fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

السجون في مصر… تجميل مسلسلات “المتحدة” وواقع معتقلين سابقين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أناقة الصور التي ترسمها المسلسلات للسجون، تحزّ في قلوب المساجين سابقاً، إذ يبقى اسمها “سجناً”، بخاصة لهؤلاء الذين لم يرتكبوا جريمة تستدعي حبسهم، ويزيد من بؤسهم أن تكون إجراءات السجن متروكة لهوى القائمين عليه، أو مدى رضا السلطات عنهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يتمالك مصطفى عادل – اسم مستعار- نفسه حين قادته خوارزميات “فيسبوك” لمشاهدة إحدى لقطات مسلسل “بابا المجال”، الذي بثّ في الموسم الرمضاني 2023، فما إن تابع المشهد، حتى غرق في الضحك مما رآه!

يظهر في المشهد مساجين في مزرعة السجن، أحدهما يطلب من الآخر أن يكتب له رسالةً لمأمور السجن يطلب فيها عدم الإفراج عنه في الموعد المحدد له، حتى يتمكن من تغيير صمام بالقلب مرة ثانية، في إشارة إلى أن السجن أجرى له عملية سابقة، مشيراً إلى أنه أصبح ينفق على منزله من عمله في مزرعة السجن!

هذا المشهد الذي لم يعشه مصطفى خلال فترة سجنه حتى بعد تشخيص إصابته بـ”حصوات الكلى”، إذ ظل يعاني على أثرها لشهور، وكلما نُقل إلى مستشفى السجن لا يزيد الدواء عن مسكّن، قبل أن يشمله عفو رئاسي ويُفرج عنه، ليتمكن لاحقاً من العلاج على نفقة أسرته.

مسلسل “بابا المجال” من إنتاج شركة الباتروس للإنتاج الفني، وعلى رغم أن المسلسل ليس من إنتاج الشركة المتحدة المملوكة للدولة، إلا أن بروتوكول تعاون يربط بين الشركتين وُقِّّع في 2021.

يقول مصطفى: “كنت أشعر أنني أشاهد فيلم خيال علمي، فكل مشاهد السجن توحي بأن السجون في مصر أصبحت جنة، فالزنازين واسعة ونظيفة، ولا يوجد تكدس للمساجين، الذين يعاملون بطريقة جيدة، ويتلقون العلاج، وهذا كله لم أشهده أنا خلال فترة سجني الممتدة لأكثر 3 سنوات، وما أثار حنقي أكثر هو أن المسلسل أذيع قبل أن يتم الإفراج عني”.

ألقي القبض على مصطفى أثناء الحملة الأمنية التي شهدتها مصر عام 2019 بعد دعوة الناشط السياسي المصري محمد علي للتظاهر منتصف أيلول/ سبتمبر، وأُفرج عنه منتصف 2023. خلال فترة سجنه، عانى مصطفى من سوء المعاملة، والمنع من الزيارة، والإهمال الطبي، الممارسات التي يعاني منها المعتقلون السياسيون في مصر في غالبيتهم.

يختم مصطفى حديثه لـ”درج” بقوله: “السجن سجن حتى لو كان في حديقة، بخاصة إذا كنت مسجوناً من دون جريمة كما حال غالبية المعتقلين السياسيين. ولكن ما يعمق أزمتي مع هذه المسلسلات هي محاولة تجميل السجون، والكذب المتعمد، إذ إنه مسموح للجميع بالتريض، وبالتعليم والعلاج، والمعاملة جيدة، بينما ما عشته ينفي ذلك”.

مشروع للدولة

مسلسل “بابا المجال” ليس الوحيد المتهم بتجميل صورة السجون المصرية خلال السنوات الأربع الماضية، إذ أصبحت المسلسلات في غالبيتها تتضمن دعاية مباشرة للنظام ومشروعاته، من بينها افتتاح مراكز التأهيل والإصلاح التي أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي افتتاح أولها في أيلول/ سبتمبر 2021، وهو مجمع وادي النطرون الذي قال السيسي إنه “صمم على الطراز الأميركي”، بوصفه أكبر مجمع سجون في مصر، ضمن خطة من 8 مجمعات للسجون، وذلك بالتزامن مع تعديل قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية.

ضمن المسلسلات التي تضمّنت مشاهد من السجون المصرية خلال السنوات الأخيرة، “سر إلهي” من إنتاج المتحدة، و”رقم سري” و”تيتا زوزو” الذي أفرد 4 حلقات كاملة عن السجون.

كما كان مشهد مذكرة البقاء في السجن في مسلسل “بابا المجال” مقحماً، قام به اثنين من الممثلين الثانويين، ولم يكن له أي داعٍ درامي، ونجد أيضاً مشهدين مقحمين في مسلسل “تيتا زوزو”، أثارا سخرية متابعي وسائل التواصل الإجتماعي.

المشهد الأول يجمع بين بطلة المسلسل وأحد الممثلات، تخبرها فيه أنها استكملت تعليمها من المرحلة الإعدادية إلى حد الحصول على دبلومين يعادلان درجة الماجستير، وأنها بصدد الحصول على درجة الماجستير لتحسين فرصها في الحصول على العفو الرئاسي. والمشهد الثاني للممثلة نفسها مع بطلة المسلسل في انتظار إعلان قائمة العفو، قالت فيه الممثلة إنها تقدمت للحصول على العفو رغم أنها تعلم أنها لن تحصل عليه، لعدم انطباق الشروط عليها، إلا أنها فوجئت باسمها ضمن قائمة العفو.

بعد بثّ هذه المشاهد بأسابيع قليلة، كان المعتقل محمد عادل، المتحدث باسم حركة شباب 6 أبريل، على موعد مع حرمانه من ممارسة حقه الطبيعي في الدراسة بحسب ما نشرته زوجته رفيدة حمدى. عادل محكوم بقضية “نشر أخبار كاذبة”، اعتُقل أثناء وجوده بمركز الشرطة لتنفيذ حكم المراقبة الشرطية المفروضة عليه بعد انتهاء مدة محكوميته بتهمة التظاهر. يُذكر أيضاً أن محمد عادل عقد قرانه على رفيدة حمدى عبر توكيل أثناء وجوده في السجن، لتستطيع الحصول على حق زيارته.

تقول رفيدة إن محمد قرر دراسة دبلوم في القانون العام بجامعة المنصورة، وبالفعل تم تسجيله في الجامعة، لكن إدارتها رفضت استلام ما يفيد بانعقاد الامتحان، كما رفضت دخول لجنة الامتحانات المتنقلة من الجامعة لعقد امتحان المادة الأولى، ما دفع محمد الى الإضراب عن أداء التمام، وهو إجراء يومي داخل السجن، وعن الطعام أيضاً.

 تكرر الأمر مع امتحان المادة الثانية، ما دفع محمد الى الإضراب عن شرب المياه، كما دعا الجامعة الى إلغاء قيده ضمن طلاب الدبلوم،  فيما مُنعت زوجته من زيارته، قبل أن تقوم إدارة السجن بتغريب محمد – إجراء عقابي يعني نقل السجين من السجن- ونقله إلى سجن العاشر من رمضان، كنوع من العقاب لأسرته نظراً الى بعد السجن عن مقر إقامتها في محافظة الدقهلية التي يوجد بها السجن السابق، وهو سجن جمصة، ولا تعرف رفيدة أي شيء عن وضع محمد الذي تقدمت إدارة سجن جمصة ببلاغ ضده بتهمة سبّهم.

المنع من التعليم ليس التعنت الوحيد الذي مارسته السلطة ضد محمد، ففي تقرير سابق نُشر في “درج”، كشفت رفيدة عن منع الرعاية الصحية عن محمد، مشيرة إلى أنه يعاني من ظروف غير إنسانية في محبسه، فهو ممنوع من الرعاية الصحية، ويعاني من خلع في الكتف جراء مشادة مع زملائه في الزنزانة، التي طلب نقله منها مراراً. وعلى رغم إصابته الشديدة التي تمنعه من تحريك ذراعه الأيمن، إلا أنه نقل إلى مستشفى السجن لمدة يومين من دون تنفيذ أي إجراء من شأنه علاج الإصابة، ثم أعيد إلى الزنزانة نفسها، بالإضافة إلى التهاب الأعصاب الطرفية، وآلام في الصدر لم يتم تشخيصها لأنه لم يُعرض على أي طبيب حتى الآن. كما تم تهديده بنقله إلى الحبس الانفرادي أو الى سجن آخر ذي ظروف احتجاز أقسى بسبب مطالبته بتحسين وضعه في سجن جمصة.

طبقات “الرفاهية” في السجون المصريّة

قبل 4 أعوام أفرج عن حسام أحمد – اسم مستعار- في قضية لها علاقة بما يعرف بتظاهرات الأرض، وهي التظاهرات الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي بموجبها نُقلت تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة.

عانى حسام أثناء فترة سجنه من ظروف غير إنسانية، من التكدس داخل السجن، الى سوء المعاملة، وصولاً الى منع الأغطية والملابس، الأمر الذي تسبّب في وفاة معتقل قبل 5 سنوات في سجن العقرب شديد الحراسة، وهو أحد السجون التي أُغلقت بعد نقل جميع السجناء إلى مراكز التأهيل التي تم افتتاحها.

هذه المعاملة اختلفت كلياً بعد اعتقاله مرة أخرى في التظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية بعد اندلاع حرب غزة، قبل أن يُفرج عنه هو وزملائه بكفالة مالية على ذمة القضية. وخلال فترة سجنه الأخيرة، تم إيداعه بسجن العاشر من رمضان حيث كانت فترة اعتقاله القصيرة أكثر راحة، لأن السجن بحسب حسام مجهز بصورة أكبر، كما أن القائمين عليه كانوا أكثر انسانية.

لا يعرف حسام ما إذا كانت هذه المعاملة هي السائدة داخل السجن، أو أن وزارة الداخلية قصدت تصدير هذه الصورة له ولزملائه لينقلها الى الخارج، لا سيما وأن فترة اعتقاله كانت قصيرة نسبياً. فيما يعاني المعتقلون في سجون أخرى، منها مجمع تأهيل بدر، من ظروف غير انسانية، وهو ما كشفه الناشط أحمد دومة في سلسلة من المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحت وسم  # شبر_ وقبضة.

يختم حسام حديثه مع “درج” قائلاً: “نحن لا نريد تجميل السجون ولا تجميل أسمائها من سجون لمراكز تأهيل. نحن نريد إنهاء الظلم وخروج معتقلي الرأي والصحافيين والسياسيين لأنهم ليسوا مجرمين”.

سلخانة بدر 

في كانون الأول/ ديسمبر 2021، افتتحت وزارة الداخلية المصرية المجمع الأمني بدر، بمساحة 85 فداناً، وضمنه افتُتح مركز التأهيل والإصلاح بدر. وبحسب المنشور عنه، فإنه يضم 3 مراكز فرعية للنزلاء الذين يمضون مدداً قصيرة أو لا تسمح لهم ظروف بالعمل في المواقع الإنتاجية التابعة لمراكز الإصلاح، حيث يتم التركيز على تأهيلهم مهنيّاً فى المجالات المختلفة وصقل هواياتهم المتعلقة بالأعمال اليدوية وتسويقها لصالحهم، إضافة الى مجمع طبي وعيادات ومركز لصحة المرأة، ومجمع محاكم.

الوجه الثاني لمركز تأهيل بدر كشفه الناشط السياسي والمعتقل السابق أحمد دومة في سلسلة منشورات على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ضمن سلسلة تحت وسم #شبر_وقبضة، يروي فيها مواقف عدة عاشها داخل السجن، كان من بينها حرمانه والمعتقلين السياسين كافة المصنفين بـ عناصر، من المنع من التريض ومنهم رئيس حزب مصر القوية د.عبد المنعم أبو الفتوح، وجميع قيادات جماعة الإخوان، وكذلك رجل الأعمال المفرج عنه صفوان ثابت وابنه، إذ كان يوضع كل شخص في زنزانة، وتُترك بين كل معتقل وآخر زنزانة فارغة ليمنع التواصل بينهما.

كشف دومة في منشوراته عما شهده مجمع بدر من عملية تعذيب المعتقلين بالبرد، إذ يروي أن شتاء 2023 شهد منعاً للملابس والأغطية الصوفية كافة، ومصادرتها من الزنازين. فحاول دومة وغيره من المعتقلين الحصول على سعرات عالية من المأكولات، وطلب من ذويه إحضارها في الزيارة، إلا أن الضابط المسؤول قلل كميات الأكل المسموح بها في الزيارة، وكذلك منع المأكولات ذات السعرات العالية.

يروي دومة أن أحد المعتقلين الذين عانوا من البرد كان رجل الأعمال صفوان ثابت، إذ صودرت وسائل التدفئة كافة، وإغلاق السخان لعدم إمداد الزنازين بالمياه الساخنة، فاستطاع دومة تهريب كرتونتين فارغتين وبطانية له، تمت مصادرتها بعد ذلك، ومنع استلام أي كرتونة مياه لدومة، وإعطاؤه فقط المياه في أكياس أو زجاجات مفردة عقاباً له على مساعدة ثابت، كما نُقل ابنه سيف من زنزانة قريبة من دومة عقاباً له على الحديث معه، وأصبح التواصل بين صفوان وابنه عبر رسائل تستغرق يومين أو ثلاثة أيام.

“التدوير” المنع من الزيارة 

في المسلسلات، تبقى أماكن الزيارة راقية جميلة، لكن إسراء شهاب وأسرتها لم يتسنَّ لهم الجلوس في هذه الأماكن بعد منع والدها د.السيد حسن شهاب من الزيارة منذ 7 سنوات كاملة، بعد تدويره في قضيتين بعد حصوله على براءة في القضية الأولى التي اعتقل بموجبها، ليكمل عامه الـ 11 داخل السجن بحسب منشور إسراء على صفحتها بموقع “فيسبوك”.

والد إسراء ليس الحالة الوحيدة، فأخيراً تم تدوير د.عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق الذي يمضي فترة محكومية 15 عاماً تنتهي في 2033 بتهم تتعلق نشر أخبار كاذبة، ويُتهم في القضية الجديدة بقيادة جماعة إرهابية، وعقد اجتماعات من محبسه، فيما يعاني من مشكلات صحية تستدعي عفواً صحياً نتيجة إصابته بأزمات قلبية داخل السجن، لا سيما وأنه في العقد الثامن من عمره.

الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، على رغم انتهاء فترة محكوميته في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلا أن السلطات المصرية قررت عدم احتساب مدة حبسه الاحتياطي، أو حتى المدة قبل التصديق على الحكم، وهو ما يعني استمرار حبسه حتى عام 2027، ما دفع والدته د.ليلى سويف الى الإضراب عن الطعام منذ أكثر من مائة يوم. ورغم مشهد العفو في مسلسل “تيتا زوزو” إلا أن طلب العفو الذي تقدمت به شقيقات علاء لم ينظر فيه حتى الآن.

أناقة الصور التي ترسمها المسلسلات للسجون، تحزّ في قلوب المساجين سابقاً، إذ يبقى اسمها “سجناً”، بخاصة لهؤلاء الذين لم يرتكبوا جريمة تستدعي حبسهم، ويزيد من بؤسهم أن تكون إجراءات السجن متروكة لهوى القائمين عليه، أو مدى رضا السلطات عنهم.

15.01.2025
زمن القراءة: 8 minutes

أناقة الصور التي ترسمها المسلسلات للسجون، تحزّ في قلوب المساجين سابقاً، إذ يبقى اسمها “سجناً”، بخاصة لهؤلاء الذين لم يرتكبوا جريمة تستدعي حبسهم، ويزيد من بؤسهم أن تكون إجراءات السجن متروكة لهوى القائمين عليه، أو مدى رضا السلطات عنهم.

لم يتمالك مصطفى عادل – اسم مستعار- نفسه حين قادته خوارزميات “فيسبوك” لمشاهدة إحدى لقطات مسلسل “بابا المجال”، الذي بثّ في الموسم الرمضاني 2023، فما إن تابع المشهد، حتى غرق في الضحك مما رآه!

يظهر في المشهد مساجين في مزرعة السجن، أحدهما يطلب من الآخر أن يكتب له رسالةً لمأمور السجن يطلب فيها عدم الإفراج عنه في الموعد المحدد له، حتى يتمكن من تغيير صمام بالقلب مرة ثانية، في إشارة إلى أن السجن أجرى له عملية سابقة، مشيراً إلى أنه أصبح ينفق على منزله من عمله في مزرعة السجن!

هذا المشهد الذي لم يعشه مصطفى خلال فترة سجنه حتى بعد تشخيص إصابته بـ”حصوات الكلى”، إذ ظل يعاني على أثرها لشهور، وكلما نُقل إلى مستشفى السجن لا يزيد الدواء عن مسكّن، قبل أن يشمله عفو رئاسي ويُفرج عنه، ليتمكن لاحقاً من العلاج على نفقة أسرته.

مسلسل “بابا المجال” من إنتاج شركة الباتروس للإنتاج الفني، وعلى رغم أن المسلسل ليس من إنتاج الشركة المتحدة المملوكة للدولة، إلا أن بروتوكول تعاون يربط بين الشركتين وُقِّّع في 2021.

يقول مصطفى: “كنت أشعر أنني أشاهد فيلم خيال علمي، فكل مشاهد السجن توحي بأن السجون في مصر أصبحت جنة، فالزنازين واسعة ونظيفة، ولا يوجد تكدس للمساجين، الذين يعاملون بطريقة جيدة، ويتلقون العلاج، وهذا كله لم أشهده أنا خلال فترة سجني الممتدة لأكثر 3 سنوات، وما أثار حنقي أكثر هو أن المسلسل أذيع قبل أن يتم الإفراج عني”.

ألقي القبض على مصطفى أثناء الحملة الأمنية التي شهدتها مصر عام 2019 بعد دعوة الناشط السياسي المصري محمد علي للتظاهر منتصف أيلول/ سبتمبر، وأُفرج عنه منتصف 2023. خلال فترة سجنه، عانى مصطفى من سوء المعاملة، والمنع من الزيارة، والإهمال الطبي، الممارسات التي يعاني منها المعتقلون السياسيون في مصر في غالبيتهم.

يختم مصطفى حديثه لـ”درج” بقوله: “السجن سجن حتى لو كان في حديقة، بخاصة إذا كنت مسجوناً من دون جريمة كما حال غالبية المعتقلين السياسيين. ولكن ما يعمق أزمتي مع هذه المسلسلات هي محاولة تجميل السجون، والكذب المتعمد، إذ إنه مسموح للجميع بالتريض، وبالتعليم والعلاج، والمعاملة جيدة، بينما ما عشته ينفي ذلك”.

مشروع للدولة

مسلسل “بابا المجال” ليس الوحيد المتهم بتجميل صورة السجون المصرية خلال السنوات الأربع الماضية، إذ أصبحت المسلسلات في غالبيتها تتضمن دعاية مباشرة للنظام ومشروعاته، من بينها افتتاح مراكز التأهيل والإصلاح التي أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي افتتاح أولها في أيلول/ سبتمبر 2021، وهو مجمع وادي النطرون الذي قال السيسي إنه “صمم على الطراز الأميركي”، بوصفه أكبر مجمع سجون في مصر، ضمن خطة من 8 مجمعات للسجون، وذلك بالتزامن مع تعديل قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية.

ضمن المسلسلات التي تضمّنت مشاهد من السجون المصرية خلال السنوات الأخيرة، “سر إلهي” من إنتاج المتحدة، و”رقم سري” و”تيتا زوزو” الذي أفرد 4 حلقات كاملة عن السجون.

كما كان مشهد مذكرة البقاء في السجن في مسلسل “بابا المجال” مقحماً، قام به اثنين من الممثلين الثانويين، ولم يكن له أي داعٍ درامي، ونجد أيضاً مشهدين مقحمين في مسلسل “تيتا زوزو”، أثارا سخرية متابعي وسائل التواصل الإجتماعي.

المشهد الأول يجمع بين بطلة المسلسل وأحد الممثلات، تخبرها فيه أنها استكملت تعليمها من المرحلة الإعدادية إلى حد الحصول على دبلومين يعادلان درجة الماجستير، وأنها بصدد الحصول على درجة الماجستير لتحسين فرصها في الحصول على العفو الرئاسي. والمشهد الثاني للممثلة نفسها مع بطلة المسلسل في انتظار إعلان قائمة العفو، قالت فيه الممثلة إنها تقدمت للحصول على العفو رغم أنها تعلم أنها لن تحصل عليه، لعدم انطباق الشروط عليها، إلا أنها فوجئت باسمها ضمن قائمة العفو.

بعد بثّ هذه المشاهد بأسابيع قليلة، كان المعتقل محمد عادل، المتحدث باسم حركة شباب 6 أبريل، على موعد مع حرمانه من ممارسة حقه الطبيعي في الدراسة بحسب ما نشرته زوجته رفيدة حمدى. عادل محكوم بقضية “نشر أخبار كاذبة”، اعتُقل أثناء وجوده بمركز الشرطة لتنفيذ حكم المراقبة الشرطية المفروضة عليه بعد انتهاء مدة محكوميته بتهمة التظاهر. يُذكر أيضاً أن محمد عادل عقد قرانه على رفيدة حمدى عبر توكيل أثناء وجوده في السجن، لتستطيع الحصول على حق زيارته.

تقول رفيدة إن محمد قرر دراسة دبلوم في القانون العام بجامعة المنصورة، وبالفعل تم تسجيله في الجامعة، لكن إدارتها رفضت استلام ما يفيد بانعقاد الامتحان، كما رفضت دخول لجنة الامتحانات المتنقلة من الجامعة لعقد امتحان المادة الأولى، ما دفع محمد الى الإضراب عن أداء التمام، وهو إجراء يومي داخل السجن، وعن الطعام أيضاً.

 تكرر الأمر مع امتحان المادة الثانية، ما دفع محمد الى الإضراب عن شرب المياه، كما دعا الجامعة الى إلغاء قيده ضمن طلاب الدبلوم،  فيما مُنعت زوجته من زيارته، قبل أن تقوم إدارة السجن بتغريب محمد – إجراء عقابي يعني نقل السجين من السجن- ونقله إلى سجن العاشر من رمضان، كنوع من العقاب لأسرته نظراً الى بعد السجن عن مقر إقامتها في محافظة الدقهلية التي يوجد بها السجن السابق، وهو سجن جمصة، ولا تعرف رفيدة أي شيء عن وضع محمد الذي تقدمت إدارة سجن جمصة ببلاغ ضده بتهمة سبّهم.

المنع من التعليم ليس التعنت الوحيد الذي مارسته السلطة ضد محمد، ففي تقرير سابق نُشر في “درج”، كشفت رفيدة عن منع الرعاية الصحية عن محمد، مشيرة إلى أنه يعاني من ظروف غير إنسانية في محبسه، فهو ممنوع من الرعاية الصحية، ويعاني من خلع في الكتف جراء مشادة مع زملائه في الزنزانة، التي طلب نقله منها مراراً. وعلى رغم إصابته الشديدة التي تمنعه من تحريك ذراعه الأيمن، إلا أنه نقل إلى مستشفى السجن لمدة يومين من دون تنفيذ أي إجراء من شأنه علاج الإصابة، ثم أعيد إلى الزنزانة نفسها، بالإضافة إلى التهاب الأعصاب الطرفية، وآلام في الصدر لم يتم تشخيصها لأنه لم يُعرض على أي طبيب حتى الآن. كما تم تهديده بنقله إلى الحبس الانفرادي أو الى سجن آخر ذي ظروف احتجاز أقسى بسبب مطالبته بتحسين وضعه في سجن جمصة.

طبقات “الرفاهية” في السجون المصريّة

قبل 4 أعوام أفرج عن حسام أحمد – اسم مستعار- في قضية لها علاقة بما يعرف بتظاهرات الأرض، وهي التظاهرات الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي بموجبها نُقلت تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة.

عانى حسام أثناء فترة سجنه من ظروف غير إنسانية، من التكدس داخل السجن، الى سوء المعاملة، وصولاً الى منع الأغطية والملابس، الأمر الذي تسبّب في وفاة معتقل قبل 5 سنوات في سجن العقرب شديد الحراسة، وهو أحد السجون التي أُغلقت بعد نقل جميع السجناء إلى مراكز التأهيل التي تم افتتاحها.

هذه المعاملة اختلفت كلياً بعد اعتقاله مرة أخرى في التظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية بعد اندلاع حرب غزة، قبل أن يُفرج عنه هو وزملائه بكفالة مالية على ذمة القضية. وخلال فترة سجنه الأخيرة، تم إيداعه بسجن العاشر من رمضان حيث كانت فترة اعتقاله القصيرة أكثر راحة، لأن السجن بحسب حسام مجهز بصورة أكبر، كما أن القائمين عليه كانوا أكثر انسانية.

لا يعرف حسام ما إذا كانت هذه المعاملة هي السائدة داخل السجن، أو أن وزارة الداخلية قصدت تصدير هذه الصورة له ولزملائه لينقلها الى الخارج، لا سيما وأن فترة اعتقاله كانت قصيرة نسبياً. فيما يعاني المعتقلون في سجون أخرى، منها مجمع تأهيل بدر، من ظروف غير انسانية، وهو ما كشفه الناشط أحمد دومة في سلسلة من المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحت وسم  # شبر_ وقبضة.

يختم حسام حديثه مع “درج” قائلاً: “نحن لا نريد تجميل السجون ولا تجميل أسمائها من سجون لمراكز تأهيل. نحن نريد إنهاء الظلم وخروج معتقلي الرأي والصحافيين والسياسيين لأنهم ليسوا مجرمين”.

سلخانة بدر 

في كانون الأول/ ديسمبر 2021، افتتحت وزارة الداخلية المصرية المجمع الأمني بدر، بمساحة 85 فداناً، وضمنه افتُتح مركز التأهيل والإصلاح بدر. وبحسب المنشور عنه، فإنه يضم 3 مراكز فرعية للنزلاء الذين يمضون مدداً قصيرة أو لا تسمح لهم ظروف بالعمل في المواقع الإنتاجية التابعة لمراكز الإصلاح، حيث يتم التركيز على تأهيلهم مهنيّاً فى المجالات المختلفة وصقل هواياتهم المتعلقة بالأعمال اليدوية وتسويقها لصالحهم، إضافة الى مجمع طبي وعيادات ومركز لصحة المرأة، ومجمع محاكم.

الوجه الثاني لمركز تأهيل بدر كشفه الناشط السياسي والمعتقل السابق أحمد دومة في سلسلة منشورات على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ضمن سلسلة تحت وسم #شبر_وقبضة، يروي فيها مواقف عدة عاشها داخل السجن، كان من بينها حرمانه والمعتقلين السياسين كافة المصنفين بـ عناصر، من المنع من التريض ومنهم رئيس حزب مصر القوية د.عبد المنعم أبو الفتوح، وجميع قيادات جماعة الإخوان، وكذلك رجل الأعمال المفرج عنه صفوان ثابت وابنه، إذ كان يوضع كل شخص في زنزانة، وتُترك بين كل معتقل وآخر زنزانة فارغة ليمنع التواصل بينهما.

كشف دومة في منشوراته عما شهده مجمع بدر من عملية تعذيب المعتقلين بالبرد، إذ يروي أن شتاء 2023 شهد منعاً للملابس والأغطية الصوفية كافة، ومصادرتها من الزنازين. فحاول دومة وغيره من المعتقلين الحصول على سعرات عالية من المأكولات، وطلب من ذويه إحضارها في الزيارة، إلا أن الضابط المسؤول قلل كميات الأكل المسموح بها في الزيارة، وكذلك منع المأكولات ذات السعرات العالية.

يروي دومة أن أحد المعتقلين الذين عانوا من البرد كان رجل الأعمال صفوان ثابت، إذ صودرت وسائل التدفئة كافة، وإغلاق السخان لعدم إمداد الزنازين بالمياه الساخنة، فاستطاع دومة تهريب كرتونتين فارغتين وبطانية له، تمت مصادرتها بعد ذلك، ومنع استلام أي كرتونة مياه لدومة، وإعطاؤه فقط المياه في أكياس أو زجاجات مفردة عقاباً له على مساعدة ثابت، كما نُقل ابنه سيف من زنزانة قريبة من دومة عقاباً له على الحديث معه، وأصبح التواصل بين صفوان وابنه عبر رسائل تستغرق يومين أو ثلاثة أيام.

“التدوير” المنع من الزيارة 

في المسلسلات، تبقى أماكن الزيارة راقية جميلة، لكن إسراء شهاب وأسرتها لم يتسنَّ لهم الجلوس في هذه الأماكن بعد منع والدها د.السيد حسن شهاب من الزيارة منذ 7 سنوات كاملة، بعد تدويره في قضيتين بعد حصوله على براءة في القضية الأولى التي اعتقل بموجبها، ليكمل عامه الـ 11 داخل السجن بحسب منشور إسراء على صفحتها بموقع “فيسبوك”.

والد إسراء ليس الحالة الوحيدة، فأخيراً تم تدوير د.عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق الذي يمضي فترة محكومية 15 عاماً تنتهي في 2033 بتهم تتعلق نشر أخبار كاذبة، ويُتهم في القضية الجديدة بقيادة جماعة إرهابية، وعقد اجتماعات من محبسه، فيما يعاني من مشكلات صحية تستدعي عفواً صحياً نتيجة إصابته بأزمات قلبية داخل السجن، لا سيما وأنه في العقد الثامن من عمره.

الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، على رغم انتهاء فترة محكوميته في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلا أن السلطات المصرية قررت عدم احتساب مدة حبسه الاحتياطي، أو حتى المدة قبل التصديق على الحكم، وهو ما يعني استمرار حبسه حتى عام 2027، ما دفع والدته د.ليلى سويف الى الإضراب عن الطعام منذ أكثر من مائة يوم. ورغم مشهد العفو في مسلسل “تيتا زوزو” إلا أن طلب العفو الذي تقدمت به شقيقات علاء لم ينظر فيه حتى الآن.

أناقة الصور التي ترسمها المسلسلات للسجون، تحزّ في قلوب المساجين سابقاً، إذ يبقى اسمها “سجناً”، بخاصة لهؤلاء الذين لم يرتكبوا جريمة تستدعي حبسهم، ويزيد من بؤسهم أن تكون إجراءات السجن متروكة لهوى القائمين عليه، أو مدى رضا السلطات عنهم.

15.01.2025
زمن القراءة: 8 minutes
|
آخر القصص
“دمقرطة” صناعة الأبطال
ديانا عيتاوي - مدوّنة في التواصل والتصميم | 31.01.2025
المواجهة مع منطق “البعث” في لبنان يجب أن تستمر 
كريم صفي الدين وعزت زهر الدين | 30.01.2025

اشترك بنشرتنا البريدية