fbpx

الصحافة في اليمن.. مهنة الموت بلا سبب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تنوّعت الانتهاكات والمخاطر التي يتعرّض لها الصحفيون اليمنيون؛ بالنظر إلى طبيعة الصراع، وتعدد أطرافه، باختلاف مناطق السيطرة، وحلّت الإساءة اللفظية في مقدّمة تلك الانتهاكات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يطوِ الحقل الصحافي في اليمن صفحة عام 2021، من دون تسجيل انتهاكٍ جديد يُضاف إلى السجل الحافل، كان ذلك في الرمق الأخير لأحد أكثر الأعوام انتهاكاً في تاريخ الصحافة اليمنية، تحديداً، في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والمستهدفة هذه المرة، كانت هالة باضاوي (28 سنة)، بعد عودتها من لقاء جمعها بأركان حرب المنطقة العسكرية الثانية في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، شرق اليمن.

وجدت هالة نفسها محاطة بعناصر اتضح لاحقاً أنهم تابعون لجهاز الاستخبارات العامة، إذ أصروا على الصعود إلى سيارتها، وتوجيهها إلى مقر الاستخبارات العسكرية، حيث تم احتجازها من دون توجيه تهمٍ لها، ثم في 3 كانون الثاني/ يناير 2022، نُقلت إلى السجن المركزي في المحافظة، ولم يُسمح لأهلها بزيارتها سوى مرة واحدة، وفق ما قالته شقيقتها هند. وفي منتصف ليل الخامس من كانون الثاني، اقتُحم منزلها بموجب أمر من النيابة الجزائية، وأُخذت جميع الهواتف المحمولة التي كانت بحوزة والديها وأختها وزوجها بعد تفتيش المنزل.

عُرفت هالة بمعارضتها الإجراءات التي تنفذها السلطة المحلية والأجهزة الحكومية في حضرموت، وكانت تعبّر عن رفضها بعض الممارسات على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن صفاء باكونه، محامية هالة، تذهب إلى أنه “لا أسباب منطقية لتوجيه 12 اتهاماً لها، ولم تُقدّم الاتهامات كلائحة، أو ضمن ملفٍ للقضية، وهذا ما لم نعثر عليه، ولم يتم موافاتنا به، إلى اليوم”، تقول صفاء.

وكانت إذاعة المكلا الحكومية، أذاعت التهم الموجهة للصحافية باضاوي من بينها التخابر مع دولة أجنبية، والعمل مع إحدى الخلايا الإرهابية من خلال تمرير الألغام والعبوات الناسفة بسيارتها، واستندت الأجهزة الأمنية إلى فحص هاتفها المحمول للخروج بقائمة التهم، التي لم توجّه إليها رسمياً حتى العمل على هذه المادة.

صفحةٌ سوداء

ما يحدث لهالة، يُعد من بين 86 انتهاكاً طاول الحريات الإعلامية في اليمن خلال العام الماضي، بحسب “مرصد الحريات الإعلامية”، الذي أوضح أنه إضافة إلى حالات القتل الأربع، تم رصد ست إصابات، و18 اعتقالاً، و9 حوادث اعتداء، و13 تهديداً، و15 محاكمة واستجواباً من قبل نيابات وأقسام شرطة، و12 حالة نزوح، و5 حالات اقتحامٍ ونهبٍ وإيقاف لمؤسسات إعلامية، وأربع حالات انتهاك توزعت بين اقتحام منازل ونهب وتحريض وفصلٍ تعسفي.

وأكد المرصد في تقريره السنوي أن “العام 2021 كان أسوأ من سابقيه؛ فقد أصبح المجرمون يستخدمون أساليب مرعبة ضد الصحافيين في اليمن، ولم يكتفوا بالقنص، والاستهداف المباشر، بل وصل بهم الحال لزرع متفجرات تحت سيارات الصحافيين، كالذي حدث للصحافي محمود العتمي وزوجته الصحافية رشا الحرازي التي قضت مع جنينها، وهما في طريقهما لحجز موعد الولادة، ونُقل زوجها إلى المستشفى وهو بحالة سيئة، في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021″.

مخاطر بالجملة

البيئة الصعبة التي يعمل فيها الصحافيون والصحافيات اليمنيات خلال تغطيتهم الصراع المستمر منذ سبع سنوات، تؤكده منظمات دولية مختصة، فـ”مراسلون بلا حدود” تُصنّف اليمن ضمن القائمة السوداء في حريّة الصحافة، إذ احتلت المركز 169 عالمياً عام 2021، متراجعةً بمركزين عن عام 2020، ولا أسوأ منها عربياً سوى السعودية وسوريا، تعلّق “مراسلون بلا حدود” على ما يعيشه الصحافيون اليمنيون بالقول: “بغض النظر عن المنطقة التي هم فيها، فإن الصحافيين معرضون للمراقبة ويمكن اعتقالهم لمجرد نشر تدوينة على منصات التواصل الاجتماعي، وحتى عندما يغيّرون مهنتهم لتجنب الاضطهاد، فإنهم يظلون عرضة للملاحقات بسبب كتاباتهم السابقة.”

يصف عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي سنوات الحرب بالأخطر منذ عرفت اليمن الصحافة وحرية التعبير، “فالانتهاكات الممنهجة التي يمارسها أطراف الصراع تتسبب بتدمير المهنة، فكل ما يخطر على البال من انتهاكات، واجهه الصحافيون اليمنيون، وهذا يؤدي إلى تمزيق العمل الصحافي في البلاد وتجريفه”.

إقرأوا أيضاً:

جسدية ورقمية

لا تقتصر المعاناة الجسدية على ما هو متعارفٌ عليه من مخاطر التنقّل، وصعوبة التضاريس، ذلك في الوضع الاعتيادي، لكن ما أفرزته الحرب فاق التوقعات؛ فمنتسبو الصحافة والإعلام هدفٌ محوري لأطراف الصراع أثناء تغطيتهم الميدانية للمواجهات العسكرية، والانتهاكات المترتبة على ذلك بحق المدنيين، ونظير ذلك لقي 50 صحافياً وصحافيةً في اليمن حتفهم منذ اندلاع الحرب عام 2015. خلال الفترة ذاتها وثّق “مرصد الحريات الإعلامية” 2369 انتهاكاً بحق صحافيين، وتنوّعت الانتهاكات بين اعتقال من الحكومة المعترف بها دولياً، واختطاف من أطراف خارج إطار الحكومة، إضافةً إلى حالات نزوح وتهديد واعتداء وإيقاف عن العمل وملاحقة ومحاكمة، وتسريح من العمل، وانتهاكات أخرى استهدفت مؤسسات إعلامية.

وخلص استبيان شمل 104 صحافيين، يعملون في 16 محافظة يمنية، 59.6 في المئة منهم ذكور، و40.4 في المئة إناث، إلى أن 65.4 في المئة يتّبعون إجراءات السلامة المهنية قبل الشروع في أي مهمة، فيما 34.6 في المئة لا يتّبعون أي إجراء لضمان سلامتهم عند العمل في تغطية الصراع بالبلاد.

وأوضح الاستبيان، الذي نفذه معد التحقيق، إلى أن 43.2 في المئة يعملون لدى مؤسسات إعلامية، منهم 77.8 في المئة لا توفّر لهم جهة عملهم أدوات السلامة الجسدية والرقمية، وتُظهر النتائج فجوةً كبيرةً بين ما يُنادى به لحماية الصحافيين من قبل بعض وسائل الإعلام، وبين التنفيذ أثناء المهمات الميدانية لمراسليها والمتعاونين معها.

كما توصّل الاستبيان إلى أن ما نسبته 59.6 في المئة من الصحافيين تلقّوا تدريباً واحداً على الأقل في السلامة المهنية والرقمية، 75.8 في المئة منهم يتبعون جهاتٍ مستقلة، و14.5 في المئة يمثلون مؤسسات إعلامية حكومية، و9.7 في المئة يتبعون مؤسساتٍ حزبية، فيما لم يتلقّ 40.4 في المئة من الصحافيين أي تدريب، طوال عملهم في تغطية الصراع.

بلا حماية

على مستوى توفير أدوات السلامة الجسدية والرقمية أجاب 86.6 في المئة بأنّهم لا يحصلون على مستلزمات الحماية الجسدية والأمن الرقمي من قبل المؤسسات الإعلامية التي يعملون معها أثناء تغطيتهم الميدانية للصراع، وهو مؤشر يؤكد مدى الاستهانة بالعمل الصحافي في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.

16.7 في المئة منهم يعملون مع مؤسسات إعلامية إقليمية ودولية ولم توفر لهم مؤسساتهم أدوات السلامة الجسدية والرقمية، والحكم ذاته ينطبق على 23.3 في المئة ممن شملهم الاستبيان ويعملون في نطاقٍ محلي ضمن المحافظات اليمنية، يُضاف إليهم 60 في المئة ممن يعملون مع وسائل إعلامية نطاقها على مستوى البلاد.

وتنوّعت الانتهاكات والمخاطر التي يتعرّض لها الصحافيون اليمنيون؛ بالنظر إلى طبيعة الصراع، وتعدد أطرافه، باختلاف مناطق السيطرة، وحلّت الإساءة اللفظية في مقدّمة تلك الانتهاكات، إذ تعرّض لها نحو 30.8 في المئة، وهُدد 16.3 في المئة بالتصفية الجسدية، وأصيب 13.4 في المئة أثناء تأدية مهماتهم الميدانية، وفيما لم يتعرّض 12.5 في المئة لأي خطر، فإن 27 في المئة تعرّضوا للاعتداء الجسدي، والاعتقال التعسفي، ومحاولات الاختطاف، وتلقّوا رسائل تهديد ومحاولات اختراق حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الرصد والتتبع.

“الصحافيون بطبيعة عملهم، تكون حساباتهم عرضةً للاختراق؛ كونهم يملكون معلومات مهمّة سواء على مستوى الضحايا أو انتهاكات أطراف الصراع، إضافةً إلى عمليات الابتزاز والتشهير التي تجد من الحرب بيئةً خصبةً لها”، هذه أهم المخاطر الرقمية التي حددها لنا المختص الرقمي فهمي الباحث، مضيفاً: “اكتساب المهارات الرقمية والتقنية، والعمل على خطة أمنية مبنية على تقييم المخاطر وفق طبيعة العمل ومكان المهمّة، والقدرة على احتواء الموقف وسرعة التعامل مع ما قد يواجهه في نقاط التفتيش أو أثناء التغطية الميدانية، هذه الأمور مهمّة ويجدر بالصحافيين اليمنيين أن يكونوا على إدراك ودراية بها قبل أي مهمّة لهم”.

يشخّص الخبير الإعلامي والمدرب في السلامة المهنية ياسين الزكري الوضع بقوله: “المئات من الصحافيين تلقّوا تدريبات على مستوى السلامة الجسدية أثناء تغطية الصراع، ولكن التزامهم محدود؛ لأن الجهات التي يعملون معها لا تعير ذلك اهتماماً، ولا توفر الحد الأدنى من أدوات الحماية، علماً أن أسعارها مبالغ فيها، لا يستطيع الصحافي شراءها مقارنةً بالمردود الذي يتقاضاه”.

“اكتساب المهارات الرقمية والتقنية، والعمل على خطة أمنية مبنية على تقييم المخاطر وفق طبيعة العمل ومكان المهمّة، والقدرة على احتواء الموقف وسرعة التعامل مع ما قد يواجهه في نقاط التفتيش أو أثناء التغطية الميدانية، هذه الأمور مهمّة ويجدر بالصحافيين اليمنيين أن يكونوا على إدراك ودراية بها قبل أي مهمّة لهم”.

تبعات نفسية وقانونية

المخاطر الجسدية والرقمية تبدو ملموسة، يُمكن التعامل معها بشكلٍ فوري، واتخاذ تدابير وقائية وإن بشكلٍ أولي، لكن العمل الصحافي وسط الظروف اليمنية الراهنة ولّد تبعاتٍ نفسية وخيمة، إذ بات كثيرون يعيشون تحت وقع قصصهم الإنسانية، وكأنّهم محتجزون فيها.

تضاف إلى ذلك عواملُ أخرى كالتي يعيشها الصحافي صدام المدني أثناء تغطيته سير المعارك العسكرية في محافظة مأرب، شمال اليمن، فمع كل منشورٍ له تنهال عليه اتصالات عائلته لثنيه عن ذلك، “أعيش ضغطاً نفسياً رهيباً؛ نتيجة المشاهدات اليومية للصراع وضحاياه، وضغط أسرتي التي لا يفارقها القلق، بسبب عملي، وهناك تهديدات وشتائم لا حصر لها، تصلني عبر حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي.”، يقول صدام. ويضيف: “لم أعد أخشى على نفسي إن أصابني مكروه، جل تفكيري وتركيزي منصب على والديّ وقد تجاوزا الـ75، إذ يتلقيان تهديداتٍ ورسائل؛ لثنيي عما أقوم به، وهذه الضغوط تؤثر في حالتهم النفسية والجسدية”.

في صنعاء، حيث تسيطر جماعة “أنصار الله” الحوثيين، اختار “عصام” اسماً مستعاراً لنشر مواده الصحافية منذ عام 2015، “كان عليّ أن أستمر بالتخفي، في ظل الضغوط النفسية المستمرة؛ لأن وضعي سيكون صعباً في حال كُشف اسمي، هذا ما أخشاه، وبسببه أفكر جدياً في ترك عملي الصحافي، لكن ربما سيستغلون ذلك قانونياً، ولن يترددوا في توجيه تهمة العمالة وخيانة البلاد إليّ”.

الصحافية رانيا عبدالله، تعبّر عما تواجهه مع زملائها، مشيرة إلى أن العمل الصحافي في اليمن غير مشجّع؛ “نفتقر لعقود العمل المنظِّمة لطبيعة المهمات بين الصحافي والمؤسسة التي يعمل فيها أو يتعاون معها، ولا يوجد تأمين صحي، أو برامج دعم نفسي، حتى الأجور ليست بمستوى المهمات الموكلة إلينا”.

“العمل الصحافي بطبيعته فيه الكثير من الضغوط النفسية، فما بالك إذا كان في بيئة صراع، والتبعات تختلف من صحافي إلى آخر، بحسب الظروف التي يعيشها فهناك من يصاب بالقلق، وآخر بالصدمة وكرب ما بعد الصدمة، وأشخاص يصابون بالاكتئاب، واضطراب الصدمة الثانوية، وهذه تحدث في حالة التغطية المستمرة لضحايا الصراع”، أوضحت الاختصاصية النفسية منى الذبحاني، عند سؤالنا عن التبعات النفسية لتغطية الصراع. وأضافت: “الصحافيون بحاجة لدورات تأهيلية قبل تغطيتهم الصراع، كالاهتمام بالذات، وكيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية التي تواجههم أثناء عملهم، حتى لا يؤذوا أنفسهم نتيجة معايشتهم الأوضاع المتقلبة”.ويعد اليمن من أخطر بيئات العمل للصحافيين في العالم؛ إذ يعيش البلد حرباً خلّفت 377 ألف قتيل حتى نهاية عام 2021، بحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66 في المئة من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية في ظل أزمة هي الأسوأ في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة. 

محمد علي محروس – موقع خيوط

إقرأوا أيضاً:

طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 02.12.2024

من يرد عنا تهديدات أدرعي؟ 

يفترض واقع الحال مباشرة الجيش مهمته القديمة والمستحدثة، كضامن وحيد لأمن الجنوبيين، ولو بحد أدنى متاحاً يستدعي بالضرورة تفعيل دور مديرية التوجيه فيه، كي لا يبقى الجنوبيون أسرى لاستعلاء ذميم يمارسه عليهم أفيخاي أدرعي.
31.01.2022
زمن القراءة: 7 minutes

تنوّعت الانتهاكات والمخاطر التي يتعرّض لها الصحفيون اليمنيون؛ بالنظر إلى طبيعة الصراع، وتعدد أطرافه، باختلاف مناطق السيطرة، وحلّت الإساءة اللفظية في مقدّمة تلك الانتهاكات.

لم يطوِ الحقل الصحافي في اليمن صفحة عام 2021، من دون تسجيل انتهاكٍ جديد يُضاف إلى السجل الحافل، كان ذلك في الرمق الأخير لأحد أكثر الأعوام انتهاكاً في تاريخ الصحافة اليمنية، تحديداً، في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والمستهدفة هذه المرة، كانت هالة باضاوي (28 سنة)، بعد عودتها من لقاء جمعها بأركان حرب المنطقة العسكرية الثانية في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، شرق اليمن.

وجدت هالة نفسها محاطة بعناصر اتضح لاحقاً أنهم تابعون لجهاز الاستخبارات العامة، إذ أصروا على الصعود إلى سيارتها، وتوجيهها إلى مقر الاستخبارات العسكرية، حيث تم احتجازها من دون توجيه تهمٍ لها، ثم في 3 كانون الثاني/ يناير 2022، نُقلت إلى السجن المركزي في المحافظة، ولم يُسمح لأهلها بزيارتها سوى مرة واحدة، وفق ما قالته شقيقتها هند. وفي منتصف ليل الخامس من كانون الثاني، اقتُحم منزلها بموجب أمر من النيابة الجزائية، وأُخذت جميع الهواتف المحمولة التي كانت بحوزة والديها وأختها وزوجها بعد تفتيش المنزل.

عُرفت هالة بمعارضتها الإجراءات التي تنفذها السلطة المحلية والأجهزة الحكومية في حضرموت، وكانت تعبّر عن رفضها بعض الممارسات على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن صفاء باكونه، محامية هالة، تذهب إلى أنه “لا أسباب منطقية لتوجيه 12 اتهاماً لها، ولم تُقدّم الاتهامات كلائحة، أو ضمن ملفٍ للقضية، وهذا ما لم نعثر عليه، ولم يتم موافاتنا به، إلى اليوم”، تقول صفاء.

وكانت إذاعة المكلا الحكومية، أذاعت التهم الموجهة للصحافية باضاوي من بينها التخابر مع دولة أجنبية، والعمل مع إحدى الخلايا الإرهابية من خلال تمرير الألغام والعبوات الناسفة بسيارتها، واستندت الأجهزة الأمنية إلى فحص هاتفها المحمول للخروج بقائمة التهم، التي لم توجّه إليها رسمياً حتى العمل على هذه المادة.

صفحةٌ سوداء

ما يحدث لهالة، يُعد من بين 86 انتهاكاً طاول الحريات الإعلامية في اليمن خلال العام الماضي، بحسب “مرصد الحريات الإعلامية”، الذي أوضح أنه إضافة إلى حالات القتل الأربع، تم رصد ست إصابات، و18 اعتقالاً، و9 حوادث اعتداء، و13 تهديداً، و15 محاكمة واستجواباً من قبل نيابات وأقسام شرطة، و12 حالة نزوح، و5 حالات اقتحامٍ ونهبٍ وإيقاف لمؤسسات إعلامية، وأربع حالات انتهاك توزعت بين اقتحام منازل ونهب وتحريض وفصلٍ تعسفي.

وأكد المرصد في تقريره السنوي أن “العام 2021 كان أسوأ من سابقيه؛ فقد أصبح المجرمون يستخدمون أساليب مرعبة ضد الصحافيين في اليمن، ولم يكتفوا بالقنص، والاستهداف المباشر، بل وصل بهم الحال لزرع متفجرات تحت سيارات الصحافيين، كالذي حدث للصحافي محمود العتمي وزوجته الصحافية رشا الحرازي التي قضت مع جنينها، وهما في طريقهما لحجز موعد الولادة، ونُقل زوجها إلى المستشفى وهو بحالة سيئة، في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021″.

مخاطر بالجملة

البيئة الصعبة التي يعمل فيها الصحافيون والصحافيات اليمنيات خلال تغطيتهم الصراع المستمر منذ سبع سنوات، تؤكده منظمات دولية مختصة، فـ”مراسلون بلا حدود” تُصنّف اليمن ضمن القائمة السوداء في حريّة الصحافة، إذ احتلت المركز 169 عالمياً عام 2021، متراجعةً بمركزين عن عام 2020، ولا أسوأ منها عربياً سوى السعودية وسوريا، تعلّق “مراسلون بلا حدود” على ما يعيشه الصحافيون اليمنيون بالقول: “بغض النظر عن المنطقة التي هم فيها، فإن الصحافيين معرضون للمراقبة ويمكن اعتقالهم لمجرد نشر تدوينة على منصات التواصل الاجتماعي، وحتى عندما يغيّرون مهنتهم لتجنب الاضطهاد، فإنهم يظلون عرضة للملاحقات بسبب كتاباتهم السابقة.”

يصف عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي سنوات الحرب بالأخطر منذ عرفت اليمن الصحافة وحرية التعبير، “فالانتهاكات الممنهجة التي يمارسها أطراف الصراع تتسبب بتدمير المهنة، فكل ما يخطر على البال من انتهاكات، واجهه الصحافيون اليمنيون، وهذا يؤدي إلى تمزيق العمل الصحافي في البلاد وتجريفه”.

إقرأوا أيضاً:

جسدية ورقمية

لا تقتصر المعاناة الجسدية على ما هو متعارفٌ عليه من مخاطر التنقّل، وصعوبة التضاريس، ذلك في الوضع الاعتيادي، لكن ما أفرزته الحرب فاق التوقعات؛ فمنتسبو الصحافة والإعلام هدفٌ محوري لأطراف الصراع أثناء تغطيتهم الميدانية للمواجهات العسكرية، والانتهاكات المترتبة على ذلك بحق المدنيين، ونظير ذلك لقي 50 صحافياً وصحافيةً في اليمن حتفهم منذ اندلاع الحرب عام 2015. خلال الفترة ذاتها وثّق “مرصد الحريات الإعلامية” 2369 انتهاكاً بحق صحافيين، وتنوّعت الانتهاكات بين اعتقال من الحكومة المعترف بها دولياً، واختطاف من أطراف خارج إطار الحكومة، إضافةً إلى حالات نزوح وتهديد واعتداء وإيقاف عن العمل وملاحقة ومحاكمة، وتسريح من العمل، وانتهاكات أخرى استهدفت مؤسسات إعلامية.

وخلص استبيان شمل 104 صحافيين، يعملون في 16 محافظة يمنية، 59.6 في المئة منهم ذكور، و40.4 في المئة إناث، إلى أن 65.4 في المئة يتّبعون إجراءات السلامة المهنية قبل الشروع في أي مهمة، فيما 34.6 في المئة لا يتّبعون أي إجراء لضمان سلامتهم عند العمل في تغطية الصراع بالبلاد.

وأوضح الاستبيان، الذي نفذه معد التحقيق، إلى أن 43.2 في المئة يعملون لدى مؤسسات إعلامية، منهم 77.8 في المئة لا توفّر لهم جهة عملهم أدوات السلامة الجسدية والرقمية، وتُظهر النتائج فجوةً كبيرةً بين ما يُنادى به لحماية الصحافيين من قبل بعض وسائل الإعلام، وبين التنفيذ أثناء المهمات الميدانية لمراسليها والمتعاونين معها.

كما توصّل الاستبيان إلى أن ما نسبته 59.6 في المئة من الصحافيين تلقّوا تدريباً واحداً على الأقل في السلامة المهنية والرقمية، 75.8 في المئة منهم يتبعون جهاتٍ مستقلة، و14.5 في المئة يمثلون مؤسسات إعلامية حكومية، و9.7 في المئة يتبعون مؤسساتٍ حزبية، فيما لم يتلقّ 40.4 في المئة من الصحافيين أي تدريب، طوال عملهم في تغطية الصراع.

بلا حماية

على مستوى توفير أدوات السلامة الجسدية والرقمية أجاب 86.6 في المئة بأنّهم لا يحصلون على مستلزمات الحماية الجسدية والأمن الرقمي من قبل المؤسسات الإعلامية التي يعملون معها أثناء تغطيتهم الميدانية للصراع، وهو مؤشر يؤكد مدى الاستهانة بالعمل الصحافي في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.

16.7 في المئة منهم يعملون مع مؤسسات إعلامية إقليمية ودولية ولم توفر لهم مؤسساتهم أدوات السلامة الجسدية والرقمية، والحكم ذاته ينطبق على 23.3 في المئة ممن شملهم الاستبيان ويعملون في نطاقٍ محلي ضمن المحافظات اليمنية، يُضاف إليهم 60 في المئة ممن يعملون مع وسائل إعلامية نطاقها على مستوى البلاد.

وتنوّعت الانتهاكات والمخاطر التي يتعرّض لها الصحافيون اليمنيون؛ بالنظر إلى طبيعة الصراع، وتعدد أطرافه، باختلاف مناطق السيطرة، وحلّت الإساءة اللفظية في مقدّمة تلك الانتهاكات، إذ تعرّض لها نحو 30.8 في المئة، وهُدد 16.3 في المئة بالتصفية الجسدية، وأصيب 13.4 في المئة أثناء تأدية مهماتهم الميدانية، وفيما لم يتعرّض 12.5 في المئة لأي خطر، فإن 27 في المئة تعرّضوا للاعتداء الجسدي، والاعتقال التعسفي، ومحاولات الاختطاف، وتلقّوا رسائل تهديد ومحاولات اختراق حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الرصد والتتبع.

“الصحافيون بطبيعة عملهم، تكون حساباتهم عرضةً للاختراق؛ كونهم يملكون معلومات مهمّة سواء على مستوى الضحايا أو انتهاكات أطراف الصراع، إضافةً إلى عمليات الابتزاز والتشهير التي تجد من الحرب بيئةً خصبةً لها”، هذه أهم المخاطر الرقمية التي حددها لنا المختص الرقمي فهمي الباحث، مضيفاً: “اكتساب المهارات الرقمية والتقنية، والعمل على خطة أمنية مبنية على تقييم المخاطر وفق طبيعة العمل ومكان المهمّة، والقدرة على احتواء الموقف وسرعة التعامل مع ما قد يواجهه في نقاط التفتيش أو أثناء التغطية الميدانية، هذه الأمور مهمّة ويجدر بالصحافيين اليمنيين أن يكونوا على إدراك ودراية بها قبل أي مهمّة لهم”.

يشخّص الخبير الإعلامي والمدرب في السلامة المهنية ياسين الزكري الوضع بقوله: “المئات من الصحافيين تلقّوا تدريبات على مستوى السلامة الجسدية أثناء تغطية الصراع، ولكن التزامهم محدود؛ لأن الجهات التي يعملون معها لا تعير ذلك اهتماماً، ولا توفر الحد الأدنى من أدوات الحماية، علماً أن أسعارها مبالغ فيها، لا يستطيع الصحافي شراءها مقارنةً بالمردود الذي يتقاضاه”.

“اكتساب المهارات الرقمية والتقنية، والعمل على خطة أمنية مبنية على تقييم المخاطر وفق طبيعة العمل ومكان المهمّة، والقدرة على احتواء الموقف وسرعة التعامل مع ما قد يواجهه في نقاط التفتيش أو أثناء التغطية الميدانية، هذه الأمور مهمّة ويجدر بالصحافيين اليمنيين أن يكونوا على إدراك ودراية بها قبل أي مهمّة لهم”.

تبعات نفسية وقانونية

المخاطر الجسدية والرقمية تبدو ملموسة، يُمكن التعامل معها بشكلٍ فوري، واتخاذ تدابير وقائية وإن بشكلٍ أولي، لكن العمل الصحافي وسط الظروف اليمنية الراهنة ولّد تبعاتٍ نفسية وخيمة، إذ بات كثيرون يعيشون تحت وقع قصصهم الإنسانية، وكأنّهم محتجزون فيها.

تضاف إلى ذلك عواملُ أخرى كالتي يعيشها الصحافي صدام المدني أثناء تغطيته سير المعارك العسكرية في محافظة مأرب، شمال اليمن، فمع كل منشورٍ له تنهال عليه اتصالات عائلته لثنيه عن ذلك، “أعيش ضغطاً نفسياً رهيباً؛ نتيجة المشاهدات اليومية للصراع وضحاياه، وضغط أسرتي التي لا يفارقها القلق، بسبب عملي، وهناك تهديدات وشتائم لا حصر لها، تصلني عبر حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي.”، يقول صدام. ويضيف: “لم أعد أخشى على نفسي إن أصابني مكروه، جل تفكيري وتركيزي منصب على والديّ وقد تجاوزا الـ75، إذ يتلقيان تهديداتٍ ورسائل؛ لثنيي عما أقوم به، وهذه الضغوط تؤثر في حالتهم النفسية والجسدية”.

في صنعاء، حيث تسيطر جماعة “أنصار الله” الحوثيين، اختار “عصام” اسماً مستعاراً لنشر مواده الصحافية منذ عام 2015، “كان عليّ أن أستمر بالتخفي، في ظل الضغوط النفسية المستمرة؛ لأن وضعي سيكون صعباً في حال كُشف اسمي، هذا ما أخشاه، وبسببه أفكر جدياً في ترك عملي الصحافي، لكن ربما سيستغلون ذلك قانونياً، ولن يترددوا في توجيه تهمة العمالة وخيانة البلاد إليّ”.

الصحافية رانيا عبدالله، تعبّر عما تواجهه مع زملائها، مشيرة إلى أن العمل الصحافي في اليمن غير مشجّع؛ “نفتقر لعقود العمل المنظِّمة لطبيعة المهمات بين الصحافي والمؤسسة التي يعمل فيها أو يتعاون معها، ولا يوجد تأمين صحي، أو برامج دعم نفسي، حتى الأجور ليست بمستوى المهمات الموكلة إلينا”.

“العمل الصحافي بطبيعته فيه الكثير من الضغوط النفسية، فما بالك إذا كان في بيئة صراع، والتبعات تختلف من صحافي إلى آخر، بحسب الظروف التي يعيشها فهناك من يصاب بالقلق، وآخر بالصدمة وكرب ما بعد الصدمة، وأشخاص يصابون بالاكتئاب، واضطراب الصدمة الثانوية، وهذه تحدث في حالة التغطية المستمرة لضحايا الصراع”، أوضحت الاختصاصية النفسية منى الذبحاني، عند سؤالنا عن التبعات النفسية لتغطية الصراع. وأضافت: “الصحافيون بحاجة لدورات تأهيلية قبل تغطيتهم الصراع، كالاهتمام بالذات، وكيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية التي تواجههم أثناء عملهم، حتى لا يؤذوا أنفسهم نتيجة معايشتهم الأوضاع المتقلبة”.ويعد اليمن من أخطر بيئات العمل للصحافيين في العالم؛ إذ يعيش البلد حرباً خلّفت 377 ألف قتيل حتى نهاية عام 2021، بحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66 في المئة من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية في ظل أزمة هي الأسوأ في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة. 

محمد علي محروس – موقع خيوط

إقرأوا أيضاً: