fbpx

الشهرة والجمال طريقُ عراقياتٍ لموتٍ معلن…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما حصل من قتل لشابات عراقيات هزّ ثقةً ضعيفةً وهشّة بقدرة النساء على الحضور في العراق. قالتها شيماء في رسالتها “تارة ما شتمت سنّي ولا شتمت شيعي ولم تتحدث في السياسة فماذا استفدتم من موتها وماذا ستستفيدون من موتي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
تارة فارس

لم أكن قد سمعتُ قبلاً بالنساء والشابات العراقيات اللواتي تم اغتيالهنّ في الأيام والأسابيع الأخيرة. وصلتني أنباء اغتيال تارة فارس وسعاد العلي وأنا في كندا أكابد فارق التوقيت. يجافيني النوم ليلاً فأمضي ساعات اتابع ما يحصل من أحداث وما تثيره من نقاشات وآراء.

شاهدتُ فيديوهاتٍ وصوراً كثيرة لتارة، لم أخرج منها سوى بحكاية شابة تزوجت في عمر السادسة عشرة وتطلقت بعد أقل من عامين وتحاول أن تشبه فتيات كثيرات من جيلها في العالم، فتعبر عن حبّها للموضة وتشارك متابعيها في أصول وضع الماكياج واللبس وتدلي بتعليقات عابرة عن الحياة والأهم عن المظهر وعن كيف يمكن بلوغ الجمال. كنتُ أشاهد فيديوهات تارة وأنظر من حولي الى العابرين والعابرات هنا في تورنتو في كندا، فوجدت أنها قد تبدو هنا فتاةً عادية وقد لا تثير ربما أي اهتمام..

لكن ليس في العراق..

تارة شابة تريد أن تفصح عن جمالها وأن تكون معروفة في بلدها العراق، وهذا أمر لا يمرّ بسهولة في بلد تحكمه الطوائف وتضبطه سياسات إقليمية مذهبية بحيث تكرّس القتل والإلغاء حلاً سهلاً لأي اختلاف..

حاول مذيع في مقابلة لتارة قبل أقل من عام أن يستفزّ شعور الأم التي سلبت ابنها الوحيد بعد طلاقها فسألها عن ابنها الذي منعها طليقها من مشاهدته لكنها ارتبكت ولم تجب كما يفترض هذا السؤال. تلعثمت فبدت في إجابتها طفلة ايضاً..

أمضيتُ وقتي بحثاً عن سبب يدفع شخصاً أو فريقاً سياسياً ما لأخذ قرار بقتل هذه الشابة بدم بارد فلم أجد سوى مظهرها وشهرتها.

كيف لشابة أن تقرر العيش في بغداد كما يعيش أترابها في العالم! إنه لأمرٌ جلل..

شيماء قاسم

قادني بحثي عن تارة لأشاهد فيديو آخر لعراقية ثانية هي شيماء قاسم وهي ترثي صديقتها تارة بعد أن هربت الى عمّان. لقد نجح من قتل تارة بإثارة الخوف، وهاهي شابة تشبه تارة في سيرتها ومظهرها قد قررت الابتعاد ومحاولة النجاة بالنفس.

في خمسة عشر دقيقة رثت شيماء، وهي ملكة جمال سابقة، العراقيات اللواتي تم اغتيالهنّ في الأيام والأسابيع الأخيرة.

“إحنا مشهورات أوكي بس إحنا مو عاهرات حتى ننقتل”..

بصوت مرتجف وبنظرات فيها خوف حقيقي فاض دموعاً غزيرة، حاولت شيماء أن تذود عن نفسها.

“إحنا مو عاهرات” جملة كررتها واستخدمتها للدفاع عن مظهرها وعن حياتها، لكنه دفاع حمل إذعاناً بأنه يمكن قتل النساء لأنهّن مارسن الجنس من دون زواج، وهو إذعان الخائف المستسلم للعقلية الالغائية المعادية للنساء. بدت الدقائق الخمسة عشرة التي تحدثت فيها شيماء وصفاً دقيقاً لحال العراقيات الشابات المفصحات عن أنوثتهن والشهيرات. لا أتحدث هنا عن مناضلات سياسيات، فالنساء اللواتي قتلن في موجة الاغتيالات الأخيرة جمعت بينهن صفتين أساسيتين: أنهن معروفات وأنهن يهتممن بأنوثتهن. صحيح أن اثنتين منهن محجبات وواحدة لها نشاط سياسي هي سعاد العلي، لكنهن جميعاً يشتركن في خاصية الظهور والحرص على مظهر أنثوي لافت.

والأثر العميق لظواهر من نوع هؤلاء النساء يمكن لمسه في العدد الكبير للمتابعين ولحجم النقاشات التي تحيط بفتيات عراقيات شابات ومعروفات.

لقد فهمت شيماء هذا الأمر وأجابت عنه في فيديو الرثاء الذي بلغ عدد مشاهديه خلال أقل من 24 ساعة مليون ونصف متابع، “يسألوننا ليش ما تطلعون بمظاهرات ؟؟ إنهم يستهدفون المشاهير واللي عندهم متابعين..ببساطة ممكن يقتلونا”.

ما حصل من قتل لشابات عراقيات هزّ ثقةً ضعيفةً وهشّة بقدرة النساء على الحضور في العراق. قالتها شيماء في رسالتها “تارة ما شتمت سنّي ولا شتمت شيعي ولم تتحدث في السياسة فماذا استفدتم من موتها وماذا ستستفيدون من موتي”.

مثل هذا الاستهداف يحدث ضجة كبيرة تفقد الناس ثقتهم بأنفسهم، وبمجتمعهم، وبمنظومتهم الأمنية المصابة بصدع مزمن. استهداف نساء شابات شهيرات ليس بالأمر الصعب، وفي العراق تاريخ لمحطات عديدة شهدت فيها البلاد موجة قتل نساء بذرائع أخلاقية. ويكون الحال أكثر صعوبة في حالات المثليين والمتحولين جنسياً. ما من شكّ في أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ أعطت للتهديد بالقتل والبذاءة والانحطاط صوتاً أعلى وهذا ما جعل البعض يستسهل الشماتة في قتل تارة ومثيلاتها والمجاهرة بذلك حتى من قبل شخصيات يفترض أنها متصدرة في المجتمع.

قتل النساء يضيف على المشهد العراقي بعداً جديداً ويفصح عن ملمح شيطاني آخر من ملامح القاتل، ذاك أن القاتل نفسه من استهدف ناشطي البصرة ومثليي مدينة الصدر ونساء بغداد. القاتل القبيح هو ذاك نفسه القاتل الطائفي الذي قتل النساء وقتل المثليين وهجّر أبناء الطوائف الأخرى.

ما نعيشه اليوم من انحلال أخلاقي وقيميّ هو المرحلة الأخيرة من نكوص مبادئ الحرية والحداثة وحقوق النساء. هناك من لا يرى وسيلة عيش سوى بالسيطرة المطلقة وإلا فالحروب الأهلية دائمة وأبدية وهذا فهمته شيماء في الفيديو البسيط الذي نشرته فقالت باستسلام: “هسة ما نريد حرية وما نريد ولا شي .. نريد نعيش وما نموت” .

https://youtu.be/JK6eEV1GKcY

 

 

 

 

 

 

30.09.2018
زمن القراءة: 4 minutes

ما حصل من قتل لشابات عراقيات هزّ ثقةً ضعيفةً وهشّة بقدرة النساء على الحضور في العراق. قالتها شيماء في رسالتها “تارة ما شتمت سنّي ولا شتمت شيعي ولم تتحدث في السياسة فماذا استفدتم من موتها وماذا ستستفيدون من موتي”.

تارة فارس

لم أكن قد سمعتُ قبلاً بالنساء والشابات العراقيات اللواتي تم اغتيالهنّ في الأيام والأسابيع الأخيرة. وصلتني أنباء اغتيال تارة فارس وسعاد العلي وأنا في كندا أكابد فارق التوقيت. يجافيني النوم ليلاً فأمضي ساعات اتابع ما يحصل من أحداث وما تثيره من نقاشات وآراء.

شاهدتُ فيديوهاتٍ وصوراً كثيرة لتارة، لم أخرج منها سوى بحكاية شابة تزوجت في عمر السادسة عشرة وتطلقت بعد أقل من عامين وتحاول أن تشبه فتيات كثيرات من جيلها في العالم، فتعبر عن حبّها للموضة وتشارك متابعيها في أصول وضع الماكياج واللبس وتدلي بتعليقات عابرة عن الحياة والأهم عن المظهر وعن كيف يمكن بلوغ الجمال. كنتُ أشاهد فيديوهات تارة وأنظر من حولي الى العابرين والعابرات هنا في تورنتو في كندا، فوجدت أنها قد تبدو هنا فتاةً عادية وقد لا تثير ربما أي اهتمام..

لكن ليس في العراق..

تارة شابة تريد أن تفصح عن جمالها وأن تكون معروفة في بلدها العراق، وهذا أمر لا يمرّ بسهولة في بلد تحكمه الطوائف وتضبطه سياسات إقليمية مذهبية بحيث تكرّس القتل والإلغاء حلاً سهلاً لأي اختلاف..

حاول مذيع في مقابلة لتارة قبل أقل من عام أن يستفزّ شعور الأم التي سلبت ابنها الوحيد بعد طلاقها فسألها عن ابنها الذي منعها طليقها من مشاهدته لكنها ارتبكت ولم تجب كما يفترض هذا السؤال. تلعثمت فبدت في إجابتها طفلة ايضاً..

أمضيتُ وقتي بحثاً عن سبب يدفع شخصاً أو فريقاً سياسياً ما لأخذ قرار بقتل هذه الشابة بدم بارد فلم أجد سوى مظهرها وشهرتها.

كيف لشابة أن تقرر العيش في بغداد كما يعيش أترابها في العالم! إنه لأمرٌ جلل..

شيماء قاسم

قادني بحثي عن تارة لأشاهد فيديو آخر لعراقية ثانية هي شيماء قاسم وهي ترثي صديقتها تارة بعد أن هربت الى عمّان. لقد نجح من قتل تارة بإثارة الخوف، وهاهي شابة تشبه تارة في سيرتها ومظهرها قد قررت الابتعاد ومحاولة النجاة بالنفس.

في خمسة عشر دقيقة رثت شيماء، وهي ملكة جمال سابقة، العراقيات اللواتي تم اغتيالهنّ في الأيام والأسابيع الأخيرة.

“إحنا مشهورات أوكي بس إحنا مو عاهرات حتى ننقتل”..

بصوت مرتجف وبنظرات فيها خوف حقيقي فاض دموعاً غزيرة، حاولت شيماء أن تذود عن نفسها.

“إحنا مو عاهرات” جملة كررتها واستخدمتها للدفاع عن مظهرها وعن حياتها، لكنه دفاع حمل إذعاناً بأنه يمكن قتل النساء لأنهّن مارسن الجنس من دون زواج، وهو إذعان الخائف المستسلم للعقلية الالغائية المعادية للنساء. بدت الدقائق الخمسة عشرة التي تحدثت فيها شيماء وصفاً دقيقاً لحال العراقيات الشابات المفصحات عن أنوثتهن والشهيرات. لا أتحدث هنا عن مناضلات سياسيات، فالنساء اللواتي قتلن في موجة الاغتيالات الأخيرة جمعت بينهن صفتين أساسيتين: أنهن معروفات وأنهن يهتممن بأنوثتهن. صحيح أن اثنتين منهن محجبات وواحدة لها نشاط سياسي هي سعاد العلي، لكنهن جميعاً يشتركن في خاصية الظهور والحرص على مظهر أنثوي لافت.

والأثر العميق لظواهر من نوع هؤلاء النساء يمكن لمسه في العدد الكبير للمتابعين ولحجم النقاشات التي تحيط بفتيات عراقيات شابات ومعروفات.

لقد فهمت شيماء هذا الأمر وأجابت عنه في فيديو الرثاء الذي بلغ عدد مشاهديه خلال أقل من 24 ساعة مليون ونصف متابع، “يسألوننا ليش ما تطلعون بمظاهرات ؟؟ إنهم يستهدفون المشاهير واللي عندهم متابعين..ببساطة ممكن يقتلونا”.

ما حصل من قتل لشابات عراقيات هزّ ثقةً ضعيفةً وهشّة بقدرة النساء على الحضور في العراق. قالتها شيماء في رسالتها “تارة ما شتمت سنّي ولا شتمت شيعي ولم تتحدث في السياسة فماذا استفدتم من موتها وماذا ستستفيدون من موتي”.

مثل هذا الاستهداف يحدث ضجة كبيرة تفقد الناس ثقتهم بأنفسهم، وبمجتمعهم، وبمنظومتهم الأمنية المصابة بصدع مزمن. استهداف نساء شابات شهيرات ليس بالأمر الصعب، وفي العراق تاريخ لمحطات عديدة شهدت فيها البلاد موجة قتل نساء بذرائع أخلاقية. ويكون الحال أكثر صعوبة في حالات المثليين والمتحولين جنسياً. ما من شكّ في أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ أعطت للتهديد بالقتل والبذاءة والانحطاط صوتاً أعلى وهذا ما جعل البعض يستسهل الشماتة في قتل تارة ومثيلاتها والمجاهرة بذلك حتى من قبل شخصيات يفترض أنها متصدرة في المجتمع.

قتل النساء يضيف على المشهد العراقي بعداً جديداً ويفصح عن ملمح شيطاني آخر من ملامح القاتل، ذاك أن القاتل نفسه من استهدف ناشطي البصرة ومثليي مدينة الصدر ونساء بغداد. القاتل القبيح هو ذاك نفسه القاتل الطائفي الذي قتل النساء وقتل المثليين وهجّر أبناء الطوائف الأخرى.

ما نعيشه اليوم من انحلال أخلاقي وقيميّ هو المرحلة الأخيرة من نكوص مبادئ الحرية والحداثة وحقوق النساء. هناك من لا يرى وسيلة عيش سوى بالسيطرة المطلقة وإلا فالحروب الأهلية دائمة وأبدية وهذا فهمته شيماء في الفيديو البسيط الذي نشرته فقالت باستسلام: “هسة ما نريد حرية وما نريد ولا شي .. نريد نعيش وما نموت” .

https://youtu.be/JK6eEV1GKcY