رواتب خيالية لموظفين خارجيين وخبراء وإيجار مكاتب وغير ذلك. “يكفي أن نعلم إن راتب الموظف في شركة من نخب “آدم سميث” مقيم في غازي عنتاب التركية، قد يتراوح بين ألفين و ١٣ألف دولار أحياناً، بحسب رتبته الوظيفية وجنسيته وطبيعة عقده، فيما رواتب الشرطة في الداخل السوري هي ١٠٠ دولار للعنصر، و١٥٠دولاراً للضابط”، على ما يقول موظف سابق فضل عدم ذكر اسمه.
وإذ يغفل التقرير حقائق كثيرة تدين آلية صرف الاموال والمحاسبة، قبل الدخول في أصول المحاكمات التي لا صلاحيات للشرطة الحرة او برنامج “أجاكس” عليها، ارتكز على مقابلات أشخاص يبدو أنهم يصفون حسابات شخصية مع شركة “أدام سميث”. ففي بيان نشرته على موقعها الالكتروني، قالت “أدام سميث” إن اثنين من الشهود الذين ارتكز تقرير BBC على أقوالهما، وهما طارق الخليل، ووسيم عناوي، طُردا من العمل قبل فترة وجيزة، بسبب “سلوك غير أخلاقي بما في ذلك الفساد ومحاولة ابتزاز أموال تحت تهديد تشويه سمعة المشروع من خلال الاتصال مع الصحافيين”. أما الثالث وهو المحامي يوسف حوران، فقالت الشركة إنه “تقدم بطلب للتوظيف ولم يتم قبوله”.
وإلى جانب تعزيز أسلوب “الوشاية” وتشويه السمعة وسيلة لتصفية الحسابات، كشفت هذه القضية رأس الجليد لمشكلة أعقد وأكثر تشرذماً، وهي أولاً توقف التمويل والدعم والإصلاح عند حلقة واحدة من سلسلة كاملة، تحتاج لإعادة بناء وترميم
آليات التمويل وصلاحيات الشركاء
وإلى جانب تعزيز أسلوب “الوشاية” وتشويه السمعة وسيلة لتصفية الحسابات، كشفت هذه القضية رأس الجليد لمشكلة أعقد وأكثر تشرذماً، وهي أولاً توقف التمويل والدعم والإصلاح عند حلقة واحدة من سلسلة كاملة، تحتاج لإعادة بناء وترميم تماماً كما هي الحال الآن مع برنامج دعم الشرطة هذا. فإذا كان مسار العدالة والمحاكمات المدنية يبدأ فعلياً من المخفر، إلا إنه لا يقف عنده، بل يحتاج منظومة قضائية متكاملة من ضابطة عدلية, ولائحة قوانين، وجهاز قضاة ومحاكم وسجون وغير ذلك مما لا يغطيه برنامج دعم ““الشرطة الحرة”” وحده.
فهذا المشروع على أهميته، هو مثال بسيط عن مشكلة إدارة أموال الدعم الخارجي عموماً. وبحسب مصدر متابع لمشاريع المنظمات الدولية وشراكاتها مع المجالس المحلية في الشمال السوري”، يعود أصل المشكلة إلى القرار السياسي، في وقف الدعم الممنوح من “أصدقاء الشعب السوري” ومنهم بريطانيا، عن الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، وتحويله الى الكيانات الناشئة على الأرض، عبر مشاريع لشركات خاصة. فعوضاً عن دعم وزارة الداخلية، التي يتبع لها جهاز الشرطة مثلاً أو وزارة الإدراة المحلية، أو حتى مجلس المحافظات، ذهب الدعم مباشرة إلى المشروع، وهو الآن في مأزق، وقد يؤدي وقف تمويله إلى حرمان المدنيين من خدماته”.
ويقول روبسون لـ “درج”: “الشرطة الحرة” هي الجهاز الأكثر انتشاراً وقدرة على تقديم خدمات فض النزاعات في المجتمعات المحلية من دون الرجوع إلى المحاكم، وهي تعمل بموجب مجموعة متفق عليها من اللوائح الداخلية ومدونة لقواعد السلوك”. ويضيف “يمكن قياس مدى نجاح هذه التجربة في التفاف المجتمع الاهلي حولها واعتبارها موضع ثقة لأكثر من 80 في المئة من السكان”.
وكانت فكرة الشرطة المجتمعية، انطلقت أواخر العام٢٠١٢ لإدارة المناطق الخارجة عن سلطة النظام، على يد اللواء المنشق أديب الشلاف ومجموعة من رفاقه. وبلغ عدد مراكز الشرطة في ٢٠١٣ أكثر من ٦٠ مركزاً تضم عناصر شرطة منشقين يعملون بشكل تطوعي بالكامل، بالتنسيق مع المجالس المحلية، لحفظ الأمن والقيام بمهام الدفاع المدني والاسعاف في المناطق التي تتعرض للقصف، قبل ان يعود جهاز الدفاع المدني ويستقل في مشروعه الخاص.
واليوم وبعد خسارة ١١ مركزاَ في الريف الشرقي، على أثر سيطرة تنظيم “داعش” على المنطقة، و15 مركزاً في مدينة حلب، بعدما استعادها النظام، ووضع مناطق الريف الشمالي تحت إدارة “درع الفرات”, يعمل٢٧ مركزاً في الريف الغربي بواقع ألف و٨١٢شرطي بين عنصر وضابط في محافظة حلب. أما في محافظة إدلب فيبلغ عدد المراكز ٢٩مركزاً، ويعمل فيها ألف و٤٨٦ شرطياً. وتتوزع الميزانية المخصصة لهم بين رواتب وتكاليف إدارة المخافر، وشراء المعدات والوقود للآليات والتدفئة والبزات العسكرية بحسب الحاجة إليها، علماً إن كافة المشتريات تتم من قبل الشركة المشغلة وليس من قبل جهاز الشرطة الممنوع من حمل السلاح، لأن الكتلة المالية التي تصل للداخل تغطي بشكل أساسي الرواتب.
وفي حديث مع “درج”، يقول الشلاف وهو حالياً قائد “الشرطة الحرة” في حلب “في بداية التمويل قاتلنا كثيراً من اجل الحصول على سلاح وإن خفيف كأي مخفر، لكن البرنامج ركز على فكرة الشرطة المجتمعية وضرورة إشراك المجتمع بعمل الشرطة من دون أي سلاح. وهكذا كان، واليوم بعد نحو ٣ سنوات، أقول ربٌ ضارة نافعة، لأن ذلك أمّن لنا حماية كبيرة”. والحماية التي يتحدث عنها الشلاف، هي تلك الرعاية المعنوية لجهة التفاف المدنيين ووجهاء البلدات حول رجال شرطتهم، ولكن أيضاً أمنية، لجهة عدم تقديم أنفسهم كمنافسين للمسلحين التابعين للفصائل العسكرية، التي باتت سلطة أمر واقع في الشمال السوري.
وعن قضية المحاكمات المنافية للمعاهدات الدولية وحقوق الانسان، التي تطبقها بعض تلك الفصائل المسلحة، وفجّرت القضية برمتها، يقول الشلاف “لا يمكن الدفاع عن تلك المحاكم في الظروف الطبيعية، لكننا في حالة حرب وغياب تام للدولة ومؤسساتها ونعتمد على الموجود لدينا من محاكم بغض النظر عن العدالة التي تحققها، لأننا في الوقت الحالي نفتقر للبدائل وليس لدينا صلاحيات على القضاء”.
ويضيف، “لا شك إن المحاكم الموجودة تحتاج لإصلاح كبير، وقد طالبناً كثيراً ببرامج لدعم القضاء على غرار برنامج الشرطة، وقلنا مراراً إنه يمكن الاستفادة من عدد من القضاة والمحامين المنشقين من أصحاب الخبرة والمعرفة القانونية، لكن نداءاتنا ذهبت سدى، واقتصر الدعم على جزئية الشرطة، فبتنا الآن مضطرين للتعامل مع الموجود لدينا ضمن نطاق صلاحياتنا”.
وتتراوح هذه الصلاحيات من مجرد إدارة حركة المرور وتغريم المخالفين في منطقة ما، وفضّ النزاعات بين الأهالي في منطقة أخرى، والتعامل مع الشكاوى اليومية التي ترد للمخفر، وصولاً إلى ملاحقة الخارجين عن القانون وتسليمهم للمحاكمة.
وإذ تقف مشاريع “الإصلاح القضائي” عند عتبة المخافر، تبقى الفصائل المسلحة باختلاف أطيافها، ودرجات اعتدالها أو تشددها، هي الجهة المسؤولة عن سير المحاكمات والسجون، فيما الشرطة تعمل بجهد عناصرها ضمن المتاح لها من امكانيات.
العلاقة مع الفصائل
“حركة نور الدين الزنكي”، المتهمة الرئيسية في تقرير BBC بارتكاب الانتهاكات وفرض “أتاوات” على المخافر، تقتطع من “أموال دافعي الضرائب البريطانيين”، اعتبرت أن ثمة تحويراً للوقائع، واستخداماً لأحداث ماضية في غير سياقها.
ففي حديث مع “درج”، يقول الناطق باسم الحركة النقيب عبد السلام عبد الرزاق، “تضمّن التقرير عدداً من المغالطات التي لم يتم التدقيق فيها. فأولاً نحن لسنا مدرجين على لوائح الإرهاب كما حاول التقرير أن يوحي، بل معروف أننا حاربنا “داعش” وأخرجناها من مناطق الشمال السوري، ثم جاءوا على ذكر مقطع الفيديو الذي يظهر إعدام شاب في الميدان، ولم يذكروا أن ذلك لم يجر في أي محكمة تابعة لنا، ولم يذكروا أننا أصدرنا بياناً نتبرأ فيه من عمل فردي لا يمثلنا”. أما عمل الشرطة الحرة في مناطق الزنكي والعلاقة التي تربطهم بها فقال، “لا علاقة للشرطة الحرّة بمسائلنا العسكرية. هي تعمل بمعزل عنا ويمكن اعتبار تجربتها في مناطقنا الأكثر نجاحاً وفعالية بشهادة الناس. فنحن لا نتدخل في عملهم ونحيل كافة القضايا الجنائية التي تردنا إلى محاكم مدنية يديرها قضاة مدنيون وحيث يطبق القانون العربي الموحد، وهو مشروع قانون مدني ناقشته جامعة الدول العربية في ١٩٨٨ ولم يطبق عملياً، وليس حدود الشريعة الاسلامية”.
“استغربتُ جداً التهمة حينما تبلّغت منذ نحو أسبوعين بقرار تجميد الدعم”، يقول الشلاف. ويتابع،”لدينا تعهد خطي من الزنكي بعدم التعرض لميزانياتنا، ورواتب عناصرنا، وذلك بعدما حاولوا فرض شروطهم في بداية المشروع. لكن الداعمين اوقفوا الرواتب سريعاً وعلقوا العمل لفترة من الزمن ريثما تراجعت الحركة وعادت الامور لمجراها”. ويقول روبسون “حركة نور الدين الزنكي لا تتلقى منا أية أموال. وعندما حاولوا التدخل في عملنا تم تعليق الدعم فوراً”.
ويقول المصدر أعلاه، وقد تمت مقاطعة معلوماته، إنه ربما شاب ذلك البرنامج بعض “سوء الإدارة” التي تهدد اليوم استمرارية مشروع مدني ناجح وفعال كـ “الشرطة الحرة”، لكن الحديث عن “أتاوات” مبالغ فيه وغير دقيق، لأن الرواتب تسلم بشكل مباشر للعناصر والضباط وبشفافية تامة، حيث يتمّ التوقيع على ايصالات استلام فردية. أما الكلفة التشغيلية التي يمكن أن يحصل التسريب منها، فهي بدورها ضئيلة جداً، ولا تتجاوز في بعض الاحيان ٢٠٠ دولار للمخفر. وأضاف المصدر “لو أن هناك أتاوات مالية بالشكل الذي يتم الحديث عنه، لما قامت تنظيمات متشددة مثل النصرة وجند الأقصى، بسلب آليات ومعدات تابعة لمراكز الشرطة في عدد من البلدات”.
والحال إن العلاقة بجبهة النصرة تخضع لكرٍ وفرّ مع “الشرطة الحرة”، إذ لا يتوانى مقاتلوها عن اقتحام مخفر هنا أو هناك، وسرقة المعدات أو السيارات، لتتم الاستعانة بشبكة الأمان المحلية ووجهاء البلدات لاستعادتها كلياً أو جزئياً.
وبعكس المناطق التي تخضع لسيطرة “جبهة النصرة” والفصائل المقربة منها، حيث تطبق النصرة قوانينها وتنشأ الشرطة الشرعية أو “الحسبة”، تعمل “الشرطة الحرة” في مناطق يطبق فيها “القانون العربي الموحد” كمثل مناطق الجيش الحر والزنكي، أو القانون السوري بحسب الحالات.
ويقول الشلاف، “نعتمد بشكل أساسي على نظام خدمة الشرطة السابق والقانون السوري بالاضافة الى القانون العربي الموحد أحياناً، ولا نعمل في مناطق جبهة النصرة. فعدا عن كونها مدرجة على لوائح الارهاب ولا يمكننا العمل ضمن نطاقها، فهي ايضاً تميل إلى تكفير من يطبق القوانين الوضعية، وتفرض أجهزتها الأمنية الخاصة ومحاكمها وقوانينها فور سيطرتها على منطقة ما”.
أمن المخافر
يشكل أمن المخافر تحدياً إضافياً على القيادة والعناصر، لكونها تعمل ضمن مساحات خاضعة لسيطرة فصائل عسكرية، تتصالح حيناً وتتناحر حيناً آخر، ما يضع “الشرطة الحرة”غير المسلحة أصلاً إما تحت نيران المقاتلين أو تحت حمايتهم. وذلك ما تطرق اليه ايضاً تقرير BBC، الذي ذكر على لسان المحامي حوران، إن ما يقارب ٢٠ في المئة من ميزانية الشرطة في مناطق الزنكي تذهب للحركة مقابل ضمان سلامة المخافر. و”الصحيح” على ما أوضح حوران لـ “درج” لدى التحقق منه إن “المبلغ المقتطع يذهب حصراً للادارة المدنية، وليس للادارة العسكرية التابعة للزنكي”. وقال “ما قلته لقناة BBC هو ما يعرفه الجميع ولم اكشف سراً. قلت ما اعرف ولم أفعل ذلك لاي انتقام شخصي او تصفية حسابات كما اتهمت. لكني لم اطلع على ترجمة أقوالي واكتشفت لاحقاً إنها اجتزئت واقتطعت من سياقها”. ويتابع حوران”,كلنا يعلم أن تجربة الشرطة في مناطق الزنكي هي من أنجح التجارب بدليل إنه لدى توقيف ابن احد القادة العسكريين ذات مرة، لم يتدخل أحد للإفراج عنه، كما أن للشرطة الحرّة سجل معروف في الانسحاب من مناطق الفصائل المتشددة وعدم العمل معها يمكن الرجوع إليه.أما أن الإدارة المدنية للزنكي تتقاضى مبلغاً مقابل توفير الأمن والغذاء والطبابة لعناصر الشرطة فذلك طبيعي إذا لم يتم توفيره لهم من أي جهة أخرى”.
تفصيل، ينأى روبسون ببرنامجه عنه ويقول”سلامة مراكز الشرطة وأمنها مسألة تخصهم فهم مستقلون عن “أجاكس”، وهم الأكثر قدرة على اتخاذ قراراتهم الخاصة، بحسب المجتمعات التي يخدمونها. أمنهم وسلامتهم يضمنها بالدرجة الاولى المجتمع الأهلي الذي يخدمونه”، مشدداً على أن مشروع “أجاكس “لا يدفع أي بدل مادي لأي فصيل عسكري مقابل أمن المخافر أو أي خدمات تقدم لها”.
ومهما يكن من أمر، فإن “الشرطة الحرة”، واحدة من الكيانات المدنية القليلة المتبقية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، والتي تقدم نموذجاً أهلياً مغايراً للحالة العسكرية المستفحلة. لذا، فإن قطع التمويل عنهم لا يقطع الأمل بجدوى العمل المدني فحسب، وإنما قد يساهم بشكل مباشر وأكثر حدة في حالة التسلح من دون أن يقضي بالضرورة على الفساد الإداري، أو يحمي أموال دافعي الضرائب من مواطني الدول المانحة.