fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“السخرة الحديثة” في مصر… ليس بالعمل وحده يحيا الإنسان يا محمد فاروق!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الانتقادات التي طاولت رجل الأعمال المصري محمد فاروق، اشتدت حين تحدث عن عدم جدوى الحياة من دون عمل لـ 12 ساعة يومياً، 6 أيام في الأسبوع، وأن التوازن بين الحياة والعمل الذي يبحث عنه البعض سيكون سبباً في مزيد من الفشل !.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نقرأ في كتاب “السخرة في حفر قناة السويس” للباحث الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي، أن “استخدام العمال الأوروبيين أول الأمر في شركة قناة السويس بعد تأسيسها، ضرب من المستحيل، الأجور التي يتقاضاها العمال الأوروبيين في سبيل الاغتراب والعمل في الصحراء، أجور عالية ترهق ميزانية الشركة المتواضعة وقت التأسيس، كما أن أجورهم كانت هائلة مقارنة بأجور العمال المصريين وإنتاجيتهم التي كانت تتفوّق أيضاً على إنتاجية العمال الأوروبيين”. 

يضيف الشناوي، “يمتاز العمال المصريون بالجلد والقدرة على تحمّل العمل في درجات الحرارة المرتفعة، وبينما نجد في المصريين القدرة على الأعمال الشاقة والتقشف، والقناعة، نجد العمال الأوروبيين أكثر ميلاً إلى الملذات والخمور والتهديد المستمر بالإضراب عن العمل لرفع أجورهم. في الوقت ذاته، كان العمال المصريون يرفضون المشاركة في الإضرابات ولا يعترضون على أجورهم وإن قلّت”.

صفات العامل المصري ومعاناته نقرأ عنها أيضاً في ديوان “جوابات حراجي القط” الذي “وثّق” فيه الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي، معاناة عمال السد العالي التي لم يسلط أحد عليها الضوء، وقد ارتفع صوت الأغاني فوق صوت انهيارات الجبل على العمال، ودونت آلاف المقالات والكتب عن معجزة جمال عبد الناصر، ولم يعرف أحد كيف مرت السنوات على هؤلاء الذين سيقوا من ديارهم مقابل 30 قرشاً يومياً وموت مجاني. 

نقرأ في الديوان: “وفي الراديو يا فاطنة يقولوا بنينا السد… لكن ما حد قال بناه مين؟ ولا كيف قاعدين، ولا نايمين ولا قايمين؟”، كما يشير الى رحلة تحول “رجال جدعان زي عيدان الزان، إلى عود درة وحداني في غيط كمون”.  

يحضر ما سبق في كلام رجل الأعمال المصري محمد فاروق في مقابلة تعود الى شهر أيلول/ سبتمبر 2024، إذ قال :”يعني work life balance والكلام الدلع ده، أنا شايف إن ده غلط تام، وإن كل الدول اللي عملت ده كلها راحت في ستين داهية، في الصين بيشتغلوا من تسعة لتسعة، 6 أيام في الأسبوع، عايزة تنجحي لازم تشتغلي، لكن هتقعدي تقولي وورك لايف بالنس ربنا معاكي”.

 ويضيف: “فتحت مصنع في ألمانيا واكتشفت إن العامل هناك مش سهل، هنا في مصر بنقدر نجيب العامل يوم الجمعة والسبت، وهناك لو جبته في الأجازة يعملك مصيبة”.

إعادة إنتاج السخرة لحساب المستثمرين 

محمد فاروق، أو حمادة، ورث شركة للأثاث من والده، واستطاع في غضون سنوات قليلة أن يحضر في قائمة أغنى المستثمرين في مصر، بخاصة بعد دخوله مجال التعليم الذكي، وتأسيس شركة تعليمية تعتبر الأولى في تعليم البرمجة في مصر، بالإضافة إلى مجموعة المدارس البريطانية والأميركية التي يملكها. وحديثاً، صار نجماً تلفزيونياً بعد مشاركته كمستثمر داعم  في النسخة المصرية من برنامج Shark Tank. بدأ نجم محمد فاروق في السطوع عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، واستضافه الكثير من برامج البودكاست ليروي قصته مع “النجاح”، وما ورثه من والده.

 بصورة مغايرة للصورة المعتادة لرجال الأعمال في مصر، ظهر حمادة بستايلات عالمية، تحمل توقيع أفخم دور الأزياء في العالم، حتى وإن لم تتماشَ مع الذوق المصري المعتاد، أو الصورة النمطية السائدة لرجل الأعمال في مصر. لم يلقَ فاروق بالاً للاعتراضات الساخرة من اهتمامه المبالغ بمظهره.

الانتقادات التي طاولت حمادة، اتخذت منحى آخر حين تحدث صاحب شركة الأثاث الشهيرة، عن عدم جدوى الحياة من دون عمل لـ 12 ساعة يومياً، 6 أيام في الأسبوع، وأن التوازن بين الحياة والعمل الذي يبحث عنه البعض سيكون سبباً في مزيد من الفشل. لكن من خلال تصريحه المذكور أعلاه، أعاد فاروق إنتاج مفهوم “السخرة”، بطريقة تظهر وكأنها مدح للعامل المصري، لكن في حقيقة الأمر هي ترسّخ لـ”عبودية جديدة”. 

ماذا يعني أن تكون حياتك بلا Work Life Balance

في عام 2012، بدأت عملي كصحافية في إحدى الصحف المصرية الكبرى، التي كانت وليدة العام ذاته، لكنها في ظل مناخ الحريات السائد إبان ثورة كانون الثاني/ يناير، استطاعت الصحيفة تحقيق انتشار واسع منذ صدورها الأول. حينها، كان زخم الأحداث في مصر يجعل العمل الصحافي لا ينتهي، دوريات عمل لا تنقطع، وساعات من العصف الذهني لا تتوقف، ومديرة تصرخ كل ساعة من أجل الأفكار والموضوعات، والعمل الذي لا وجود لشيء آخر معه، كان علينا تسليم 3 موضوعات يومياً، بالإضافة إلى ما يستجد من أحداث ومتابعات وملفات. عملت وسبعة آخرين في ذلك الوقت مع المديرة نفسها، ورحلنا جميعاً وبقيت هي. 

يظل الصراخ اليومي في صالة التحرير، هو الذكرى الباقية من سنوات العمل تحت رئاسة هذه “الحمادة فاروق”، كلما اجتمعت مع أصدقاء عمل تلك الفترة، نتندر على ما تحمّلناه لسنوات، كي نحصل على عضوية نقابة الصحافيين المصريين، التي لا تمنحك شرف عضويتها إلا بعد أن تمضي سنوات من “العبودية “في بلاط صاحبة الجلالة. 

“أنا مش بشوف ولادي عشان آجي الشغل وأحقق اللي بحققه هنا”، “أنا جيت الجورنال اشتغل يوم فرحي، ونزلت أولد ابني من الجورنال للمستشفى، وبعد 10 أيام رجعت شغلي”، كانت هذه دواعي فخر المديرة السابقة التي تحثنا بها على عمل لا ينتهي، وبراتب لا يسمح بأي رفاهية، تجعلنا أكثر قدرة على تحمّل أعباء لا يطيقها أحد.

 أتذكر في ذلك الحين، أنني توقفت عن طهي الطعام الصحي لأبنائي، وأن زوجي كان يتنمّر علي في الجلسات العائلية، بأنني لا أطبخ سوى “المكرونة والبانيه”، لأنها الوجبة الأسرع والأسهل لإمرأة تعمل من العاشرة إلى الخامسة، ثم تأتي في سباق مع الزمن لإنهاء مذاكرة الأبناء، وإنهاء المهام المنزلية، ومتابعة الأحداث لتجهيز أفكار اليوم التالي، ثم النوم لساعات قليلة تتخلّلها كوابيس العمل والصراخ. 

كان من الطبيعي أن يتم استدعاؤك يوم إجازتك، أو أن تقوم بعمل إضافي من المنزل بعد ساعات العمل. الصحافي الحقيقي لا يعرف الإجازة، ولا بد أن يكون متاحاً على مدار الساعة، سلامتنا الشخصية مهمة بالقطع حسب ما تخبرنا به “فاروق” الصحافة، في كل مرة نذهب فيها لتغطية التظاهرات والاعتصامات، لكن إذا تعارضت  السلامة الشخصية مع التغطية، فالأولوية للتغطية بالطبع. 

شكّلت الضغوط النفسية التي كنت أواجهها في العمل يومياً، كتلة من الغضب المكتوم، مستعدة للانطلاق في أي وقت وبأي طريقة، لم يكن هناك متلقٍّ لذلك الغضب سوى أبنائي، أتذكر الآن ذلك الصراخ الذي كنت أصرخه في وجوههم حينها، لأتفه الأسباب، وتُعيد إلي صفعة أحاديث رجل الأعمال، تلك الصفعة التي نالها مني طفلي الصغير ذات يوم، لأقرر بعدها أن ذلك كله لا بد أن ينتهي الآن.

تركت العمل في الجريدة الكبرى عام 2015، بقرار اتخذته ذات صباح ولم أتراجع عنه، حتى وإن كنت لا أملك بديلاً في ذلك الحين، ولعامين متتاليين خضت رحلة من العلاج النفسي، كي أتخلص من الأثر النفسي لذلك العمل الذي جعل أمنيتي الوحيدة، ألا أكون في يوم من الأيام “حمادة فاروق”. 

الصين التي لا يعرفها فاروق!

فيما يرى حمادة فاروق الصين كنموذج يُحتذى في تطبيق نظام ساعات العمل 996، أوشك هذا النظام على الانتهاء في الدولة الأولى في مجالات الاستثمار،  بعد مطالبات عمالية شديدة بإلغائه، بعدما أثبتت الدراسات أن هذا النظام قد تسبب في زيادة معدلات الانتحار في أوساط الشباب الصيني، وأن الشركات الاستثمارية الكبرى في الصين قد أقرت نظام 1075، أي العمل من 10 صباحاً حتى 7 مساء، لـ5 أيام في الأسبوع، وأن على العامل الذي يريد أن يمضي ساعات إضافية في العمل، أن يتقدم بطلب مكتوب إلى رئيسه في العمل، وأن دخل ذلك الرئيس يتأثر بالسلب بشكل كبير إذا زادت نسب طلبات العمل لساعات إضافية. 

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
17.12.2024
زمن القراءة: 5 minutes

الانتقادات التي طاولت رجل الأعمال المصري محمد فاروق، اشتدت حين تحدث عن عدم جدوى الحياة من دون عمل لـ 12 ساعة يومياً، 6 أيام في الأسبوع، وأن التوازن بين الحياة والعمل الذي يبحث عنه البعض سيكون سبباً في مزيد من الفشل !.

نقرأ في كتاب “السخرة في حفر قناة السويس” للباحث الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي، أن “استخدام العمال الأوروبيين أول الأمر في شركة قناة السويس بعد تأسيسها، ضرب من المستحيل، الأجور التي يتقاضاها العمال الأوروبيين في سبيل الاغتراب والعمل في الصحراء، أجور عالية ترهق ميزانية الشركة المتواضعة وقت التأسيس، كما أن أجورهم كانت هائلة مقارنة بأجور العمال المصريين وإنتاجيتهم التي كانت تتفوّق أيضاً على إنتاجية العمال الأوروبيين”. 

يضيف الشناوي، “يمتاز العمال المصريون بالجلد والقدرة على تحمّل العمل في درجات الحرارة المرتفعة، وبينما نجد في المصريين القدرة على الأعمال الشاقة والتقشف، والقناعة، نجد العمال الأوروبيين أكثر ميلاً إلى الملذات والخمور والتهديد المستمر بالإضراب عن العمل لرفع أجورهم. في الوقت ذاته، كان العمال المصريون يرفضون المشاركة في الإضرابات ولا يعترضون على أجورهم وإن قلّت”.

صفات العامل المصري ومعاناته نقرأ عنها أيضاً في ديوان “جوابات حراجي القط” الذي “وثّق” فيه الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي، معاناة عمال السد العالي التي لم يسلط أحد عليها الضوء، وقد ارتفع صوت الأغاني فوق صوت انهيارات الجبل على العمال، ودونت آلاف المقالات والكتب عن معجزة جمال عبد الناصر، ولم يعرف أحد كيف مرت السنوات على هؤلاء الذين سيقوا من ديارهم مقابل 30 قرشاً يومياً وموت مجاني. 

نقرأ في الديوان: “وفي الراديو يا فاطنة يقولوا بنينا السد… لكن ما حد قال بناه مين؟ ولا كيف قاعدين، ولا نايمين ولا قايمين؟”، كما يشير الى رحلة تحول “رجال جدعان زي عيدان الزان، إلى عود درة وحداني في غيط كمون”.  

يحضر ما سبق في كلام رجل الأعمال المصري محمد فاروق في مقابلة تعود الى شهر أيلول/ سبتمبر 2024، إذ قال :”يعني work life balance والكلام الدلع ده، أنا شايف إن ده غلط تام، وإن كل الدول اللي عملت ده كلها راحت في ستين داهية، في الصين بيشتغلوا من تسعة لتسعة، 6 أيام في الأسبوع، عايزة تنجحي لازم تشتغلي، لكن هتقعدي تقولي وورك لايف بالنس ربنا معاكي”.

 ويضيف: “فتحت مصنع في ألمانيا واكتشفت إن العامل هناك مش سهل، هنا في مصر بنقدر نجيب العامل يوم الجمعة والسبت، وهناك لو جبته في الأجازة يعملك مصيبة”.

إعادة إنتاج السخرة لحساب المستثمرين 

محمد فاروق، أو حمادة، ورث شركة للأثاث من والده، واستطاع في غضون سنوات قليلة أن يحضر في قائمة أغنى المستثمرين في مصر، بخاصة بعد دخوله مجال التعليم الذكي، وتأسيس شركة تعليمية تعتبر الأولى في تعليم البرمجة في مصر، بالإضافة إلى مجموعة المدارس البريطانية والأميركية التي يملكها. وحديثاً، صار نجماً تلفزيونياً بعد مشاركته كمستثمر داعم  في النسخة المصرية من برنامج Shark Tank. بدأ نجم محمد فاروق في السطوع عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، واستضافه الكثير من برامج البودكاست ليروي قصته مع “النجاح”، وما ورثه من والده.

 بصورة مغايرة للصورة المعتادة لرجال الأعمال في مصر، ظهر حمادة بستايلات عالمية، تحمل توقيع أفخم دور الأزياء في العالم، حتى وإن لم تتماشَ مع الذوق المصري المعتاد، أو الصورة النمطية السائدة لرجل الأعمال في مصر. لم يلقَ فاروق بالاً للاعتراضات الساخرة من اهتمامه المبالغ بمظهره.

الانتقادات التي طاولت حمادة، اتخذت منحى آخر حين تحدث صاحب شركة الأثاث الشهيرة، عن عدم جدوى الحياة من دون عمل لـ 12 ساعة يومياً، 6 أيام في الأسبوع، وأن التوازن بين الحياة والعمل الذي يبحث عنه البعض سيكون سبباً في مزيد من الفشل. لكن من خلال تصريحه المذكور أعلاه، أعاد فاروق إنتاج مفهوم “السخرة”، بطريقة تظهر وكأنها مدح للعامل المصري، لكن في حقيقة الأمر هي ترسّخ لـ”عبودية جديدة”. 

ماذا يعني أن تكون حياتك بلا Work Life Balance

في عام 2012، بدأت عملي كصحافية في إحدى الصحف المصرية الكبرى، التي كانت وليدة العام ذاته، لكنها في ظل مناخ الحريات السائد إبان ثورة كانون الثاني/ يناير، استطاعت الصحيفة تحقيق انتشار واسع منذ صدورها الأول. حينها، كان زخم الأحداث في مصر يجعل العمل الصحافي لا ينتهي، دوريات عمل لا تنقطع، وساعات من العصف الذهني لا تتوقف، ومديرة تصرخ كل ساعة من أجل الأفكار والموضوعات، والعمل الذي لا وجود لشيء آخر معه، كان علينا تسليم 3 موضوعات يومياً، بالإضافة إلى ما يستجد من أحداث ومتابعات وملفات. عملت وسبعة آخرين في ذلك الوقت مع المديرة نفسها، ورحلنا جميعاً وبقيت هي. 

يظل الصراخ اليومي في صالة التحرير، هو الذكرى الباقية من سنوات العمل تحت رئاسة هذه “الحمادة فاروق”، كلما اجتمعت مع أصدقاء عمل تلك الفترة، نتندر على ما تحمّلناه لسنوات، كي نحصل على عضوية نقابة الصحافيين المصريين، التي لا تمنحك شرف عضويتها إلا بعد أن تمضي سنوات من “العبودية “في بلاط صاحبة الجلالة. 

“أنا مش بشوف ولادي عشان آجي الشغل وأحقق اللي بحققه هنا”، “أنا جيت الجورنال اشتغل يوم فرحي، ونزلت أولد ابني من الجورنال للمستشفى، وبعد 10 أيام رجعت شغلي”، كانت هذه دواعي فخر المديرة السابقة التي تحثنا بها على عمل لا ينتهي، وبراتب لا يسمح بأي رفاهية، تجعلنا أكثر قدرة على تحمّل أعباء لا يطيقها أحد.

 أتذكر في ذلك الحين، أنني توقفت عن طهي الطعام الصحي لأبنائي، وأن زوجي كان يتنمّر علي في الجلسات العائلية، بأنني لا أطبخ سوى “المكرونة والبانيه”، لأنها الوجبة الأسرع والأسهل لإمرأة تعمل من العاشرة إلى الخامسة، ثم تأتي في سباق مع الزمن لإنهاء مذاكرة الأبناء، وإنهاء المهام المنزلية، ومتابعة الأحداث لتجهيز أفكار اليوم التالي، ثم النوم لساعات قليلة تتخلّلها كوابيس العمل والصراخ. 

كان من الطبيعي أن يتم استدعاؤك يوم إجازتك، أو أن تقوم بعمل إضافي من المنزل بعد ساعات العمل. الصحافي الحقيقي لا يعرف الإجازة، ولا بد أن يكون متاحاً على مدار الساعة، سلامتنا الشخصية مهمة بالقطع حسب ما تخبرنا به “فاروق” الصحافة، في كل مرة نذهب فيها لتغطية التظاهرات والاعتصامات، لكن إذا تعارضت  السلامة الشخصية مع التغطية، فالأولوية للتغطية بالطبع. 

شكّلت الضغوط النفسية التي كنت أواجهها في العمل يومياً، كتلة من الغضب المكتوم، مستعدة للانطلاق في أي وقت وبأي طريقة، لم يكن هناك متلقٍّ لذلك الغضب سوى أبنائي، أتذكر الآن ذلك الصراخ الذي كنت أصرخه في وجوههم حينها، لأتفه الأسباب، وتُعيد إلي صفعة أحاديث رجل الأعمال، تلك الصفعة التي نالها مني طفلي الصغير ذات يوم، لأقرر بعدها أن ذلك كله لا بد أن ينتهي الآن.

تركت العمل في الجريدة الكبرى عام 2015، بقرار اتخذته ذات صباح ولم أتراجع عنه، حتى وإن كنت لا أملك بديلاً في ذلك الحين، ولعامين متتاليين خضت رحلة من العلاج النفسي، كي أتخلص من الأثر النفسي لذلك العمل الذي جعل أمنيتي الوحيدة، ألا أكون في يوم من الأيام “حمادة فاروق”. 

الصين التي لا يعرفها فاروق!

فيما يرى حمادة فاروق الصين كنموذج يُحتذى في تطبيق نظام ساعات العمل 996، أوشك هذا النظام على الانتهاء في الدولة الأولى في مجالات الاستثمار،  بعد مطالبات عمالية شديدة بإلغائه، بعدما أثبتت الدراسات أن هذا النظام قد تسبب في زيادة معدلات الانتحار في أوساط الشباب الصيني، وأن الشركات الاستثمارية الكبرى في الصين قد أقرت نظام 1075، أي العمل من 10 صباحاً حتى 7 مساء، لـ5 أيام في الأسبوع، وأن على العامل الذي يريد أن يمضي ساعات إضافية في العمل، أن يتقدم بطلب مكتوب إلى رئيسه في العمل، وأن دخل ذلك الرئيس يتأثر بالسلب بشكل كبير إذا زادت نسب طلبات العمل لساعات إضافية. 

17.12.2024
زمن القراءة: 5 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية