كان سبب موت “فيصل” في السجن هو الفشل الكلوي، الناتج من الخوف بعدما اعتقله فرع الأمن العسكري في حماة، بعد عودته من لبنان مع أهله منذ أقل من 40 يوماً.
لم يفصح هلال السموع في حديثه مع “درج”، عن معلومات أكثر حول موت قريبه فيصل، الذي عاد من لبنان هرباً من الحرب هناك، واستقر في منطقة معرة النعمان جنوب إدلب.
يقول هلال، “عاد فيصل مع ذويه إلى المنطقة بعد اشتداد الحرب في لبنان، وبعد أسبوع من وصولهم إلى منطقة معرة النعمان داهمت دورية تابعة للأمن العسكري المنزل واعتقلت فيصل ليعود بعد 15 يوماً جثة هامدة.
بالتزامن مع اعتقال فيصل ووفاته في سجون النظام، كان غالب الجلخي المنحدر من ريف إدلب أمضى 5 أيام في سجن المخابرات العسكرية في دمشق، بعدما اعتُقل و43 من أصدقائه الفارين من الحرب في لبنان أثناء وصولهم إلى مدينة حلب مستغلّين خط التهريب العسكري.
على عكس ما أعلنته وسائل إعلام النظام عن تسهيل الأخير عودة السوريين من لبنان في ظل الحرب التي يشهدها البلاد منذ شهر أيلول/ سبتمبر، إلا أن منظمات حقوقية عدة أكدت في تقاريرها مضي النظام في اعتقال عشرات الشبان السوريين العائدين من لبنان وزجّهم في معتقلات أجهزة المخابرات.
حصلنا في “درج” على شهادات من أقرباء أشخاص اعتقلتهم مخابرات الأسد وعملت على ابتزاز ذويهم، بعدما سلّمهم عسكريون يعملون كمهربين بين لبنان وسوريا.
أمضينا عمرنا خائفين وهاربين
تقول ليلة، وهي زوجة أحد الشبان الذين اعتقلتهم مخابرات النظام في مدينة حلب: “بعدما أمضينا 8 سنوات في لبنان هرباً من الحرب في سوريا وما كانت تتعرض له المنطقة الشمالية الغربية في سوريا من قصف وقتل من النظام، كان جنوب لبنان الملجأ لنا من الموت وفرصة لعمل زوجي في مجال البناء”.
تضيف ليلة: “مع احتدام القصف الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، قرر زوجي الفرار باتجاه سوريا بعدما وصل الكثير من أصدقائه بأمان إلى شمال غربي البلاد على طريق التهريب، دفعهم في ذلك خوفهم من أن تعتقلهم أجهزة الأمن السورية من جهة، أو أن يساقوا الى أداء الخدمة العسكرية الاحتياطية من جهة أخرى”.
في شهادتها لـ”درج” تكمل ليلة قائلة: “في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حجز زوجي لي ولأطفالنا في الحافلات المتّجهة إلى سوريا عن طريق معبر الدبوسية الحدودي مع سوريا، على أن يلحق بنا هو بعد أيام عدة ريثما يكتمل عدد قافلة التهريب بين الأراضي اللبنانية والسورية”.
تضيف ليلة: “بعد وصولي الى شمال غربي سوريا بنحو 5 أيام، أخبرني زوجي أنه سينطلق باتجاه سوريا برفقة أكثر من 40 شاباً، على أن يستقلوا سيارات عسكرية لقوات النظام بعد دخولهم إلى سوريا تسير بهم من محافظة حمص إلى محافظة حلب، حيث يدخلون مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ومن ثم مناطق شمال غربي البلاد”.
فقدت ليلة الاتصال مع زوجها بعد دخوله إلى سوريا، وفيما كان من المفترض أن تطول رحلة وصوله 4 أيام، بيد أن اليوم السادس مضى ولم تسمع أي خبر عنه أو اتصال، ومع حلول اليوم العاشر تلقت ليلة اتصالاً من رقم مجهول يخبرها أن زوجها برفقة 43 شاباً اعتقلتهم مخابرات الأمن العسكري في حلب واقتادتهم إلى فروع المخابرات في دمشق، وإن كانت تريد الإفراج عن زوجها عليها تحويل مبلغ 5000 دولار إلى عنوان زودها به المتصل في مناطق سيطرة النظام.
تختم ليلة حديثها لـ”درج” قائلةً: “أمضيت وزوجي كل عمرنا بالخوف والهرب من الموت والحرب، وها نحن نفترق بعد حياة أمضيناها سوياً لأكثر من 8 سنوات، ولا أعلم إن كنت سأستطيع رؤية زوجي مستقبلاً أم سيتحول إلى مجرد رقم في صفحات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان”.
مصيدة للهاربين
حصلت درج على 7 شهادات مشابهة لحال ليلة، كلها تؤكد اعتقال النظام لأشخاص عائدين من لبنان مستقلين سيارات عسكرية بين حمص وحلب انتهى بهم المطاف في سجون مخابرات الأسد، في حين يكون أقرباؤهم هدفاً لعمليات ابتزاز من أشخاص عسكريين ومتنفّذين في قوات النظام.
تلقت 22 عائلة في شمال غربي سوريا اتصالات من أشخاص في مناطق سيطرة النظام بعد اعتقال أحبائهم العائدين من لبنان يدعي فيها المتصلون أنهم إما محامين أو عاملين في محاكم دمشق أو حلب ولديهم وصول للافراج عن المعتقلين مقابل حصولهم على مبالغ تتراوح بين 3000-10000 دولار، يُدفع نصف المبلغ قبل الإفراج عن المعتقل.
واحد من هؤلاء سلون موصلي، شقيق لشاب عائد من لبنان اعتُقل في مدينة حماة أثناء مروره بها على خط التهريب العسكري، إذ تلقّت عائلة سلوان اتصالاً من شخص أخبرهم باعتقال سلون، وأن ملف اتهامه بأعمال إرهابية وصل الى محكمة جنايات دمشق، حيث يعمل المتصل بحسب ادعائه.
في نهاية الاتصال طلب الشخص على الهاتف مبلغ 4000 دولار كدفعة أولى للإفراج عن شقيق سلوان وإلا سيواجه حكماً بالسجن لفترة زمنية لا تقل عن 5 سنوات.
خط التهريب العسكري
600 دولار هي تعرفة التهريب من بيروت إلى شمال غربي سوريا في عملية معقدة يقودها ضباط في قوات النظام من مختلف الألوية والفرق، ولا تقتصر فقط على الفرقة الرابعة، بحسب هاني الجلال أحد الواصلين من لبنان عن طريق التهريب نحو بتركيا.
يخبرنا جلال عن انتشار مجموعة سماسرة في لبنان لتجهيز “قوافل التهريب” باتجاه سوريا، وهؤلاء السماسرة في غالبيتهم مرتبطون بميليشيا حزب الله، إذ يتم تجميع الشبان في نقاط معينة في بيروت ومن ثم يستقلون حافلات عدة تصل بهم الى الحدود السورية – اللبنانية بالقرب من محافظة حمص.
يضيف جلال أن “قوافل التهريب” تعبر الحدود السورية ليستقل بعدها الهاربون سيارات عسكرية تسير بهم في طرق وعرة ومن ثم طرق معبدة حتى يصلوا الطريق الرئيسي بين حمص- حلب، ولا يسمح لأي شخص بالحديث في السيارات العسكرية التي تقف قليلاً على الحواجز العسكرية وتكمل طريقها باتجاه حلب.
يقول جلال: “داخل السيارة، يوجد ضابط برتبة عقيد أو مقدم يتم تسليم أجور التهريب له في منتصف الطريق، بعد أن يجمعها عناصر عسكريون من الشبان، ولا يسأل الضابط أو العناصر الشبان من أين هم أو أين يذهبون وينحصر اهتمامهم باستلام الدولارات وفرض اتاوات على الشبان، يشتري بها الضابط والعناصر طعاماً على طول الطريق الذي ينتهي في محافظة حلب بالقرب من نقاط تمركز قوات سوريا الديمقراطية”.
يؤكد هاني الجلال أن كل شخص يريد السفر إلى سوريا بشكل غير شرعي، عليه تزويد السماسرة بسيرة عنه وعن أهله مثل الإقامة والعمل وأرقام هواتف ومنذ متى هو في لبنان ولماذا يريد السفر إلى سوريا… وعن طريق تلك المعلومات والعناوين يتواصل المبتزّون مع أهالي المعتقلين.
أما عن أسباب اعتقال المخابرات بعض قوافل التهريب رغم أن مرافقيهم من ضباط متنفذين في قوات النظام، فتعود دائماً إلى خلافات بين الضباط على المبالغ. يقول جلال “طلب الضباط من الشبان العائدين من لبنان مبالغ إضافية فوق أجور التهريب تصل إلى 1000 دولار، من يستطيع أن يدفع ينجو من الاعتقال ومن يعجز عن الدفع أو يرفض دفع مبلغ إضافي يُسلَّم إلى المخابرات، وهذا ما شاهدته أمامي أثناء وصولنا إلى حلب، حيث طُلب منا دفع مبلغ 500 دولار فوق الـ 600 ليُسمح لنا بالمرور أو الاعتقال”.
عفو على الورق فقط
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، إن السوريين الفارين من العنف في لبنان يواجهون مخاطر القمع والاضطهاد على يد الحكومة السورية عند عودتهم، بما يشمل الإخفاء القسري، والتعذيب، والوفاة أثناء الاحتجاز.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: “يُجبر السوريون الفارون من العنف في لبنان على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح”.
وأضاف أن “الوفيات المريبة للعائدين (قبل التصعيد في لبنان) أثناء احتجازهم، تسلّط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين (من لبنان بعد أيلول/ سبتمبر) والحاجة الملحّة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا”.
من جانبها، رصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عمليات اعتقال استهدفت اللاجئين العائدين من لبنان، الذين فروا من تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان منذ 23 أيلول/ سبتمبر 2024. حصلت هذه الاعتقالات عند المعابر الحدودية الرسمية وغير الرسمية بين سوريا ولبنان، حيث اقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظات حمص ودمشق وحلب. وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال ما لا يقل عن 17 شخصاً من اللاجئين، معظمهم من أبناء محافظة إدلب.
وفي السياق ذاته، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 16 تشرين الأول الماضي، اعتقال النظام السوري 68 شخصاً من العائدين من لبنان منذ إصدار العفو في 22 أيلول الماضي، بينهم ما لا يقل عن 38 شخصاً بتهمة الفرار أو التخلف عن الخدمتين الإجبارية والاحتياطية في قوات النظام، على رغم أن القانون يمنح العائدين من خارج سوريا مهلة 15 يوماً للالتحاق بشعب التجنيد للسوق إلى الخدمة العسكرية أصولاً، في حين أن غالبية حواجز قوات النظام تتجاوزه وتعتقل الفارين مباشرة وتسوقهم إلى القطع العسكرية بعد إخضاعهم لمحاكمة عسكرية.
بعض الأسماء الواردة في التقرير هي ألقاب للشهود استخدمت حفاظاً على أمنهم/ن.
إقرأوا أيضاً: