fbpx

السوريون كحقل رماية وتدريب للجيش الروسي وأسلحته

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تباهت وزارة الدفاع الروسية في تقرير لها بحجم العمليات العسكرية لتلك القوات في روسيا.. لكن ما هي حقيقة الوجود الروسي في سوريا؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت صورة الرئيس السوري بشار الأسد في قاعدة “حميميم” الروسية، في الأرض السورية (11/12/2017)، بالغة الدلالة، إذ بدا فيها مجرّد تابع، في حضرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ظهر كصاحب الأمر والسيادة، لا سيما مع وجود ضباط روس، بملابس عسكرية، شكّلوا جزءاً مهماً من المشهد، كحاشية لإمبراطور أو لصاحب الزمان والمكان.

بيد أن تلك العنجهية الروسية الإمبراطورية لم تتوقّف عند ذلك الحدّ، فمنذ التدخّل العسكري الروسي في الصراع السوري (أيلول/سبتمبر 2015)، بات الرئيس بوتين أشبه بتاجر سلاح، أو مروّج دعاية لسلاح روسيا وجيشها، عبر كثير من التصريحات التي أدلى بها بهذا الخصوص، والتي أكد من خلالها لا مبالاته بالضحايا السوريين، واستخفافه بعذاباتهم، بل وتحلّله من القيم كلها، كأن سوريا أضحت عنده بمثابة حقل رماية للجيش الروسي، وحقل تجريب، أو اختبار حيّ، لأسلحته.

فمنذ تدخّلها العسكري، بسلاحي الطيران والصواريخ، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، ارتكبت روسيا في سوريا مجازر مروّعة، وجرائم حرب، بكل معنى الكلمة، ضد المدنيين، مستبيحة دماء السوريين وديارهم، لا سيما بحكم اتباعها سياسة “الأرض المحروقة”، أو سياسة الحراثة بالنيران، مثل تلك التي انتهجتها في الشيشان (أواخر القرن الماضي)، وذلك باستهدافها، مناطق سكنية، وأفراناً وأسواقاً وطرقاً. هذا حصل في مخيم اليرموك، وفي درعا وحلب والغوطة وأرياف دمشق حماه وإدلب وحلب، إذ لم تعد توجد منطقة، كانت خارجة من سيطرة النظام، إلا واستهدفها القصف الوحشي الروسي، وأثار الرعب فيها، لحمل سكانها على المغادرة، أو العودة إلى حضن النظام.

في أي حال، إن التباهي بالسلاح الروسي، وباعتبار سوريا مجرد حقل رماية ومضمار تدريب للجيش الروسي، وصل حد إصدار وزارة الدفاع الروسية، تقريراً، تحدثت فيه بكل صراحة عن خوض 68 ألف عسكري روسي، بينهم 460 جنرالاً، عمليات قتالية في سوريا، في العام الماضي فقط. وبحسب التقرير فهؤلاء اكتسبوا خلال عملهم “خبرات قتالية كبيرة”، وأن بين هؤلاء قادة الدوائر العسكرية الروسية وقادة جيوش القوات البرية وجيوش القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي وقادة الفرق العسكرية و96 في المئة من قادة الألوية والأفواج…

ويكشف التقرير أرقاماً ذات دلالة، فهناك 87 في المئة من طواقم الطيران التكتيكي و91 في المئة من طواقم طيران الجيش و97 في المئة من طواقم طيران النقل العسكري و60 في المئة من طواقم الطيران الاستراتيجي عملت في سوريا. وتم خلال تلك العمليات “اختبار أكثر من 300 طراز من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية، بما فيها مقاتلات الجيل الخامس «سوخوي – 57»، ومنظومات الدفاع الجوي «بانتسير – إس 2»، ومدرعات «ترميناتور – 2» والروبوت القتالي «اوران – 9» المدرع وغير ذلك من صنوف جديدة من الأسلحة.

هكذا، وبكل بساطة، فنحن إزاء تقرير عن جيش كامل، تم نقله من بلد إلى آخر، وبات رقم ألفي جندي أميركي، شرق الفرات، بمثابة مزحة، وفق معيار العدد طبعاً، بيد أن وزارة الدفاع في روسيا، التي تعتبر نفسها دولة عظمى، تناست في تقريرها المذكور، أن وحدات الجيش الروسي في سوريا لم تخض معارك مباشرة مع أي أحد، وأن كل “الإنجازات” العسكرية التي تم الترويج لها، وتقديمها كبطولات، كانت في حقيقتها نتاج القصف بالطائرات أو بالصواريخ، وليست نتاجاً لعمليات حربية بمعنى الكلمة، خصوصاً وأن الطرف المقابل لا يمتلك أسلحة ولا ذخائر متكافئة، ولو نسبياً، بمعنى أن عملية التدريب، وتجريب الأسئلة، تتم بواسطة اللحم الحي للسوريين، وعلى حساب عمرانهم.

أيضاً، تناست الوزارة، في ذلك التقرير، الإشارة إلى أن ثمة حضوراً عسكرياً لطرف معين، يسرح ويمرح في مناطق سيطرة الروس (والنظام وإيران)، وهو إسرائيل، التي ظلت تقصف منذ سنوات في سوريا، بل إنها قصفت مؤخراً، معسكرات وقواعد في محيط دمشق، غير عابئة بكل التهويل عن نشر منظومة صواريخ روسية مضادة للطائرات (إس 300). وهذه ليس مجرد تفاصيل ثانوية، لا سيما أن نتانياهو أبلغ بوتين أن إسرائيل ستواصل ضرب أهداف معادية لها في سوريا، لمنع إيران من التموضع عسكرياً فيها، وأن روسيا وافقت إسرائيل على طلبها إبعاد روسيا إلى أكثر من ثمانين كلم عن حدودها.

إضافة إلى ما تقدم، فإن روسيا، التي تتحدث عن جيشها وعن تطور سلاحها وعن إنجازاتها العسكرية في سوريا، وعن كونها دولة عظمى بما لا يقل عن الولايات المتحدة، هي في الحقيقة عاجزة عن فرض الاستقرار، وعن إعادة الإعمار، في ذلك البلد، إذ إنها، على رغم جبروتها، إزاء شعب ضعيف ومنهك، عاجزة عن تحويل إنجازها العسكري إلى استثمار سياسي. في المقابل، فإن الولايات المتحدة بألفين من الجنود، فقط، باتت تسيطر تماماً على ثلث الأراضي السوري، شرق الفرات، في البر والجو، ومن دون أن تخسر جندياً واحداً، ومن دون أي خسارة في العتاد، بل إن الولايات المتحدة تكاد تكون الرقم الصعب، أو الحاسم، الذي يتحكم بالصراع السوري، بمختلف أشكاله، وضمن ذلك بحركات اللاعبين الآخرين، أي إيران وتركيا وإسرائيل وحتى روسيا ذاتها.

 

10.01.2019
زمن القراءة: 4 minutes

تباهت وزارة الدفاع الروسية في تقرير لها بحجم العمليات العسكرية لتلك القوات في روسيا.. لكن ما هي حقيقة الوجود الروسي في سوريا؟

كانت صورة الرئيس السوري بشار الأسد في قاعدة “حميميم” الروسية، في الأرض السورية (11/12/2017)، بالغة الدلالة، إذ بدا فيها مجرّد تابع، في حضرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ظهر كصاحب الأمر والسيادة، لا سيما مع وجود ضباط روس، بملابس عسكرية، شكّلوا جزءاً مهماً من المشهد، كحاشية لإمبراطور أو لصاحب الزمان والمكان.

بيد أن تلك العنجهية الروسية الإمبراطورية لم تتوقّف عند ذلك الحدّ، فمنذ التدخّل العسكري الروسي في الصراع السوري (أيلول/سبتمبر 2015)، بات الرئيس بوتين أشبه بتاجر سلاح، أو مروّج دعاية لسلاح روسيا وجيشها، عبر كثير من التصريحات التي أدلى بها بهذا الخصوص، والتي أكد من خلالها لا مبالاته بالضحايا السوريين، واستخفافه بعذاباتهم، بل وتحلّله من القيم كلها، كأن سوريا أضحت عنده بمثابة حقل رماية للجيش الروسي، وحقل تجريب، أو اختبار حيّ، لأسلحته.

فمنذ تدخّلها العسكري، بسلاحي الطيران والصواريخ، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، ارتكبت روسيا في سوريا مجازر مروّعة، وجرائم حرب، بكل معنى الكلمة، ضد المدنيين، مستبيحة دماء السوريين وديارهم، لا سيما بحكم اتباعها سياسة “الأرض المحروقة”، أو سياسة الحراثة بالنيران، مثل تلك التي انتهجتها في الشيشان (أواخر القرن الماضي)، وذلك باستهدافها، مناطق سكنية، وأفراناً وأسواقاً وطرقاً. هذا حصل في مخيم اليرموك، وفي درعا وحلب والغوطة وأرياف دمشق حماه وإدلب وحلب، إذ لم تعد توجد منطقة، كانت خارجة من سيطرة النظام، إلا واستهدفها القصف الوحشي الروسي، وأثار الرعب فيها، لحمل سكانها على المغادرة، أو العودة إلى حضن النظام.

في أي حال، إن التباهي بالسلاح الروسي، وباعتبار سوريا مجرد حقل رماية ومضمار تدريب للجيش الروسي، وصل حد إصدار وزارة الدفاع الروسية، تقريراً، تحدثت فيه بكل صراحة عن خوض 68 ألف عسكري روسي، بينهم 460 جنرالاً، عمليات قتالية في سوريا، في العام الماضي فقط. وبحسب التقرير فهؤلاء اكتسبوا خلال عملهم “خبرات قتالية كبيرة”، وأن بين هؤلاء قادة الدوائر العسكرية الروسية وقادة جيوش القوات البرية وجيوش القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي وقادة الفرق العسكرية و96 في المئة من قادة الألوية والأفواج…

ويكشف التقرير أرقاماً ذات دلالة، فهناك 87 في المئة من طواقم الطيران التكتيكي و91 في المئة من طواقم طيران الجيش و97 في المئة من طواقم طيران النقل العسكري و60 في المئة من طواقم الطيران الاستراتيجي عملت في سوريا. وتم خلال تلك العمليات “اختبار أكثر من 300 طراز من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية، بما فيها مقاتلات الجيل الخامس «سوخوي – 57»، ومنظومات الدفاع الجوي «بانتسير – إس 2»، ومدرعات «ترميناتور – 2» والروبوت القتالي «اوران – 9» المدرع وغير ذلك من صنوف جديدة من الأسلحة.

هكذا، وبكل بساطة، فنحن إزاء تقرير عن جيش كامل، تم نقله من بلد إلى آخر، وبات رقم ألفي جندي أميركي، شرق الفرات، بمثابة مزحة، وفق معيار العدد طبعاً، بيد أن وزارة الدفاع في روسيا، التي تعتبر نفسها دولة عظمى، تناست في تقريرها المذكور، أن وحدات الجيش الروسي في سوريا لم تخض معارك مباشرة مع أي أحد، وأن كل “الإنجازات” العسكرية التي تم الترويج لها، وتقديمها كبطولات، كانت في حقيقتها نتاج القصف بالطائرات أو بالصواريخ، وليست نتاجاً لعمليات حربية بمعنى الكلمة، خصوصاً وأن الطرف المقابل لا يمتلك أسلحة ولا ذخائر متكافئة، ولو نسبياً، بمعنى أن عملية التدريب، وتجريب الأسئلة، تتم بواسطة اللحم الحي للسوريين، وعلى حساب عمرانهم.

أيضاً، تناست الوزارة، في ذلك التقرير، الإشارة إلى أن ثمة حضوراً عسكرياً لطرف معين، يسرح ويمرح في مناطق سيطرة الروس (والنظام وإيران)، وهو إسرائيل، التي ظلت تقصف منذ سنوات في سوريا، بل إنها قصفت مؤخراً، معسكرات وقواعد في محيط دمشق، غير عابئة بكل التهويل عن نشر منظومة صواريخ روسية مضادة للطائرات (إس 300). وهذه ليس مجرد تفاصيل ثانوية، لا سيما أن نتانياهو أبلغ بوتين أن إسرائيل ستواصل ضرب أهداف معادية لها في سوريا، لمنع إيران من التموضع عسكرياً فيها، وأن روسيا وافقت إسرائيل على طلبها إبعاد روسيا إلى أكثر من ثمانين كلم عن حدودها.

إضافة إلى ما تقدم، فإن روسيا، التي تتحدث عن جيشها وعن تطور سلاحها وعن إنجازاتها العسكرية في سوريا، وعن كونها دولة عظمى بما لا يقل عن الولايات المتحدة، هي في الحقيقة عاجزة عن فرض الاستقرار، وعن إعادة الإعمار، في ذلك البلد، إذ إنها، على رغم جبروتها، إزاء شعب ضعيف ومنهك، عاجزة عن تحويل إنجازها العسكري إلى استثمار سياسي. في المقابل، فإن الولايات المتحدة بألفين من الجنود، فقط، باتت تسيطر تماماً على ثلث الأراضي السوري، شرق الفرات، في البر والجو، ومن دون أن تخسر جندياً واحداً، ومن دون أي خسارة في العتاد، بل إن الولايات المتحدة تكاد تكون الرقم الصعب، أو الحاسم، الذي يتحكم بالصراع السوري، بمختلف أشكاله، وضمن ذلك بحركات اللاعبين الآخرين، أي إيران وتركيا وإسرائيل وحتى روسيا ذاتها.