fbpx

الروائي بوعلام صنصال…  أربك نظام تبون وحشد قوى التطرف الفرنسي وراءه!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بقيت السلطات الرسمية الجزائرية صامتة إزاء الاتهامات الموجهة إليها، ولم تتحدث عن مصير صنصال لأكثر من أسبوع، إلى أن أكدت وكالة الأنباء الجزائرية، نهاية الأسبوع الماضي، خبر الاعتقال في سياق انتقاد شديد اللهجة للمواقف الفرنسية التي أطلقها العديد من السياسيين والكتاب الفرنسيين للمطالبة بالإفراج عن المعتقل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وصل الروائي الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال يوم السبت 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي إلى المطار الدولي هواري بومدين في الجزائر، قادماً من باريس، وفي نيته التحوّل مباشرة إلى مسقط رأسه، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، فسرعان ما أُبلغ أصدقاؤه عن اختفائه، بعد أن حاولوا الاتصال به،  ووجدوا أن هاتفه المحمول مغلق.

حاول الأصدقاء التواصل مع عائلة صنصال البالغ من العمر 75 سنة، فتمّ إبلاغهم أنه لم يصل إلى منزله في مدينة بومرداس الساحلية، فأعلنوا مباشرة عن إيقافه من قبل السلطات الأمنية الجزائرية في المطار، لكن السلطات الرسمية لم ترد على هذه الاتهامات، كعادتها في مثل هذه المواقف.

تأكيد الاعتقال

بقيت السلطات الرسمية الجزائرية صامتة إزاء الاتهامات الموجهة إليها، ولم تتحدث عن مصير صنصال لأكثر من أسبوع، إلى أن أكدت وكالة الأنباء الجزائرية، نهاية الأسبوع الماضي، خبر الاعتقال في سياق انتقاد شديد اللهجة للمواقف الفرنسية التي أطلقها العديد من السياسيين والكتاب الفرنسيين للمطالبة بالإفراج عن المعتقل.

يحمل الكاتب الجزائري الجنسية الفرنسية، وعُرف من خلال كتاباته وحضوره الإعلامي بانتقاده الشديد للنظام الجزائري وللدولة، إذ دائما ما ينتقد السلطات الرسمية، وتصف وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية صنصال بـ “المثقف المزعوم المبجّل من قبل اليمين المتطرف الفرنسي”.

في كتاباته حرص صنصال على إدراج بلاده الجزائر وشعبها، كمادة ضمن سردية تُرضي فرنسا الاستعمارية وفق منتقديه، ففي رواية “قرية الألماني” الصادرة سنة 2008، ربط الكاتب ثورة الجزائر ضد المستعمر الفرنسي بالنازية الألمانية.

كما يُتهم صنصال بدعم إسرائيل، ففي أيار/ مايو 2012 شارك في مهرجان في القدس برعاية إسرائيل، تزامناً مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الرابعة والستين للنكبة، التي تحتفل بها إسرائيل بتاريخ إعلانها كدولة.

نتيجة هذه المشاركة، تم سحب أموال جائزة الرواية العربية، التي تحصّل عليها سنة 2012 (15000 يورو تُمنح من قبل مجلس السفراء العرب) ورداً على هذا القرار قال صنصال إن الدول العربية؛ ووطنه الجزائر على وجه الخصوص “حبست نفسها في سجن التعصب”.

لا يُخفي صنصال “إعجابه” بقادة إسرائيل! إذ سبق أن قال إنه لم يندم على زيارة إسرائيل، معرباً عن سعادته الكبيرة بذلك، مضيفاً أن “لدى الإسرائيليين كل الأسباب في العالم للفخر بما حققوه في بلادهم في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن… في العديد من المجالات، تحتل إسرائيل الصدارة الدولية وهذا أمر مثير للإعجاب للغاية”، وفق قوله.

 فضلاً عن كل مواقفه  الجدلية السابقة، يُتهم صنصال بالسرقة الفكرية، ففي سنة 2015 اتهمه الكاتب واسيني الأعرج بـ”سرقة” فكرة وعنوان رواية “2084 نهاية العالم”، واعتبر الأعرج ما قام به صنصال فضيحة.

الوحدة الترابية الجزائرية

لم تقدّم وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أية تفاصيل عن مصير صنصال ولا التّهم الموجهة إليه، لكن من المرجح أن يكون سبب الإيقاف مرتبط بمواقفه المثيرة للجدل، التي يُنظر إليها في الجزائر على أنها معادية لها ولتاريخها وهويتها.

ومؤخراً  تحدث الكاتب صنصال مع موقع إلكتروني فرنسي معروف، بتوجهه اليميني عما اعتبر مسّا بالوحدة الترابية الجزائرية، حيث قال إن جزءاً من غرب الجزائر ينتمي إلى المغرب، وذكر بعض المدن مثل تلمسان ووهران، وأضاف أن “البلدان القوية لا تستعمر”.

كما برّر في تصريحاته اقتحام الجيش المغربي الأراضي الجزائرية بعد الاستقلال رغبة من الرباط، حسب الكاتب، في استرجاع أراضيها وشبّه هذا بما يحدث في قطاع غزة حالياً، وهو الموقف الذي لا يمكن للسلطات الجزائرية أن تغفره لأي كان، فما بالك بكاتب عُرف بعدائه للنظام ويحمل الجنسية الفرنسية.

وفق القانون الجزائري، يُمكن أن يلاحق صنصال بتهم تتعلق بـ”المساس بالوحدة الوطنية”، فضلاً عن “المساس بالسلامة الترابية للبلاد”، و”التحريض على تقسيم البلاد”، وتصل عقوبات هذه التّهم إلى السجن مدى الحياة والإعدام في حال ثبوتها.

تعود قساوة هذه الأحكام إلى كون التهم تتعلق بـ”الأفعال الإرهابية” وفق القانون الجزائري، ذلك أن النظام الجزائري يعتبر التشكيك في حدود البلاد خاصة مع المغرب عمل إرهابي لا يُغتفر، كما أن صنصال انتصر للرواية المغربية، وقال إن نظام الجزائر “نظام عسكري اخترع جبهة البوليساريو لضرب استقرار المغرب”.

ماذا عن الارتماء في أحضان الصهيونية؟

لكن بعض الأصوات في الجزائر تقول إن اعتقال صنصال جاء على خلفية مواقفه الداعمة لإسرائيل، إلا أننا نشكك في ذلك، فهذه المواقف قديمة، ولم يتحرك النظام الجزائري تجاهها، وبقي صنصال حراً متنقلاً بين باريس والجزائر، إلى أن تحدث عن مشكلة الحدود الجزائرية المغربية.

دائما ما يدّعي نظام عبد المجيد نصرة الفلسطينيين ويجاهر بعدائه للإسرائيليين، لكن ذلك بقي مجرد كلام، لا يتجاوز الشعارات التي “يُغازل” بها مشاعر الشعب الجزائري المناصر بقوة للفلسطينيين، منذ نكبة سنة 1948، وحادثة صنصال أكبر دليل على ذلك.

يُحاول نظام تبون جاهداً ربط اعتقال صنصال بتصريحات ومواقف سابقة للكاتب تجاه الفلسطينيين، ويصفه بـ”الصهيوني” حتى يظهر بثوب المدافع عن القضية الفلسطينية والمناصر للحق الفلسطيني، إلا أنه نسي أن هذه التصريحات قديمة.

اليمين المتطرف يُندّد

الغريب في قضية صنصال أنه نجح في توحيد مواقف الفرنسيين لأول مرة، حيث تم “حشد مصالح الدولة لتوضيح وضعه” وفق بيان نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، وطالب الرئيس إيمانويل ماكرون بالحصول على معلومات حول صنصال، وقال متحدث باسم الإليزيه: “الرئيس قلق للغاية ويتابع الوضع عن كثب”، وأضاف “يقدّر الرئيس أن يتمتع هذا الكاتب والمفكر العظيم بحريته”.

بدوره، قال رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب: “إن صنصال يجسّد كل ما نعتز به: الدعوة إلى العقلانية، إلى الحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية”، داعياً “السلطات الفرنسية والأوروبية للحصول على معلومات دقيقة حول مصيره، وضمان قدرته على التحرك بحرية والعودة إلى فرنسا متى أراد”.

حتى زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف مارين لوبان انضمّت إلى ركب المدافعين عن صنصال، وطالبت الحكومة الفرنسية “التدخل من أجل إطلاق سراحه الفوري”، مشيرة إلى أن هذا الكاتب يُعتبر “مدافعاً عن الحرية ومعارضاً شجاعاً للإسلاموية”، وهو رأي اليميني المتطرف إيريك زامور.

وصل الأمر برئيس نواب حزب “الجمهوريين” لوران فوكييه، للمطالبة بضرورة تفعيل جميع وسائل الضغط على الجزائر لإطلاق سراح صنصال، الذي يحمل الجنسية الفرنسية، وهي المرة الأولى التي يصدر عنه مثل هذا الموقف.

يظهر من هنا أن صنصال نجح في توحيد مختلف الفرقاء السياسيين في فرنسا، الأمر الذي عجز عنه كبار السياسيين في هذا البلد الأوروبي، ويعود ذلك إلى مواقف الكاتب الجريئة من النظام الجزائري، وهو ما يحبّذه ساسة فرنسا ويدفعون المال الكثير لأجله.

وفضلاً عن تشكيكه في استقلال وتاريخ وسيادة وحدود بلاده الأم وإنكار وجود الأمة الجزائرية، عُرف صنصال بالترويج لأفكار أقصى اليمين الفرنسي المعادي للمهاجرين، وارتباطه بأطراف معادية للجزائر على غرار إسرائيل التي زارها سابقاً.

وبرغم امتهانه الكتابة في سنّ متقدمة واصداره عدداً قليلاً من المؤلفات، إلا أن صنصال استطاع كسب ثقة الساسة الفرنسيين، لنجاحه في ارتداء ثوب “المثقف” المعارض لنظام بلاده، والمشكك في وحدته الترابية، والمشوّه لتاريخه، وفق الروائي الجزائري رشيد بوجدرة.

لا يهم قادة اليمين المتطرف في فرنسا بوعلام صنصال في شخصه، وإنما همهم الوحيد عدم خسارة صوت وقلم ينتقد النظام الجزائري بقوة، خاصة في هذا الوقت الذي اختارت فيه باريس التقرب أكثر إلى المغرب، وتبني رؤية الرباط في خصوص ملف الصحراء الغربية.

فرصة لنظام تبون

ما أقدم عليه صنصال والهبّة الفرنسية لنجدته والوقوف في صفّه، مثّلت فرصة كبيرة لا تُعوض لنظام الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون، للترويج لسردية المؤامرات الخارجية التي تتربص ببلاده وتنتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليه، لولا فطنة النظام.

بنى تبون مقومات نظامه على هذه السردية، ومنح لنفسه حق التضييق وقمع أغلب الجزائريين، فهو الوحيد غير المتآمر على البلاد، وهو الوحيد الضامن لمصلحتها أمام القوى الغربية والصهيونية، التي تتربص بالجزائر.

ويأمل النظام الجزائري في استغلال هذه الفرصة، لتأكيد تعرّض بلاده لمؤامرة خارجية تقودها فرنسا و”القوى الصهيونية” الداعمة للجارة الغربية – المغرب، للتغطية على فشله في الاستجابة لمطالب الجزائريين، وعجزه عن تحقيق النمو والرفاهية التي وعد بهما منذ أكثر من 6 سنوات.

سيطر نظام تبون العسكري على الفضاءين العام والافتراضي، ويأمل الآن في السيطرة على كل من تخوّل له نفس الحديث عن الجزائر، فإما أن تُناصر النظام وتتبنى رؤيته للأحداث وسردياته التاريخية، وإما فالسجن والتخوين ينتظرانك.

26.11.2024
زمن القراءة: 6 minutes

بقيت السلطات الرسمية الجزائرية صامتة إزاء الاتهامات الموجهة إليها، ولم تتحدث عن مصير صنصال لأكثر من أسبوع، إلى أن أكدت وكالة الأنباء الجزائرية، نهاية الأسبوع الماضي، خبر الاعتقال في سياق انتقاد شديد اللهجة للمواقف الفرنسية التي أطلقها العديد من السياسيين والكتاب الفرنسيين للمطالبة بالإفراج عن المعتقل.

وصل الروائي الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال يوم السبت 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي إلى المطار الدولي هواري بومدين في الجزائر، قادماً من باريس، وفي نيته التحوّل مباشرة إلى مسقط رأسه، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، فسرعان ما أُبلغ أصدقاؤه عن اختفائه، بعد أن حاولوا الاتصال به،  ووجدوا أن هاتفه المحمول مغلق.

حاول الأصدقاء التواصل مع عائلة صنصال البالغ من العمر 75 سنة، فتمّ إبلاغهم أنه لم يصل إلى منزله في مدينة بومرداس الساحلية، فأعلنوا مباشرة عن إيقافه من قبل السلطات الأمنية الجزائرية في المطار، لكن السلطات الرسمية لم ترد على هذه الاتهامات، كعادتها في مثل هذه المواقف.

تأكيد الاعتقال

بقيت السلطات الرسمية الجزائرية صامتة إزاء الاتهامات الموجهة إليها، ولم تتحدث عن مصير صنصال لأكثر من أسبوع، إلى أن أكدت وكالة الأنباء الجزائرية، نهاية الأسبوع الماضي، خبر الاعتقال في سياق انتقاد شديد اللهجة للمواقف الفرنسية التي أطلقها العديد من السياسيين والكتاب الفرنسيين للمطالبة بالإفراج عن المعتقل.

يحمل الكاتب الجزائري الجنسية الفرنسية، وعُرف من خلال كتاباته وحضوره الإعلامي بانتقاده الشديد للنظام الجزائري وللدولة، إذ دائما ما ينتقد السلطات الرسمية، وتصف وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية صنصال بـ “المثقف المزعوم المبجّل من قبل اليمين المتطرف الفرنسي”.

في كتاباته حرص صنصال على إدراج بلاده الجزائر وشعبها، كمادة ضمن سردية تُرضي فرنسا الاستعمارية وفق منتقديه، ففي رواية “قرية الألماني” الصادرة سنة 2008، ربط الكاتب ثورة الجزائر ضد المستعمر الفرنسي بالنازية الألمانية.

كما يُتهم صنصال بدعم إسرائيل، ففي أيار/ مايو 2012 شارك في مهرجان في القدس برعاية إسرائيل، تزامناً مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الرابعة والستين للنكبة، التي تحتفل بها إسرائيل بتاريخ إعلانها كدولة.

نتيجة هذه المشاركة، تم سحب أموال جائزة الرواية العربية، التي تحصّل عليها سنة 2012 (15000 يورو تُمنح من قبل مجلس السفراء العرب) ورداً على هذا القرار قال صنصال إن الدول العربية؛ ووطنه الجزائر على وجه الخصوص “حبست نفسها في سجن التعصب”.

لا يُخفي صنصال “إعجابه” بقادة إسرائيل! إذ سبق أن قال إنه لم يندم على زيارة إسرائيل، معرباً عن سعادته الكبيرة بذلك، مضيفاً أن “لدى الإسرائيليين كل الأسباب في العالم للفخر بما حققوه في بلادهم في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن… في العديد من المجالات، تحتل إسرائيل الصدارة الدولية وهذا أمر مثير للإعجاب للغاية”، وفق قوله.

 فضلاً عن كل مواقفه  الجدلية السابقة، يُتهم صنصال بالسرقة الفكرية، ففي سنة 2015 اتهمه الكاتب واسيني الأعرج بـ”سرقة” فكرة وعنوان رواية “2084 نهاية العالم”، واعتبر الأعرج ما قام به صنصال فضيحة.

الوحدة الترابية الجزائرية

لم تقدّم وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أية تفاصيل عن مصير صنصال ولا التّهم الموجهة إليه، لكن من المرجح أن يكون سبب الإيقاف مرتبط بمواقفه المثيرة للجدل، التي يُنظر إليها في الجزائر على أنها معادية لها ولتاريخها وهويتها.

ومؤخراً  تحدث الكاتب صنصال مع موقع إلكتروني فرنسي معروف، بتوجهه اليميني عما اعتبر مسّا بالوحدة الترابية الجزائرية، حيث قال إن جزءاً من غرب الجزائر ينتمي إلى المغرب، وذكر بعض المدن مثل تلمسان ووهران، وأضاف أن “البلدان القوية لا تستعمر”.

كما برّر في تصريحاته اقتحام الجيش المغربي الأراضي الجزائرية بعد الاستقلال رغبة من الرباط، حسب الكاتب، في استرجاع أراضيها وشبّه هذا بما يحدث في قطاع غزة حالياً، وهو الموقف الذي لا يمكن للسلطات الجزائرية أن تغفره لأي كان، فما بالك بكاتب عُرف بعدائه للنظام ويحمل الجنسية الفرنسية.

وفق القانون الجزائري، يُمكن أن يلاحق صنصال بتهم تتعلق بـ”المساس بالوحدة الوطنية”، فضلاً عن “المساس بالسلامة الترابية للبلاد”، و”التحريض على تقسيم البلاد”، وتصل عقوبات هذه التّهم إلى السجن مدى الحياة والإعدام في حال ثبوتها.

تعود قساوة هذه الأحكام إلى كون التهم تتعلق بـ”الأفعال الإرهابية” وفق القانون الجزائري، ذلك أن النظام الجزائري يعتبر التشكيك في حدود البلاد خاصة مع المغرب عمل إرهابي لا يُغتفر، كما أن صنصال انتصر للرواية المغربية، وقال إن نظام الجزائر “نظام عسكري اخترع جبهة البوليساريو لضرب استقرار المغرب”.

ماذا عن الارتماء في أحضان الصهيونية؟

لكن بعض الأصوات في الجزائر تقول إن اعتقال صنصال جاء على خلفية مواقفه الداعمة لإسرائيل، إلا أننا نشكك في ذلك، فهذه المواقف قديمة، ولم يتحرك النظام الجزائري تجاهها، وبقي صنصال حراً متنقلاً بين باريس والجزائر، إلى أن تحدث عن مشكلة الحدود الجزائرية المغربية.

دائما ما يدّعي نظام عبد المجيد نصرة الفلسطينيين ويجاهر بعدائه للإسرائيليين، لكن ذلك بقي مجرد كلام، لا يتجاوز الشعارات التي “يُغازل” بها مشاعر الشعب الجزائري المناصر بقوة للفلسطينيين، منذ نكبة سنة 1948، وحادثة صنصال أكبر دليل على ذلك.

يُحاول نظام تبون جاهداً ربط اعتقال صنصال بتصريحات ومواقف سابقة للكاتب تجاه الفلسطينيين، ويصفه بـ”الصهيوني” حتى يظهر بثوب المدافع عن القضية الفلسطينية والمناصر للحق الفلسطيني، إلا أنه نسي أن هذه التصريحات قديمة.

اليمين المتطرف يُندّد

الغريب في قضية صنصال أنه نجح في توحيد مواقف الفرنسيين لأول مرة، حيث تم “حشد مصالح الدولة لتوضيح وضعه” وفق بيان نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، وطالب الرئيس إيمانويل ماكرون بالحصول على معلومات حول صنصال، وقال متحدث باسم الإليزيه: “الرئيس قلق للغاية ويتابع الوضع عن كثب”، وأضاف “يقدّر الرئيس أن يتمتع هذا الكاتب والمفكر العظيم بحريته”.

بدوره، قال رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب: “إن صنصال يجسّد كل ما نعتز به: الدعوة إلى العقلانية، إلى الحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية”، داعياً “السلطات الفرنسية والأوروبية للحصول على معلومات دقيقة حول مصيره، وضمان قدرته على التحرك بحرية والعودة إلى فرنسا متى أراد”.

حتى زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف مارين لوبان انضمّت إلى ركب المدافعين عن صنصال، وطالبت الحكومة الفرنسية “التدخل من أجل إطلاق سراحه الفوري”، مشيرة إلى أن هذا الكاتب يُعتبر “مدافعاً عن الحرية ومعارضاً شجاعاً للإسلاموية”، وهو رأي اليميني المتطرف إيريك زامور.

وصل الأمر برئيس نواب حزب “الجمهوريين” لوران فوكييه، للمطالبة بضرورة تفعيل جميع وسائل الضغط على الجزائر لإطلاق سراح صنصال، الذي يحمل الجنسية الفرنسية، وهي المرة الأولى التي يصدر عنه مثل هذا الموقف.

يظهر من هنا أن صنصال نجح في توحيد مختلف الفرقاء السياسيين في فرنسا، الأمر الذي عجز عنه كبار السياسيين في هذا البلد الأوروبي، ويعود ذلك إلى مواقف الكاتب الجريئة من النظام الجزائري، وهو ما يحبّذه ساسة فرنسا ويدفعون المال الكثير لأجله.

وفضلاً عن تشكيكه في استقلال وتاريخ وسيادة وحدود بلاده الأم وإنكار وجود الأمة الجزائرية، عُرف صنصال بالترويج لأفكار أقصى اليمين الفرنسي المعادي للمهاجرين، وارتباطه بأطراف معادية للجزائر على غرار إسرائيل التي زارها سابقاً.

وبرغم امتهانه الكتابة في سنّ متقدمة واصداره عدداً قليلاً من المؤلفات، إلا أن صنصال استطاع كسب ثقة الساسة الفرنسيين، لنجاحه في ارتداء ثوب “المثقف” المعارض لنظام بلاده، والمشكك في وحدته الترابية، والمشوّه لتاريخه، وفق الروائي الجزائري رشيد بوجدرة.

لا يهم قادة اليمين المتطرف في فرنسا بوعلام صنصال في شخصه، وإنما همهم الوحيد عدم خسارة صوت وقلم ينتقد النظام الجزائري بقوة، خاصة في هذا الوقت الذي اختارت فيه باريس التقرب أكثر إلى المغرب، وتبني رؤية الرباط في خصوص ملف الصحراء الغربية.

فرصة لنظام تبون

ما أقدم عليه صنصال والهبّة الفرنسية لنجدته والوقوف في صفّه، مثّلت فرصة كبيرة لا تُعوض لنظام الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون، للترويج لسردية المؤامرات الخارجية التي تتربص ببلاده وتنتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليه، لولا فطنة النظام.

بنى تبون مقومات نظامه على هذه السردية، ومنح لنفسه حق التضييق وقمع أغلب الجزائريين، فهو الوحيد غير المتآمر على البلاد، وهو الوحيد الضامن لمصلحتها أمام القوى الغربية والصهيونية، التي تتربص بالجزائر.

ويأمل النظام الجزائري في استغلال هذه الفرصة، لتأكيد تعرّض بلاده لمؤامرة خارجية تقودها فرنسا و”القوى الصهيونية” الداعمة للجارة الغربية – المغرب، للتغطية على فشله في الاستجابة لمطالب الجزائريين، وعجزه عن تحقيق النمو والرفاهية التي وعد بهما منذ أكثر من 6 سنوات.

سيطر نظام تبون العسكري على الفضاءين العام والافتراضي، ويأمل الآن في السيطرة على كل من تخوّل له نفس الحديث عن الجزائر، فإما أن تُناصر النظام وتتبنى رؤيته للأحداث وسردياته التاريخية، وإما فالسجن والتخوين ينتظرانك.