fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الصراع “المنسيّ” في السودان: خريطة الأحداث

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في 15 نيسان/ أبريل 2023، اجتاحت الحرب العاصمة السودانية الخرطوم، فتحوّلت إلى ساحة معركة مليئة بالمباني المخترقة بالرصاص والجثث المرمية في الشوارع، ثم انتقلت إلى بقية البلاد مع تصاعد التوتر والمجازر وحركة نزوح جماعية داخلية وخارجية وتقارير عن تطهير عرقي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اشتعلت الحرب في السودان نتيجة الصراع بين أقوى شخصيتين في البلاد، عبد الفتاح البرهان رئيس السودان منذ سقوط حكومة البشير عام 2019، ومحمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، زعيم قوات الدعم السريع، وهي وحدة  شبه عسكرية تقول أميركا إن الإمارات تموِّلها.

في تغريدة نشرتها عضوة قيادة مجلس النواب الديمقراطي، وعضوة لجنتي الشؤون الخارجية والقوات المسلحة بمجلس النواب، سارا جايكوب، على X، تقول إن “إحدى أسرع الطرق لإنهاء الحرب في السودان وإنهاء المعاناة هي أن تتوقف الإمارات العربية المتحدة عن دعم قوات الدعم السريع. يجب على الولايات المتحدة استخدام كل نفوذها لتحقيق ذلك، ولهذا السبب أقود مشروع قانون لحظر مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الإمارات حتى يتوقفوا عن تأجيج هذه الحرب”.

كان الرجلان حليفين في السابق، وفي عام 2019 دبرا معاً انقلاباً عسكرياً أدى إلى إطاحة حكومة تقاسم السلطة في السودان، التي نتجت بعد سقوط حكومة عمر البشير، وبذلك عرقلا انتقال البلاد القصير الأمد إلى الديمقراطية.

لكن اختلف الحليفان، فبرهان يريد أن يتم دمج قوات الدعم السريع المخطط له في غضون عامين، بينما يرفض حميدتي الدمج مصراً على أنه يجب أن يمتد على مدى عقد من الزمان. 

الآن، هما في صراع شرس على السلطة ولم يظهر أي منهما أي مؤشر حقيقي إلى التراجع، وأدى القتال بين الجيش وجماعة شبه عسكرية قوية إلى مذابح، وتسبّب في فرار الملايين من منازلهم، وهو يهدّد الآن بالتسبّب في مجاعة.

البرهان vs حميدتي

يقوم نظام الحكم في السودان ومنذ بداية تشكيل الدولة، على الاعتماد على الولاء القبلي والديني وترابطه مع الانتماء السياسي والعسكري. من هنا وعند البحث عن خلفية زعيمي طرفي الصراع في السودان، ستجد أن القبيلة والانتماء الديني هما الأساس في تشكيل شخصية كل منهم.

عبد الفتاح البرهان وهو من مواليد العام 1960 في ولاية نهر النيل شمال السودان، ينتمي إلى أسرة متدينة تتبع الطريقة الختمية، وهي إحدى الطرق الصوفية في السودان، ولها ارتباط سياسي، إذ تعد الذراع الدينية للحزب الاتحادي الديمقراطي.

بينما ينتمي محمد حمدان دقلو الملقب بـ (حميدتي)، وهو من مواليد 1975، إلى قبيلة الرزيقات البدوية العربية، وهي من أكبر القبائل العربية في السودان وتتمركز في إقليم دارفور وكردفان بشكل أساسي.

على عكس البرهان الذي انضمّ الى الكلية الحربية السودانية بعد إنهاء دراسته، فإن دقلو ترك الدراسة مبكراً ليتحوّل الى تجارة الإبل ويعمل على حماية القوافل التجارية بين ليبيا ومالي والسودان، ومنها شكّل ثروة كبيرة ساعدته على تأسيس قواته التي عُرفت لاحقاً باسم قوات الدعم السريع.

على رغم الخلاف الحالي بين الشخصيتين، إلا أن مسيرتهما المهنية تقاطعت في محطات عدة، بداية من مشاركة الإثنين ضمن حرب دارفور في قمع القبائل غير العربية، وأهمها قبيلة المساليت، وهي قبيلة إفريقية ثارت ضد حكومة عمر البشير عام 2003، وقد أودت هذه الحرب بحياة مئات الآلاف من القبائل غير العربية. كما شارك الاثنان في الإشراف على القوات السودانية المشاركة ضمن قوات التحالف العربي في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية للقتال ضد قوات الحوثي.

المصلحة الأخيرة التي جمعت طرفي النزاع هي الاتفاق على تولّي حكم السودان بعد سقوط حكومة البشير عام 2019، آنذاك كان رئيس الأركان العامة الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي والحاكم الفعلي للسودان، بينما عمل حميدتي كنائب له.

قوات الدعم السريع: الجني الذي يقاتل على صهوة فرسه

منذ تسلّم البشير الحكم بعد انقلاب الجبهة الإسلامية عام 1989 بغطاء من الجيش، عمل على محاربة الأحزاب المدنية التقليدية، إذ كان يشرف جهاز الأمن على إنشاء أحزاب تكون تحت رايته باطنياً، وظاهرياً تعتبر معارضة، ما أدى الى تفريخ عدد مهول من الأحزاب السياسية.

ومع بداية الحركات المسلّحة التي نشأت في غرب السودان، أصبح الجيش يحارب في جنوب السودان وغربه، فلجأ نظام البشير الى حيلته المعهودة، ولكن بدل تفريخ أحزاب مدنية لمحاربة المعارضة أنتج هذه المرة قوات الجنجويد، التي تحولت لاحقاً الى الدعم السريع لمحاربة الحركات المسلّحة.

أمر عمر البشير نائبه الأول حينها علي عثمان طه، بالإشراف المباشر على تنظيم هذه القوات بين العامين 2002 و2003 ليعمل البشير عام 2013 على دمجها في الجيش تحت مسمى قوات الدعم السريع، ما جعل سيف العقوبات والملاحقات الجنائية تطاول البشير ونظامه نتيجة الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع في الغرب، حيث كان يُطلق عليها اسم “الجنجويد”.

وتأتي كلمة جنجويد، وهي مصطلح مركب أطلقه سكان دارفور على هذه القوات، من كلمة “جن” أي الجني الذي يحمل السلاح، و “جويد” وهي تعني الجواد أو الخيل.

كانوا كأشباح الموت، فما دخلوا قرية إلا وأحرقوها وقتلوا رجالها واغتصبوا نساءها. كانت قصصهم كأفلام الرعب، تصل إلى مسامع بقية الشعب، ومن شدّة الأهوال التي تُروى ينقسم الناس ما بين مكذّب ومصدّق. 

2019 كان موعد سقوط النظام، إذ صاحبت أيام الاحتجاجات مخاوف أبرزها كانت من موقف الدعم السريع، فالبشير كان يطلق على حميدتي اسم “حمايتي”، إذ إن اعتماده على القوات الموازية كان أكبر من الجيش، ولكن كان للدعم السريع نصيب الأسد من الاهتمام. وعلى رغم كل التسهيلات التي قُدمت لهذه القوات، إلا أن خروج حميدتي في تسجيل مشهور إبان الثورة وحديثه عن الضعف الاقتصادي للحكومة، كان كضوء أخضر.

بعد سقوط النظام ساد هرج ومرج، عندها دخلت هذه القوات (الدعم السريع) الى العاصمة في سابقة فريدة من نوعها تحت غطاء قوة تأمينية، وهو ما يفسر أن معظم المقار التي سقطت في يدها لاحقاً كانت تحت حراستها مسبقاً، وأبرزها القصر الجمهوري والإذاعة، التي استطاع الجيش أن يستردها في عملية عسكرية الشهر الفائت.

انتشار ثم بيان ثم حرب

بعدما وقّع المدنيون والجيش على اتفاق لتقاسم السلطة في عام 2019، أصبح البرهان رئيساً لمجلس السيادة للإشراف على انتقال السودان إلى الحكم الديمقراطي. ولكن مع اقتراب موعد تسليم السلطة للمدنيين أواخر العام 2021، تراجع البرهان عن موقفه. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، اتحد البرهان وحميدتي للسيطرة على السلطة في انقلاب عسكري، لكن سرعان ما نشب خلاف بينهما.

بعد دخول قوات الدعم السريع الى العاصمة الخرطوم إثر سقوط نظام البشير، شكّل وجودها في المدن كقوات تأمين وحماية للممتلكات والمقار الرسمية، غير أن حميدتي كان يرغب في أن يكون لقواته دور أكبر وانتشار أوسع في المدن، بخاصة العاصمة.

ومع نهاية الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل 2023، حقق حميدتي انتشاراً جديداً وواسعاً لقواته في مدن العاصمة السودانية، ومنها مروي وأم درمان والخرطوم بحري، لتصدر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بياناً بتاريخ 13/04/2023 تدين فيه بشدة هذا الانتشار.

وأشار الجيش السوداني في بيانه، إلى أن هذا الانتشار تم من دون موافقته أو التنسيق معه، وأنه يخالف مهام قوات الدعم السريع وعملها. كما دعا الجيش إلى انسحاب القوات المنتشرة في غضون 24 ساعة وإلا سيتم إجبارها على ذلك، إلا أن الدعم السريع لم تنسحب ما دفع الجيش الى الانتشار ووضع قواته في حالة تأهب.

في صباح 15 نيسان 2023، بدأت المعارك في الخرطوم ومدينة مروي ومناطق أخرى، وحاصرت قوات الدعم السريع عدداً من مراكز القيادة والمرافق الحكومية ومنها مقر القيادة العامة السودانية، واندلعت اشتباكات بينها وبين الجيش السوداني في معظم مناطق العاصمة الخرطوم، ليصدر بعدها البرهان قراراً بتاريخ 17/04/2023 بحل قوات الدعم السريع.

خريطة السيطرة العسكرية

بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب، أعلنت نقابة أطباء السودان مقتل ما يزيد على 30 ألفاً، وإصابة أكثر من 70 ألف شخص، بينما نزح حوالى 5.9 مليون شخص داخل البلاد، ما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم.

ويخوض الطرفان صراعاً دموياً للسيطرة على الدولة الغنية بالموارد، حيث يمثل الذهب 40 في المئة من صادرات السودان، وتسيطر قوات الدعم السريع على مناجم الذهب، بخاصة في دارفور، والتي تساعد في تمويل عمليات تجنيد المقاتلين.

لا تزال خريطة السيطرة متشابكة وغير واضحة في الكثير من المناطق، بخاصة في الخرطوم التي يسعى الطرفان الى بسط السيطرة عليها، وهما يخوضان حرب استنزاف طويلة مع عدم حسم للمعركة، إذ عمل الجيش السوداني الشهر الفائت على شن هجوم داخل العاصمة تمكن من خلاله من استعادة السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون الاستراتيجي، وتمدّده في عدد من أحياء أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل المنطقة الحضرية الكبرى في الخرطوم، إلا أن قوات الدعم السريع لا تزال تسيطر على الجزء الأكبر من العاصمة.

يمكن القول إنه وبعد مرور أكثر من عام على بدء الصراع، إن المناطق الشمالية والشمالية الشرقية بما في ذلك بورتسودان على البحر الأحمر، تعتبر مناطق سيطرة للجيش السوداني، بينما تشكل المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية تحديداً مناطق قوة وتمركز لقوات الدعم السريع، حيث تقع ولاية دارفور مسقط رأس حميدتي ومركز نفوذه الرئيسي. 

كما استولت قوات الدعم السريع على ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في انتكاسة كبيرة للجيش، وهناك تدور أعنف المعارك الآن، إذ اتُّهمت قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع كثيرة. 

كما حاصرت المجموعة شبه العسكرية مدينة الفاشر، آخر مدينة في دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش، ما أثار تحذيرات عالية من مذبحة عرقية محتملة.

علاقات دولية وإقليمية

يسعى الطرفان إلى كسب المزيد من الدعم لحسم المعركة، إذ قام زعيما الحرب بعدد من الزيارات العام الفائت إلى دول خارج السودان للحصول على الدعم السياسي، ففيما زار حميدتي عدداً من الدول الإفريقية منها كينيا وإثيوبيا وأوغندا، تحدث البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن قواته عازمة على مواصلة القتال حتى النصر.

وكان عدد من التقارير الصحافية أشار الى أن الإمارات العربية المتحدة تمدّ قوات الدعم السريع بالدعم، إذ تعمل على نقل الأسلحة لها عبر رحلات جوية بين مطار أبو ظبي وأحد مطارات تشاد الحدودية مع السودان، ومنها تنقل إلى السودان براً، بينما تنفي الإمارات هذه التقارير وتقول إن هذه الشحنات هي مساعدات إنسانية للشعب السوداني، كما تدعي أنها أنشأت مستشفيات ميدانية في المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان.

توجد روسيا أيضاً على طرفي النزاع، إذ أمنت دعماً لقوات الدعم السريع عبر قوات فاغنر في بداية الصراع قبل أن يتم حل الآخيرة، فيما أعلن أحد قادة الجيش السوداني أنهم يمكن أن يسمحوا لروسيا بالوصول إلى البحر الأحمر مقابل تأمين الدعم بالسلاح.

وكان الجيش السوداني استعان في تقدّمه الأخير داخل العاصمة الخرطوم، بطائرات بدون طيار مسلّحة من إيران، وهو أمر أثار قلق واشنطن، التي تزيد خلال الفترة الأخيرة الضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة الحوار في جدة.

إنها معركة لم تُحسم بعد وليس هناك أي شكل لمناطق النفوذ حتى الآن، إلا أن الخاسر الأكبر فيها هو الشعب السوداني الذي يدفع الثمن، إذ تجاوز التضخم الـ 60 في المئة، بينما فر الملايين من الحرب الى مخيمات داخل البلاد أو في دول الجوار. معركة يمكن القول عنها إنها قبلية ومعركة سيطرة على الموارد في بلد يضم 570 قبيلة منتمية الى 57 مجموعة إثنية، بلد يشكل فيه المسلمون نسبة 91 في المئة من السكان، والمسيحيون 5.4، بحسب مركز بيو للأبحاث.

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
11.06.2024
زمن القراءة: 8 minutes

في 15 نيسان/ أبريل 2023، اجتاحت الحرب العاصمة السودانية الخرطوم، فتحوّلت إلى ساحة معركة مليئة بالمباني المخترقة بالرصاص والجثث المرمية في الشوارع، ثم انتقلت إلى بقية البلاد مع تصاعد التوتر والمجازر وحركة نزوح جماعية داخلية وخارجية وتقارير عن تطهير عرقي.

اشتعلت الحرب في السودان نتيجة الصراع بين أقوى شخصيتين في البلاد، عبد الفتاح البرهان رئيس السودان منذ سقوط حكومة البشير عام 2019، ومحمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، زعيم قوات الدعم السريع، وهي وحدة  شبه عسكرية تقول أميركا إن الإمارات تموِّلها.

في تغريدة نشرتها عضوة قيادة مجلس النواب الديمقراطي، وعضوة لجنتي الشؤون الخارجية والقوات المسلحة بمجلس النواب، سارا جايكوب، على X، تقول إن “إحدى أسرع الطرق لإنهاء الحرب في السودان وإنهاء المعاناة هي أن تتوقف الإمارات العربية المتحدة عن دعم قوات الدعم السريع. يجب على الولايات المتحدة استخدام كل نفوذها لتحقيق ذلك، ولهذا السبب أقود مشروع قانون لحظر مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الإمارات حتى يتوقفوا عن تأجيج هذه الحرب”.

كان الرجلان حليفين في السابق، وفي عام 2019 دبرا معاً انقلاباً عسكرياً أدى إلى إطاحة حكومة تقاسم السلطة في السودان، التي نتجت بعد سقوط حكومة عمر البشير، وبذلك عرقلا انتقال البلاد القصير الأمد إلى الديمقراطية.

لكن اختلف الحليفان، فبرهان يريد أن يتم دمج قوات الدعم السريع المخطط له في غضون عامين، بينما يرفض حميدتي الدمج مصراً على أنه يجب أن يمتد على مدى عقد من الزمان. 

الآن، هما في صراع شرس على السلطة ولم يظهر أي منهما أي مؤشر حقيقي إلى التراجع، وأدى القتال بين الجيش وجماعة شبه عسكرية قوية إلى مذابح، وتسبّب في فرار الملايين من منازلهم، وهو يهدّد الآن بالتسبّب في مجاعة.

البرهان vs حميدتي

يقوم نظام الحكم في السودان ومنذ بداية تشكيل الدولة، على الاعتماد على الولاء القبلي والديني وترابطه مع الانتماء السياسي والعسكري. من هنا وعند البحث عن خلفية زعيمي طرفي الصراع في السودان، ستجد أن القبيلة والانتماء الديني هما الأساس في تشكيل شخصية كل منهم.

عبد الفتاح البرهان وهو من مواليد العام 1960 في ولاية نهر النيل شمال السودان، ينتمي إلى أسرة متدينة تتبع الطريقة الختمية، وهي إحدى الطرق الصوفية في السودان، ولها ارتباط سياسي، إذ تعد الذراع الدينية للحزب الاتحادي الديمقراطي.

بينما ينتمي محمد حمدان دقلو الملقب بـ (حميدتي)، وهو من مواليد 1975، إلى قبيلة الرزيقات البدوية العربية، وهي من أكبر القبائل العربية في السودان وتتمركز في إقليم دارفور وكردفان بشكل أساسي.

على عكس البرهان الذي انضمّ الى الكلية الحربية السودانية بعد إنهاء دراسته، فإن دقلو ترك الدراسة مبكراً ليتحوّل الى تجارة الإبل ويعمل على حماية القوافل التجارية بين ليبيا ومالي والسودان، ومنها شكّل ثروة كبيرة ساعدته على تأسيس قواته التي عُرفت لاحقاً باسم قوات الدعم السريع.

على رغم الخلاف الحالي بين الشخصيتين، إلا أن مسيرتهما المهنية تقاطعت في محطات عدة، بداية من مشاركة الإثنين ضمن حرب دارفور في قمع القبائل غير العربية، وأهمها قبيلة المساليت، وهي قبيلة إفريقية ثارت ضد حكومة عمر البشير عام 2003، وقد أودت هذه الحرب بحياة مئات الآلاف من القبائل غير العربية. كما شارك الاثنان في الإشراف على القوات السودانية المشاركة ضمن قوات التحالف العربي في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية للقتال ضد قوات الحوثي.

المصلحة الأخيرة التي جمعت طرفي النزاع هي الاتفاق على تولّي حكم السودان بعد سقوط حكومة البشير عام 2019، آنذاك كان رئيس الأركان العامة الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي والحاكم الفعلي للسودان، بينما عمل حميدتي كنائب له.

قوات الدعم السريع: الجني الذي يقاتل على صهوة فرسه

منذ تسلّم البشير الحكم بعد انقلاب الجبهة الإسلامية عام 1989 بغطاء من الجيش، عمل على محاربة الأحزاب المدنية التقليدية، إذ كان يشرف جهاز الأمن على إنشاء أحزاب تكون تحت رايته باطنياً، وظاهرياً تعتبر معارضة، ما أدى الى تفريخ عدد مهول من الأحزاب السياسية.

ومع بداية الحركات المسلّحة التي نشأت في غرب السودان، أصبح الجيش يحارب في جنوب السودان وغربه، فلجأ نظام البشير الى حيلته المعهودة، ولكن بدل تفريخ أحزاب مدنية لمحاربة المعارضة أنتج هذه المرة قوات الجنجويد، التي تحولت لاحقاً الى الدعم السريع لمحاربة الحركات المسلّحة.

أمر عمر البشير نائبه الأول حينها علي عثمان طه، بالإشراف المباشر على تنظيم هذه القوات بين العامين 2002 و2003 ليعمل البشير عام 2013 على دمجها في الجيش تحت مسمى قوات الدعم السريع، ما جعل سيف العقوبات والملاحقات الجنائية تطاول البشير ونظامه نتيجة الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع في الغرب، حيث كان يُطلق عليها اسم “الجنجويد”.

وتأتي كلمة جنجويد، وهي مصطلح مركب أطلقه سكان دارفور على هذه القوات، من كلمة “جن” أي الجني الذي يحمل السلاح، و “جويد” وهي تعني الجواد أو الخيل.

كانوا كأشباح الموت، فما دخلوا قرية إلا وأحرقوها وقتلوا رجالها واغتصبوا نساءها. كانت قصصهم كأفلام الرعب، تصل إلى مسامع بقية الشعب، ومن شدّة الأهوال التي تُروى ينقسم الناس ما بين مكذّب ومصدّق. 

2019 كان موعد سقوط النظام، إذ صاحبت أيام الاحتجاجات مخاوف أبرزها كانت من موقف الدعم السريع، فالبشير كان يطلق على حميدتي اسم “حمايتي”، إذ إن اعتماده على القوات الموازية كان أكبر من الجيش، ولكن كان للدعم السريع نصيب الأسد من الاهتمام. وعلى رغم كل التسهيلات التي قُدمت لهذه القوات، إلا أن خروج حميدتي في تسجيل مشهور إبان الثورة وحديثه عن الضعف الاقتصادي للحكومة، كان كضوء أخضر.

بعد سقوط النظام ساد هرج ومرج، عندها دخلت هذه القوات (الدعم السريع) الى العاصمة في سابقة فريدة من نوعها تحت غطاء قوة تأمينية، وهو ما يفسر أن معظم المقار التي سقطت في يدها لاحقاً كانت تحت حراستها مسبقاً، وأبرزها القصر الجمهوري والإذاعة، التي استطاع الجيش أن يستردها في عملية عسكرية الشهر الفائت.

انتشار ثم بيان ثم حرب

بعدما وقّع المدنيون والجيش على اتفاق لتقاسم السلطة في عام 2019، أصبح البرهان رئيساً لمجلس السيادة للإشراف على انتقال السودان إلى الحكم الديمقراطي. ولكن مع اقتراب موعد تسليم السلطة للمدنيين أواخر العام 2021، تراجع البرهان عن موقفه. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، اتحد البرهان وحميدتي للسيطرة على السلطة في انقلاب عسكري، لكن سرعان ما نشب خلاف بينهما.

بعد دخول قوات الدعم السريع الى العاصمة الخرطوم إثر سقوط نظام البشير، شكّل وجودها في المدن كقوات تأمين وحماية للممتلكات والمقار الرسمية، غير أن حميدتي كان يرغب في أن يكون لقواته دور أكبر وانتشار أوسع في المدن، بخاصة العاصمة.

ومع نهاية الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل 2023، حقق حميدتي انتشاراً جديداً وواسعاً لقواته في مدن العاصمة السودانية، ومنها مروي وأم درمان والخرطوم بحري، لتصدر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بياناً بتاريخ 13/04/2023 تدين فيه بشدة هذا الانتشار.

وأشار الجيش السوداني في بيانه، إلى أن هذا الانتشار تم من دون موافقته أو التنسيق معه، وأنه يخالف مهام قوات الدعم السريع وعملها. كما دعا الجيش إلى انسحاب القوات المنتشرة في غضون 24 ساعة وإلا سيتم إجبارها على ذلك، إلا أن الدعم السريع لم تنسحب ما دفع الجيش الى الانتشار ووضع قواته في حالة تأهب.

في صباح 15 نيسان 2023، بدأت المعارك في الخرطوم ومدينة مروي ومناطق أخرى، وحاصرت قوات الدعم السريع عدداً من مراكز القيادة والمرافق الحكومية ومنها مقر القيادة العامة السودانية، واندلعت اشتباكات بينها وبين الجيش السوداني في معظم مناطق العاصمة الخرطوم، ليصدر بعدها البرهان قراراً بتاريخ 17/04/2023 بحل قوات الدعم السريع.

خريطة السيطرة العسكرية

بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب، أعلنت نقابة أطباء السودان مقتل ما يزيد على 30 ألفاً، وإصابة أكثر من 70 ألف شخص، بينما نزح حوالى 5.9 مليون شخص داخل البلاد، ما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم.

ويخوض الطرفان صراعاً دموياً للسيطرة على الدولة الغنية بالموارد، حيث يمثل الذهب 40 في المئة من صادرات السودان، وتسيطر قوات الدعم السريع على مناجم الذهب، بخاصة في دارفور، والتي تساعد في تمويل عمليات تجنيد المقاتلين.

لا تزال خريطة السيطرة متشابكة وغير واضحة في الكثير من المناطق، بخاصة في الخرطوم التي يسعى الطرفان الى بسط السيطرة عليها، وهما يخوضان حرب استنزاف طويلة مع عدم حسم للمعركة، إذ عمل الجيش السوداني الشهر الفائت على شن هجوم داخل العاصمة تمكن من خلاله من استعادة السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون الاستراتيجي، وتمدّده في عدد من أحياء أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل المنطقة الحضرية الكبرى في الخرطوم، إلا أن قوات الدعم السريع لا تزال تسيطر على الجزء الأكبر من العاصمة.

يمكن القول إنه وبعد مرور أكثر من عام على بدء الصراع، إن المناطق الشمالية والشمالية الشرقية بما في ذلك بورتسودان على البحر الأحمر، تعتبر مناطق سيطرة للجيش السوداني، بينما تشكل المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية تحديداً مناطق قوة وتمركز لقوات الدعم السريع، حيث تقع ولاية دارفور مسقط رأس حميدتي ومركز نفوذه الرئيسي. 

كما استولت قوات الدعم السريع على ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في انتكاسة كبيرة للجيش، وهناك تدور أعنف المعارك الآن، إذ اتُّهمت قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع كثيرة. 

كما حاصرت المجموعة شبه العسكرية مدينة الفاشر، آخر مدينة في دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش، ما أثار تحذيرات عالية من مذبحة عرقية محتملة.

علاقات دولية وإقليمية

يسعى الطرفان إلى كسب المزيد من الدعم لحسم المعركة، إذ قام زعيما الحرب بعدد من الزيارات العام الفائت إلى دول خارج السودان للحصول على الدعم السياسي، ففيما زار حميدتي عدداً من الدول الإفريقية منها كينيا وإثيوبيا وأوغندا، تحدث البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن قواته عازمة على مواصلة القتال حتى النصر.

وكان عدد من التقارير الصحافية أشار الى أن الإمارات العربية المتحدة تمدّ قوات الدعم السريع بالدعم، إذ تعمل على نقل الأسلحة لها عبر رحلات جوية بين مطار أبو ظبي وأحد مطارات تشاد الحدودية مع السودان، ومنها تنقل إلى السودان براً، بينما تنفي الإمارات هذه التقارير وتقول إن هذه الشحنات هي مساعدات إنسانية للشعب السوداني، كما تدعي أنها أنشأت مستشفيات ميدانية في المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان.

توجد روسيا أيضاً على طرفي النزاع، إذ أمنت دعماً لقوات الدعم السريع عبر قوات فاغنر في بداية الصراع قبل أن يتم حل الآخيرة، فيما أعلن أحد قادة الجيش السوداني أنهم يمكن أن يسمحوا لروسيا بالوصول إلى البحر الأحمر مقابل تأمين الدعم بالسلاح.

وكان الجيش السوداني استعان في تقدّمه الأخير داخل العاصمة الخرطوم، بطائرات بدون طيار مسلّحة من إيران، وهو أمر أثار قلق واشنطن، التي تزيد خلال الفترة الأخيرة الضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة الحوار في جدة.

إنها معركة لم تُحسم بعد وليس هناك أي شكل لمناطق النفوذ حتى الآن، إلا أن الخاسر الأكبر فيها هو الشعب السوداني الذي يدفع الثمن، إذ تجاوز التضخم الـ 60 في المئة، بينما فر الملايين من الحرب الى مخيمات داخل البلاد أو في دول الجوار. معركة يمكن القول عنها إنها قبلية ومعركة سيطرة على الموارد في بلد يضم 570 قبيلة منتمية الى 57 مجموعة إثنية، بلد يشكل فيه المسلمون نسبة 91 في المئة من السكان، والمسيحيون 5.4، بحسب مركز بيو للأبحاث.