تغيّر المناخ لم يعد ترفاً، بل أصبح أمراً حتمياً يستوجب مناقشته بأهمية لا تقل عن مناقشة الصراعات المسلّحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فتأثر المنطقة بارتفاع درجات الحرارة التي تخطت الـ60 في الكويت والـ°54 في مصر، والـ50 في الرياض، زاد من أعداد الوفيات وينذر بأن عدداً من المناطق العربية قد لا يكون صالحاً للعيش في المستقبل.
“نحن نجهل إلى حيث نذهب وقد نصل إلى الدمار”، يقول سعيد قروق أستاذ علم المناخ في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء لـ “درج”، في حديثه عن التغير المناخي. فمع بداية فصل الصيف، سجلت 7 مدن عربية أعلى درجات حرارة في العالم. وكان شهر حزيران/ يونيو 2024 الأعلى من حيث درجات الحرارة في السجلات.
للشرق الأوسط خاصية مناخية مختلفة ودرجات الحرارة فيه دائماً مرتفعة، يضيف قروق قائلاً: “وهو يعاني من خلل في الأنظمة البيئية والبنية التحتية الفنية والإدارة، وبالتالي لا يستطيع التعامل مع الأوساط الطبيعية التي هي ربما مخلخلة”.
وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى “الظلم البيئي”، إذ تؤثر على حياة الإنسان في المنطقة العربية، خصوصاً حقوق الفئات الضعيفة في مناطق تعاني من انقطاع كلي أو شبه دائم للتيار الكهربائي، مثل لبنان ومصر وسوريا والعراق وغزة.
اللاجئون والنازحون هم الأكثر تأثراً
تهدّد درجات الحرارة المرتفعة اللاجئين في سوريا ولبنان وغزة، حيث فقد هؤلاء حقهم بالعيش في مسكن لائق وانتقلوا للعيش في الخيم البلاستيكية التي تحبس حرارة الشمس. ومن المتوقع وصول درجات الحرارة في بعض المناطق الى 60 درجة بحلول عام 2060.
وبإمكان سكان الشرق الأوسط توقع 200 يوم من الحر الشديد سنوياً، ووفقاً لـ مدير قسم الكيمياء الجوية في معهد ماكس بلانك للكيمياء في ألمانيا جوس ليلفيلد: “لن ينجو إلا من لديهم القدرة على تشغيل المكيفات”.
في العام 2008، أعرب مجلس حقوق الإنسان في قراره رقم 23/7 عن قلقه من أن تغير المناخ “يمثل تهديداً فورياً وواسع النطاق للشعوب والمجتمعات في جميع أنحاء العالم”. وتؤثر الحرارة المرتفعة على الحقوق المدنية والسياسية، مثل الحق في حرية الدين والمعتقد الذي عززه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد تجعل درجات الحرارة المرتفعة أداء فريضة الحج للمسلمين مستحيلة في السنوات المقبلة.
في موسم الحج عام 2024، شهدت المملكة العربية السعودية ارتفاعاً غير مسبوق بدرجات الحرارة، إذ وصلت في مدينة مكة المكرمة إلى 47 درجة مئوية وفقاً لـ سكاي نيوز عربية. وأدت درجات الحرارة المرتفعة إلى وفاة أكثر من 1300 شخص خلال آداء فريضة الحج. وتوقع خبراء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 2019، أن تتجاوز درجات الحرارة خلال الحج “عتبة الخطر الشديد” خلال الفترات من عام 2047 إلى 2052، ومن عام 2079 إلى 2086.
وموجات الحرارة العالية المتكررة سببها الاحترار الأرضي نتيجة للتحوّل المناخي، “وهذا يعود إلى ارتفاع ميزانية الطاقة الأرضية نتيجة لتخلخل وظائف سطح الأرض والتلوث الذي يعمل على خلخلة البنية الكيميائية للغلاف الجوي”، يقول قروق لـ “درج”. ويضيف أن “الشرق الأوسط لديه حصة أيضاً من النينو الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ”. والنينو، ظاهرة تحصل كل عامين أو 7 أعوام، وتتسبب بظواهر مناخية متطرفة، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. و”لا يجب أن ننسى الأدوار والوظائف التي قام بها البعض، منها إنتاج الوقود الأحفوري والحفر وتجهيز الآلات وتحويل بعض الغابات إلى مناطق سياحية”، بحسب قروق.
تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى “الظلم البيئي”، إذ تؤثر على حياة الإنسان في المنطقة العربية، خصوصاً حقوق الفئات الضعيفة في مناطق تعاني من انقطاع كلي أو شبه دائم للتيار الكهربائي، مثل لبنان ومصر وسوريا والعراق وغزة.
اللجوء البيئيّ
تؤثر الحرارة المرتفعة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كحق الإنسان في الحياة والصحة والمياه والغذاء. وتهدد درجات الحرارة المرتفعة حياة المواطنين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ أشارت المجلة الطبية البريطانية The Lancet إلى احتمال زيادة حالات الوفيات المتعلقة بارتفاع درجات. وذكرت المجلة أن معدل الوفيات قد يرتفع من متوسط حالتي وفاة لكل 10000 شخص إلى حوالى 123 حالة وفاة لكل 10000 بحلول العقدين الأخيرين من القرن الحالي.
وكثر الحديث عن مفهوم “اللجوء البيئي”، إذ أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى التهجير القسري للسكان في الشرق الأوسط. وبات العراق، الذي سجل أعلى معدلات الحرارة في العالم هذه السنة، بلد المهاجر البيئي. وهاجر مواطنون عراقيون من مناطق متأثرة بالتغير المناخي إلى بلدان مجاورة مثل إيران وتركيا أو أوروبية مثل اليونان والمملكة المتحدة وهولندا وإيرلندا.
وهرب عدد من السكان من وسط العراق وجنوبه مثل السليمانية والبصرة إلى مناطق أخرى داخل العراق. ويهدد اللجوء المناخي الشعوب الأصلية التي تعتمد على الطبيعة كسبيل للعيش مثل الزراعة وتربية المواشي. فلم يتمكن العراق مثلاً من زراعة أكثر من ثلث المساحات الصالحة للزراعة والتي تبلغ 14 دنماً، بحسب وزارة الموارد المائية. وتسبب درجات الحرارة المرتفعة بتفاوت نسب الأمطار وبالجفاف، ما قد يؤدي إلى المجاعة ويهدد حق الإنسان بالحصول على الغذاء والمياه وخدمات الصرف الصحي.
الحد من الاحتباس الحراري إلى درجة ونصف درجة مئوية هو هدف اتفاقية باريس للمناخ التي التزمت بموجبها الدول بالحفاظ على مستويات درجات الحرارة العالمية تحت مستويات ما قبل الثورة الصناعية. “إنما لم نعد نتكلم عن المناخ كمنظومة بيئية لكننا نحاول الاندماج”، حسب قروق.
يتابع قروق: “اجتزنا الحد الذي التزمت به الدول وبتنا على بعد نصف درجة مئوية فقط من الدرجتين اللتين هدفت إليهما اتفاقية باريس”. وبما أن الدول في المنطقة ليست لديها سلطة ولا يمكن أن تفرض قوانين تحمي البيئة لديها عبر مجلس الأمن، فمن الضروري العمل على برامج للاندماج.
يقول قروق: “لا جدوى للتفاوض الدولي في موضوع التغير المناخي بسبب الهوة بين العلم والسياسة والاقتصاد”، ويضيف: “نحن أمام سيناريوهات ضخمة ومجهولة، وعلى كل دولة التصرف على حدة حسب معطياتها الذاتية لتهيئة البنية التحتية والاستجابة للتغيرات الطبيعية”.