fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الصورة الخالدة للمبعوث من تحت المنصة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بينما يسحبونه، أمرهم أن ينتظروا قليلاً، شكّل قبضة قاسية رفعها في الهواء ونظر إلى أتباعه صارخاً، “قاتلوا… قاتلوا… قاتلوا”، ليس قائداً جريحاً على حصانه يمضي بجنوده إلى حرب التحرر من الإنكليز، إنه في مهرجان انتخابي في بنسلفانيا، من يريد لهذا الجمهور أن يقاتل؟ لا أحد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لو أن دونالد ترامب كلّف الفريق، الذي فبرك نزول الأميركيين على سطح القمر، ليفبرك محاولة اغتياله ويصورها، لما نجح في إعداد فيلم وتنفيذه، بهذه الروعة التي كانت عليه الحقيقة، والحقيقة في أميركا غالباً، أغرب من الخيال، ١١ أيلول/ سبتمبر ضمناً، وضمناً أيضاً خطوة نيل آرمسترونغ الأولى للبشرية على سطح القمر.

مجرد مجموعة من الصدف المتتالية صنعت صورة جديدة، تضيفها أميركا إلى ألبومها العائلي للصور “التاريخية” و”الأيقونية” التي “لا تنسى”: أميركي آخر، أبيض، مجهول، يخطو في سنته الأولى بعد المراهقة، مدججاً ببندقية ومنظومة أفكار خاصة به، لن يطول الوقت قبل أن نعرف ماهيتها، يتخذ قراراً فردياً بكتابة التاريخ، عبر أكثر طرق الاغتيال تقليدية، يتمدد على سطح مبنى قريب من التجمع، ينتظر رئيساً سابقاً ومرشحاً لثالث مرة على التوالي، حتى يطل على أتباعه، ثم، وبالرغم مما يبدو عليه من خبرة عالية في التصويب، هو وبندقيته الآلية، يخدشه في أذنه التي تبتعد عن جمجمته مقدار شعرة، حرفياً.

يصيبه بالقدر الكافي تماماً، لأن يجعل منه قديساً أميركياً، لأن ينزف نزفاً بطيئاً، أنيقاً، يجعل خيطين من الدم ينسابان من صدغه إلى خده الأيمن، هكذا، من دون حتى أن يصل الدم إلى عنقه ويفسد قبة قميصه الأبيض. 

هكذا، بكل شاعرية اللون الأحمر ورومانسيته الوطنية، ثم، وبينما يتلقى الشاب بضع طلقات تنهي مسيرته القصيرة المجهولة تماماً، ما خلا الثواني العشرة الأخيرة منها، كان ترامب قد صار أسفل المنصة يبحث عن حذائه، 

لم ينزل ليبحث عن حذائه بالطبع بل ليحمي نفسه، ما الذي حدث للحذاء؟ أين سيذهب حذاء رجل تعرض للتو إلى محاولة اغتيال؟ هل خلعه؟ أم أن الحرس الرئاسي أزاله كي يكون الجري بعيداً عن مسرح الاغتيال، أهون على الرجل الذي في آخر العقد السابع من عمره ويعاني، في ما يعاني، سمنة يرفض التخلص منها، لأنها تحافظ على وجهه من التحول إلى كيس من الجلد المترهل؟ الغموض يلّف حذاء الرئيس حتى الآن، لكن ترامب لم يمض وقته أسفل المنصة مفتشاً عليه. 

أسفل هرم صغير من أجساد الحراس المدربين يستعجلونه للمغادرة، كان ترامب يعقد اجتماع عصف فكري طارئاً مع نفسه، ليقرر ما الذي عليه فعله تالياً، كي يدخل التاريخ من أوسع أبوابه. 

الصورة، الصورة، عليه أن يعد المسرح للصورة الأولى للمبعوث من الرماد، البطل العائد، المخلص، المنتقم، الجبار، السوبرمان الذي على الأميركيين جميعاً الاتحاد خلفه. 

بينما يسحبونه، أمرهم أن ينتظروا قليلاً، شكّل قبضة قاسية رفعها في الهواء ونظر إلى أتباعه صارخاً، “قاتلوا… قاتلوا… قاتلوا”، ليس قائداً جريحاً على حصانه يمضي بجنوده إلى حرب التحرر من الإنكليز، إنه في مهرجان انتخابي في بنسلفانيا، من يريد لهذا الجمهور أن يقاتل؟ لا أحد. 

هو أصلاً لم يصرخ، بل قلّد الصراخ من دون أن يصدر صوتاً، صرخ بلا صوت للكاميرات التي ستلتقط له مئات الصور، ولا شك أن واحدة منها ستكون موفقة بما يكفي، لأن تنضم إلى الألبوم الأميركي للصور الخالدة. 

أسفل هرم صغير من أجساد الحراس المدربين يستعجلونه للمغادرة، كان ترامب يعقد اجتماع عصف فكري طارئاً مع نفسه، ليقرر ما الذي عليه فعله تالياً، كي يدخل التاريخ من أوسع أبوابه. 

قنبلة هيروشيما، وجه مارتن لوثر كينغ جونيور وهو يحلم على درج الكابيتول، مارلين مونرو وفستانها الأبيض، جاكلين كينيدي ممددة على السطح الخلفي للسيارة المكشوفة، ورأس زوجها مائل على ظهر المقعد يلفظ أنفاسه الأخيرة، الأثر الباقي من حذاء نيل آرمسترونغ على الغبار القمري، ريتشارد نيكسون أعلى سلم الطائرة مودعاً الرئاسة وشعبه ومصيره بابتسامة غريبة وتلويحة مبالغاً فيها بالذراع، أول آيفون في التاريخ، باراك أوباما أول رئيس أسود، صفعة ويل سميث على وجه كريس روك، ألبوم صور لا ينتهي، يقرر الأميركيون أنها أيقونية وأن ما قبلها ليس كما بعدها. 

الأميركيون، الذين ليس في تاريخهم مبنى (أو حتى قبر) عمره أكثر من خمسمئة عام، مولعون بتخليد الأحداث والصور التي تمجد صورتهم عن أنفسهم، كأعظم أمّة مرت ولا تزال تمرّ على سطح الأرض. 

ومع أن حصة ترامب من هذا الألبوم كان يفترض بها أن تكون تلك اللقطة، التي تدرب عليها طويلاً، قبل الخضوع لكاميرا السجن، فقد كان لقدره وقدر أميركا كلام آخر: ترامب يبدع في أداء مشهده السينمائي بعد محاولة الاغتيال الحقيقية، يرفع قبضته ويرسم على شفتيه وملامحه الصرخة المطلوبة، والباقي تصنعه صدفة اللحظة، يسيل الدم على خده ويلتف حوله حراسه وقد انحنى بعضهم، بينما يظهر في أعلى اللقطة، لا أحد يعلم من أين أتى، علم أميركي يرفرف على اتساعه.

يبدو ترامب خليطاً من صورتين أخريين: تمثال الحرية بالمشعل، وجنود المارينز الستة يرفعون العلم الأميركي على جزيرة إيو جيما في الحرب العالمية الثانية، هذه الصورة التي تحولت نصباً عملاقاً على مشارف العاصمة واشنطن، الصورة التي على الأرجح كانت ممسرحة، يمكن بسهولة القبض على وجه الشبه بينها وبين دونالد ترامب، الذي يؤمن أتباعه المخلصون بإنه المنقذ، بينما خصومه على يقين بأنه المهرج الأكثر خطورة على سطح الأرض. 

هل حسم دونالد ترامب المبارزة المنتظرة باكراً حين التقط المصورون أسوأ كوابيس جو بايدن وحزبه معاً؟ ليس بالضرورة، لا ملل مع أميركا، بدليل الحدث الأخير الآتي من زمن رونالد ريغان في الثمانينيات، اغتيال رئيس سابق أو حالي بالقنص مستحيل نظرياً، لشدة الإجراءات المتعبة في حماية هؤلاء الأشخاص، لكن، مجدداً، لا ملل مع أميركا، ولا ملل مع دونالد ترامب وجو بايدن بالتحديد. 

جو صار مُتابعاً أكثر من أي وقت مضى في حياته السياسية، لأن الناس لا تعرف بأي شخصية سيطل عليهم كلما أطل، هل سيكون دكتور جايكل هذه المرة فيقول كلاماً متزناً، أو مستر هايد الذي لن نعرف ما الذي سيقوله أو يفعله، أي رئيس دولة سيتقلب في قبره، وبايدن يوقظه من نومه الأبدي في اتصال هاتفي أجراه معه قبل قليل، مع أنه مات قبل عقود. 

أما ترامب، فقد علمنا أن لا شيء نهائياً معه، حتى بعد نهاية المباراة، مطلق مباراة يخوضها بأيام وأشهر وسنين، لديه خصوبة يحسد عليها، في عمره هذا، على إنجاب المفاجآت بالعشرات، حتى ليبدو أقرب إلى مستشفى ولادة منه إلى هذا الشخص المركّب، الذي لم يعد هناك وصف واحد يعطيه حقه إذ يحاول اختصاره. 

من هو دونالد ترامب فعلاً؟ الثري الدجّال والنجم التلفزيوني، الذي وصل إلى البيت الأبيض بلسانه السليط وعنصريته وكراهيته؟ الجاهل الذي لا يفك حرفاً في السياسة، وقد ابتلع حزباً برمته وحوّله إلى مزرعة هائلة لتربية الخرفان؟ أم أنه بالفعل النبي المرسل من الله، أتى ليخلص أميركا من آثامها ويجفف مستنقع الخطيئة والفساد في واشنطن ويطرد الفريسيين من الهيكل؟.

من هو دونالد ترامب الذي كان أسفل المنصة يبحث عن حذائه، ولما وجده، انتصب واقفاً وأدى أعظم مشهد تمثيلي في حياته، من أجل أعظم صورة في حياته؟ صورة بعثه من الموت شهيداً حياً، صورته قديساً جديداً، امتدت اليد الإلهية بجلالة قدرها، لتحول مسار الرصاصة فلا تخترق جمجمته، صورة محاولة الاغتيال التي يعلم أنها ستكون خالدة عند الأميركيين، ولن ينسوها، مع أنهم قد ينسون تعرّضه إلى محاولة اغتيال، حتى قبل أن يلتئم الخدش في الأذن التي ليس من عادتها أن تسمع، إلا ما يسرّه صاحبها فيها. 

من هو دونالد ترامب فعلاً؟ لا أحد يعلم، لكن الأكيد أن ترامب قبل الصورة، ليس ذاته ترامب بعد الصورة، على ما يقول الكليشيه الذي يحبه الأميركيون بشدة ويرددونه دائماً، وأغلب الظن أنهم هم الذين اخترعوه وخلّدوه.

بينما يسحبونه، أمرهم أن ينتظروا قليلاً، شكّل قبضة قاسية رفعها في الهواء ونظر إلى أتباعه صارخاً، “قاتلوا… قاتلوا… قاتلوا”، ليس قائداً جريحاً على حصانه يمضي بجنوده إلى حرب التحرر من الإنكليز، إنه في مهرجان انتخابي في بنسلفانيا، من يريد لهذا الجمهور أن يقاتل؟ لا أحد.

لو أن دونالد ترامب كلّف الفريق، الذي فبرك نزول الأميركيين على سطح القمر، ليفبرك محاولة اغتياله ويصورها، لما نجح في إعداد فيلم وتنفيذه، بهذه الروعة التي كانت عليه الحقيقة، والحقيقة في أميركا غالباً، أغرب من الخيال، ١١ أيلول/ سبتمبر ضمناً، وضمناً أيضاً خطوة نيل آرمسترونغ الأولى للبشرية على سطح القمر.

مجرد مجموعة من الصدف المتتالية صنعت صورة جديدة، تضيفها أميركا إلى ألبومها العائلي للصور “التاريخية” و”الأيقونية” التي “لا تنسى”: أميركي آخر، أبيض، مجهول، يخطو في سنته الأولى بعد المراهقة، مدججاً ببندقية ومنظومة أفكار خاصة به، لن يطول الوقت قبل أن نعرف ماهيتها، يتخذ قراراً فردياً بكتابة التاريخ، عبر أكثر طرق الاغتيال تقليدية، يتمدد على سطح مبنى قريب من التجمع، ينتظر رئيساً سابقاً ومرشحاً لثالث مرة على التوالي، حتى يطل على أتباعه، ثم، وبالرغم مما يبدو عليه من خبرة عالية في التصويب، هو وبندقيته الآلية، يخدشه في أذنه التي تبتعد عن جمجمته مقدار شعرة، حرفياً.

يصيبه بالقدر الكافي تماماً، لأن يجعل منه قديساً أميركياً، لأن ينزف نزفاً بطيئاً، أنيقاً، يجعل خيطين من الدم ينسابان من صدغه إلى خده الأيمن، هكذا، من دون حتى أن يصل الدم إلى عنقه ويفسد قبة قميصه الأبيض. 

هكذا، بكل شاعرية اللون الأحمر ورومانسيته الوطنية، ثم، وبينما يتلقى الشاب بضع طلقات تنهي مسيرته القصيرة المجهولة تماماً، ما خلا الثواني العشرة الأخيرة منها، كان ترامب قد صار أسفل المنصة يبحث عن حذائه، 

لم ينزل ليبحث عن حذائه بالطبع بل ليحمي نفسه، ما الذي حدث للحذاء؟ أين سيذهب حذاء رجل تعرض للتو إلى محاولة اغتيال؟ هل خلعه؟ أم أن الحرس الرئاسي أزاله كي يكون الجري بعيداً عن مسرح الاغتيال، أهون على الرجل الذي في آخر العقد السابع من عمره ويعاني، في ما يعاني، سمنة يرفض التخلص منها، لأنها تحافظ على وجهه من التحول إلى كيس من الجلد المترهل؟ الغموض يلّف حذاء الرئيس حتى الآن، لكن ترامب لم يمض وقته أسفل المنصة مفتشاً عليه. 

أسفل هرم صغير من أجساد الحراس المدربين يستعجلونه للمغادرة، كان ترامب يعقد اجتماع عصف فكري طارئاً مع نفسه، ليقرر ما الذي عليه فعله تالياً، كي يدخل التاريخ من أوسع أبوابه. 

الصورة، الصورة، عليه أن يعد المسرح للصورة الأولى للمبعوث من الرماد، البطل العائد، المخلص، المنتقم، الجبار، السوبرمان الذي على الأميركيين جميعاً الاتحاد خلفه. 

بينما يسحبونه، أمرهم أن ينتظروا قليلاً، شكّل قبضة قاسية رفعها في الهواء ونظر إلى أتباعه صارخاً، “قاتلوا… قاتلوا… قاتلوا”، ليس قائداً جريحاً على حصانه يمضي بجنوده إلى حرب التحرر من الإنكليز، إنه في مهرجان انتخابي في بنسلفانيا، من يريد لهذا الجمهور أن يقاتل؟ لا أحد. 

هو أصلاً لم يصرخ، بل قلّد الصراخ من دون أن يصدر صوتاً، صرخ بلا صوت للكاميرات التي ستلتقط له مئات الصور، ولا شك أن واحدة منها ستكون موفقة بما يكفي، لأن تنضم إلى الألبوم الأميركي للصور الخالدة. 

أسفل هرم صغير من أجساد الحراس المدربين يستعجلونه للمغادرة، كان ترامب يعقد اجتماع عصف فكري طارئاً مع نفسه، ليقرر ما الذي عليه فعله تالياً، كي يدخل التاريخ من أوسع أبوابه. 

قنبلة هيروشيما، وجه مارتن لوثر كينغ جونيور وهو يحلم على درج الكابيتول، مارلين مونرو وفستانها الأبيض، جاكلين كينيدي ممددة على السطح الخلفي للسيارة المكشوفة، ورأس زوجها مائل على ظهر المقعد يلفظ أنفاسه الأخيرة، الأثر الباقي من حذاء نيل آرمسترونغ على الغبار القمري، ريتشارد نيكسون أعلى سلم الطائرة مودعاً الرئاسة وشعبه ومصيره بابتسامة غريبة وتلويحة مبالغاً فيها بالذراع، أول آيفون في التاريخ، باراك أوباما أول رئيس أسود، صفعة ويل سميث على وجه كريس روك، ألبوم صور لا ينتهي، يقرر الأميركيون أنها أيقونية وأن ما قبلها ليس كما بعدها. 

الأميركيون، الذين ليس في تاريخهم مبنى (أو حتى قبر) عمره أكثر من خمسمئة عام، مولعون بتخليد الأحداث والصور التي تمجد صورتهم عن أنفسهم، كأعظم أمّة مرت ولا تزال تمرّ على سطح الأرض. 

ومع أن حصة ترامب من هذا الألبوم كان يفترض بها أن تكون تلك اللقطة، التي تدرب عليها طويلاً، قبل الخضوع لكاميرا السجن، فقد كان لقدره وقدر أميركا كلام آخر: ترامب يبدع في أداء مشهده السينمائي بعد محاولة الاغتيال الحقيقية، يرفع قبضته ويرسم على شفتيه وملامحه الصرخة المطلوبة، والباقي تصنعه صدفة اللحظة، يسيل الدم على خده ويلتف حوله حراسه وقد انحنى بعضهم، بينما يظهر في أعلى اللقطة، لا أحد يعلم من أين أتى، علم أميركي يرفرف على اتساعه.

يبدو ترامب خليطاً من صورتين أخريين: تمثال الحرية بالمشعل، وجنود المارينز الستة يرفعون العلم الأميركي على جزيرة إيو جيما في الحرب العالمية الثانية، هذه الصورة التي تحولت نصباً عملاقاً على مشارف العاصمة واشنطن، الصورة التي على الأرجح كانت ممسرحة، يمكن بسهولة القبض على وجه الشبه بينها وبين دونالد ترامب، الذي يؤمن أتباعه المخلصون بإنه المنقذ، بينما خصومه على يقين بأنه المهرج الأكثر خطورة على سطح الأرض. 

هل حسم دونالد ترامب المبارزة المنتظرة باكراً حين التقط المصورون أسوأ كوابيس جو بايدن وحزبه معاً؟ ليس بالضرورة، لا ملل مع أميركا، بدليل الحدث الأخير الآتي من زمن رونالد ريغان في الثمانينيات، اغتيال رئيس سابق أو حالي بالقنص مستحيل نظرياً، لشدة الإجراءات المتعبة في حماية هؤلاء الأشخاص، لكن، مجدداً، لا ملل مع أميركا، ولا ملل مع دونالد ترامب وجو بايدن بالتحديد. 

جو صار مُتابعاً أكثر من أي وقت مضى في حياته السياسية، لأن الناس لا تعرف بأي شخصية سيطل عليهم كلما أطل، هل سيكون دكتور جايكل هذه المرة فيقول كلاماً متزناً، أو مستر هايد الذي لن نعرف ما الذي سيقوله أو يفعله، أي رئيس دولة سيتقلب في قبره، وبايدن يوقظه من نومه الأبدي في اتصال هاتفي أجراه معه قبل قليل، مع أنه مات قبل عقود. 

أما ترامب، فقد علمنا أن لا شيء نهائياً معه، حتى بعد نهاية المباراة، مطلق مباراة يخوضها بأيام وأشهر وسنين، لديه خصوبة يحسد عليها، في عمره هذا، على إنجاب المفاجآت بالعشرات، حتى ليبدو أقرب إلى مستشفى ولادة منه إلى هذا الشخص المركّب، الذي لم يعد هناك وصف واحد يعطيه حقه إذ يحاول اختصاره. 

من هو دونالد ترامب فعلاً؟ الثري الدجّال والنجم التلفزيوني، الذي وصل إلى البيت الأبيض بلسانه السليط وعنصريته وكراهيته؟ الجاهل الذي لا يفك حرفاً في السياسة، وقد ابتلع حزباً برمته وحوّله إلى مزرعة هائلة لتربية الخرفان؟ أم أنه بالفعل النبي المرسل من الله، أتى ليخلص أميركا من آثامها ويجفف مستنقع الخطيئة والفساد في واشنطن ويطرد الفريسيين من الهيكل؟.

من هو دونالد ترامب الذي كان أسفل المنصة يبحث عن حذائه، ولما وجده، انتصب واقفاً وأدى أعظم مشهد تمثيلي في حياته، من أجل أعظم صورة في حياته؟ صورة بعثه من الموت شهيداً حياً، صورته قديساً جديداً، امتدت اليد الإلهية بجلالة قدرها، لتحول مسار الرصاصة فلا تخترق جمجمته، صورة محاولة الاغتيال التي يعلم أنها ستكون خالدة عند الأميركيين، ولن ينسوها، مع أنهم قد ينسون تعرّضه إلى محاولة اغتيال، حتى قبل أن يلتئم الخدش في الأذن التي ليس من عادتها أن تسمع، إلا ما يسرّه صاحبها فيها. 

من هو دونالد ترامب فعلاً؟ لا أحد يعلم، لكن الأكيد أن ترامب قبل الصورة، ليس ذاته ترامب بعد الصورة، على ما يقول الكليشيه الذي يحبه الأميركيون بشدة ويرددونه دائماً، وأغلب الظن أنهم هم الذين اخترعوه وخلّدوه.