ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

السفينة “مادلين” تُبحر ضدّ التيّار وتهدّد السردية الإسرائيلية 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحمل السفينة مادلين على متنها 12 ناشطاً من جنسيّات متعدّدة بينهم الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ وعضو البرلمان الأوروبي ريما حسن، إضافة إلى مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدّات الطبية، ومادلين هي السفينة الـ36 ضمن “تحالف أسطول الحرية”، الذي يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة منذ العام 2007.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أبحرت السفينة “مادلين” في المياه الدولية باتجاه غزّة، والأعين تحدّق بهذه الرحلة، على أمل أن تنجح في كسر الحصار، فهذه ليست رحلة إبحار عادية لقارب في قلب البحر، بل معنى وصوت محتجّ، يحاول أن يكسر -قصدياً- سردية الاحتلال الإسرائيلي بأنه “الضحيّة الدائمة” المحاطة بـ”قوى معادية”، ويبرّر حصاره لغزّة بأنه ضرورة أمنية ضدّ “الإرهاب”.

هذا تماماً ما جعل إسرائيل منذ اللحظة الأولى تحاول تسخيف الرحلة والسخرية منها.  وما إن وصلت السفينة الى المياه القريبة من غزّة حتى سحبتها البحرية الاسرائيلية، ووصمت من عليها بأنهم “مشاهير” وبأن “العرض انتهى”، على نحو ما صرّح مسؤولون إسرائيليون معلنين السيطرة على السفينة.

وعمدت إسرائيل إلى التقليل من شأن المبادرة بالقول إن المساعدات عليها شحيحة، محاولة القفز فوق رمزية الرحلة التي انطلقت من إيطاليا.

 العلم الفلسطيني الذي يرفرف على السفينة، والمبدأ الذي أبحر لأجله النشطاء في مبادرتهم الإنسانية لكسر الحصار، ربما يصبحان أكثر ثقلاً على صدر الإسرائيليين.

فحين تُهاجم سفينة مدنية، غير مسلّحة، تحمل نشطاء حقوقيين وأطباء وأكاديميين، يتغيّر المشهد، لتصبح إسرائيل في موقع المعتدي، لا المدافع، ويُفضَح سلوكها أمام القانون الدولي والرأي العامّ، لكن يبقى السؤال هل تعبأ إسرائيل بالرأي العامّ أصلاً؟

تحمل السفينة مادلين على متنها 12 ناشطاً من جنسيّات متعدّدة بينهم الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ، إضافة إلى مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدّات الطبية، ومادلين هي السفينة الـ36 ضمن “تحالف أسطول الحرية”، الذي يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة منذ العام 2007.

“مادلين” في مرمى الردع البحري

بدأت المسيّرات الإسرائيلية تحلّق فوق رؤوس من هم على متن السفينة، لمحاولة بثّ الخوف في نفوسهم، وربما لتلوّح لهم بالرسائل والمصير الذي ينتظرهم، والذي سبق أن أعلنت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلاً وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أمر الجيش بمنع وصول سفينة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزّة. 

وقال كاتس في بيان “أعطيت تعليمات للجيش باستخدام كلّ الوسائل الممكنة لمنع السفينة (مادلين) من بلوغ غزّة. أقول بوضوح: عودوا أدراجكم لأنكم لن تصلوا إلى غزّة”.

ما يهدّد به وزير الدفاع الإسرائيلي ليس غريباً، فقد سبق أن أعطى تعليمات بالتعامل مع السفينة “الضمير” في 2 أيّار/ مايو الماضي، وهوجمت بطائرة مسيّرة في أثناء محاولتها كسر الحصار مما أدّى إلى ثقب في هيكلها واندلاع حريق في مقدّمتها.

الناشط البرازيلي تياجو أفيلا عضو “تحالف أسطول الحرّية” وأحد النشطاء على السفينة “مادلين” قال: “إن جيش الاحتلال نشر ثلاث وحدات خاصّة وهي: إس ١٣، إس ٦ ، إس ٣، مع طائرات مروحيّة لاعتراض مادلين”، لافتاً إلى أن “هذه الوحدات معروفة بارتكاب جرائم حرب، كما فعلت في الهجوم على سفينة “مرمرة” في عام 2010، حيث قُتل 10 متضامنين”.

أصبحت السفينة “مادلين” في مرمى الردع البحري الإسرائيلي، لأنها اخترقت ثلاثة خطوط حمراء، وهي أنها لم تنسّق مع الاحتلال الإسرائيلي، ولم تمرّ عبر المعابر الرسمية، وأنها أبحرت تحت شعار كسر الحصار. هذه الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل؛ وهي حازمة في أي محاولة لكسرها، وما فعلته “مادلين” يجعل وجودها في المياه الدولية تجاوزاً لا يُحتمل في نظر المؤسّسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.

تزعم إسرائيل أن سفن “أسطول الحرّية” لا تهدف فقط إلى إيصال المساعدات، بل تسعى إلى خلق مواجهات إعلامية، والتأثير على الرأي العامّ العالمي، وتصوير إسرائيل كقوّة احتلال وحصار، وترى أن هذه القوافل ليست إنسانية بالكامل، بل ذات دوافع سياسية، وتشارك فيها منظّمات وأفراد تصفهم بـ”الناشطين المعادين لإسرائيل”، وبناءً على ذلك تسعى إسرائيل إلى تصوير ردّها على هذه القوافل كإجراء سيادي دفاعي، وليس عدواناً.

 لكن حتى وإن هدفت “مادلين” إلى التأثير في الرأي العامّ العالمي، وأظهرت انحيازاً سياسياً إلى جانب الانحياز الإنساني، فهل يوازي هذا جريمة تجويع ٢ مليون شخص في غزّة بالحصار وإبادة عائلات بكاملها؟

قارب الحرّية يهدّد سردية الاحتلال

السفينة “مادلين” وضعت بحراً كاملاً في حالة ارتباك، وهي تبحر باتجاه الرواية الواقعية لا باتجاه الرواية الإسرائيلية والدولية، تحاول بحمولتها الإنسانية، وطاقمها المكوّن من ناشطين مدنيين وأوروبيين تعزيز الرواية المسكوت عنها للفلسطينيين المحاصرين بالتجويع والإبادة.

منذ العام 2007، تبني إسرائيل حول قطاع غزّة جداراً مادياً وسياسياً، ليس فقط على الأرض، بل أيضاً في البحر، و”مادلين” لم تخرق المياه فحسب، بل خرقت المنطق السائد بأن غزّة لا تُزار، ولا تُدعم، ولا يُخترق حصارها إلا بإذن إسرائيلي أو صمت دولي، وكلما اقتربت السفينة، تقلّصت هيبة الحصار، واهتزت سياسات الردع الإسرائيلي.

إسرائيل حاولت حصر غزّة دائماً في صورة الجيب الأمني الخطر، والبقعة التي لا تستحقّ النظر، لكنّ “مادلين”، بحمولتها السياسية والإنسانية والإعلامية، تُعيد غزّة إلى الخريطة الأخلاقية للعالم، كأنها تقول: غزّة ليست وحدها، بل هناك قوافل ضمير قادمة من بعيد، تسمع وترى المجازر ولا تقبل سوى بكسر الحصار.

في سردية إسرائيل، فإن القوّة هي الردّ المشروع على أي تحرّك يهدّد هيبتها، لكنّ “مادلين” تُظهر أن ما يخيف الاحتلال ليس السلاح، بل العدسة، والرسالة، والعلم الفلسطيني نفسه على السفينة.

تدافع إسرائيل عن حصارها البحري حول غزّة، باعتباره “حصاراً قانونياً” في سياق نزاع مسلّح، وترتكّز على مبدأ “المنع البحري” في القانون الدولي، الذي يُتيح لدولة في حالة حرب فرض حصار بحري على منطقة معادية، بشرط إعلانه رسمياً والالتزام ببعض الضوابط، مثل عدم تجويع السكّان المدنيين، لكن في الواقع فإن هذا الحصار شكل من أشكال العقاب الجماعي، وهو محظور في القانون الدولي، وهو ما يجعل “مادلين” جسراً رمزياً بين غزّة وبقيّة البشرية، واختراقاً ناعماً لسردية إسرائيل.

البحر منصّة للاحتجاج

إسرائيل هي من تقوم بانتهاك القانون الدولي وتجلب العنف، نحن لا نجلب العنف نحاول أن نجلب مساعدات إنسانية وفكّ حصار وصل إلى ثمانية أشهر، نحاول أن نفسح المجال لفتح ممرّات إنسانية، وإذا حدث قصفنا ستكون هذه جريمة حرب”.

 هكذا صرّحت ريما حسن النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي، وإحدى المشاركات في رحلة “مادلين”، وطالبت بتمكين السفينة من الوصول إلى غزّة وضمان أمنها.

تُعتبر السفن التابعة لـ” تحالف أسطول الحرّية”  أدوات رمزية لكشف انتهاكات إسرائيل، وجعل الحصار قضيّة رأي عامّ عالمي، وهو ما يؤكّده منظّمو أسطول الحرّية حول كلّ السفن التي أطلقوها، ويقولون إن ما يفعلونه يُشبه ما فعله نشطاء جنوب أفريقيا في نضالهم ضدّ الفصل العنصري، وإنه  أداة لتحريك الضمير الدولي وفضح التواطؤ السياسي والإعلامي، حتى لو لم تصل المساعدات فعلياً.

هذه الرسائل حتى وإن لم تجد لها أصداء في البرّ، فإن “أسطول الحرية”  والسفينة “مادلين” التي لم تنجح في كسر الحصار، نجحا في تحويل البحر إلى منصّة احتجاج واضحة، تتكثّف فيها كلّ الحقائق المسكوت عنها.

السفينة “مادلين” تُوقظ كوابيس 2010

تفتح السفينة “مادلين” كوابيس أساطيل الحرّية التي بدأت منذ العام ٢٠٠٨، بعد حصار غزّة في ٢٠٠٧، وكيف احترفت إسرائيل استهداف ٣٦ أسطول مساعدات، لم يصل منها بنجاح إلى غزة سوى خمسة فقط، وخلال العام ٢٠٠٨، ومن بعدها لم تتهاون إسرائيل في إغلاق هذا الباب، وأفشلت كلّ محاولات كسر الحصار، حتى ولو باستهداف أساطيل الحرّية بشكل واضح وصارخ.

في 2 أيّار/ مايو 2025، تعرّضت إحدى سفن “أسطول الحرّية” لهجوم بطائرات مسيّرة إسرائيلية أثناء إبحارها في المياه الدولية قرب مالطا، مما أدّى إلى اندلاع حريق في السفينة، وأعلنت حينها حكومة مالطا سيطرتها على الحريق، مشيرة إلى عدم وجود إصابات بين أفراد الطاقم البالغ عددهم 16 شخصاً، وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرتها منصّات التواصل الاجتماعي الحريق الذي اندلع على متن السفينة بعد استهدافها. 

وفي نيسان/ أبريل 2024، سحبت جمهورية غينيا بيساو علمها من على اثنتين من سفن “أسطول الحرّية” بعد ضغوط إسرائيلية، مما حال دون إبحارهما نحو غزّة. وكانت السفن محمّلة بأكثر من 5,000 طن من المساعدات الإنسانية. 

تذكّر “مادلين” بكابوس السفينة “مرمر الزرقاء” التي كانت ضمن أسطول مكوّن من ستّ سفن، وتعرّضت لهجوم إسرائيلي مباشر، أدّى إلى مقتل ١٠ نشطاء كانوا على متنها، واحتجاز يشبه الاختطاف لبقيّة المشاركين، وتسبّب الهجوم وقتها في إدانة واسعة وأزمة دبلوماسية بين تركيا وإسرائيل.

أما السفينة “ماريان” والسفينة “الزيتون”، فهما من ضمن عشرات السفن التي تمّ اعتراضها من قِبل البحرّية الإسرائيلية، أو منعت من الإبحار بسبب ضغوط إسرائيلية على الدول التي كانت ستبحر منها.

معني أن يكون اسم السفينة “مادلين” 

اختار منظّمو “أسطول الحرّية” أن يطلقوا على سفينتهم اسم “مادلين” تيمناً بقصّة السيدة الفلسطينية الثلاثينية “مادلين كلّاب” التي امتهنت الصيد في بحر غزّة المحاصر، وتواجه الآن التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي وبينها الصيد.

مادلين كلّاب تمثّل الطبقة المهمّشة التي تقاوم فقط عبر الاستمرار في الحياة، في ظلّ القصف، والحصار، وملاحقة الزوارق الإسرائيلية للصيادين.

حين تُبحر سفينة تحمل اسمها، فهذه ليست فقط تحيّة، بل اعتراف بأن النجاة اليومية في غزّة بحدّ ذاتها فعل مقاومة، كما أنها تُعيد تعريف البطولة التي لا تأتي من فوهة بندقية أو من شعار رنّان، بل من شبكة صيد تُرمى في بحر محاصر بيد إمرأة.

إطلاق اسم مادلين كلّاب على سفينة يُعيد توجيه رمزية البحر: من خنق لغزّة، إلى ممرّ باسم واحدة من بناتها، وأن البحر، الذي جعلته إسرائيل منطقة عسكرية تحاصر بها غزّة، هو أيضاً ميدان عمل مادلين كلّاب وممرّ نجاتها الوحيد.

عبد الله بكر | 08.11.2025

في مصر “المدنية”: نساء ضحايا تهمة “قيم الأسرة” أمام النيابة والجمهور!

بات مصير الكثير من النساء في مصر معلّقاً بأمزجة قضائية واجتماعية متقلّبة. فإذا رأى القاضي أو وكيل النيابة – بدافع من قناعات شخصية أو رضوخاً للتيّار المجتمعي السائد – أن صورة امرأة على فيسبوك "خادشة للحياء"، فبوسعه أن يكيّفها كجريمة. وربما الأهمّ أنه يضمن تصفيق قطاع واسع من الجمهور لتلك الأحكام، مهما ابتعدت عن حرفية…
09.06.2025
زمن القراءة: 6 minutes

تحمل السفينة مادلين على متنها 12 ناشطاً من جنسيّات متعدّدة بينهم الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ وعضو البرلمان الأوروبي ريما حسن، إضافة إلى مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدّات الطبية، ومادلين هي السفينة الـ36 ضمن “تحالف أسطول الحرية”، الذي يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة منذ العام 2007.

أبحرت السفينة “مادلين” في المياه الدولية باتجاه غزّة، والأعين تحدّق بهذه الرحلة، على أمل أن تنجح في كسر الحصار، فهذه ليست رحلة إبحار عادية لقارب في قلب البحر، بل معنى وصوت محتجّ، يحاول أن يكسر -قصدياً- سردية الاحتلال الإسرائيلي بأنه “الضحيّة الدائمة” المحاطة بـ”قوى معادية”، ويبرّر حصاره لغزّة بأنه ضرورة أمنية ضدّ “الإرهاب”.

هذا تماماً ما جعل إسرائيل منذ اللحظة الأولى تحاول تسخيف الرحلة والسخرية منها.  وما إن وصلت السفينة الى المياه القريبة من غزّة حتى سحبتها البحرية الاسرائيلية، ووصمت من عليها بأنهم “مشاهير” وبأن “العرض انتهى”، على نحو ما صرّح مسؤولون إسرائيليون معلنين السيطرة على السفينة.

وعمدت إسرائيل إلى التقليل من شأن المبادرة بالقول إن المساعدات عليها شحيحة، محاولة القفز فوق رمزية الرحلة التي انطلقت من إيطاليا.

 العلم الفلسطيني الذي يرفرف على السفينة، والمبدأ الذي أبحر لأجله النشطاء في مبادرتهم الإنسانية لكسر الحصار، ربما يصبحان أكثر ثقلاً على صدر الإسرائيليين.

فحين تُهاجم سفينة مدنية، غير مسلّحة، تحمل نشطاء حقوقيين وأطباء وأكاديميين، يتغيّر المشهد، لتصبح إسرائيل في موقع المعتدي، لا المدافع، ويُفضَح سلوكها أمام القانون الدولي والرأي العامّ، لكن يبقى السؤال هل تعبأ إسرائيل بالرأي العامّ أصلاً؟

تحمل السفينة مادلين على متنها 12 ناشطاً من جنسيّات متعدّدة بينهم الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ، إضافة إلى مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدّات الطبية، ومادلين هي السفينة الـ36 ضمن “تحالف أسطول الحرية”، الذي يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة منذ العام 2007.

“مادلين” في مرمى الردع البحري

بدأت المسيّرات الإسرائيلية تحلّق فوق رؤوس من هم على متن السفينة، لمحاولة بثّ الخوف في نفوسهم، وربما لتلوّح لهم بالرسائل والمصير الذي ينتظرهم، والذي سبق أن أعلنت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلاً وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أمر الجيش بمنع وصول سفينة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزّة. 

وقال كاتس في بيان “أعطيت تعليمات للجيش باستخدام كلّ الوسائل الممكنة لمنع السفينة (مادلين) من بلوغ غزّة. أقول بوضوح: عودوا أدراجكم لأنكم لن تصلوا إلى غزّة”.

ما يهدّد به وزير الدفاع الإسرائيلي ليس غريباً، فقد سبق أن أعطى تعليمات بالتعامل مع السفينة “الضمير” في 2 أيّار/ مايو الماضي، وهوجمت بطائرة مسيّرة في أثناء محاولتها كسر الحصار مما أدّى إلى ثقب في هيكلها واندلاع حريق في مقدّمتها.

الناشط البرازيلي تياجو أفيلا عضو “تحالف أسطول الحرّية” وأحد النشطاء على السفينة “مادلين” قال: “إن جيش الاحتلال نشر ثلاث وحدات خاصّة وهي: إس ١٣، إس ٦ ، إس ٣، مع طائرات مروحيّة لاعتراض مادلين”، لافتاً إلى أن “هذه الوحدات معروفة بارتكاب جرائم حرب، كما فعلت في الهجوم على سفينة “مرمرة” في عام 2010، حيث قُتل 10 متضامنين”.

أصبحت السفينة “مادلين” في مرمى الردع البحري الإسرائيلي، لأنها اخترقت ثلاثة خطوط حمراء، وهي أنها لم تنسّق مع الاحتلال الإسرائيلي، ولم تمرّ عبر المعابر الرسمية، وأنها أبحرت تحت شعار كسر الحصار. هذه الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل؛ وهي حازمة في أي محاولة لكسرها، وما فعلته “مادلين” يجعل وجودها في المياه الدولية تجاوزاً لا يُحتمل في نظر المؤسّسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.

تزعم إسرائيل أن سفن “أسطول الحرّية” لا تهدف فقط إلى إيصال المساعدات، بل تسعى إلى خلق مواجهات إعلامية، والتأثير على الرأي العامّ العالمي، وتصوير إسرائيل كقوّة احتلال وحصار، وترى أن هذه القوافل ليست إنسانية بالكامل، بل ذات دوافع سياسية، وتشارك فيها منظّمات وأفراد تصفهم بـ”الناشطين المعادين لإسرائيل”، وبناءً على ذلك تسعى إسرائيل إلى تصوير ردّها على هذه القوافل كإجراء سيادي دفاعي، وليس عدواناً.

 لكن حتى وإن هدفت “مادلين” إلى التأثير في الرأي العامّ العالمي، وأظهرت انحيازاً سياسياً إلى جانب الانحياز الإنساني، فهل يوازي هذا جريمة تجويع ٢ مليون شخص في غزّة بالحصار وإبادة عائلات بكاملها؟

قارب الحرّية يهدّد سردية الاحتلال

السفينة “مادلين” وضعت بحراً كاملاً في حالة ارتباك، وهي تبحر باتجاه الرواية الواقعية لا باتجاه الرواية الإسرائيلية والدولية، تحاول بحمولتها الإنسانية، وطاقمها المكوّن من ناشطين مدنيين وأوروبيين تعزيز الرواية المسكوت عنها للفلسطينيين المحاصرين بالتجويع والإبادة.

منذ العام 2007، تبني إسرائيل حول قطاع غزّة جداراً مادياً وسياسياً، ليس فقط على الأرض، بل أيضاً في البحر، و”مادلين” لم تخرق المياه فحسب، بل خرقت المنطق السائد بأن غزّة لا تُزار، ولا تُدعم، ولا يُخترق حصارها إلا بإذن إسرائيلي أو صمت دولي، وكلما اقتربت السفينة، تقلّصت هيبة الحصار، واهتزت سياسات الردع الإسرائيلي.

إسرائيل حاولت حصر غزّة دائماً في صورة الجيب الأمني الخطر، والبقعة التي لا تستحقّ النظر، لكنّ “مادلين”، بحمولتها السياسية والإنسانية والإعلامية، تُعيد غزّة إلى الخريطة الأخلاقية للعالم، كأنها تقول: غزّة ليست وحدها، بل هناك قوافل ضمير قادمة من بعيد، تسمع وترى المجازر ولا تقبل سوى بكسر الحصار.

في سردية إسرائيل، فإن القوّة هي الردّ المشروع على أي تحرّك يهدّد هيبتها، لكنّ “مادلين” تُظهر أن ما يخيف الاحتلال ليس السلاح، بل العدسة، والرسالة، والعلم الفلسطيني نفسه على السفينة.

تدافع إسرائيل عن حصارها البحري حول غزّة، باعتباره “حصاراً قانونياً” في سياق نزاع مسلّح، وترتكّز على مبدأ “المنع البحري” في القانون الدولي، الذي يُتيح لدولة في حالة حرب فرض حصار بحري على منطقة معادية، بشرط إعلانه رسمياً والالتزام ببعض الضوابط، مثل عدم تجويع السكّان المدنيين، لكن في الواقع فإن هذا الحصار شكل من أشكال العقاب الجماعي، وهو محظور في القانون الدولي، وهو ما يجعل “مادلين” جسراً رمزياً بين غزّة وبقيّة البشرية، واختراقاً ناعماً لسردية إسرائيل.

البحر منصّة للاحتجاج

إسرائيل هي من تقوم بانتهاك القانون الدولي وتجلب العنف، نحن لا نجلب العنف نحاول أن نجلب مساعدات إنسانية وفكّ حصار وصل إلى ثمانية أشهر، نحاول أن نفسح المجال لفتح ممرّات إنسانية، وإذا حدث قصفنا ستكون هذه جريمة حرب”.

 هكذا صرّحت ريما حسن النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي، وإحدى المشاركات في رحلة “مادلين”، وطالبت بتمكين السفينة من الوصول إلى غزّة وضمان أمنها.

تُعتبر السفن التابعة لـ” تحالف أسطول الحرّية”  أدوات رمزية لكشف انتهاكات إسرائيل، وجعل الحصار قضيّة رأي عامّ عالمي، وهو ما يؤكّده منظّمو أسطول الحرّية حول كلّ السفن التي أطلقوها، ويقولون إن ما يفعلونه يُشبه ما فعله نشطاء جنوب أفريقيا في نضالهم ضدّ الفصل العنصري، وإنه  أداة لتحريك الضمير الدولي وفضح التواطؤ السياسي والإعلامي، حتى لو لم تصل المساعدات فعلياً.

هذه الرسائل حتى وإن لم تجد لها أصداء في البرّ، فإن “أسطول الحرية”  والسفينة “مادلين” التي لم تنجح في كسر الحصار، نجحا في تحويل البحر إلى منصّة احتجاج واضحة، تتكثّف فيها كلّ الحقائق المسكوت عنها.

السفينة “مادلين” تُوقظ كوابيس 2010

تفتح السفينة “مادلين” كوابيس أساطيل الحرّية التي بدأت منذ العام ٢٠٠٨، بعد حصار غزّة في ٢٠٠٧، وكيف احترفت إسرائيل استهداف ٣٦ أسطول مساعدات، لم يصل منها بنجاح إلى غزة سوى خمسة فقط، وخلال العام ٢٠٠٨، ومن بعدها لم تتهاون إسرائيل في إغلاق هذا الباب، وأفشلت كلّ محاولات كسر الحصار، حتى ولو باستهداف أساطيل الحرّية بشكل واضح وصارخ.

في 2 أيّار/ مايو 2025، تعرّضت إحدى سفن “أسطول الحرّية” لهجوم بطائرات مسيّرة إسرائيلية أثناء إبحارها في المياه الدولية قرب مالطا، مما أدّى إلى اندلاع حريق في السفينة، وأعلنت حينها حكومة مالطا سيطرتها على الحريق، مشيرة إلى عدم وجود إصابات بين أفراد الطاقم البالغ عددهم 16 شخصاً، وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرتها منصّات التواصل الاجتماعي الحريق الذي اندلع على متن السفينة بعد استهدافها. 

وفي نيسان/ أبريل 2024، سحبت جمهورية غينيا بيساو علمها من على اثنتين من سفن “أسطول الحرّية” بعد ضغوط إسرائيلية، مما حال دون إبحارهما نحو غزّة. وكانت السفن محمّلة بأكثر من 5,000 طن من المساعدات الإنسانية. 

تذكّر “مادلين” بكابوس السفينة “مرمر الزرقاء” التي كانت ضمن أسطول مكوّن من ستّ سفن، وتعرّضت لهجوم إسرائيلي مباشر، أدّى إلى مقتل ١٠ نشطاء كانوا على متنها، واحتجاز يشبه الاختطاف لبقيّة المشاركين، وتسبّب الهجوم وقتها في إدانة واسعة وأزمة دبلوماسية بين تركيا وإسرائيل.

أما السفينة “ماريان” والسفينة “الزيتون”، فهما من ضمن عشرات السفن التي تمّ اعتراضها من قِبل البحرّية الإسرائيلية، أو منعت من الإبحار بسبب ضغوط إسرائيلية على الدول التي كانت ستبحر منها.

معني أن يكون اسم السفينة “مادلين” 

اختار منظّمو “أسطول الحرّية” أن يطلقوا على سفينتهم اسم “مادلين” تيمناً بقصّة السيدة الفلسطينية الثلاثينية “مادلين كلّاب” التي امتهنت الصيد في بحر غزّة المحاصر، وتواجه الآن التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي وبينها الصيد.

مادلين كلّاب تمثّل الطبقة المهمّشة التي تقاوم فقط عبر الاستمرار في الحياة، في ظلّ القصف، والحصار، وملاحقة الزوارق الإسرائيلية للصيادين.

حين تُبحر سفينة تحمل اسمها، فهذه ليست فقط تحيّة، بل اعتراف بأن النجاة اليومية في غزّة بحدّ ذاتها فعل مقاومة، كما أنها تُعيد تعريف البطولة التي لا تأتي من فوهة بندقية أو من شعار رنّان، بل من شبكة صيد تُرمى في بحر محاصر بيد إمرأة.

إطلاق اسم مادلين كلّاب على سفينة يُعيد توجيه رمزية البحر: من خنق لغزّة، إلى ممرّ باسم واحدة من بناتها، وأن البحر، الذي جعلته إسرائيل منطقة عسكرية تحاصر بها غزّة، هو أيضاً ميدان عمل مادلين كلّاب وممرّ نجاتها الوحيد.