fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

العالم على أعتاب عصر نووي جديد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعهد دونالد ترامب بأنه “لن يسمح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي” طالما بقي رئيساً للولايات المتحدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طغت على المشهد الراهن، الهجمات الصاروخية الإيرانية على القوات الأميركية في العراق، والفوضى العارمة في إيران، والتوقف المفاجئ للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى الارتباك التام بشأن ما إذا كانت القوات الأميركية ستبقى في العراق، وحتى ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تحترم قوانين الحرب، إلى جانب تداعيات اغتيال إدارة ترامب لقاسم سليماني.

بيد أن أحد التأثيرات غير المباشرة المحتملة قد لا يتجلى بوضوح لبعض الوقت: وهو بروز إيران على الساحة الدولية باعتبارها الدولة المقبلة التي ستمتلك أسلحة نووية، فيما يبدو العالم على شفير أخطر العصور النووية. ومن المحتمل ألا تكون الطائرة المُسيرة من طراز “ريبر” التي حامت فوق سماء مطار بغداد قضت على الجنرال الإيراني سيئ السمعة فحسب، بل قضت أيضاً على الأمل الأخير بعرقلة الطموحات النووية الإيرانية.

تعهد دونالد ترامب، خلال خطابه الذي وجهه إلى الأمة بالأمس قبل حتى أن يلقي عليهم التحية “صباح الخير” بأنه “لن يسمح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي” طالما بقي رئيساً للولايات المتحدة. ومع أنه حث القوى العالمية أيضاً على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي تفاوضوا هم وإدارة أوباما من قبله مع إيران بشأنه، والذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه عام 2018، إلا أنه لم يقدم أي تفاصيل حول خطته للتوصل إلى اتفاق أفضل.

عندما أعلنت الحكومة الإيرانية أنها قد تتوقف عن العمل بالكثير (وليس الكل بعد) من التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية، في خطوة اتخذتها بعد مقتل سليماني، لكن كان مخطط لها مسبقاً، تذكرت شيئاً ما أخبرني به عام 2018، ريتشارد بيرت، الديبلوماسي الأميركي الذي كان وراء أكبر عملية للحد من الأسلحة النووية في التاريخ. فقد لاحظ أنه في عقد الثمانينات، عندما تفاوض على معاهدة “ستارت 1” المبرمة مع الاتحاد السوفياتي، كان الناس على وعي تام بالمخاطر الوجودية التي ينطوي عليها الصراع النووي. ولكن هذا الوعي لم يعد موجوداً، وهو ما حذر منه.

لاحظ بيرت من أنه “لم يعد هناك من يركز على حقيقة أن الإطار القائم للمراقبة النووية والقيود المفروضة عليها على وشك الانهيار” ما يتيح الفرصة أمام “المنافسات النووية غير المقيدة”. وما نشهده، بحسب زعمه، ليس نوعاً من الهدم البناء، الذي يترك فيه إطار الحرب الباردة القديم لأجل إطار أكثر حداثة، ولكنه “محض دمار”.

“لم يعد هناك من يركز على حقيقة أن الإطار القائم للمراقبة النووية والقيود المفروضة عليها على وشك الانهيار” ما يتيح الفرصة أمام “المنافسات النووية غير المقيدة”.

لقد انتقلنا بالفعل من العقد الأول منذ بزوغ العصر الذري، إلى محاولة تجنب الخضوع لدولة جديدة تمتلك أسلحة نووية، ومنها إلى شفا حرب بين القوى النووية الرائدة عالمياً وتلك الطامحة في امتلاك أسلحة نووية، في الأيام الأولى من عام 2020. والآن إدارة ترامب متأهبة لمواجهة اثنتين على الأقل من الأزمات النووية المتزامنة مع سباق ثلاثي متصاعد وغير مسبوق للتسلح النووي، وهذا كله من شأنه أن يهدد السجل الحافل الكامل للردع النووي الذي لطالما صمد بأعجوبة منذ عام 1945. وحتى لو لم تجرى اختبارات أو تبادلات نووية في السنة المقبلة، ستتلاشى الأنظمة والاتفاقيات والأعراف التي ساعدت في التخفيف من مخاطر الصراعات النووية، منذرة بحقبة أكثر خطراً لن تكون الولايات المتحدة قادرة على التحكم فيها.

ولنتأمل هنا ما حدث في العام الماضي وحده:

  • برنامج نووي إيراني جديد غير خاضع للقيود: لقد تحررت إيران تدريجاً من قيود الاتفاقية النووية المبرمة عام 2015، في أعقاب قرار ترامب سحب الولايات المتحدة من هذا الميثاق، على الرغم من أنها لا تزال تتعاون مع المفتشين الدوليين تاركة لنفسها مساحة للرجوع إلى الالتزام بقيود الاتفاقية المذكورة، إذا ما تخلت الولايات المتحدة عن العقوبات المفروضة ضد طهران. وقدر الخبراء أنه بسبب التحركات الأخيرة بعيداً من الاتفاق، فإن الوقت الذي قد تحتاجه إيران لتوليد وقود كاف لصنع قنبلة نووية قد يتقلص من سنة تقريباً إلى بضعة أشهر.
  • قوة نووية ناشئة بكوريا الشمالية: تعهد زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في العام الجديد بمواصلة تطوير برنامجه للأسلحة النووية، الذي يبدو بالفعل متقدماً كفاية لتهديد العالم أجمع، بعد فشل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة. ومن المحتمل ألا يؤدي القتل المستهدف لمسؤول إيراني رفيع المستوى، بعد سنوات قليلة من عقد إيران الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، إلا إلى تعزيز إيمان كيم بأن السبيل الوحيد لتجنب تعرض نظامه لمصير مماثل هو التشبث بأسلحته النووية. وقد أخبرني الديبلوماسي الكوري الشمالي السابق، ثاي يونج هو “بأنه قلق من أن يلجأ كم إلى ما هو أبعد من ذلك في العام المقبل، فمن المحتمل أن يصرح بأن الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على أمته، لم يترك لديه خياراً للبقاء سوى بيع التقنيات النووية والصاروخية إلى أطراف آخرين، بمن فيهم خصوم الولايات المتحدة”.
  • شبح توجه الدول الأخرى إلى تطوير الأسلحة النووية: أدى فشل الجهود الرامية إلى نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية والتوصل إلى اتفاق نووي أفضل مع إيران، مقترناً بالمخاوف التي سادت بين حلفاء الولايات المتحدة بشأن التزام ترامب توفير الحماية لهم ضد هؤلاء الخصوم، إلى إثارة الحديث عن تطلع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والمملكة العربية السعودية، إلى امتلاك أسلحة نووية خاصة، بدلاً من الاعتماد على الردع النووي الأميركي. وفي تنبؤ بالمخاطر الجيوسياسية المحتملة عام 2020، الذي نشر قبل أسبوعين من مقتل سليماني، توقع باحثان في مؤسسة “ذا أتلانتك كاونسيل” (المجلس الأطلسي)، أن كوريا الجنوبية وأستراليا “تدرسان بالفعل إمكان تطوير الأسلحة النووية، وقد تنتقلان إلى المرحلة التالية، واتخاذ خطوات جدية في سبيل ذلك عام 2020، كما هي الحال مع اليابان. وإذا لم تُحَل الأزمة النووية الإيرانية، فمن المتوقع أن يُقدم السعوديون على شراء أسلحة نووية من باكستان أو استئجارها”.
  • جرأة الدول النووية في جنوب آسيا: لم تصل الاشتباكات التي اندلعت بين الهند وباكستان في شباط/ فبراير 2019، والتي أشعل شرارتها هجوم شنه مسلحون باكستانيون على قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير المتنازع عليه، إلى مستوى استخدام الأسلحة النووية. بيد أن حدة تلك الاشتباكات تصاعدت من خلال تنفيذ ضربة جوية هندية على معسكر تدريب تابع لجماعات إرهابية في باكستان – وهو العمل الذي وصفه الخبيران النوويان نيكولاس ميلر وفيبين نارانج بأنه “أول هجوم على الإطلاق تقوم به قوة نووية ضد الأراضي الخاضعة لسيادة قوة نووية أخرى”. مع الأخذ في الاعتبار أنهما قوتان نوويتان تمتلكان ترسانات نووية متزايدة بالقدر ذاته.
  • توقف الولايات المتحدة وروسيا عن الحد من التسلح: انسحبت الولايات المتحدة رسمياً في آب/ أغسطس الماضي من “معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى”، الموقعة مع روسيا عام 1987، التي حظرت استخدام فئة كاملة من الأسلحة النووية التي يُمكن إطلاقها أرضاً، وألقت باللوم على الانتهاكات الروسية للاتفاق وإجحاف الاتفاق لأن الصين ليست طرفاً فيه. فضلاً عن أن إدارة ترامب أشارت إلى أنها قد لا تجدد معاهدة “ستارت الجديدة”، وهي المعاهدة التي وقعتها مع روسيا عام 2010، لتحل محل معاهدة “ستارت 1″، ومن المقرر أن ينتهي العمل بها في العام المقبل، للحد من عدد الرؤوس الحربية النووية التي تستطيع الولايات المتحدة وروسيا إطلاقها على الصواريخ البعيدة المدى. يبدو أن المرجو من عدم تجديد المعاهدة هو إزالة القيود على الولايات المتحدة ما يمكنها من التوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً يضم الصين، بيد أن هذه الفكرة تبدو خيالية حتى الآن. يُبشر انتهاء معاهدة “ستارت الجديدة” بالقضاء على المعاهدة الوحيدة المتبقية للحد من التسلح النووي. كما أنها ستمثل المرة الأولى منذ عام 1972 التي لا تخضع لمعاهدتها أميركا وروسيا، اللتان تستأثران معاً بأكثر من 90 في المئة من الرؤوس الحربية النووية على مستوى العالم، أي قيود ملزمة من الناحية القانونية على قواتهما النووية.
  • خروج التنافس بين القوى العظمى عن السيطرة: يتزامن انهيار “معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى” مع تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، الأمر الذي يهدد بتسريع وتيرة سباق التسلح النووي الناشئ في هذه الدول، التي تستثمر بكثافة بالفعل في تحديث ترساناتها النووية وفي التقنيات الجديدة مثل الصواريخ المُجهزة بمركبات انزلاقية أسرع من الصوت، التي تستطيع التملص من الدفاعات الصاروخية، والأسلحة الإلكترونية ضد أنظمة القيادة والسيطرة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكن دمجها في هذه الأنظمة. وفي الوقت ذاته، ساهمت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تقليل الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين البلدين، الذي لطالما ساعد في ردع الصراع بين القوتين العظميين النوويتين.

انخفض عدد الأسلحة النووية في العالم من أكثر من 70 ألفاً، عام 1986 إلى أقل من 14 ألفاً في الوقت الراهن، بسبب جهود الحد من التسلح.

تأتي هذه الملابسات المؤسفة في أعقاب إحراز تقدم كبير في وقف انتشار الأسلحة النووية. خلال حقبة الستينات، وهو العقد الذي شهد ظهور معظم الدول النووية الجديدة (فرنسا، والصين، وإسرائيل بشكل غير رسمي)، توقع جون كينيدي وجود 15 أو 20 قوة نووية بحلول عام 1975. واليوم لا يوجد سوى تسع دول فقط، بمعدل انضمام دولة أو دولتين إلى النادي النووي كل عشر سنوات، وكان آخرها كوريا الشمالية عام 2006. وأشار الباحث في مجال الأمن النووي، جيم والش، إلى أن 75 في المئة من تلك الدول التي أبدت اهتماماً في الماضي بتطوير أسلحة نووية، اختارت في النهاية ألا تفعل ذلك، وأن عدد الدول التي تخلت عن الأسلحة النووية منذ التسعينات أكبر من عدد الدول التي حازتها.

إضافة إلى ذلك، انخفض عدد الأسلحة النووية في العالم من أكثر من 70 ألفاً، عام 1986 إلى أقل من 14 ألفاً في الوقت الراهن، بسبب جهود الحد من التسلح. (لا يزال هذا العدد من الأسلحة النووية كافياً بكل تأكيد لقتل مليارات البشر وإغراق العالم في شتاء نووي. وعندما يتعلق الأمر بمنع الانتشار النووي، فإن التقدم لا يلقى تشجيعاً إلا عندما يُعبر عنه بصورة نسبية).

بيد أن عمليات الحد من انتشار هذه الأسلحة حصلت بمعظمها في التسعينات، وتباطأ معدل الحد من انتشارها منذ ذلك الحين. إذ إننا نعيش الآن في فترة أصبحت فيها العوائق التي تحول دون الحصول على الأسلحة النووية، وهي تكنولوجيا عمرها 75 عاماً، أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي. فضلاً عن أن الوقت الراهن، كما أوضح جيمس هولمز من كلية الحرب البحرية الأميركية، يشهد وجود عدد أكبر من الدول التي تمتلك الأسلحة النووية “من أشكال وأحجام مختلفة… ومسارات مختلفة أيضاً”، ما يجعل “أبعاد” الردع النووي “أكثر تعقيداً وأصعب إدارةً” مما كانت عليه خلال الحرب الباردة المتماثلة نسبياً.

أضف إلى ذلك الذاكرة الباهتة عن الحرب الباردة والمنافسة الأشد ضراوة بين القوى العظمى، ومن ثم ليس من الغريب أن تختفي حواجز الأمان على أكثر أسلحة العالم قدرة على التدمير.

ولعل العام الماضي سيُذكر “باعتباره نقطة التحول من عصر يتسم بالهدوء النسبي” إلى “فجر عصر نووي جديد يتسم بالخطورة”، كما كتب ميلر ونارانج الشهر الماضي في مجلة “فورين أفيرز”. وقد تكون عواقب ذلك “مأساوية”.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة المادة الاصلية زوروا الرابط التالي.

21.01.2020
زمن القراءة: 8 minutes

تعهد دونالد ترامب بأنه “لن يسمح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي” طالما بقي رئيساً للولايات المتحدة.

طغت على المشهد الراهن، الهجمات الصاروخية الإيرانية على القوات الأميركية في العراق، والفوضى العارمة في إيران، والتوقف المفاجئ للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى الارتباك التام بشأن ما إذا كانت القوات الأميركية ستبقى في العراق، وحتى ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تحترم قوانين الحرب، إلى جانب تداعيات اغتيال إدارة ترامب لقاسم سليماني.

بيد أن أحد التأثيرات غير المباشرة المحتملة قد لا يتجلى بوضوح لبعض الوقت: وهو بروز إيران على الساحة الدولية باعتبارها الدولة المقبلة التي ستمتلك أسلحة نووية، فيما يبدو العالم على شفير أخطر العصور النووية. ومن المحتمل ألا تكون الطائرة المُسيرة من طراز “ريبر” التي حامت فوق سماء مطار بغداد قضت على الجنرال الإيراني سيئ السمعة فحسب، بل قضت أيضاً على الأمل الأخير بعرقلة الطموحات النووية الإيرانية.

تعهد دونالد ترامب، خلال خطابه الذي وجهه إلى الأمة بالأمس قبل حتى أن يلقي عليهم التحية “صباح الخير” بأنه “لن يسمح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي” طالما بقي رئيساً للولايات المتحدة. ومع أنه حث القوى العالمية أيضاً على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي تفاوضوا هم وإدارة أوباما من قبله مع إيران بشأنه، والذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه عام 2018، إلا أنه لم يقدم أي تفاصيل حول خطته للتوصل إلى اتفاق أفضل.

عندما أعلنت الحكومة الإيرانية أنها قد تتوقف عن العمل بالكثير (وليس الكل بعد) من التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية، في خطوة اتخذتها بعد مقتل سليماني، لكن كان مخطط لها مسبقاً، تذكرت شيئاً ما أخبرني به عام 2018، ريتشارد بيرت، الديبلوماسي الأميركي الذي كان وراء أكبر عملية للحد من الأسلحة النووية في التاريخ. فقد لاحظ أنه في عقد الثمانينات، عندما تفاوض على معاهدة “ستارت 1” المبرمة مع الاتحاد السوفياتي، كان الناس على وعي تام بالمخاطر الوجودية التي ينطوي عليها الصراع النووي. ولكن هذا الوعي لم يعد موجوداً، وهو ما حذر منه.

لاحظ بيرت من أنه “لم يعد هناك من يركز على حقيقة أن الإطار القائم للمراقبة النووية والقيود المفروضة عليها على وشك الانهيار” ما يتيح الفرصة أمام “المنافسات النووية غير المقيدة”. وما نشهده، بحسب زعمه، ليس نوعاً من الهدم البناء، الذي يترك فيه إطار الحرب الباردة القديم لأجل إطار أكثر حداثة، ولكنه “محض دمار”.

“لم يعد هناك من يركز على حقيقة أن الإطار القائم للمراقبة النووية والقيود المفروضة عليها على وشك الانهيار” ما يتيح الفرصة أمام “المنافسات النووية غير المقيدة”.

لقد انتقلنا بالفعل من العقد الأول منذ بزوغ العصر الذري، إلى محاولة تجنب الخضوع لدولة جديدة تمتلك أسلحة نووية، ومنها إلى شفا حرب بين القوى النووية الرائدة عالمياً وتلك الطامحة في امتلاك أسلحة نووية، في الأيام الأولى من عام 2020. والآن إدارة ترامب متأهبة لمواجهة اثنتين على الأقل من الأزمات النووية المتزامنة مع سباق ثلاثي متصاعد وغير مسبوق للتسلح النووي، وهذا كله من شأنه أن يهدد السجل الحافل الكامل للردع النووي الذي لطالما صمد بأعجوبة منذ عام 1945. وحتى لو لم تجرى اختبارات أو تبادلات نووية في السنة المقبلة، ستتلاشى الأنظمة والاتفاقيات والأعراف التي ساعدت في التخفيف من مخاطر الصراعات النووية، منذرة بحقبة أكثر خطراً لن تكون الولايات المتحدة قادرة على التحكم فيها.

ولنتأمل هنا ما حدث في العام الماضي وحده:

  • برنامج نووي إيراني جديد غير خاضع للقيود: لقد تحررت إيران تدريجاً من قيود الاتفاقية النووية المبرمة عام 2015، في أعقاب قرار ترامب سحب الولايات المتحدة من هذا الميثاق، على الرغم من أنها لا تزال تتعاون مع المفتشين الدوليين تاركة لنفسها مساحة للرجوع إلى الالتزام بقيود الاتفاقية المذكورة، إذا ما تخلت الولايات المتحدة عن العقوبات المفروضة ضد طهران. وقدر الخبراء أنه بسبب التحركات الأخيرة بعيداً من الاتفاق، فإن الوقت الذي قد تحتاجه إيران لتوليد وقود كاف لصنع قنبلة نووية قد يتقلص من سنة تقريباً إلى بضعة أشهر.
  • قوة نووية ناشئة بكوريا الشمالية: تعهد زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في العام الجديد بمواصلة تطوير برنامجه للأسلحة النووية، الذي يبدو بالفعل متقدماً كفاية لتهديد العالم أجمع، بعد فشل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة. ومن المحتمل ألا يؤدي القتل المستهدف لمسؤول إيراني رفيع المستوى، بعد سنوات قليلة من عقد إيران الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، إلا إلى تعزيز إيمان كيم بأن السبيل الوحيد لتجنب تعرض نظامه لمصير مماثل هو التشبث بأسلحته النووية. وقد أخبرني الديبلوماسي الكوري الشمالي السابق، ثاي يونج هو “بأنه قلق من أن يلجأ كم إلى ما هو أبعد من ذلك في العام المقبل، فمن المحتمل أن يصرح بأن الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على أمته، لم يترك لديه خياراً للبقاء سوى بيع التقنيات النووية والصاروخية إلى أطراف آخرين، بمن فيهم خصوم الولايات المتحدة”.
  • شبح توجه الدول الأخرى إلى تطوير الأسلحة النووية: أدى فشل الجهود الرامية إلى نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية والتوصل إلى اتفاق نووي أفضل مع إيران، مقترناً بالمخاوف التي سادت بين حلفاء الولايات المتحدة بشأن التزام ترامب توفير الحماية لهم ضد هؤلاء الخصوم، إلى إثارة الحديث عن تطلع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والمملكة العربية السعودية، إلى امتلاك أسلحة نووية خاصة، بدلاً من الاعتماد على الردع النووي الأميركي. وفي تنبؤ بالمخاطر الجيوسياسية المحتملة عام 2020، الذي نشر قبل أسبوعين من مقتل سليماني، توقع باحثان في مؤسسة “ذا أتلانتك كاونسيل” (المجلس الأطلسي)، أن كوريا الجنوبية وأستراليا “تدرسان بالفعل إمكان تطوير الأسلحة النووية، وقد تنتقلان إلى المرحلة التالية، واتخاذ خطوات جدية في سبيل ذلك عام 2020، كما هي الحال مع اليابان. وإذا لم تُحَل الأزمة النووية الإيرانية، فمن المتوقع أن يُقدم السعوديون على شراء أسلحة نووية من باكستان أو استئجارها”.
  • جرأة الدول النووية في جنوب آسيا: لم تصل الاشتباكات التي اندلعت بين الهند وباكستان في شباط/ فبراير 2019، والتي أشعل شرارتها هجوم شنه مسلحون باكستانيون على قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير المتنازع عليه، إلى مستوى استخدام الأسلحة النووية. بيد أن حدة تلك الاشتباكات تصاعدت من خلال تنفيذ ضربة جوية هندية على معسكر تدريب تابع لجماعات إرهابية في باكستان – وهو العمل الذي وصفه الخبيران النوويان نيكولاس ميلر وفيبين نارانج بأنه “أول هجوم على الإطلاق تقوم به قوة نووية ضد الأراضي الخاضعة لسيادة قوة نووية أخرى”. مع الأخذ في الاعتبار أنهما قوتان نوويتان تمتلكان ترسانات نووية متزايدة بالقدر ذاته.
  • توقف الولايات المتحدة وروسيا عن الحد من التسلح: انسحبت الولايات المتحدة رسمياً في آب/ أغسطس الماضي من “معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى”، الموقعة مع روسيا عام 1987، التي حظرت استخدام فئة كاملة من الأسلحة النووية التي يُمكن إطلاقها أرضاً، وألقت باللوم على الانتهاكات الروسية للاتفاق وإجحاف الاتفاق لأن الصين ليست طرفاً فيه. فضلاً عن أن إدارة ترامب أشارت إلى أنها قد لا تجدد معاهدة “ستارت الجديدة”، وهي المعاهدة التي وقعتها مع روسيا عام 2010، لتحل محل معاهدة “ستارت 1″، ومن المقرر أن ينتهي العمل بها في العام المقبل، للحد من عدد الرؤوس الحربية النووية التي تستطيع الولايات المتحدة وروسيا إطلاقها على الصواريخ البعيدة المدى. يبدو أن المرجو من عدم تجديد المعاهدة هو إزالة القيود على الولايات المتحدة ما يمكنها من التوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً يضم الصين، بيد أن هذه الفكرة تبدو خيالية حتى الآن. يُبشر انتهاء معاهدة “ستارت الجديدة” بالقضاء على المعاهدة الوحيدة المتبقية للحد من التسلح النووي. كما أنها ستمثل المرة الأولى منذ عام 1972 التي لا تخضع لمعاهدتها أميركا وروسيا، اللتان تستأثران معاً بأكثر من 90 في المئة من الرؤوس الحربية النووية على مستوى العالم، أي قيود ملزمة من الناحية القانونية على قواتهما النووية.
  • خروج التنافس بين القوى العظمى عن السيطرة: يتزامن انهيار “معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى” مع تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، الأمر الذي يهدد بتسريع وتيرة سباق التسلح النووي الناشئ في هذه الدول، التي تستثمر بكثافة بالفعل في تحديث ترساناتها النووية وفي التقنيات الجديدة مثل الصواريخ المُجهزة بمركبات انزلاقية أسرع من الصوت، التي تستطيع التملص من الدفاعات الصاروخية، والأسلحة الإلكترونية ضد أنظمة القيادة والسيطرة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكن دمجها في هذه الأنظمة. وفي الوقت ذاته، ساهمت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تقليل الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين البلدين، الذي لطالما ساعد في ردع الصراع بين القوتين العظميين النوويتين.

انخفض عدد الأسلحة النووية في العالم من أكثر من 70 ألفاً، عام 1986 إلى أقل من 14 ألفاً في الوقت الراهن، بسبب جهود الحد من التسلح.

تأتي هذه الملابسات المؤسفة في أعقاب إحراز تقدم كبير في وقف انتشار الأسلحة النووية. خلال حقبة الستينات، وهو العقد الذي شهد ظهور معظم الدول النووية الجديدة (فرنسا، والصين، وإسرائيل بشكل غير رسمي)، توقع جون كينيدي وجود 15 أو 20 قوة نووية بحلول عام 1975. واليوم لا يوجد سوى تسع دول فقط، بمعدل انضمام دولة أو دولتين إلى النادي النووي كل عشر سنوات، وكان آخرها كوريا الشمالية عام 2006. وأشار الباحث في مجال الأمن النووي، جيم والش، إلى أن 75 في المئة من تلك الدول التي أبدت اهتماماً في الماضي بتطوير أسلحة نووية، اختارت في النهاية ألا تفعل ذلك، وأن عدد الدول التي تخلت عن الأسلحة النووية منذ التسعينات أكبر من عدد الدول التي حازتها.

إضافة إلى ذلك، انخفض عدد الأسلحة النووية في العالم من أكثر من 70 ألفاً، عام 1986 إلى أقل من 14 ألفاً في الوقت الراهن، بسبب جهود الحد من التسلح. (لا يزال هذا العدد من الأسلحة النووية كافياً بكل تأكيد لقتل مليارات البشر وإغراق العالم في شتاء نووي. وعندما يتعلق الأمر بمنع الانتشار النووي، فإن التقدم لا يلقى تشجيعاً إلا عندما يُعبر عنه بصورة نسبية).

بيد أن عمليات الحد من انتشار هذه الأسلحة حصلت بمعظمها في التسعينات، وتباطأ معدل الحد من انتشارها منذ ذلك الحين. إذ إننا نعيش الآن في فترة أصبحت فيها العوائق التي تحول دون الحصول على الأسلحة النووية، وهي تكنولوجيا عمرها 75 عاماً، أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي. فضلاً عن أن الوقت الراهن، كما أوضح جيمس هولمز من كلية الحرب البحرية الأميركية، يشهد وجود عدد أكبر من الدول التي تمتلك الأسلحة النووية “من أشكال وأحجام مختلفة… ومسارات مختلفة أيضاً”، ما يجعل “أبعاد” الردع النووي “أكثر تعقيداً وأصعب إدارةً” مما كانت عليه خلال الحرب الباردة المتماثلة نسبياً.

أضف إلى ذلك الذاكرة الباهتة عن الحرب الباردة والمنافسة الأشد ضراوة بين القوى العظمى، ومن ثم ليس من الغريب أن تختفي حواجز الأمان على أكثر أسلحة العالم قدرة على التدمير.

ولعل العام الماضي سيُذكر “باعتباره نقطة التحول من عصر يتسم بالهدوء النسبي” إلى “فجر عصر نووي جديد يتسم بالخطورة”، كما كتب ميلر ونارانج الشهر الماضي في مجلة “فورين أفيرز”. وقد تكون عواقب ذلك “مأساوية”.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة المادة الاصلية زوروا الرابط التالي.

21.01.2020
زمن القراءة: 8 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية