لطالما كانت لامبالاة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه المعرفة المطبوعة ظاهرة منذ مدة، فهو يفضل التواصل الشفهي على الكتابي. وضعف اهتمام ترامب بالقراءة كان أحد النقاط التي ركز عليها كتاب مايكل وولف، fire and fury، فهو يقول، “ترامب لا يتعامل مع المعلومات بالشكل المعهود، فهو لا يقرأ، لا يتصفح الورق حتى، ويظن البعض أنه، بالنظر لكل المساعي العملية، هو لا يتعدى كونه شبه أمي”.
اقتبس وولف من المستشار الاقتصادي جاري كون، ما كتبه له عبر رسالة إلكترونية يصف فيها الرئيس الأميركي، “إنه أسوأ مما يمكنك تخيله، ترامب لا يقرأ أي شيء، ولا حتى ملاحظات بحجم صفحة واحدة، أو ورقة سياسات مختصرة، لا شيء البتة. إنه يغادر في منتصف الاجتماعات مع زعماء العالم لأنه أصابه السأم”.
وفي الوقت الذي هاجم فيه ترامب وحلفاؤه، ومعهم بعض الصحافيين، دقة كتاب وولف، كانت حساسية ترامب للقراءة واحدة من أكثر النقاط التي أكدها الكتاب بشكل كامل. كتب محررو هذه المجلة، the Atlantic، قبيل الانتخابات، أن المرشح الجمهوري، “فيما يبدو لا يقرأ”. وقبل حفل التنصيب قال ترامب لمجلة Axios، “أنا أفضل قراءة المختصرات المتناهية الصغر ما أمكن. لا أحتاج لتقرير من مئتي صفحة حول مسألة يمكن اختصارها في صفحة واحدة، هكذا يمكنني وصف الأمر”. كما نشرت “النيويورك تايمز”، في فبراير/شباط، أن هناك تعليمات صدرت لأعضاء مجلس الأمن القومي بجعل كل أوراق السياسات في صفحة واحدة فقط، على أن يرفقوا بها الكثير من الخرائط والرسوم التوضيحية. وأوضحت مجلة Mother Jones، إثر اطلاعها على معلومات سرية، أن الملخصات المقدمة لترامب تقدر بربع حجم سابقتها لسلفه باراك أوباما. ونشرت “رويترز”، في مارس/آذار، أن “مسؤولي التلخيصات قد اعتمدوا استراتيجية تعديل اسم الرئيس في كل الوثائق، كلما أمكنهم، ليجذبوا انتباهه المتقلب”. ثم نشرت “وكالة الأسوشيتد برس”، في سبتمبر/ أيلول اللاحق، أن “كبار مساعدي ترامب قرروا أن الرئيس بحاجة لكورس مكثف حول دور أمريكا في العالم، وجهزوا محاضرة دسمة من 90 دقيقة في مبنى البنتاجون مليئة بالخرائط والأشكال البيانية”. وعقب الضجة التي أثارها كتاب وولف، كتب جو سكاربوروف، مذيع برنامج MSNBC في عموده الأسبوعي أنه واجه ترامب حول أداءه الضعيف في المناظرات، في سبتمبر/ أيلول 2015، وقال له “هل تقرأ؟”، ولما لم يجبه سوى الصمت كرر السؤال “أنا جاد يا دونالد، هل تقرأ؟ هل تستطيع قراءة ورقة سياسات من صفحة واحدة؟” أجاب ترامب بتلاوة جزء من الإنجيل، كانت ترتله أمه، وقال إنه يقرأه طوال الوقت، ما شابه من يطلق نكتة مقصودة. مشيراً بذلك إلى جهله بالكتاب المقدس و غروره الذي يتباهى به. وتعتبر حكاية سكاربوروف هذه هي الأغرب على الإطلاق، وذلك ليس لأنه أصر عليها لقرابة العام ونصف العام فحسب، وإنما لأنه استمر بإثارتها حول ترشح ترامب علناً على الهواء وأسر له بها. وعن الفضيحة الحقيقية في كتاب وولف؛ قال الكاتب جيمس فالوز، أن العديدين كان لديهم مخاوف جمّة حول ترامب لكنهم أبقوا أفواههم مغلقة. وكان هذا من السوء الكافي لوضوح حقيقة أن ترامب، بشكل شديد الحرفية، لا يعرف سوى القراءة والكتابة. وأظهر ترامب بدائية مستواه في اللغة بشكل يومي تقريباً في كتاباته المهملة والمليئة بالأخطاء على “تويتر”. وإن قصصاً كهذه، على ما فيها من ميل للمبالغة، تشوش بقدر ما على جدية المشكلة القائمة. وعلى صعيد آخر، يلجأ المدافعون عن ترامب إلى أعذار مقبولة نسبياً مثل التحجج بأن مصدر معلوماته تدور حول عالم الأعمال والتجارة الذي تنحصر خبرته فيه. وذكرت “الأسوشيتد برس”، أن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع، جيم ماتيس، استعملا الخرائط والرسوم في محاضرتهم عن دور أميركا لأنها الطريقة التي سوف يقدرها رجل الأعمال القادم لعالم السياسة. إن هذه المسألة ليست الأولى من نوعها، فقد اشتهر الرئيس السابق، بيل كلينتون بحبه للتقارير الطويلة، حتى أن مساعديه سأموا من ميله للتركيز الكبير على التفاصيل والهوامش وإغفال الصورة الكلية. وبالنسبة لأوباما، فرغم حبه للتقارير الطويلة كذلك، حوالي 3 إلى 6 صفحات، ونسخة طويلة من التقرير الرئاسي اليومي، إلا أنه كان يطلب من مساعديه صياغة المذكرات الخاصة باتخاذ القرارات، على نحو يوضح البدائل المتاحة في شكل سؤال اختياري في نهايتها.
جورج بوش، الذي أتي من خلفية في عالم التجارة، إذ تخرج من جامعة “هارفرد”، حيث استطاع استعارة المصطلحات التي تعلمها هناك في عنوان مذكراته “Decision Points”، كان أقرب إلى توجه ترامب فيما يخص التعامل مع المكتوب. وفقاً لما ذكره فيليب شانون، أراد بوش إرفاق بيان شفوي بالنص المكتوب للتقرير الرئاسي اليومي، وكان التقرير المقدم له لا يتجاوز عشر صفحات.
وذكر رون سوسكيند نذيراً آخر، لمّا نشر ملاحظات مساعدي بوش، التي أوضحت أنه أياً ما جاء في نهاية البيان الشفهي المرفق بالتقرير فقد كان بوش يتبناه في العادة. ومع ذلك فإن الاختلافات بين أسلوب بوش السابق وما يفعله ترامب كبيرة، إلى الحد الذي جعل منتقدو بوش يشعرون بالحنين نحوه. كاد منتقدو بوش يمزقون ثيابهم من بياناته المختصرة، ساخرين، وعلى الرغم من ذلك جاءت بيانات ترامب أقصر وأكثر بدائية. وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن رئاسة بوش مطمئنة لأي أحد تشغله اليد التي تقود سفينة البلاد، ما تزال حرب العراق أكبر سبة في سياسات أميركا الخارجية منذ حرب فيتنام. وقد عبّر ترامب عن حيرته بشأن حرب أفغانستان، التي تبدو بلا نهاية، والتي أورثها له بوش عبر ولاية أوباما.
وبعكس ترامب، كان بوش يقرأ بهدف المتعة والتعلم، وفي نهاية رئاسة بوش كتب كارل روف مقال صحافي هام، أورد فيه تفصيلاً عادات بوش في القراءة. وفي الوقت ذاته، وصف ريتشارد كوهين قائمة قراءات بوش أنها قريبة من الأفكار النقدية، “لطالما كان بوش أسيراً للأفكار الثابتة، وتدلل على كتبه على ذلك بوضوح”، ولا يمكن التفكير في توجيه نقد مماثل إلى ترامب، ذلك لعدم معقولية فكرة ترشيحه لأي كتاب سواء بنفسه أو مما كتبه الآخرون. يمكن للمرء أن يسخر من قراءات بوش وأوباما ويصفها بـالاستعراضية، الذي نشر قائمة قراءاته للعام، في الأسبوع الماضي، كاستمرار للتقليد الذي بدأه كرئيس، لكن ترامب المؤدي البارع في عدة سياقات أخرى، لا يمكنه حتى أن يحاول الاستعراض على هذا الجانب. واسترعت مشاهدة ترامب الكثيفة للتلفاز الانتباه الشديد، والاستنكار الواضح أيضاً، لكنها في الواقع جانباً من الصورة الكاملة التي يبتعد فيها ترامب عن قراءة أي مطبوع ويتجه لتلقي الثقافة شفهياً. يفضل الرئيس التقارير الشفهية، والمكالمات الهاتفية، والتلفاز لأنها تعرض بشكل مسموع وبلا قراءة. كتب وولف، “إذا لم يكن ترامب يتناول العشاء مع ستيف بانون في السادسة والنصف، فإنه سيفضل الاستلقاء في سريره بأكل برجر الجبن، ويشاهد قنواته التلفزيونية الثلاث ويجري مكالمات تليفونية لمجموعة من الأصدقاء، الهاتف هو مفتاح تواصله الرئيسي مع العالم، والذين يسجلون مستوى ارتفاع وانخفاض توتره خلال المساء ثم يقارنون ملاحظاتهم سوياً.
لم يزل ترامب محباً للهاتف، تنتشر القصص حول مكالماته على مدار مهنته كرجل أعمال سواء لشركائه التجاريين، وأصدقائه، والصحافيين، سواء استخدم اسمه أو استخدم اسماً مستعاراً. ويضيف وولف، “أن هناك حدوداً، فقد أفاد مساعد ترامب بأنه غير قادر على خوض نقاش حقيقي، لا سيما إن كان بغرض مشاركة المعلومات، أو أن يستمر في نقاش ثنائي الطرفين ذهاباً وإياباً”. وتتسم نقاشاته مع أصدقائه بكونها مصدراً هاماً للمعلومات، ولتخفيف التوتر. قال ترامب لصديق، في غضون مباشرته لوظيفته، “بإمكاني دعوة أي شخص للعشاء، وسوف يأتي”. وهنا تبدو تلبية دعوة ترامب من أي شخص كفعل يشبع غروره، ويشكل له واحداً من الجوانب الممتعة لمنصبة. وبالنظر لهذا التوجه الشفهي؛ فإن حب ترامب لـ “تويتر”، ليس متناقضاً كما يظهر. يتطلب الأمر 140 حرفاً 280 مؤخراً، من وحي ما يشاهده على التلفاز على الأغلب، وينتهي الأمر. يعقب وولف، “يحتاج الرئيس لئلا يقرأ تغريداته كي يكتب بكفاءة، كما تناسب طبيعة تويتر الحوارية شخصيته”. وبينما تنسب عدة كتب لترامب، فإنه من الواضح أنه لم يكتبها بالفعل. ويدلل على ذلك هجوم توني شفارتز، الكاتب الخفي لكتاب، “فن الصفقات”، أثناء حملة ترامب الانتخابية، بينما عللّ ترامب عدة أخطاء أخرى في كتبه بلوم كاتبه خطاباته الغامضة، “ميريديث ماكريفر”. ولا تعتبر هذه الكتب إنجازاً أدبياً عظيماً على أي حال، فإن ما أضفاه ترامب عليهم هو حسه الفكاهي الخطابي. كما أنه بعكس الرؤساء السابقين، لا نجد إلا آثار قليلة لمراسلات أو خطابات مكتوبة. إن منظومة الرسائل التي يتبعها ترامب هي، خطابات الكف والامتناع الموجهة من المجلس. إن إيثار ترامب للتلفاز على وسائل تلقي المعلومات الأخرى، مثير للملاحظة. كواحد من الجيل الذي تربى على التلفاز، مواليد الفترة بين 1946 حتى 1964، وما زال مغرماً به بشكل خاص. وفقاً لوكالة إحصائيات العمل الأمريكية، فإن الناس في فئة ترامب العمرية يشاهدون أربع ساعات من التلفاز في المتوسط كل يوم، مما يعني أن نسبة مشاهدته المذكورة بين 4 و8 ساعات يومياً هي أكبر بنسبة قليلة من النمط الشائع. وعلى النقيض من ذلك، فإن تلك الفئة العمرية هي التي تقضي أعلي نسبة من وقت فراغها في القراءة ( تقريباً ساعة كل يوم) وهي وفقاً للإحصائية أعلى نسبة بين الفئات العمرية.
وتفسير كثرة عدد الناس بين عمري 65 إلى 75 عاماً، الذين يقرأون بنهم، وهو أنهم ليسو ملزمين بالعمل. وبعكسهم فإن ترامب يشغل واحدة من أكثر الأعمال المتطلبة في العالم. وواحدة من الأسباب وراء صعوبة وظيفته هي أن شاغلها يٌتوقع منه أن يستوعب، يفهم، ويحلل كميات هائلة من المعلومات عن طريق القراءة، وما أقل الدلائل التي تشير لفعل ترامب ذلك.
وبدلاً من ذلك، خصص ترامب هذا الوقت وقته بين المحادثات الهاتفية، مشاهدة التلفاز، ولعب الغولف، (كنوع آخر من التواصل الشفهي). ذكر الصحافي فيليب بمب، أن ترامب لعب الجولف كل (4.7) يوم في سنة 2017، بنسبة إجمالية تساوي 10 أيام كاملة من الوقت، وهي أعلى بكثير من نسبة الرئيس السابق أوباما. ينكر ترامب ذلك، بطبيعة الحال، فقد صرح سابقاً في بداية العام، “طوال حياتي قيل لي أن القرارات تختلف بشكل كبير عندما تجلس على المكتب الرئاسي، بصيغة أخرى حين تكون رئيس الولايات المتحدة. لذا فقد درست أفغانستان بالتفصيل ومن كل زاوية ممكنة”. تحمل أفعال ترامب إشارات عدة حول مستوى جاهزيته وقراءته المسبقة، حين يفسر العديد من الأشياء بفهم خاطئ لها. بعد زيارته للسعودية، والانسجام مع زعمائها، دعم الرياض بقوة في نزاعها مع قطر، وفي عدة ملفات أخرى، رغم اعتراض فريقه الرئاسي، حتى أنه عارض تيلرسون علناً. ثم عاد في ديسمبر، على الرغم مما سبق، وأعرب عن قلقه المفاجئ حول الأزمة الإنسانية في اليمن. وهذا القدر الضئيل من التفكير الذي تتسم به العديم من وجهات نظر ترامب ظهر جلياً حين استطاع الرئيس الصيني جينبينج، تغيير وجهة نظره حول حادث كوريا في عشر دقائق، عشر دقائق من المحادثة الشفهية بالطبع. ثم يلي ذلك قراره الأخير بشأن الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. كان القرار مثيراً للجدل، لكنه لم يجد المؤيدين، وأكد الموقف الرسمي أن “قرار النقل هذا لا يحسم مسألة وضع مدينة القدس في محادثات السلا”م. وعلى ما يبدو لم يفهم ترامب (أو لم يقرأ) هذه الملاحظة، ذلك أنه قال في تغريدة سابقة هذا الأسبوع “إن الولايات المتحدة قد أزاحت مسألة القدس، الجزء الأصعب، من عملية المفاوضات”، مثيراً بذلك الإسرائيليين والفلسطينيين معاً. لكن رفض ترامب للقراءة، و النتائج المترتبة على فهمه للقضايا المعقدة لا يعني أن كل قراراته سيئة. في الواقع؛ ربما يساعده أسلوبه هذا على التحرر والتصرف على سجيته، حتى في وجه تحفظ الخبراء. كتب زميلي، كريشناديف كالامور، أن الغضب الذي دفع البيت الأبيض إلى تجميد المساعدات المقدمة إلى باكستان هذا الأسبوع، مفهومة. لكن الفهم المهتز للأحداث المحركة يعني أن ترامب يميل لارتكاب الحماقات في أي قضية، وتجر عليه بياناته وتحركاته غير الموفقة الكثير من السخرية، ومن ثم تحط من قدره حول العالم. على الأغلب لا توجد مساحة أخرى تلخص ميول ترامب الغرائبية خيراً من فريقه الصحافي. كان المتحدث الإعلامي شون سبايسر، يشتت ترامب بسبب عدم اتزانه وتلجلجه في الكلام، ثم أقيل في النهاية لتخلفه سارة ساندرز، الأكثر هدوءً وسيطرة على غرفة برادي (مقر الفريق الإعلامي). لكن الفريق الإعلامي للبيت الأبيض استمر بارتكاب الأخطاء في أعماله الكتابية التي امتلأت بالتلميحات و الهفوات، والأخطاء الكتابية حتى في البيانات.
في الوقت الذي تتسم فيه المشاكل التي تتصدى لها الحكومة بالتعقيد، تحتاج المشاكل التي يسببها رئيس لا يقرأ إلى حل بسيط، عليه أن يبدأ بالقراءة. والبساطة شيء يختلف كثيراً عن السهولة؛ رغم ذلك، فإن التوقع أن رجلاً طالما فضل الثرثرة ومشاهدة التلفاز على قراءة أي ورقة أن يصبح قارئاً في عمر الواحد والسبعين سيكون ضرباً من الحمق. لا يستطيع جني المصباح تغيير ترامب، لا سيما، إن كانت الوجهة هي رف الكتب.
هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع The Atlantic لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.
[video_player link=””][/video_player]

الرئيس الذي لا يقرأ
لطالما كانت لامبالاة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه المعرفة المطبوعة ظاهرة منذ مدة، فهو يفضل التواصل الشفهي على الكتابي. وضعف اهتمام ترامب بالقراءة كان أحد النقاط التي ركز عليها كتاب مايكل وولف، fire and fury، فهو يقول، “ترامب لا يتعامل مع المعلومات بالشكل المعهود، فهو لا يقرأ، لا يتصفح الورق حتى، ويظن البعض أنه، بالنظر لكل المساعي العملية، هو لا يتعدى كونه شبه أمي”…

متّهمة بالخيانة ومهدّدة بسحب جنسيّتها المصرية… معضلة التضامن مع داليا زيادة؟

عن الألم السوري: الشرّيرة أو السلطة الاستبدادية…

“مخيم جرش” في الأردن: غزّيو النكبة الأولى
"درج"
لطالما كانت لامبالاة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه المعرفة المطبوعة ظاهرة منذ مدة، فهو يفضل التواصل الشفهي على الكتابي. وضعف اهتمام ترامب بالقراءة كان أحد النقاط التي ركز عليها كتاب مايكل وولف، fire and fury، فهو يقول، “ترامب لا يتعامل مع المعلومات بالشكل المعهود، فهو لا يقرأ، لا يتصفح الورق حتى، ويظن البعض أنه، بالنظر لكل المساعي العملية، هو لا يتعدى كونه شبه أمي”…
لطالما كانت لامبالاة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه المعرفة المطبوعة ظاهرة منذ مدة، فهو يفضل التواصل الشفهي على الكتابي. وضعف اهتمام ترامب بالقراءة كان أحد النقاط التي ركز عليها كتاب مايكل وولف، fire and fury، فهو يقول، “ترامب لا يتعامل مع المعلومات بالشكل المعهود، فهو لا يقرأ، لا يتصفح الورق حتى، ويظن البعض أنه، بالنظر لكل المساعي العملية، هو لا يتعدى كونه شبه أمي”.
اقتبس وولف من المستشار الاقتصادي جاري كون، ما كتبه له عبر رسالة إلكترونية يصف فيها الرئيس الأميركي، “إنه أسوأ مما يمكنك تخيله، ترامب لا يقرأ أي شيء، ولا حتى ملاحظات بحجم صفحة واحدة، أو ورقة سياسات مختصرة، لا شيء البتة. إنه يغادر في منتصف الاجتماعات مع زعماء العالم لأنه أصابه السأم”.
وفي الوقت الذي هاجم فيه ترامب وحلفاؤه، ومعهم بعض الصحافيين، دقة كتاب وولف، كانت حساسية ترامب للقراءة واحدة من أكثر النقاط التي أكدها الكتاب بشكل كامل. كتب محررو هذه المجلة، the Atlantic، قبيل الانتخابات، أن المرشح الجمهوري، “فيما يبدو لا يقرأ”. وقبل حفل التنصيب قال ترامب لمجلة Axios، “أنا أفضل قراءة المختصرات المتناهية الصغر ما أمكن. لا أحتاج لتقرير من مئتي صفحة حول مسألة يمكن اختصارها في صفحة واحدة، هكذا يمكنني وصف الأمر”. كما نشرت “النيويورك تايمز”، في فبراير/شباط، أن هناك تعليمات صدرت لأعضاء مجلس الأمن القومي بجعل كل أوراق السياسات في صفحة واحدة فقط، على أن يرفقوا بها الكثير من الخرائط والرسوم التوضيحية. وأوضحت مجلة Mother Jones، إثر اطلاعها على معلومات سرية، أن الملخصات المقدمة لترامب تقدر بربع حجم سابقتها لسلفه باراك أوباما. ونشرت “رويترز”، في مارس/آذار، أن “مسؤولي التلخيصات قد اعتمدوا استراتيجية تعديل اسم الرئيس في كل الوثائق، كلما أمكنهم، ليجذبوا انتباهه المتقلب”. ثم نشرت “وكالة الأسوشيتد برس”، في سبتمبر/ أيلول اللاحق، أن “كبار مساعدي ترامب قرروا أن الرئيس بحاجة لكورس مكثف حول دور أمريكا في العالم، وجهزوا محاضرة دسمة من 90 دقيقة في مبنى البنتاجون مليئة بالخرائط والأشكال البيانية”. وعقب الضجة التي أثارها كتاب وولف، كتب جو سكاربوروف، مذيع برنامج MSNBC في عموده الأسبوعي أنه واجه ترامب حول أداءه الضعيف في المناظرات، في سبتمبر/ أيلول 2015، وقال له “هل تقرأ؟”، ولما لم يجبه سوى الصمت كرر السؤال “أنا جاد يا دونالد، هل تقرأ؟ هل تستطيع قراءة ورقة سياسات من صفحة واحدة؟” أجاب ترامب بتلاوة جزء من الإنجيل، كانت ترتله أمه، وقال إنه يقرأه طوال الوقت، ما شابه من يطلق نكتة مقصودة. مشيراً بذلك إلى جهله بالكتاب المقدس و غروره الذي يتباهى به. وتعتبر حكاية سكاربوروف هذه هي الأغرب على الإطلاق، وذلك ليس لأنه أصر عليها لقرابة العام ونصف العام فحسب، وإنما لأنه استمر بإثارتها حول ترشح ترامب علناً على الهواء وأسر له بها. وعن الفضيحة الحقيقية في كتاب وولف؛ قال الكاتب جيمس فالوز، أن العديدين كان لديهم مخاوف جمّة حول ترامب لكنهم أبقوا أفواههم مغلقة. وكان هذا من السوء الكافي لوضوح حقيقة أن ترامب، بشكل شديد الحرفية، لا يعرف سوى القراءة والكتابة. وأظهر ترامب بدائية مستواه في اللغة بشكل يومي تقريباً في كتاباته المهملة والمليئة بالأخطاء على “تويتر”. وإن قصصاً كهذه، على ما فيها من ميل للمبالغة، تشوش بقدر ما على جدية المشكلة القائمة. وعلى صعيد آخر، يلجأ المدافعون عن ترامب إلى أعذار مقبولة نسبياً مثل التحجج بأن مصدر معلوماته تدور حول عالم الأعمال والتجارة الذي تنحصر خبرته فيه. وذكرت “الأسوشيتد برس”، أن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع، جيم ماتيس، استعملا الخرائط والرسوم في محاضرتهم عن دور أميركا لأنها الطريقة التي سوف يقدرها رجل الأعمال القادم لعالم السياسة. إن هذه المسألة ليست الأولى من نوعها، فقد اشتهر الرئيس السابق، بيل كلينتون بحبه للتقارير الطويلة، حتى أن مساعديه سأموا من ميله للتركيز الكبير على التفاصيل والهوامش وإغفال الصورة الكلية. وبالنسبة لأوباما، فرغم حبه للتقارير الطويلة كذلك، حوالي 3 إلى 6 صفحات، ونسخة طويلة من التقرير الرئاسي اليومي، إلا أنه كان يطلب من مساعديه صياغة المذكرات الخاصة باتخاذ القرارات، على نحو يوضح البدائل المتاحة في شكل سؤال اختياري في نهايتها.
جورج بوش، الذي أتي من خلفية في عالم التجارة، إذ تخرج من جامعة “هارفرد”، حيث استطاع استعارة المصطلحات التي تعلمها هناك في عنوان مذكراته “Decision Points”، كان أقرب إلى توجه ترامب فيما يخص التعامل مع المكتوب. وفقاً لما ذكره فيليب شانون، أراد بوش إرفاق بيان شفوي بالنص المكتوب للتقرير الرئاسي اليومي، وكان التقرير المقدم له لا يتجاوز عشر صفحات.
وذكر رون سوسكيند نذيراً آخر، لمّا نشر ملاحظات مساعدي بوش، التي أوضحت أنه أياً ما جاء في نهاية البيان الشفهي المرفق بالتقرير فقد كان بوش يتبناه في العادة. ومع ذلك فإن الاختلافات بين أسلوب بوش السابق وما يفعله ترامب كبيرة، إلى الحد الذي جعل منتقدو بوش يشعرون بالحنين نحوه. كاد منتقدو بوش يمزقون ثيابهم من بياناته المختصرة، ساخرين، وعلى الرغم من ذلك جاءت بيانات ترامب أقصر وأكثر بدائية. وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن رئاسة بوش مطمئنة لأي أحد تشغله اليد التي تقود سفينة البلاد، ما تزال حرب العراق أكبر سبة في سياسات أميركا الخارجية منذ حرب فيتنام. وقد عبّر ترامب عن حيرته بشأن حرب أفغانستان، التي تبدو بلا نهاية، والتي أورثها له بوش عبر ولاية أوباما.
وبعكس ترامب، كان بوش يقرأ بهدف المتعة والتعلم، وفي نهاية رئاسة بوش كتب كارل روف مقال صحافي هام، أورد فيه تفصيلاً عادات بوش في القراءة. وفي الوقت ذاته، وصف ريتشارد كوهين قائمة قراءات بوش أنها قريبة من الأفكار النقدية، “لطالما كان بوش أسيراً للأفكار الثابتة، وتدلل على كتبه على ذلك بوضوح”، ولا يمكن التفكير في توجيه نقد مماثل إلى ترامب، ذلك لعدم معقولية فكرة ترشيحه لأي كتاب سواء بنفسه أو مما كتبه الآخرون. يمكن للمرء أن يسخر من قراءات بوش وأوباما ويصفها بـالاستعراضية، الذي نشر قائمة قراءاته للعام، في الأسبوع الماضي، كاستمرار للتقليد الذي بدأه كرئيس، لكن ترامب المؤدي البارع في عدة سياقات أخرى، لا يمكنه حتى أن يحاول الاستعراض على هذا الجانب. واسترعت مشاهدة ترامب الكثيفة للتلفاز الانتباه الشديد، والاستنكار الواضح أيضاً، لكنها في الواقع جانباً من الصورة الكاملة التي يبتعد فيها ترامب عن قراءة أي مطبوع ويتجه لتلقي الثقافة شفهياً. يفضل الرئيس التقارير الشفهية، والمكالمات الهاتفية، والتلفاز لأنها تعرض بشكل مسموع وبلا قراءة. كتب وولف، “إذا لم يكن ترامب يتناول العشاء مع ستيف بانون في السادسة والنصف، فإنه سيفضل الاستلقاء في سريره بأكل برجر الجبن، ويشاهد قنواته التلفزيونية الثلاث ويجري مكالمات تليفونية لمجموعة من الأصدقاء، الهاتف هو مفتاح تواصله الرئيسي مع العالم، والذين يسجلون مستوى ارتفاع وانخفاض توتره خلال المساء ثم يقارنون ملاحظاتهم سوياً.
لم يزل ترامب محباً للهاتف، تنتشر القصص حول مكالماته على مدار مهنته كرجل أعمال سواء لشركائه التجاريين، وأصدقائه، والصحافيين، سواء استخدم اسمه أو استخدم اسماً مستعاراً. ويضيف وولف، “أن هناك حدوداً، فقد أفاد مساعد ترامب بأنه غير قادر على خوض نقاش حقيقي، لا سيما إن كان بغرض مشاركة المعلومات، أو أن يستمر في نقاش ثنائي الطرفين ذهاباً وإياباً”. وتتسم نقاشاته مع أصدقائه بكونها مصدراً هاماً للمعلومات، ولتخفيف التوتر. قال ترامب لصديق، في غضون مباشرته لوظيفته، “بإمكاني دعوة أي شخص للعشاء، وسوف يأتي”. وهنا تبدو تلبية دعوة ترامب من أي شخص كفعل يشبع غروره، ويشكل له واحداً من الجوانب الممتعة لمنصبة. وبالنظر لهذا التوجه الشفهي؛ فإن حب ترامب لـ “تويتر”، ليس متناقضاً كما يظهر. يتطلب الأمر 140 حرفاً 280 مؤخراً، من وحي ما يشاهده على التلفاز على الأغلب، وينتهي الأمر. يعقب وولف، “يحتاج الرئيس لئلا يقرأ تغريداته كي يكتب بكفاءة، كما تناسب طبيعة تويتر الحوارية شخصيته”. وبينما تنسب عدة كتب لترامب، فإنه من الواضح أنه لم يكتبها بالفعل. ويدلل على ذلك هجوم توني شفارتز، الكاتب الخفي لكتاب، “فن الصفقات”، أثناء حملة ترامب الانتخابية، بينما عللّ ترامب عدة أخطاء أخرى في كتبه بلوم كاتبه خطاباته الغامضة، “ميريديث ماكريفر”. ولا تعتبر هذه الكتب إنجازاً أدبياً عظيماً على أي حال، فإن ما أضفاه ترامب عليهم هو حسه الفكاهي الخطابي. كما أنه بعكس الرؤساء السابقين، لا نجد إلا آثار قليلة لمراسلات أو خطابات مكتوبة. إن منظومة الرسائل التي يتبعها ترامب هي، خطابات الكف والامتناع الموجهة من المجلس. إن إيثار ترامب للتلفاز على وسائل تلقي المعلومات الأخرى، مثير للملاحظة. كواحد من الجيل الذي تربى على التلفاز، مواليد الفترة بين 1946 حتى 1964، وما زال مغرماً به بشكل خاص. وفقاً لوكالة إحصائيات العمل الأمريكية، فإن الناس في فئة ترامب العمرية يشاهدون أربع ساعات من التلفاز في المتوسط كل يوم، مما يعني أن نسبة مشاهدته المذكورة بين 4 و8 ساعات يومياً هي أكبر بنسبة قليلة من النمط الشائع. وعلى النقيض من ذلك، فإن تلك الفئة العمرية هي التي تقضي أعلي نسبة من وقت فراغها في القراءة ( تقريباً ساعة كل يوم) وهي وفقاً للإحصائية أعلى نسبة بين الفئات العمرية.
وتفسير كثرة عدد الناس بين عمري 65 إلى 75 عاماً، الذين يقرأون بنهم، وهو أنهم ليسو ملزمين بالعمل. وبعكسهم فإن ترامب يشغل واحدة من أكثر الأعمال المتطلبة في العالم. وواحدة من الأسباب وراء صعوبة وظيفته هي أن شاغلها يٌتوقع منه أن يستوعب، يفهم، ويحلل كميات هائلة من المعلومات عن طريق القراءة، وما أقل الدلائل التي تشير لفعل ترامب ذلك.
وبدلاً من ذلك، خصص ترامب هذا الوقت وقته بين المحادثات الهاتفية، مشاهدة التلفاز، ولعب الغولف، (كنوع آخر من التواصل الشفهي). ذكر الصحافي فيليب بمب، أن ترامب لعب الجولف كل (4.7) يوم في سنة 2017، بنسبة إجمالية تساوي 10 أيام كاملة من الوقت، وهي أعلى بكثير من نسبة الرئيس السابق أوباما. ينكر ترامب ذلك، بطبيعة الحال، فقد صرح سابقاً في بداية العام، “طوال حياتي قيل لي أن القرارات تختلف بشكل كبير عندما تجلس على المكتب الرئاسي، بصيغة أخرى حين تكون رئيس الولايات المتحدة. لذا فقد درست أفغانستان بالتفصيل ومن كل زاوية ممكنة”. تحمل أفعال ترامب إشارات عدة حول مستوى جاهزيته وقراءته المسبقة، حين يفسر العديد من الأشياء بفهم خاطئ لها. بعد زيارته للسعودية، والانسجام مع زعمائها، دعم الرياض بقوة في نزاعها مع قطر، وفي عدة ملفات أخرى، رغم اعتراض فريقه الرئاسي، حتى أنه عارض تيلرسون علناً. ثم عاد في ديسمبر، على الرغم مما سبق، وأعرب عن قلقه المفاجئ حول الأزمة الإنسانية في اليمن. وهذا القدر الضئيل من التفكير الذي تتسم به العديم من وجهات نظر ترامب ظهر جلياً حين استطاع الرئيس الصيني جينبينج، تغيير وجهة نظره حول حادث كوريا في عشر دقائق، عشر دقائق من المحادثة الشفهية بالطبع. ثم يلي ذلك قراره الأخير بشأن الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. كان القرار مثيراً للجدل، لكنه لم يجد المؤيدين، وأكد الموقف الرسمي أن “قرار النقل هذا لا يحسم مسألة وضع مدينة القدس في محادثات السلا”م. وعلى ما يبدو لم يفهم ترامب (أو لم يقرأ) هذه الملاحظة، ذلك أنه قال في تغريدة سابقة هذا الأسبوع “إن الولايات المتحدة قد أزاحت مسألة القدس، الجزء الأصعب، من عملية المفاوضات”، مثيراً بذلك الإسرائيليين والفلسطينيين معاً. لكن رفض ترامب للقراءة، و النتائج المترتبة على فهمه للقضايا المعقدة لا يعني أن كل قراراته سيئة. في الواقع؛ ربما يساعده أسلوبه هذا على التحرر والتصرف على سجيته، حتى في وجه تحفظ الخبراء. كتب زميلي، كريشناديف كالامور، أن الغضب الذي دفع البيت الأبيض إلى تجميد المساعدات المقدمة إلى باكستان هذا الأسبوع، مفهومة. لكن الفهم المهتز للأحداث المحركة يعني أن ترامب يميل لارتكاب الحماقات في أي قضية، وتجر عليه بياناته وتحركاته غير الموفقة الكثير من السخرية، ومن ثم تحط من قدره حول العالم. على الأغلب لا توجد مساحة أخرى تلخص ميول ترامب الغرائبية خيراً من فريقه الصحافي. كان المتحدث الإعلامي شون سبايسر، يشتت ترامب بسبب عدم اتزانه وتلجلجه في الكلام، ثم أقيل في النهاية لتخلفه سارة ساندرز، الأكثر هدوءً وسيطرة على غرفة برادي (مقر الفريق الإعلامي). لكن الفريق الإعلامي للبيت الأبيض استمر بارتكاب الأخطاء في أعماله الكتابية التي امتلأت بالتلميحات و الهفوات، والأخطاء الكتابية حتى في البيانات.
في الوقت الذي تتسم فيه المشاكل التي تتصدى لها الحكومة بالتعقيد، تحتاج المشاكل التي يسببها رئيس لا يقرأ إلى حل بسيط، عليه أن يبدأ بالقراءة. والبساطة شيء يختلف كثيراً عن السهولة؛ رغم ذلك، فإن التوقع أن رجلاً طالما فضل الثرثرة ومشاهدة التلفاز على قراءة أي ورقة أن يصبح قارئاً في عمر الواحد والسبعين سيكون ضرباً من الحمق. لا يستطيع جني المصباح تغيير ترامب، لا سيما، إن كانت الوجهة هي رف الكتب.
هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع The Atlantic لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.
[video_player link=””][/video_player]
"درج"
آخر القصص

نقص المناعة المكتسب في سوريا: “وصمة العار” و”المكافحة” ورحلة البحث عن العلاج

متّهمة بالخيانة ومهدّدة بسحب جنسيّتها المصرية… معضلة التضامن مع داليا زيادة؟

عن الألم السوري: الشرّيرة أو السلطة الاستبدادية…

“مخيم جرش” في الأردن: غزّيو النكبة الأولى
