fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

السوريون لا يُقتَلون بـ”وهم” الطائفية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ إطلاق عمليّة “ردع العدوان”، تحدّث الشرع كثيراً عن مسألة الطائفية في سوريا، خاصّة بعد سقوط النظام السابق، والمشترك الوحيد بين ما قاله عنها هو اعتبارها طارئة وبالتالي زائلة. وفي إنكار هذه المسألة وما ينتج عنها من إشكاليات

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مقابلة أجراها مع “سي أن أن”، بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على حماة، قبيل إسقاط نظام الأسد، اعتبر أحمد الشرع؛ وكان وقتها يحمل لقب القائد العامّ لـ”إدارة العمليّات العسكرية”، أن الطائفية “مجرّد وهم”. نحو خمسة أشهر مرّت على هذا الوصف، خلالها تحوّل الشرع إلى “الرئيس السوري”، وخلالها… قتل “الوهم” آلاف السوريين.

ما اعتبره الشرع “وهماً” هو القاتل الأوّل للسوريين في الأشهر الخمسة الأخيرة. 1676 شخصاً قُتلوا في مجازر الساحل السوري يوميْ السابع والثامن من آذار/ مارس الماضي. أكثر من مئة قتيل خلّفهم الهجوم على الدروز ومناطقهم في الأسبوع الأخير، وسقط في نيسان/ أبريل الماضي 137 سورياً، بينهم سبع سيّدات وطفلان، “بجرائم تصفية على أساس طائفي وانتمائي”. هذه الأرقام وثّقها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، ما يعني أن الأرقام الحقيقية أعلى.

المسألة الطائفية

منذ إطلاق عمليّة “ردع العدوان”، تحدّث الشرع كثيراً عن مسألة الطائفية في سوريا، خاصّة بعد سقوط النظام السابق، والمشترك الوحيد بين ما قاله عنها هو اعتبارها طارئة وبالتالي زائلة. وفي إنكار هذه المسألة وما ينتج عنها من إشكاليات، مؤشّر على أنه يرفض التعامل معها بطريقة حوارية، توضَع فيها وجهات النظر المختلفة على الطاولة، ليُعمَل على التوصّل إلى أرضية مشتركة بين كافّة الجماعات السورية الدينية والقومية.

في المقابلة المذكورة مع “سي أن أن”، تحدّث الشرع عن أن “لا أحد يستطيع أن يُلغي الآخر” في سوريا، فالطوائف السورية “عاشت آلاف السنين” في هذا المكان، و”لا يحقّ لأحد أن يُلغيها”. هذا المنطق كرّره في مقابلات وتصريحات كثيرة بعد ذلك، ولكن ولا مرّة تجاوز في حديثه العموميات ذات الوقع الجيّد على آذان كافّة المستمعين، ليفيد بما يمكن أن نستشفّ منه أنه يفهم من “إلغاء الآخر” أكثر من إلغائه جسدياً. فكأنّه يتكرّم على هذا “الآخر” لأنه يتركه حيّاً.

الأمر الوحيد الذي كان الشرع واضحاً ومباشراً فيه، هو رفضه ما أسماه “فخّ المحاصصة”، ويمكن تأويل كلامه بأنه رفْض لتشارك السلطة مع غير العرب السنّة. مما يبيح هكذا تأويل أنه مارس الكثير مما يذهب في هذا الاتّجاه، من إصراره على حلّ “قوّات سوريا الديمقراطية” والمجموعات الدرزية المسلّحة، ودمجها بالمؤسّسات الأمنية الرسمية، وذلك قبل أن ينظّم بيته الداخلي، أي الفصائل المقاتلة السنّية. وأيضاً قال الكثير، من رفض “عقلية المعارضة”، إلى ضرورة وجود فريق من لون واحد في السلطة.

عودة ضرورية إلى الجولاني

يبيّن لنا مسار الأحداث في سوريا، في الأشهر الماضية، أن نجاة “الآخر” من الإلغاء  على يد السلطة الجديدة، التي سلّطت نفسها بنفسها على السوريين، بمنطق التغلّب، وما يحوم حولها من جماعات مسلّحة توصَف أحياناً بأنها “غير منضبطة”، تجد شروطها في مقابلة أبي محمد الجولاني مع أحمد منصور في عام 2015.

في تلك المقابلة، لم يكن الشرع قد ارتدى قفازاته بعد. حمّل العلويين (النصيرية كما يفضّل تسميتهم) وزر “ارتكاب مجازر كبيرة جداً بحقّ أهل السنّة”، و”قتْل ما يقارب مليون من أهل السنّة في الشام”، وذلك لأن “بشّار الأسد لا يقاتل بنفسه، هو يقاتل بهؤلاء”، ولأنهم “عصب النظام”.

وما شهدناه من مجازر في آذار/ مارس 2025 في الساحل السوري يؤكّد “جولانية” السلطة السورية الحالية، وأنها لا تنظر إلى العلويين بوصفهم “متورّطين” في جرائم النظام البائد فقط، بل تراهم كـ”طائفة خرجت عن دين الله عزّ وجلّ”، ولذلك عليها فوق التوقّف عن القتال “التراجع عن الأشياء العقائدية التي أخرجتهم من دينهم”، بعد أن تُبيَّن لهم “أسباب أخطائهم وخروجهم عن دينهم”، حسبما أخبرنا الجولاني.

وقد تنفع الإشارة هنا إلى أن المهرجانات الدعوية الكاريكاتورية التي شهدتها عدّة مناطق في الساحل قبل المجازر، لم تكن ربما تصرّفات خرقاء من بضعة متديّنين متحمّسين كما حسبها كثيرون، بل كانت ربما الشرط الشرعي للمقتلة التي جرت.

حال الدروز يُشبه حال العلويين في عرف الجولاني. في عام 2015، حدّثنا عن دروز إدلب وأخبرنا أنهم “محلّ دعوتنا”، و”أرسلنا إليهم مَن يصحّح لهم عقائدهم، مَن يعلّمهم الأشياء التي خرجوا منها من هذا الدين”، ورَبَط نجاتهم من القتل بأنهم “أظهروا لنا تراجعهم عن الأخطاء العقائدية التي كانوا عليها”.

الطريف، أو بالأحرى “غير الطريف بالمرّة”، أن المقابلة المذكورة عرضتها قناة “الجزيرة” في 27 أيار/ مايو 2015، وبعد ذلك بأقلّ من أسبوعين، في العاشر من حزيران/ يونيو، وقعت مجزرة قلب لوزة عندما فتح مقاتلو “جبهة النصرة” النار على دروز احتجّوا على مصادرة منزل أحدهم، في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، فاتّهمهم قائد المهاجمين، التونسي الجنسية، بالتجديف، وسقط نحو 24 قتيلاً.

يبدو أن سلطة التغلّب السورية لا تريد فقط الحكم، بل تريد إعادة هندسة المجتمع السوري، بما يتضمّن تغيير عقائده، أو أقلّه تغيير أشكال التعبير عنها ثقافياً بالدرجة الثانية، وسياسياً بالدرجة الأولى.

وعلى طريق الوصول إلى هذه الغاية، يقتصر مطلب حصر السلاح على ذاك الموجود بأيدي جماعات دينية وسياسية لا تدور في فلك هذه السلطة. أما المقرّبون، فمن الأفضل أن يبقى بينهم عناصر “غير منضبطين” ومجموعات “غير منضبطة” لتُسهّل على السلطة التي تدّعي الانضباط، الهيمنة على كلّ مَن تسوّل له نفسه التفكير بـ”عقلية المعارضة”… كيف؟ بالمجازر.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
03.05.2025
زمن القراءة: 4 minutes

منذ إطلاق عمليّة “ردع العدوان”، تحدّث الشرع كثيراً عن مسألة الطائفية في سوريا، خاصّة بعد سقوط النظام السابق، والمشترك الوحيد بين ما قاله عنها هو اعتبارها طارئة وبالتالي زائلة. وفي إنكار هذه المسألة وما ينتج عنها من إشكاليات


في مقابلة أجراها مع “سي أن أن”، بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على حماة، قبيل إسقاط نظام الأسد، اعتبر أحمد الشرع؛ وكان وقتها يحمل لقب القائد العامّ لـ”إدارة العمليّات العسكرية”، أن الطائفية “مجرّد وهم”. نحو خمسة أشهر مرّت على هذا الوصف، خلالها تحوّل الشرع إلى “الرئيس السوري”، وخلالها… قتل “الوهم” آلاف السوريين.

ما اعتبره الشرع “وهماً” هو القاتل الأوّل للسوريين في الأشهر الخمسة الأخيرة. 1676 شخصاً قُتلوا في مجازر الساحل السوري يوميْ السابع والثامن من آذار/ مارس الماضي. أكثر من مئة قتيل خلّفهم الهجوم على الدروز ومناطقهم في الأسبوع الأخير، وسقط في نيسان/ أبريل الماضي 137 سورياً، بينهم سبع سيّدات وطفلان، “بجرائم تصفية على أساس طائفي وانتمائي”. هذه الأرقام وثّقها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، ما يعني أن الأرقام الحقيقية أعلى.

المسألة الطائفية

منذ إطلاق عمليّة “ردع العدوان”، تحدّث الشرع كثيراً عن مسألة الطائفية في سوريا، خاصّة بعد سقوط النظام السابق، والمشترك الوحيد بين ما قاله عنها هو اعتبارها طارئة وبالتالي زائلة. وفي إنكار هذه المسألة وما ينتج عنها من إشكاليات، مؤشّر على أنه يرفض التعامل معها بطريقة حوارية، توضَع فيها وجهات النظر المختلفة على الطاولة، ليُعمَل على التوصّل إلى أرضية مشتركة بين كافّة الجماعات السورية الدينية والقومية.

في المقابلة المذكورة مع “سي أن أن”، تحدّث الشرع عن أن “لا أحد يستطيع أن يُلغي الآخر” في سوريا، فالطوائف السورية “عاشت آلاف السنين” في هذا المكان، و”لا يحقّ لأحد أن يُلغيها”. هذا المنطق كرّره في مقابلات وتصريحات كثيرة بعد ذلك، ولكن ولا مرّة تجاوز في حديثه العموميات ذات الوقع الجيّد على آذان كافّة المستمعين، ليفيد بما يمكن أن نستشفّ منه أنه يفهم من “إلغاء الآخر” أكثر من إلغائه جسدياً. فكأنّه يتكرّم على هذا “الآخر” لأنه يتركه حيّاً.

الأمر الوحيد الذي كان الشرع واضحاً ومباشراً فيه، هو رفضه ما أسماه “فخّ المحاصصة”، ويمكن تأويل كلامه بأنه رفْض لتشارك السلطة مع غير العرب السنّة. مما يبيح هكذا تأويل أنه مارس الكثير مما يذهب في هذا الاتّجاه، من إصراره على حلّ “قوّات سوريا الديمقراطية” والمجموعات الدرزية المسلّحة، ودمجها بالمؤسّسات الأمنية الرسمية، وذلك قبل أن ينظّم بيته الداخلي، أي الفصائل المقاتلة السنّية. وأيضاً قال الكثير، من رفض “عقلية المعارضة”، إلى ضرورة وجود فريق من لون واحد في السلطة.

عودة ضرورية إلى الجولاني

يبيّن لنا مسار الأحداث في سوريا، في الأشهر الماضية، أن نجاة “الآخر” من الإلغاء  على يد السلطة الجديدة، التي سلّطت نفسها بنفسها على السوريين، بمنطق التغلّب، وما يحوم حولها من جماعات مسلّحة توصَف أحياناً بأنها “غير منضبطة”، تجد شروطها في مقابلة أبي محمد الجولاني مع أحمد منصور في عام 2015.

في تلك المقابلة، لم يكن الشرع قد ارتدى قفازاته بعد. حمّل العلويين (النصيرية كما يفضّل تسميتهم) وزر “ارتكاب مجازر كبيرة جداً بحقّ أهل السنّة”، و”قتْل ما يقارب مليون من أهل السنّة في الشام”، وذلك لأن “بشّار الأسد لا يقاتل بنفسه، هو يقاتل بهؤلاء”، ولأنهم “عصب النظام”.

وما شهدناه من مجازر في آذار/ مارس 2025 في الساحل السوري يؤكّد “جولانية” السلطة السورية الحالية، وأنها لا تنظر إلى العلويين بوصفهم “متورّطين” في جرائم النظام البائد فقط، بل تراهم كـ”طائفة خرجت عن دين الله عزّ وجلّ”، ولذلك عليها فوق التوقّف عن القتال “التراجع عن الأشياء العقائدية التي أخرجتهم من دينهم”، بعد أن تُبيَّن لهم “أسباب أخطائهم وخروجهم عن دينهم”، حسبما أخبرنا الجولاني.

وقد تنفع الإشارة هنا إلى أن المهرجانات الدعوية الكاريكاتورية التي شهدتها عدّة مناطق في الساحل قبل المجازر، لم تكن ربما تصرّفات خرقاء من بضعة متديّنين متحمّسين كما حسبها كثيرون، بل كانت ربما الشرط الشرعي للمقتلة التي جرت.

حال الدروز يُشبه حال العلويين في عرف الجولاني. في عام 2015، حدّثنا عن دروز إدلب وأخبرنا أنهم “محلّ دعوتنا”، و”أرسلنا إليهم مَن يصحّح لهم عقائدهم، مَن يعلّمهم الأشياء التي خرجوا منها من هذا الدين”، ورَبَط نجاتهم من القتل بأنهم “أظهروا لنا تراجعهم عن الأخطاء العقائدية التي كانوا عليها”.

الطريف، أو بالأحرى “غير الطريف بالمرّة”، أن المقابلة المذكورة عرضتها قناة “الجزيرة” في 27 أيار/ مايو 2015، وبعد ذلك بأقلّ من أسبوعين، في العاشر من حزيران/ يونيو، وقعت مجزرة قلب لوزة عندما فتح مقاتلو “جبهة النصرة” النار على دروز احتجّوا على مصادرة منزل أحدهم، في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، فاتّهمهم قائد المهاجمين، التونسي الجنسية، بالتجديف، وسقط نحو 24 قتيلاً.

يبدو أن سلطة التغلّب السورية لا تريد فقط الحكم، بل تريد إعادة هندسة المجتمع السوري، بما يتضمّن تغيير عقائده، أو أقلّه تغيير أشكال التعبير عنها ثقافياً بالدرجة الثانية، وسياسياً بالدرجة الأولى.

وعلى طريق الوصول إلى هذه الغاية، يقتصر مطلب حصر السلاح على ذاك الموجود بأيدي جماعات دينية وسياسية لا تدور في فلك هذه السلطة. أما المقرّبون، فمن الأفضل أن يبقى بينهم عناصر “غير منضبطين” ومجموعات “غير منضبطة” لتُسهّل على السلطة التي تدّعي الانضباط، الهيمنة على كلّ مَن تسوّل له نفسه التفكير بـ”عقلية المعارضة”… كيف؟ بالمجازر.

03.05.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية