fbpx

الضاحية الجنوبية لبيروت… معاناة صامتة وجوع يطرق الأبواب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكن الواقع المعيشي في مناطق النفوذ الشيعي بأفضل أحواله قبل الأزمة، لا سيما في الضاحية الجنوبية ومحافظة بعلبك – الهرمل تحديداً، لكن الأزمة وتغيّر سعر الصرف تسببا باتساع الهوة بين شرائح البيئة الواحدة، وضاعفا من معاناة فئة على حساب أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نهاراً، تكتظ شوارع ضاحية بيروت الجنوبية بالسيارات والدراجات النارية، والمشاة والباعة المتجولين، مع ازديادٍ ملحوظ في عدد المتسولين في المنطقة. أما ليلاً، فيصبح الشارع أكثر هدوءاً وحذراً، لا سيما مع ارتفاع منسوب القلق جراء سرقات واعتداءات وعمليات نشل، حتى بات البعض يتحاشى المشي ليلاً في حين يفضّل كثرٌ من أصحاب المحال إغلاقها مع ساعات الليل الأولى.

أثّرت الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى الانفلات الأمني، على واقع التجارة في الضاحية الجنوبية، حيث تعاني المحال والمؤسسات التجارية، التي لم تصمد أمام الانهيار المالي، من ركودٍ اقتصادي حاد، أدى إلى فقدان الكثيرين أموالهم ووظائفهم، ولم تنج منه سوى المؤسسات الكبرى أو المؤسسات التي نشأت على حساب الأزمة.

لاتزال مشهديات ما حصل في ذكرى عاشوراء التي انقضت مؤخراً تساؤلات حول الواقع المعيشي للسكان هنا. 

فعلى امتداد عشرة أيام وهي مدة إحياء ذكرى عاشوراء أمّن ثنائي “أمل – حزب الله”، وهما القوتان الأكثر نفوذاً وسيطرة في الضاحية، ومن خلال نشر عناصرهما، الحماية الكاملة للمنطقة لإتمام الطقوس وتجنب أي حوادث أو عمليات قد تعرض حياة المشاركين للخطر.

 ساهم هذا الانتشار في تغيير شكل الحياة في الضاحية لمدة قصيرة، ففتحت بعض المحلات أبوابها لساعات أطول، واستطاع سكان المنطقة التنقل ليلاً بصورةٍ آمنة، سواء كانوا يمارسون حياتهم العادية، أم يشاركون في بعض فعاليات العزاء. وشهدت بعض المتاجر والمحلات انتعاشاً ناجماً عن تلبية سلعها حاجة المشاركين في المراسم العاشورائية، كالدكاكين والمطاعم ومحلات الألبسة والتجهيزات الإسلامية وغيرها.

 أما نهاراً، فقد عانت شوارع الضاحية، المكتظة بالأصل، من زحمة سيرٍ خانقة، تسببت بها إجراءات أمنية ومضائف انتشرت بشكل أكبر هذا العام، ولاقت إقبالاً كثيفاً يختلف عن سابقه من الأعوام، ممن تهافتوا على الحصول على وجبة طعام مجانية.

تفتح هذه المشهدية وهذا التفاوت الباب على مصراعيه لسؤالين، ما هو الواقع المعيشي الحالي لسكان الضاحية، وأين “حزب الله” من كل ما يدور في مناطق نفوذه؟

ما بعد عاشوراء

لم تغير هذه “المضافات” المؤقتة من الواقع المعيشي لسكان مناطق نفوذ “حزب الله”، وهم مقسمون إلى طبقتين، الأولى، وهي الأقلية التي استفادت من ارتفاع سعر الصرف، وتتألف من المنتظمين في صفوفه ويتقاضون رواتبهم بالدولار، والعائلات التي تعتمد على تحويلات أبنائها من المغتربين، بالإضافة إلى من وجدوا في الأزمة فرصة للعمل في الصيرفة أو مجال الطاقة البديلة.

في المقابل، هناك الشريحة الأكبر من البيئة التي ترزح اليوم تحت خط الفقر، وتسببت لها الأزمة بخسائر فادحة لم تجد طريقةً لتعويضها، أو الخروج من عباءتها، وهي تعاني إلى اليوم من الغلاء المعيشي وانعدام فرص العمل، بالإضافة إلى السرقات التي باتت تهدد لقمة عيشها بشكل يومي.

لم يكن الواقع المعيشي في مناطق النفوذ الشيعي بأفضل أحواله قبل الأزمة، لا سيما في الضاحية الجنوبية ومحافظة بعلبك – الهرمل تحديداً، لكن الأزمة وتغيّر سعر الصرف تسببا باتساع الهوة بين شرائح البيئة الواحدة، وضاعفا من معاناة فئة على حساب أخرى.

القطاع الخاص

لا تستقطب هذه المناطق الكثير من الغرباء عنها، لاعتبارات سياسية واجتماعية “خاصة”،  لذا الدورة الاقتصادية في المنطقة، هي ثابتة وضيقة، واحتمالية نموّها وتطورها شبه معدومة.

عمد أصحاب المصالح الخاصة إلى رفع الأسعار بما يتناسب مع السوق اللبناني ككل، إلا أن الأجور في هذا القطاع لا تزال متدينة مقارنة بمناطق أخرى، وهي منسجمة في ما بينها، بحيث لا يمكن للموظف المفاضلة والاختيار، وهذا ما دفع أبناء المنطقة غير القادرين على العمل خارجها، إلى الرضوخ لهذه الأجور.

في المؤسسات التجارية الصغرى، لا تتعدى الرواتب حاجز الـ15 مليون ليرة مقابل دوام عمل كامل، أما في المؤسسات الكبرى، فهو لا يتجاوز الـ 25 مليون ليرة. في المقابل، لا تزال هناك محال ومؤسسات تدفع لموظفيها، لا سيما الجدد منهم، أكثر من 10 ملايين، كمحلات الألبسة والأحذية والمقاهي. في بيروت الإدارية، يتقاضى العاملون في القطاعات والمهن نفسها، رواتب أعلى من رواتب العاملين في الضاحية.

مع اشتداد الأزمة، فتحت دول خليجية وأوروبية أبوابها لحملة الشهادات في لبنان، سواء للعمل فيها أو لإكمال تعليمهم الجامعي، ما خلق حالة من الهجرة المنظمة ضمن صفوف الشبان والشابات. 

لم يستطع الطلاب المؤيدون للحزب الاندماج فيها بالشكل الكامل، لا سيما المنخرطين منهم في العمل الحزبي والسياسي، في ظل قيود تفرضها هذه الدول، التي يصنف الكثير منها “حزب الله” كمنظمة إرهابية.  أدت هذه الحالة إلى انتشار البطالة المقنعة في صفوف الخريجين من مؤيدي الحزب، واضطرار الكثير منهم للعمل في اختصاصات مختلفة عن مجال دراستهم، أو التخلي الكلي عن الشهادة والتوجه نحو الأعمال الحرة.

السكن وأزمة الاشتراكات

بفعل الأزمة وبروز شريحة من المقتدرين، واعتماد أصحاب الشقق على الإيجارات كوسيلة للعيش، ارتفعت أسعار وإيجارات المنازل في الضاحية الجنوبية بشكل كبير، لا سيما في المربع الأمني لـ”حزب الله”، أما الأطراف فقد طاولها هذا الارتفاع بنسبةٍ أقل.

يتراوح إيجار شقة سكنية مؤلفة من ثلاث غرف في الأطراف البعيدة من المربع الأمني، بين 150 إلى 200 دولار أميركي، وبين 300 إلى 400 دولار في المربع الأمني، في المقابل، تعد الإيجارات في المناطق المهمشة والشعبية هي الأدنى، كحي السلم والليلكي، لكنها لا تعد الخيار الأمثل للكثيرين، لما تعانيه من سوء البنى التحتية والفلتان الأمني.

بالإضافة إلى ذلك، تنتشر في مناطق نفوذ الحزب مولدات الاشتراك التابعة لأشخاص محسوبين عليه، وهي في معظمها تخالف التسعيرة الرسمية للدولة، لكنها محمية بغطاء سياسي، ما يجعل كلفة الاشتراك في هذه المناطق مرتفعة مقارنة بغيرها، ويضطر السكان للقبول والسكوت عن هذه المخالفات لعدم توافر بدائل أخرى.

فلتان أمني وسرقة دراجات

ارتفع معدل الجرائم والسرقات في لبنان عموماً بعد الأزمة وما تبعها من انفلات أمني، لا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة. في الضاحية الجنوبية، تنتشر ظاهرة سرقة الدراجات النارية بشكل كبير، لأسباب عدة، منها غياب الدولة، ووجود عصابات سرقة قديمة ارتفع نشاطها في السنوات الأخيرة.

 هذه الدراجات في غالبيتها غير قانونية لذا لا يستطيع أصحابها التبليغ عن سرقتها، كما يفرض “حزب الله” على المؤسسات التي يُسمح لها بتركيب كاميرات مراقبة في نطاق نفوذه، ألا يتم فتح تسجيلاتها من دون إبلاغه وانتظار الإذن منه في حال موافقته، وهو غالباً ما يتأخر لأسبوعين أو أكثر، لذا لا يستطيع المتضررون الحصول على لقطات قد تساعدهم في التعرف على هوية السارق.

كانت الدراجات منتشرة في الضاحية بشكل كبير قبل الأزمة كوسيلة تنقّل، وقد حوّلها كثرٌ من الشباب إلى مصدر رزق من خلال العمل في مجال خدمة التوصيل، لكن ارتفاع معدل السرقات أفقد كثيرين باب رزقهم هذا، وتسبب في حالات عدة ببقاء الشاب عاطلاً من العمل بعد سرقة دراجته وعدم قدرته على شراء أخرى. كما أن ازدياد عمليات النشل يحدّ من حركة تنقّل الأفراد ليلًا، ما يدفع البعض، لا سيما الإناث، الى تجنب العمل في دوام ليلي في حال عدم توافر وسيلة نقل آمنة.

محاولات هشّة ومناشدات مستمرّة

أنشأ “حزب الله” لمناصريه من غير المستفيدين من رواتبه، ما يُسمى بـ “بطاقة السجاد”، وهي بطاقة يستطيع حاملها الحصول على حسم في بعض مؤسسات الحزب ومنشآته، بالإضافة إلى افتتاح تعاونية السجاد بفروعها التي تغطي مناطق نفوذه في لبنان.

تباع السلع في هذه التعاونية بسعر أقل من الخارج، إلا أنها تحدد لكل عائلة سقف السلع الغذائية التي يمكن شراؤها في الشهر الواحد، وهو ما لا يتناسب مع حاجة الأسر الكبرى التي تضطر للتبضع من خارج التعاونية عند نفاد الكمية. عمد الحزب أيضاً إلى توزيع حصص غذائية ووجبات في شهر رمضان تحديداً، في ظل رفع التجار أسعار المواد الغذائية في هذا الشهر وغياب أي مراقبة ومحاسبة من المعنيين.

في المقابل، تضج، منذ بداية الأزمة حتى اليوم، مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي بمنشورات يطلب خلالها ناشطون المساعدة في تأمين تكلفة أدوية وعلاجات داخل المستشفيات للمحتاجين، بالإضافة إلى طلب مبالغ مالية لعائلات مهدّدة بالطرد من منازلها بسبب تأخرها عن دفع الإيجارات، أو لتأمين حصص غذائية لعائلات يشتكي أربابها من عدم قدرتهم على تأمين الطعام لأبنائهم أو تأمين أدنى مقومات الحياة الكريمة.

 يطلب المحتاجون على استحياء من الناشطين تأمين المساعدة لهم، بعد فقدانهم الأمل وبلوغهم أقصى درجات المعاناة، لذا تجد في بعض المنشورات أمهات يستجدين أي معونة لأطفالهن الجائعين منذ أيام، ومرضى باتت حياتهم معرضة للخطر لعدم قدرتهم على تأمين كلفة العلاج.

عاشوراء طفرة مؤقتة

تعكس هذه المناشدات والخطاب اليومي في الشارع الشيعي، أن الوضع ضمن مناطق نفوذ الحزب ليس على ما يرام، على عكس ما يروّج  له الحزب والمنتظمون في صفوفه، فالأزمة التي طاولت لبنان كان لها تأثير أكبر على هذه المناطق. وكل ما جرى الحديث عنه خلال الأيام الأخيرة عن انتصارات وهمية في وجه الجوع والعوز، هو استمرار لنهج التضليل والتعتيم على الواقع، في حين يلاحق الترهيب والتخوين الفقراء الذين يحاولون رفع الصوت وتصويب أصابع الاتهام في وجه الثنائي الشيعي، كونه شريكاً في المنظومة وأحد أسباب انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان وبلوغ الحال ما هي عليه اليوم.

13.08.2023
زمن القراءة: 6 minutes

لم يكن الواقع المعيشي في مناطق النفوذ الشيعي بأفضل أحواله قبل الأزمة، لا سيما في الضاحية الجنوبية ومحافظة بعلبك – الهرمل تحديداً، لكن الأزمة وتغيّر سعر الصرف تسببا باتساع الهوة بين شرائح البيئة الواحدة، وضاعفا من معاناة فئة على حساب أخرى.

نهاراً، تكتظ شوارع ضاحية بيروت الجنوبية بالسيارات والدراجات النارية، والمشاة والباعة المتجولين، مع ازديادٍ ملحوظ في عدد المتسولين في المنطقة. أما ليلاً، فيصبح الشارع أكثر هدوءاً وحذراً، لا سيما مع ارتفاع منسوب القلق جراء سرقات واعتداءات وعمليات نشل، حتى بات البعض يتحاشى المشي ليلاً في حين يفضّل كثرٌ من أصحاب المحال إغلاقها مع ساعات الليل الأولى.

أثّرت الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى الانفلات الأمني، على واقع التجارة في الضاحية الجنوبية، حيث تعاني المحال والمؤسسات التجارية، التي لم تصمد أمام الانهيار المالي، من ركودٍ اقتصادي حاد، أدى إلى فقدان الكثيرين أموالهم ووظائفهم، ولم تنج منه سوى المؤسسات الكبرى أو المؤسسات التي نشأت على حساب الأزمة.

لاتزال مشهديات ما حصل في ذكرى عاشوراء التي انقضت مؤخراً تساؤلات حول الواقع المعيشي للسكان هنا. 

فعلى امتداد عشرة أيام وهي مدة إحياء ذكرى عاشوراء أمّن ثنائي “أمل – حزب الله”، وهما القوتان الأكثر نفوذاً وسيطرة في الضاحية، ومن خلال نشر عناصرهما، الحماية الكاملة للمنطقة لإتمام الطقوس وتجنب أي حوادث أو عمليات قد تعرض حياة المشاركين للخطر.

 ساهم هذا الانتشار في تغيير شكل الحياة في الضاحية لمدة قصيرة، ففتحت بعض المحلات أبوابها لساعات أطول، واستطاع سكان المنطقة التنقل ليلاً بصورةٍ آمنة، سواء كانوا يمارسون حياتهم العادية، أم يشاركون في بعض فعاليات العزاء. وشهدت بعض المتاجر والمحلات انتعاشاً ناجماً عن تلبية سلعها حاجة المشاركين في المراسم العاشورائية، كالدكاكين والمطاعم ومحلات الألبسة والتجهيزات الإسلامية وغيرها.

 أما نهاراً، فقد عانت شوارع الضاحية، المكتظة بالأصل، من زحمة سيرٍ خانقة، تسببت بها إجراءات أمنية ومضائف انتشرت بشكل أكبر هذا العام، ولاقت إقبالاً كثيفاً يختلف عن سابقه من الأعوام، ممن تهافتوا على الحصول على وجبة طعام مجانية.

تفتح هذه المشهدية وهذا التفاوت الباب على مصراعيه لسؤالين، ما هو الواقع المعيشي الحالي لسكان الضاحية، وأين “حزب الله” من كل ما يدور في مناطق نفوذه؟

ما بعد عاشوراء

لم تغير هذه “المضافات” المؤقتة من الواقع المعيشي لسكان مناطق نفوذ “حزب الله”، وهم مقسمون إلى طبقتين، الأولى، وهي الأقلية التي استفادت من ارتفاع سعر الصرف، وتتألف من المنتظمين في صفوفه ويتقاضون رواتبهم بالدولار، والعائلات التي تعتمد على تحويلات أبنائها من المغتربين، بالإضافة إلى من وجدوا في الأزمة فرصة للعمل في الصيرفة أو مجال الطاقة البديلة.

في المقابل، هناك الشريحة الأكبر من البيئة التي ترزح اليوم تحت خط الفقر، وتسببت لها الأزمة بخسائر فادحة لم تجد طريقةً لتعويضها، أو الخروج من عباءتها، وهي تعاني إلى اليوم من الغلاء المعيشي وانعدام فرص العمل، بالإضافة إلى السرقات التي باتت تهدد لقمة عيشها بشكل يومي.

لم يكن الواقع المعيشي في مناطق النفوذ الشيعي بأفضل أحواله قبل الأزمة، لا سيما في الضاحية الجنوبية ومحافظة بعلبك – الهرمل تحديداً، لكن الأزمة وتغيّر سعر الصرف تسببا باتساع الهوة بين شرائح البيئة الواحدة، وضاعفا من معاناة فئة على حساب أخرى.

القطاع الخاص

لا تستقطب هذه المناطق الكثير من الغرباء عنها، لاعتبارات سياسية واجتماعية “خاصة”،  لذا الدورة الاقتصادية في المنطقة، هي ثابتة وضيقة، واحتمالية نموّها وتطورها شبه معدومة.

عمد أصحاب المصالح الخاصة إلى رفع الأسعار بما يتناسب مع السوق اللبناني ككل، إلا أن الأجور في هذا القطاع لا تزال متدينة مقارنة بمناطق أخرى، وهي منسجمة في ما بينها، بحيث لا يمكن للموظف المفاضلة والاختيار، وهذا ما دفع أبناء المنطقة غير القادرين على العمل خارجها، إلى الرضوخ لهذه الأجور.

في المؤسسات التجارية الصغرى، لا تتعدى الرواتب حاجز الـ15 مليون ليرة مقابل دوام عمل كامل، أما في المؤسسات الكبرى، فهو لا يتجاوز الـ 25 مليون ليرة. في المقابل، لا تزال هناك محال ومؤسسات تدفع لموظفيها، لا سيما الجدد منهم، أكثر من 10 ملايين، كمحلات الألبسة والأحذية والمقاهي. في بيروت الإدارية، يتقاضى العاملون في القطاعات والمهن نفسها، رواتب أعلى من رواتب العاملين في الضاحية.

مع اشتداد الأزمة، فتحت دول خليجية وأوروبية أبوابها لحملة الشهادات في لبنان، سواء للعمل فيها أو لإكمال تعليمهم الجامعي، ما خلق حالة من الهجرة المنظمة ضمن صفوف الشبان والشابات. 

لم يستطع الطلاب المؤيدون للحزب الاندماج فيها بالشكل الكامل، لا سيما المنخرطين منهم في العمل الحزبي والسياسي، في ظل قيود تفرضها هذه الدول، التي يصنف الكثير منها “حزب الله” كمنظمة إرهابية.  أدت هذه الحالة إلى انتشار البطالة المقنعة في صفوف الخريجين من مؤيدي الحزب، واضطرار الكثير منهم للعمل في اختصاصات مختلفة عن مجال دراستهم، أو التخلي الكلي عن الشهادة والتوجه نحو الأعمال الحرة.

السكن وأزمة الاشتراكات

بفعل الأزمة وبروز شريحة من المقتدرين، واعتماد أصحاب الشقق على الإيجارات كوسيلة للعيش، ارتفعت أسعار وإيجارات المنازل في الضاحية الجنوبية بشكل كبير، لا سيما في المربع الأمني لـ”حزب الله”، أما الأطراف فقد طاولها هذا الارتفاع بنسبةٍ أقل.

يتراوح إيجار شقة سكنية مؤلفة من ثلاث غرف في الأطراف البعيدة من المربع الأمني، بين 150 إلى 200 دولار أميركي، وبين 300 إلى 400 دولار في المربع الأمني، في المقابل، تعد الإيجارات في المناطق المهمشة والشعبية هي الأدنى، كحي السلم والليلكي، لكنها لا تعد الخيار الأمثل للكثيرين، لما تعانيه من سوء البنى التحتية والفلتان الأمني.

بالإضافة إلى ذلك، تنتشر في مناطق نفوذ الحزب مولدات الاشتراك التابعة لأشخاص محسوبين عليه، وهي في معظمها تخالف التسعيرة الرسمية للدولة، لكنها محمية بغطاء سياسي، ما يجعل كلفة الاشتراك في هذه المناطق مرتفعة مقارنة بغيرها، ويضطر السكان للقبول والسكوت عن هذه المخالفات لعدم توافر بدائل أخرى.

فلتان أمني وسرقة دراجات

ارتفع معدل الجرائم والسرقات في لبنان عموماً بعد الأزمة وما تبعها من انفلات أمني، لا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة. في الضاحية الجنوبية، تنتشر ظاهرة سرقة الدراجات النارية بشكل كبير، لأسباب عدة، منها غياب الدولة، ووجود عصابات سرقة قديمة ارتفع نشاطها في السنوات الأخيرة.

 هذه الدراجات في غالبيتها غير قانونية لذا لا يستطيع أصحابها التبليغ عن سرقتها، كما يفرض “حزب الله” على المؤسسات التي يُسمح لها بتركيب كاميرات مراقبة في نطاق نفوذه، ألا يتم فتح تسجيلاتها من دون إبلاغه وانتظار الإذن منه في حال موافقته، وهو غالباً ما يتأخر لأسبوعين أو أكثر، لذا لا يستطيع المتضررون الحصول على لقطات قد تساعدهم في التعرف على هوية السارق.

كانت الدراجات منتشرة في الضاحية بشكل كبير قبل الأزمة كوسيلة تنقّل، وقد حوّلها كثرٌ من الشباب إلى مصدر رزق من خلال العمل في مجال خدمة التوصيل، لكن ارتفاع معدل السرقات أفقد كثيرين باب رزقهم هذا، وتسبب في حالات عدة ببقاء الشاب عاطلاً من العمل بعد سرقة دراجته وعدم قدرته على شراء أخرى. كما أن ازدياد عمليات النشل يحدّ من حركة تنقّل الأفراد ليلًا، ما يدفع البعض، لا سيما الإناث، الى تجنب العمل في دوام ليلي في حال عدم توافر وسيلة نقل آمنة.

محاولات هشّة ومناشدات مستمرّة

أنشأ “حزب الله” لمناصريه من غير المستفيدين من رواتبه، ما يُسمى بـ “بطاقة السجاد”، وهي بطاقة يستطيع حاملها الحصول على حسم في بعض مؤسسات الحزب ومنشآته، بالإضافة إلى افتتاح تعاونية السجاد بفروعها التي تغطي مناطق نفوذه في لبنان.

تباع السلع في هذه التعاونية بسعر أقل من الخارج، إلا أنها تحدد لكل عائلة سقف السلع الغذائية التي يمكن شراؤها في الشهر الواحد، وهو ما لا يتناسب مع حاجة الأسر الكبرى التي تضطر للتبضع من خارج التعاونية عند نفاد الكمية. عمد الحزب أيضاً إلى توزيع حصص غذائية ووجبات في شهر رمضان تحديداً، في ظل رفع التجار أسعار المواد الغذائية في هذا الشهر وغياب أي مراقبة ومحاسبة من المعنيين.

في المقابل، تضج، منذ بداية الأزمة حتى اليوم، مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي بمنشورات يطلب خلالها ناشطون المساعدة في تأمين تكلفة أدوية وعلاجات داخل المستشفيات للمحتاجين، بالإضافة إلى طلب مبالغ مالية لعائلات مهدّدة بالطرد من منازلها بسبب تأخرها عن دفع الإيجارات، أو لتأمين حصص غذائية لعائلات يشتكي أربابها من عدم قدرتهم على تأمين الطعام لأبنائهم أو تأمين أدنى مقومات الحياة الكريمة.

 يطلب المحتاجون على استحياء من الناشطين تأمين المساعدة لهم، بعد فقدانهم الأمل وبلوغهم أقصى درجات المعاناة، لذا تجد في بعض المنشورات أمهات يستجدين أي معونة لأطفالهن الجائعين منذ أيام، ومرضى باتت حياتهم معرضة للخطر لعدم قدرتهم على تأمين كلفة العلاج.

عاشوراء طفرة مؤقتة

تعكس هذه المناشدات والخطاب اليومي في الشارع الشيعي، أن الوضع ضمن مناطق نفوذ الحزب ليس على ما يرام، على عكس ما يروّج  له الحزب والمنتظمون في صفوفه، فالأزمة التي طاولت لبنان كان لها تأثير أكبر على هذه المناطق. وكل ما جرى الحديث عنه خلال الأيام الأخيرة عن انتصارات وهمية في وجه الجوع والعوز، هو استمرار لنهج التضليل والتعتيم على الواقع، في حين يلاحق الترهيب والتخوين الفقراء الذين يحاولون رفع الصوت وتصويب أصابع الاتهام في وجه الثنائي الشيعي، كونه شريكاً في المنظومة وأحد أسباب انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان وبلوغ الحال ما هي عليه اليوم.