ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينهمك الوفدان الأميركي والإسرائيلي في الأمم المتّحدة، في رسم خطّة سرّية معاكسة لطروح أممية ملحّة، استهدفت تسريع فكّ الحصار الخانق عن قطاع غزّة، المنكوب بالدم منذ 19 شهراً، والمجاعة منذ 12 أسبوعاً. 

فتحت جنح الظلام، تآمر الوفدان لتحييد الأمم المتّحدة، وإجهاض خطّتها الرامية إلى نزع ذرائع إسرائيل حول استحواذ حركة “حماس” على جلّ شريان الإغاثة، عبر تعزيز سيطرة الجيش الإسرائيلي على مسارات قوافل المساعدات.

ويُحاجج البلدان بأن الأمم المتّحدة باتت بالنسبة إليهما أكثر انحيازاً إلى الفلسطينيين وانتقاداً لإسرائيل، التي تفتح أبواب الجحيم على الغزّيين مذ خرقت هدنة هشّة برعاية أميركية في آذار/ مارس الماضي. 

وهكذا قرّرا استبدال الهيئات الأممية وأذرعها الإغاثية، بمنظّمة أميركية غير حكومية غامضة، مشبوهة، وعديمة الخبرة في توزيع المساعدات. كما قرنا نشاط هذه المنظّمة بإسناد عسكري وأمني تؤمّنه شركتان أميركيتان خاصّتان، تبيعان خدماتهما في مناطق الحروب والنزاعات، عبر عقود مع حكومات وهيئات وأشخاص. 

طوق نجاة مشبوه 

الخطّة الجديدة التي قاطعتها الأمم المتّحدة، تستهدف مساعدة تل أبيب – المتخبّطة في وحل غزّة، على تحقيق أهدافها الاستراتيجية من غزو غزّة، بحسب وزير أردني سابق على صلة بمطبخ صنع القرار، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع.

من بين تلك الأهداف المعلنة، القضاء على “حماس” وتحرير سائر المحتجزين الإسرائيليين لديها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

تدرّج الطرح البديل 

أعلنت واشنطن الأسبوع الماضي إطلاق ما سمّته “مؤسّسة غزّة للإغاثة” أو (Gaza Humanitarian Foundation) وكلّفتها الإشراف على عمليّة نقل المساعدات الإنسانية، وتكثيف تدفّقها عبر نقاط جديدة، بدءاً من مطلع الشهر المقبل، وأعلنت المؤسّسة استعدادها لتوزيع 300 مليون وجبة في أوّل 90 يوماً.

بلغة الأرقام، يُترجم ذلك بمعدّل ثلاثة ملايين و330 ألف وجبة يومياً، في بقعة تضمّ قرابة مليوني نسمة، أي أقل من نصف القوت المنشود لإنقاذ القطاع من المجاعة.  

علاوة على أن مسؤولي الأمم المتّحدة يشكّكون في هذه القدرة، لأن فرز المدنيين عن هياكل “حماس” العسكرية والمدنية، عبر فتح قيود أمنية وأخذ بصمة العين، قد تأخذ أشهراً.

ووعدت الهيئة الأممية بعدم مشاركة إسرائيل معلوماتها الأمنية، كما ضغطت من أجل إدخال أدوية ومستلزمات طبخ وإعاشة.

أهداف الخطّة الثنائية

من شأن الخطّة المشتركة الإشكالية، تسهيل منح إسرائيل كلّ ما تريده من الحرب، بحسب مسؤول عربي رفيع مطّلع على الفكرة، خلال مقابلة مع “درج”، هذه الخطّة “ستمكّن إسرائيل من الوصول لأهدافها، من خلال مواصفات أمنية مُحكمة تناسب أهدافها”.

تتطابق توقّعات المسؤول العربي مع ممثّل أممي رفيع، على دراية كاملة بتفاصيل الملف: 

– سيُطلب من جميع سكّان غزّة المدنيين التوجّه من الشمال والوسط والجنوب، إلى منطقة مواصي خان يونس لعزلهم وإحكام الطوق عليهم، بعد أن احتلت إسرائيل 70 % من أراضي القطاع؛ إما مناطق إخلاء أو عمليّات عسكرية مغلقة.

– سيُفتح ملفّ أمني لكلّ منتفع، مدعوم ببصمة بصرية، لكي يحصل على المساعدات عبر أربع نقاط توزيع قابلة للزيادة تدريجياً، وبذلك يُعزل مقاتلو “حماس” عن المدنيين، وتذهب الإعانات للمستحقّين، وفق مقاصد الخطّة المطروحة.

– تُنصب خيام لإيواء “نازحي غزّة” في مواصي خان يونس، على أن المخيّم المفترض أن يُؤوي الفارّين من ويلات التقتيل والتجويع، لن يكون مكاناً قابلاً للحياة الآدمية، ما سيُجبر الغزّيين على الهجرة، وقد تسهّل إسرائيل هذه المهمّة عبر قسم جديد أنشأته في وزارة الدفاع، لتسهيل الهجرة الطوعية.

– الخطّة تحقّق بداية حلم إسرائيل بضمّ الأراضي المحتلّة بدءاً بغزّة لتوسيع حدودها، وقد يحقّق ذلك رغبة ترامب في إعادة إعمار غزّة عبر السيطرة عليها، وتحويل شواطِئها الدامية إلى ريفييرا. 

– سيُطارد الجنود الإسرائيليون من بقي من قيادات “حماس” ومقاتليها، عبر توغّل برّي موسّع، وسنسمع تبجّحاً إسرائيلياً بتحاشي قتل المدنيين، بهدف وقف الإدانات الواسعة التي تطال هذا الكيان من الحلفاء والأعداء، بسبب استخدامه المفرط لآلة الحرب المدعومة أميركياً. 

أصوات معارضة 

الأمم المتّحدة وفرنسا وبريطانيا رفضت الخطّة الجديدة، لأن آليّتها لا تلتزم بمبادئ الحيادية والاستقلالية والنزاهة، وأعلنت الأمم المتّحدة أنها لن تشارك في أعمال المنظّمة “المشبوهة”، لأنها غطاء لمزيد من الدمار في غزّة، تبريراً لعمل عسكري، أو مكتسبات سياسية، وشبهات ربحية مخفيّة.

كما أن مبرّرات إنشائها، بحسب بيانها المنشور على موقعها، تنطلق من فرضيّة مغلوطة: بزعم أن قنوات الإغاثة التقليدية انهارت، ولذلك حُجبت المساعدات عن غزّة، مع أن إسرائيل هي التي حرمت سكّان القطاع من المساعدات، بعد أن خرقت الهدنة المؤقتة.

خطّة الأمم المتّحدة

بعد فرض الحصار الأخير، قدّمت الأمم المتّحدة لإسرائيل، خطّة بديلة من أربعة محاور، كانت تنتظر الضوء الأخضر من تل أبيب، بحسب مصادر أممية تواصلت معها. 

الخطّة استجابت لمعظم شروط إسرائيل وطلباتها، عبر تأمين حماية أكبر لمسار المساعدات وتغليفها وتوضيبها، لكي لا تُسرق من الشاحنات أثناء سيرها صوب المستودعات، وتتّهم إسرائيل بالاستحواذ على شحنات الإغاثة مباشرة، أو عبر وسطاء، وتبديل حمولات شاحنات بعد دخولها غزّة بالسلاح.

الخطّة اقترحت وضع (QR كود) على أي حمولة مساعدات تنطلق من نقاط التحميل؛ بما فيها الأردن، لتتبّع مسارها إلكترونياً، وضمان عدم خروجها عن خطّ السير المحدّد لها، كما تسمح لإسرائيل بتفتيش قوافل المساعدات في نقطتين، بوجود مراقبين أمميين عند دخولها، قبل توجيهها إلى مخازن الأمم المتّحدة لتوزيعها عبر مراكزها، التي تغطّي القطاع، وتضمن الخطّة أيضاً، محاكاة تعبئة وتدريج البضائع (توضيبها) قبل الانطلاق، للمواصفات الأميركية والإسرائيلية.

لكنّ تل أبيب رفضت المبادرة الأممية، في الوقت الذي كانت ترسم فيه مساراً بديلاً مع واشنطن.

شُبهات وعلامات استفهام

“مؤسّسة غزّة الإنسانية” سُجلت في جنيف في شباط/ فبراير 2025. الأشخاص المُدرجة أسماؤهم على لوائح التأسيس، لا يمتّون بصلة إلى ملفّ الإغاثة والإنقاذ في الكوارث، بحسب مصادر تعمل في قطاع المساعدات الإنسانية حول العالم، وميزانيّتها ومصادر تمويلها غير معروفة، على غرار أسماء المنظّمات الدولية التي قيل إنها ستُسهم في الجهد الجديد، ورئيسها ديفيد بابازيان هو مواطن أميركي أرميني، أُقيل من منصبه كمدير تنفيذي لـ”صندوق مصالح أرمينيا الوطني” في كانون الثاني/ يناير 2024، ثم عُيّن رئيساً لمجلس إدارة شركة طيران أرمينية “فلاي إرنا”، أُطلقت بالشراكة مع شركة طيران “إير أريبيا”، وصندوق تحت إدارته. 

يُعرف عن بابازيان تمتّعه بعلاقات ممتازة مع دولة خليجية، مما يفتح الباب أمام إمكانية التزامها بتقديم 100 مليون دولار لدعم الصندوق.

سجل عضوية المؤسّسة يضمّ محامي سويسري وآخر أميركي، وموقعها الإلكتروني يخلو من أية تفاصيل، باستثناء شرح أسباب تأسيسها، ونطاق خدمتها المحصورة بغزّة.

قبل ذلك، سجّلت منظّمة غير ربحية تحمل اسم “مؤسّسة جنيف”، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، في ولاية ديلاوير الأميركية؛ حيث تنشط ملاذات آمنة لشركات يصعب الدخول إلى سجلاتها.

قبل أربعة أيّام من رفع الستار عن “مؤسّسة غزّة الإنسانية” في جنيف، تغيّر اسم الشركة المسجّلة في ديلاوير، إلى “مؤسّسة من يحتاجون المساعدة” (Those In Need Foundation) في السياق، أُزيلت منها كلمة “غزّة”.

لم يتسنّ التأكّد ما إذا كان هناك أي علاقة بين المؤسّستين “غير الربحيتين”.

تزامن تسجيل الشركة الأولى والثانية مع استمرار حديث دونالد ترامب عن خطّته لترحيل الفلسطينيين من غزّة لأسباب إنسانية، بحجّة أنها أصبحت غير قابلة للحياة، ثم إعادة إعمارها. 

مصادفة تُلقي ظلال الشكّ 

المحامي الأميركي الذي سجّل شركة ديلاوير؛ وهو خبير في هندسة ضرائب كبار المتموّلين وإنشاء صناديق استثمارية، سجّل أيضاً شركة خاصّة للخدمات الأمنية في ولاية وايومنغ؛ ملاذ آمن أميركي آخر، وتحمل الشركة اسماً تجارياً “Safe “Research Solutions LLC. 

على غرار سابقتها، موقع هذه الشركة لا يُشهر أية معلومات سوى عموميات، ومشاهد “آكشن” حربي لمقاتلين يُخفون وجوههم. 

وهي إحدى شركتين يُفترض أن تُتيحا حماية أمنية وعسكرية لمسار المساعدات، بما فيها ضمان انطلاق البضائع ووصولها، وحماية نقاط التوزيع والمستودعات والمسؤولين عنها.

هذه الشركة قدّمت خدمات أمنية لفحص السيّارات قبل دخولها غزّة خلال مرحلة الهدنة الأخيرة، بحسب موقع الصحافة الاستقصائية الإسرائيلي “شومريم”، وهي تُعلن الآن أنها تبحث عن “موظّفين للعمل في مبادرة جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في الشرق الأوسط”.

الشركة الأمنية الأخرى “UG Solutions LLC” تأسّست  سنة 2013، وتملك خبرة في تقديم خدمات عسكرية وأمنية في مناطق النزاع والحروب للحكومات والشركات والأفراد. 

لم يردّ مدير عمليات الشركة على طلب للتعليق أرسلته كاتبة المقال، عبر حسابه على موقع “لينكدإن”.

طريقة تسجيل المؤسّستين “غير الربحيتين” والشركة الأمنية في ملاذات آمنة، تؤشّر ربما إلى إصرار متعمّد على إخفاء هوّية المالكين والمنتفعين الأصليين ومصادر التمويل، بحسب خبرتي في استقصاء بؤر الفساد والجريمة المنظّمة العابرة للحدود.

مسؤول أممي رفيع، عمل على ملفّات مشابهة في مناطق حروب، يرى أن تعقيدات التسجيل تشي بأن أجهزة استخباراتية، ربما تكون الجهة خلف تحقيق المهمّة عبر شركات وهمية مسجّلة “أوف شور”، لتمرير تمويل العمليّات من دون القدرة على تقصّي مصادرها.

مسؤول أمني عربي آخر يشبّه أدوار الشركتين الأمنيتين بأنشطة شركة “بلاكووتر” (Blackwater) للخدمات الأمنية والعسكرية الخاصّة، بعد غزو العراق في عام 2003، الشركة الأميركية الغامضة، التي كُلّفت بحماية الحاكم المدني للعراق، بصفته رئيس سلطة التحالف المؤقتة التي أطاحت بنظام صدام حسين، وكذلك حراسة منشآت أميركية، وكانت تتعاقد مع الإدارة الأميركية لتنفيذ تلك المهمّة العسكرية، عبر قدامى المحاربين الأميركيين وجيش من المرتزقة.

فازت “بلاكووتر” بعقود تخطّت نصف مليار دولار، بسبب علاقاتها القوّية مع رجل من الحلقة الداخلية للرئيس جورج بوش، لكنّ من بين محطّاتها الدموية قتلها 16 عراقياً لكي تفتح الطريق أمام أحد مواكبها، وفي المحّصلة، طُردت من العراق.

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.

عبد الله بكر | 08.11.2025

في مصر “المدنية”: نساء ضحايا تهمة “قيم الأسرة” أمام النيابة والجمهور!

بات مصير الكثير من النساء في مصر معلّقاً بأمزجة قضائية واجتماعية متقلّبة. فإذا رأى القاضي أو وكيل النيابة – بدافع من قناعات شخصية أو رضوخاً للتيّار المجتمعي السائد – أن صورة امرأة على فيسبوك "خادشة للحياء"، فبوسعه أن يكيّفها كجريمة. وربما الأهمّ أنه يضمن تصفيق قطاع واسع من الجمهور لتلك الأحكام، مهما ابتعدت عن حرفية…
23.05.2025
زمن القراءة: 7 minutes

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.

ينهمك الوفدان الأميركي والإسرائيلي في الأمم المتّحدة، في رسم خطّة سرّية معاكسة لطروح أممية ملحّة، استهدفت تسريع فكّ الحصار الخانق عن قطاع غزّة، المنكوب بالدم منذ 19 شهراً، والمجاعة منذ 12 أسبوعاً. 

فتحت جنح الظلام، تآمر الوفدان لتحييد الأمم المتّحدة، وإجهاض خطّتها الرامية إلى نزع ذرائع إسرائيل حول استحواذ حركة “حماس” على جلّ شريان الإغاثة، عبر تعزيز سيطرة الجيش الإسرائيلي على مسارات قوافل المساعدات.

ويُحاجج البلدان بأن الأمم المتّحدة باتت بالنسبة إليهما أكثر انحيازاً إلى الفلسطينيين وانتقاداً لإسرائيل، التي تفتح أبواب الجحيم على الغزّيين مذ خرقت هدنة هشّة برعاية أميركية في آذار/ مارس الماضي. 

وهكذا قرّرا استبدال الهيئات الأممية وأذرعها الإغاثية، بمنظّمة أميركية غير حكومية غامضة، مشبوهة، وعديمة الخبرة في توزيع المساعدات. كما قرنا نشاط هذه المنظّمة بإسناد عسكري وأمني تؤمّنه شركتان أميركيتان خاصّتان، تبيعان خدماتهما في مناطق الحروب والنزاعات، عبر عقود مع حكومات وهيئات وأشخاص. 

طوق نجاة مشبوه 

الخطّة الجديدة التي قاطعتها الأمم المتّحدة، تستهدف مساعدة تل أبيب – المتخبّطة في وحل غزّة، على تحقيق أهدافها الاستراتيجية من غزو غزّة، بحسب وزير أردني سابق على صلة بمطبخ صنع القرار، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع.

من بين تلك الأهداف المعلنة، القضاء على “حماس” وتحرير سائر المحتجزين الإسرائيليين لديها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

تدرّج الطرح البديل 

أعلنت واشنطن الأسبوع الماضي إطلاق ما سمّته “مؤسّسة غزّة للإغاثة” أو (Gaza Humanitarian Foundation) وكلّفتها الإشراف على عمليّة نقل المساعدات الإنسانية، وتكثيف تدفّقها عبر نقاط جديدة، بدءاً من مطلع الشهر المقبل، وأعلنت المؤسّسة استعدادها لتوزيع 300 مليون وجبة في أوّل 90 يوماً.

بلغة الأرقام، يُترجم ذلك بمعدّل ثلاثة ملايين و330 ألف وجبة يومياً، في بقعة تضمّ قرابة مليوني نسمة، أي أقل من نصف القوت المنشود لإنقاذ القطاع من المجاعة.  

علاوة على أن مسؤولي الأمم المتّحدة يشكّكون في هذه القدرة، لأن فرز المدنيين عن هياكل “حماس” العسكرية والمدنية، عبر فتح قيود أمنية وأخذ بصمة العين، قد تأخذ أشهراً.

ووعدت الهيئة الأممية بعدم مشاركة إسرائيل معلوماتها الأمنية، كما ضغطت من أجل إدخال أدوية ومستلزمات طبخ وإعاشة.

أهداف الخطّة الثنائية

من شأن الخطّة المشتركة الإشكالية، تسهيل منح إسرائيل كلّ ما تريده من الحرب، بحسب مسؤول عربي رفيع مطّلع على الفكرة، خلال مقابلة مع “درج”، هذه الخطّة “ستمكّن إسرائيل من الوصول لأهدافها، من خلال مواصفات أمنية مُحكمة تناسب أهدافها”.

تتطابق توقّعات المسؤول العربي مع ممثّل أممي رفيع، على دراية كاملة بتفاصيل الملف: 

– سيُطلب من جميع سكّان غزّة المدنيين التوجّه من الشمال والوسط والجنوب، إلى منطقة مواصي خان يونس لعزلهم وإحكام الطوق عليهم، بعد أن احتلت إسرائيل 70 % من أراضي القطاع؛ إما مناطق إخلاء أو عمليّات عسكرية مغلقة.

– سيُفتح ملفّ أمني لكلّ منتفع، مدعوم ببصمة بصرية، لكي يحصل على المساعدات عبر أربع نقاط توزيع قابلة للزيادة تدريجياً، وبذلك يُعزل مقاتلو “حماس” عن المدنيين، وتذهب الإعانات للمستحقّين، وفق مقاصد الخطّة المطروحة.

– تُنصب خيام لإيواء “نازحي غزّة” في مواصي خان يونس، على أن المخيّم المفترض أن يُؤوي الفارّين من ويلات التقتيل والتجويع، لن يكون مكاناً قابلاً للحياة الآدمية، ما سيُجبر الغزّيين على الهجرة، وقد تسهّل إسرائيل هذه المهمّة عبر قسم جديد أنشأته في وزارة الدفاع، لتسهيل الهجرة الطوعية.

– الخطّة تحقّق بداية حلم إسرائيل بضمّ الأراضي المحتلّة بدءاً بغزّة لتوسيع حدودها، وقد يحقّق ذلك رغبة ترامب في إعادة إعمار غزّة عبر السيطرة عليها، وتحويل شواطِئها الدامية إلى ريفييرا. 

– سيُطارد الجنود الإسرائيليون من بقي من قيادات “حماس” ومقاتليها، عبر توغّل برّي موسّع، وسنسمع تبجّحاً إسرائيلياً بتحاشي قتل المدنيين، بهدف وقف الإدانات الواسعة التي تطال هذا الكيان من الحلفاء والأعداء، بسبب استخدامه المفرط لآلة الحرب المدعومة أميركياً. 

أصوات معارضة 

الأمم المتّحدة وفرنسا وبريطانيا رفضت الخطّة الجديدة، لأن آليّتها لا تلتزم بمبادئ الحيادية والاستقلالية والنزاهة، وأعلنت الأمم المتّحدة أنها لن تشارك في أعمال المنظّمة “المشبوهة”، لأنها غطاء لمزيد من الدمار في غزّة، تبريراً لعمل عسكري، أو مكتسبات سياسية، وشبهات ربحية مخفيّة.

كما أن مبرّرات إنشائها، بحسب بيانها المنشور على موقعها، تنطلق من فرضيّة مغلوطة: بزعم أن قنوات الإغاثة التقليدية انهارت، ولذلك حُجبت المساعدات عن غزّة، مع أن إسرائيل هي التي حرمت سكّان القطاع من المساعدات، بعد أن خرقت الهدنة المؤقتة.

خطّة الأمم المتّحدة

بعد فرض الحصار الأخير، قدّمت الأمم المتّحدة لإسرائيل، خطّة بديلة من أربعة محاور، كانت تنتظر الضوء الأخضر من تل أبيب، بحسب مصادر أممية تواصلت معها. 

الخطّة استجابت لمعظم شروط إسرائيل وطلباتها، عبر تأمين حماية أكبر لمسار المساعدات وتغليفها وتوضيبها، لكي لا تُسرق من الشاحنات أثناء سيرها صوب المستودعات، وتتّهم إسرائيل بالاستحواذ على شحنات الإغاثة مباشرة، أو عبر وسطاء، وتبديل حمولات شاحنات بعد دخولها غزّة بالسلاح.

الخطّة اقترحت وضع (QR كود) على أي حمولة مساعدات تنطلق من نقاط التحميل؛ بما فيها الأردن، لتتبّع مسارها إلكترونياً، وضمان عدم خروجها عن خطّ السير المحدّد لها، كما تسمح لإسرائيل بتفتيش قوافل المساعدات في نقطتين، بوجود مراقبين أمميين عند دخولها، قبل توجيهها إلى مخازن الأمم المتّحدة لتوزيعها عبر مراكزها، التي تغطّي القطاع، وتضمن الخطّة أيضاً، محاكاة تعبئة وتدريج البضائع (توضيبها) قبل الانطلاق، للمواصفات الأميركية والإسرائيلية.

لكنّ تل أبيب رفضت المبادرة الأممية، في الوقت الذي كانت ترسم فيه مساراً بديلاً مع واشنطن.

شُبهات وعلامات استفهام

“مؤسّسة غزّة الإنسانية” سُجلت في جنيف في شباط/ فبراير 2025. الأشخاص المُدرجة أسماؤهم على لوائح التأسيس، لا يمتّون بصلة إلى ملفّ الإغاثة والإنقاذ في الكوارث، بحسب مصادر تعمل في قطاع المساعدات الإنسانية حول العالم، وميزانيّتها ومصادر تمويلها غير معروفة، على غرار أسماء المنظّمات الدولية التي قيل إنها ستُسهم في الجهد الجديد، ورئيسها ديفيد بابازيان هو مواطن أميركي أرميني، أُقيل من منصبه كمدير تنفيذي لـ”صندوق مصالح أرمينيا الوطني” في كانون الثاني/ يناير 2024، ثم عُيّن رئيساً لمجلس إدارة شركة طيران أرمينية “فلاي إرنا”، أُطلقت بالشراكة مع شركة طيران “إير أريبيا”، وصندوق تحت إدارته. 

يُعرف عن بابازيان تمتّعه بعلاقات ممتازة مع دولة خليجية، مما يفتح الباب أمام إمكانية التزامها بتقديم 100 مليون دولار لدعم الصندوق.

سجل عضوية المؤسّسة يضمّ محامي سويسري وآخر أميركي، وموقعها الإلكتروني يخلو من أية تفاصيل، باستثناء شرح أسباب تأسيسها، ونطاق خدمتها المحصورة بغزّة.

قبل ذلك، سجّلت منظّمة غير ربحية تحمل اسم “مؤسّسة جنيف”، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، في ولاية ديلاوير الأميركية؛ حيث تنشط ملاذات آمنة لشركات يصعب الدخول إلى سجلاتها.

قبل أربعة أيّام من رفع الستار عن “مؤسّسة غزّة الإنسانية” في جنيف، تغيّر اسم الشركة المسجّلة في ديلاوير، إلى “مؤسّسة من يحتاجون المساعدة” (Those In Need Foundation) في السياق، أُزيلت منها كلمة “غزّة”.

لم يتسنّ التأكّد ما إذا كان هناك أي علاقة بين المؤسّستين “غير الربحيتين”.

تزامن تسجيل الشركة الأولى والثانية مع استمرار حديث دونالد ترامب عن خطّته لترحيل الفلسطينيين من غزّة لأسباب إنسانية، بحجّة أنها أصبحت غير قابلة للحياة، ثم إعادة إعمارها. 

مصادفة تُلقي ظلال الشكّ 

المحامي الأميركي الذي سجّل شركة ديلاوير؛ وهو خبير في هندسة ضرائب كبار المتموّلين وإنشاء صناديق استثمارية، سجّل أيضاً شركة خاصّة للخدمات الأمنية في ولاية وايومنغ؛ ملاذ آمن أميركي آخر، وتحمل الشركة اسماً تجارياً “Safe “Research Solutions LLC. 

على غرار سابقتها، موقع هذه الشركة لا يُشهر أية معلومات سوى عموميات، ومشاهد “آكشن” حربي لمقاتلين يُخفون وجوههم. 

وهي إحدى شركتين يُفترض أن تُتيحا حماية أمنية وعسكرية لمسار المساعدات، بما فيها ضمان انطلاق البضائع ووصولها، وحماية نقاط التوزيع والمستودعات والمسؤولين عنها.

هذه الشركة قدّمت خدمات أمنية لفحص السيّارات قبل دخولها غزّة خلال مرحلة الهدنة الأخيرة، بحسب موقع الصحافة الاستقصائية الإسرائيلي “شومريم”، وهي تُعلن الآن أنها تبحث عن “موظّفين للعمل في مبادرة جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في الشرق الأوسط”.

الشركة الأمنية الأخرى “UG Solutions LLC” تأسّست  سنة 2013، وتملك خبرة في تقديم خدمات عسكرية وأمنية في مناطق النزاع والحروب للحكومات والشركات والأفراد. 

لم يردّ مدير عمليات الشركة على طلب للتعليق أرسلته كاتبة المقال، عبر حسابه على موقع “لينكدإن”.

طريقة تسجيل المؤسّستين “غير الربحيتين” والشركة الأمنية في ملاذات آمنة، تؤشّر ربما إلى إصرار متعمّد على إخفاء هوّية المالكين والمنتفعين الأصليين ومصادر التمويل، بحسب خبرتي في استقصاء بؤر الفساد والجريمة المنظّمة العابرة للحدود.

مسؤول أممي رفيع، عمل على ملفّات مشابهة في مناطق حروب، يرى أن تعقيدات التسجيل تشي بأن أجهزة استخباراتية، ربما تكون الجهة خلف تحقيق المهمّة عبر شركات وهمية مسجّلة “أوف شور”، لتمرير تمويل العمليّات من دون القدرة على تقصّي مصادرها.

مسؤول أمني عربي آخر يشبّه أدوار الشركتين الأمنيتين بأنشطة شركة “بلاكووتر” (Blackwater) للخدمات الأمنية والعسكرية الخاصّة، بعد غزو العراق في عام 2003، الشركة الأميركية الغامضة، التي كُلّفت بحماية الحاكم المدني للعراق، بصفته رئيس سلطة التحالف المؤقتة التي أطاحت بنظام صدام حسين، وكذلك حراسة منشآت أميركية، وكانت تتعاقد مع الإدارة الأميركية لتنفيذ تلك المهمّة العسكرية، عبر قدامى المحاربين الأميركيين وجيش من المرتزقة.

فازت “بلاكووتر” بعقود تخطّت نصف مليار دولار، بسبب علاقاتها القوّية مع رجل من الحلقة الداخلية للرئيس جورج بوش، لكنّ من بين محطّاتها الدموية قتلها 16 عراقياً لكي تفتح الطريق أمام أحد مواكبها، وفي المحّصلة، طُردت من العراق.

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.