على صفحة “سعوديات معتقلات” على “تويتر” تظهر صور وحكايات لناشطات وحقوقيات سعوديات لا يرد ذكرهن أبداً في الإعلام السعودي الرسمي إلا بوصفهن “خائنات”. لكن على هذه الصفحة يجد الزائر صوراً وحكايات وتقارير حقوقية دولية لشريحة واسعة تقبع خلف القضبان.
من بين الصور التي تطالعك، صورة للناشطة السعودية سمر بدوي تحمل فيها طفلتها جود قبل نحو 5 سنوات. سمر في السجن منذ عام 2018 بسبب نشاطها الحقوقي ودفاعها عن حقوق النساء، كما أن زوجها وليد أبو الخير مسجون منذ عام 2015 بسبب نشاطه الحقوقي أيضاً، وقد أصدرت السلطات السعودية حكماً بسجنه 15 عاماً بسبب نشاطه السياسي المعارض.
“جود ابنة تعيش محرومة من والديها! لأنهما اختارا الدفاع عنا، عن وطننا، عن شعبنا! سمر تعرضت لتعذيب شديد لا سبب له إلا الحقد الشخصي، الكره من القلوب المريضة، لأنها رفضت أن تصمت مع من صمتوا…”.
هذه العبارات كتبها يحيى عسيري وهو حقوقي سعودي معارض ومؤسس حزب “التجمع الوطني”. وحكاية الطفلة جود واحدة من مآسي ذوي المعتقلات والمعتقلين بتهم المطالبة بالعدالة والحقوق.
وقد تكون الناشطة المعتقلة لجين الهذلول هي الأشهر من بين المعتقلات والسجناء وقد حصلت أخيراً على جائزة ماغنيتسكي لحقوق الإنسان. لجين المضربة عن الطعام منذ 27 تشرين الأول/ أكتوبر، تعرضت أيضاً لتعذيب أكّدته شهادات ذويها وهي لا تزال ممنوعة من التواصل مع عائلتها.
السعودية التي تخوض بقوة حقل العلاقات العامة لتلميع صورتها في ظلّ انتهاكات صارخة حقوقياً، تحاول استغلال أي مناسبة لتلميع صورة النظام، وفي هذا السبيل أنفقت مليارات الدولارات لاستضافة أحداث ترفيهية وثقافية ورياضية وفنية كبرى، كاستراتيجية لتغيير صورة النظام كمنتهك للحقوق والحريات. ويحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تلميع صورته التي تهشمت بفعل سلسلة الاعتقالات والإعدام الوحشي للصحافي جمال خاشقجي. عمد بن سلمان إلى إعلان سلسلة قرارات تخفف من القيود على الحرية الشخصية وتكبح جماح رجال الدين وهيئة الأمر بالمعروف وتخفف القيود عن النساء من دون أن يقترن ذلك مع حريات سياسية او حرية تعبير.
أحدث نشاطات الأجندة السعودية الهادفة إلى تعويم النظام، كان تنظيم قمة مجموعة العشرين الخامس عشر لعام 2020 في الرياض برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز في يومي 21 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، والذي سيُعقد افتراضياً بسبب إجراءات وباء “كورونا” الاحترازية.
ستتولى السعودية توجيه أعمال مجموعة العشرين تحت عنوان “اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع”، وستتركّز المحاور الرئيسة الثلاثة على “حماية الكوكب”، من خلال تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية، و”تشكيل حدود جديدة”، “من خلال تبني استراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي”. وأخيراً، “تمكين الناس”، من خلال تهيئة الظروف التي يتمكن فيها الجميع، “خصوصاً النساء والشباب”، من العيش والعمل وتحقيق الازدهار، وفق ما ورد في برنامج القمة.
منحت دول مجموعة العشرين السعودية رئاسة المجموعة لهذا العام،
على رغم انتهاك السلطات السعودية الحريات وحقوق الإنسان.
ومجموعة العشرين، أو G20، هو منتدى تأسس عام 1999 عقب الأزمات المالية في التسعينات، ويمثل ثلثي التجارة وعدد السكان في العالم، كما يمثل أكثر من 90 في المئة من الناتج العالمي الخام. ودخول السعودية، كدولةٍ عربية وحيدة في المنتدى، عائد أساساً إلى أهميتها الاقتصادية كقوة فعالة في سوق الطاقة العالمي، وكونها تملك أكبر احتياط نفط في العالم.
إذاً، منحت دول مجموعة العشرين السعودية رئاسة المجموعة لهذا العام، على رغم انتهاك السلطات السعودية الحريات وحقوق الإنسان، بما في ذلك سجن المعارضين والنشطاء الحقوقيين ومضايقتهم، والهجمات غير المشروعة على المدنيين في اليمن، والاستخفاف بالدّعوات الدولية إلى المساءلة عن قتل عملاء الدولة للصحافي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، إذ لم يُحاسب أو يُساءل أي من المسؤولين رفيعي المستوى المتورطين في الجريمة منذ ذلك الحين.
علماً أن السعودية استضافت، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أقوى نساء العالم في مؤتمر النساء، المعروف باسم W20، كجزء من قمة العشرين، الذي يدعم قضايا النساء من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين والنهوض بالتمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة.
لكن المفارقة أن السعوديات والسعوديين المطالبين بحقوق المرأة السعودية البدهية لم يكونوا على طاولة الحوار، بخاصة المُتهمون بتهم غامضة بسبب نشاطهم، بما في ذلك تواصلهم مع منظمات حقوقية دولية، و”مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، ووسائل الإعلام الدولية. وأبرزهن نسيمة السادة، وسمر بدوي، ونوف عبد العزيز، إضافة إلى النشطاء صلاح حيدر، ووليد أبو الخير، وعصام كوشك، ورائف بدوي. هذا عدا عن لجين الهذلول، الناشطة في مجال حقوق المرأة السعودية، لا سيما حقها بقيادة السيارة، والتي كتبت أختها لينا الهذلول مقالاً في صحيفة “واشنطن بوست” البريطانية أخيراً، تحت عنوان، “تقبع شقيقتي في زنزانة سجن سعودي بينما تستضيف الرياض مؤتمر نساء مجموعة العشرين“، مشيرةً إلى أن الهذلول قابعة في زنزانة شديدة الحراسة على بعد 25 ميلاً فقط من الرياض.
تعتقد السعودية أن استضافة المناسبات الكبرى مثل قمة مجموعة العشرين، وما يتبعها من مؤتمرات على الهامش، لا يمنحها صورة دولة قوية وحديثة وقوة اقتصادية عالمية فحسب، بل يصرف الانتباه الدولي عن واقع الانتهاكات الحقوقية التي تحدث على بُعد أميال أيضاً.
السعودية التي تخوض بقوة حقل العلاقات العامة لتلميع صورتها
في ظلّ انتهاكات صارخة حقوقياً،
تحاول استغلال أي مناسبة لتلميع صورة النظام.
إلا أن دولاً كثيرة ومؤسسات وشخصيات حقوقية بارزة لم تتواطأ مع هذه الخرافة. إذ أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بياناً طالبت فيه الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بـ”الضغط على السعودية للإفراج عن جميع المحتجزين بصورة غير قانونية وتوفير المساءلة عن الانتهاكات السابقة قبل انعقاد القمة”. كما قالت “منظمة العفو الدولية” في تقريرٍ لها، “زجّ الناشطات في السجن يجعل قمة التمكين باطلة”. وقد نشرت هيلينا كينيدي، المحامية البريطانية المتخصصة في حقوق الإنسان وعضوة مجلس اللوردات، فيديو تدعو فيه زعماء العالم، إلى مقاطعة القمة الافتراضية لمجموعة العشرين في الرياض ما لم يتم إطلاق سراح ناشطات حقوق المرأة المسجونات.
“غرانت ليبرتي”، وهي منظمة حقوقية متخصصة بالحريات المدنية في السعودية نشرت الاعتقالات بالأرقام، تذكيراً بالجرائم التي ترتكبها السلطات السعودية بحق نشطاء وناشطات، فقالت إن 63 من 68 شخصاً اعتقلوا في أيلول/ سبتمبر عام 2017، بشكل تعسفي لمدة 180 يوماً من دون توضيح سبب الاعتقال، مشيرةً إلى أن 7 منهم يمكن وصفهم بالمختفين قسراً، إذ تم اعتقالهم من دون إخبار عائلاتهم أو حصولهم على مساعدة قانونية أو تحديد مكان الاعتقال. ويعتقد أن 5 منهم تعرضوا للتعذيب، كما حُرم 4 آخرون من العناية الطبية العاجلة، ومُنع 13 غيرهم من التواصل مع عائلاتهم منذ لحظة اعتقالهم، وحُرم 18 من الحصول على الاستشارة القانونية.
وأضافت المنظمة أن 15 منهم اعتقلوا في زنازين انفرادية ولمدد طويلة تخطّت الـ15 يوماً، موضحةً أن حملة الاعتقالات استهدفت أكاديميين ودعاة ورجال دين وقضاة وصحافيين ومدونين وحقوقيين، هذا عدا اعتقال شاعر وممرض ومسؤول حكومي.