لم يطمئن أهالي البصرة تماماً إلى انتهاء خطر “عصابة الموت” التي أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن إلقاء القبض على عناصرها قبل فترة زمنية ليست ببعيدة. لا يزال كثيرون يتوقعون ظهور عصابات أخرى على ارتباط بـ”عصابة الموت”، أو سواها، لإكمال الوظيفة التي كانت مسندة إليها: ترويع المتظاهرين واغتيال نشطاء وصحافيين وتهديد أصحاب شركات وأعمال.
عبثت “عصابة الموت” بأمن البصرة لسنوات طويلة، وكانت سبباً في هجرة بعض التجار إلى أماكن يعتبرونها أكثر أمناً، خلال موجة التظاهرات التي ترافقت مع موجة اغتيالات. “سمّني أحمد” في مقالك، يقول المواطن البصراوي الذي يخشى ذكر اسمه في موضوع يتعلق بهذه العصابة، إذ لا يثق بأن نفوذها وقدرتها على القتل تلاشا حقاً. لا يزال اسمها يبعث الخوف في النفوس. وهي فرقة كما يقول أحمد، ويتفق معه أمنيون مراقبون للوضع الأمني في البصرة، تتكوّن من مجموعة من القتلة المأجورين، وقياداتها ترتبط بجماعات مسلحة شيعية، وشكّلت العصابة في الأساس لتصفية الخصوم السياسيين.
نشطت هذه الفرقة خلال أعوام 2006 حتى 2008 لتعود بعد ذلك بشكل واضح إلى الواجهة خلال فترة الحراك الاحتجاجي عام 2019 لتنفذ عمليات قتل وخطف بحق المتظاهرين.
أبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها العصابة، كانت قتل محافظ البصرة الأسبق محمد مصبح الوائلي عام 2012.
المعلومات المتوافرة حتى الآن حول اعتقال العصابة تتلخص في أن مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في البصرة ألقت القبض على خمسة متهمين من هذه الفرقة وهم من الذين نفذوا عمليات قتل وتهديد، فيما لم يتم القبض على آخرين، أبرزهم رئيس العصابة وهو أحمد عبد الكريم والمسمى أحمد طويسه، مع أخيه علي طويسه. وأبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها العصابة، كانت قتل محافظ البصرة الأسبق محمد مصبح الوائلي عام 2012، الذي شغل هذا المنصب بين عامي 2005 و2009 وكان ينتمي إلى “حزب الفضيلة الإسلامي”. وقُتل أمام جامع البصرة الكبير يوسف الحسان أواسط 2006، واستُهدف مسؤولون أمنيون في البصرة، كما اعترف أفراد العصابة بقتل الصحافي أحمد عبد الصمد وزميله صفاء غالي والناشطة ريهام يعقوب واستهداف منزل محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني.
إسماعيل مصبح الوائلي شقيق المحافظ الأسبق الذي قتل على يد هذه المجموعة يقول إن رئيس هذه المجموعة أحمد عبد الكريم المدعو أحمد طويسة هرب خلال فترة القبض عليهم مع أشخاص آخرين إلى مقر هيئة الحشد الشعبي في البصرة ليتبنى مسؤول الحشد إيواءهم.
الكاتب جاسم الشمري يصف عملية القبض على هذه المجموعة بـ”التطور الأمني الخطير والجريء في الوقت نفسه”، معتبراً أن قرار الحكومة اعتقال العصابة يؤشّر إلى أنّ “الخطوط الحمر بدأت تتلاشى في العراق”.
الشمري يشكك في الآن عينه في إمكان صمود حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أمام الضغوط التي تمارسها أطراف داخلية وخارجية لتسويف محاكمتهم العلنية التي أعلن عنها.
إقرأوا أيضاً:
الكاتب الصحافي صلاح حسن يرى في توقيت عملية القبض على هذه المجموعة محاولة لضبط الأمور في مدينة البصرة، التي تعدّ منبعاً اقتصادياً رئيساً للأحزاب السياسية والمسلحة عبر محاولة السيطرة على المنافذ البرية والبحرية.
ويتضح من خلال هذه الخطوة محاولة الحكومة تجفيف منابع التمويل داخل العراق في المراكز التجارية لتلك المجموعات، كما أن هروب رئيسها مع شخصيات أخرى ليلجأوا إلى أماكن نفوذ فصائل معينة، يعد دليلاً على تورط بعض الأحزاب معهم.
حسن يشير إلى أن المرحلة الأهم في عملية القبض هي التحقيق في أسباب الاغتيالات التي نفذتها العصابة، ومن يقف وراء القرار السياسي بالتصفية، وليس الاكتفاء بمن تم اغتيالهم فالجرائم التي نفذت هي جنائية بدوافع سياسية، “إلا أننا نتوقع احتمال تسويف هذا الملف”، وهو ما يتقاطع مع تصريحات لشقيق المحافظ المقتول عن ضغوطها كتائب “حزب الله” والحرس الثوري لتغيير مجريات التحقيق.
وكان المحافظ المغدور، أعلن في مؤتمر صحافي قبل مقتله عن تهديد وصل إلى أحد قياديي حزبه “الفضيلة”، بأنه سيتعرض لمحاولة اغتيال مع شقيقه إسماعيل مصبح الوائلي، لافتاً إلى أن هذا البلاغ جاء من القنصلية الإيرانية في البصرة، التي حمّلها وقتذاك مسؤولية أي استهداف يتعرض له وشقيقه.
الخبير الأمني أحمد الشريفي لا يعتبر عملية القبض على “عصابة الموت” إنجازاً إن لم يتم الكشف عن جميع تفاصيلها والدوافع وراء عمليات الاغتيال التي كانت تنفذها، فالمستهدفون بالجرائم أشخاص تم اختيارهم بشكل غير مترابط، فمنهم طالب في كلية القانون وآخر اقتصادي وآخر موظف، لذا هناك، لا بدّ، خيط يجمعهم.
ولا يتوقع الشريفي أن يقوم رئيس الحكومة بالإعلان عن تفاصيل أخرى تتعلق بعمل هذه المجموعة لأن “أي معلومات أخرى عنها ستكون محاولة لكسر لهيمنة الأحزاب على مؤسسات الدولة”.
العملية الأمنية ربما تكون قد نفّذت بعد اتفاق وتنسيق مع الإيرانيين.
الكاتب أحمد الحداد يعتقد أن هذه العملية الأمنية التي نفذت، تحمل أهدافاً عدة، منها “محاولة إظهار عزم الحكومة على تعزيز ثقة الناخب العراقي بالانتخابات المقبلة، لا سيما أن ثقة المواطن بالحكومة بدأت تتراجع على خلفية انتشار الفصائل المسلحة بين الحين والآخر في شوارع بغداد وبعض المحافظات وآخرها انتشار سرايا السلام، الفصيل المسلح التابع لمقتدى الصدر بحجة وجود معلومات أمنية تهدد أمن المقدسات، ما أشار الى عجز الحكومة عن تأمين حد أدنى من أمن المواطنين في الوقت الراهن والمرحلة المقبلة”.
حداد يشير أيضاً إلى أن العملية الأمنية ربما تكون قد نفّذت بعد اتفاق وتنسيق مع الإيرانيين، فيما يتخوف نشطاء من وجود عصابات أخرى تحت مسميات مختلفة تمارس الدور نفسه الذي كان لـ”عصابة الموت”، وتعمل في خدمة “أجندات خارجية”.
المتظاهر أحمد كاظم يربط بين خلق عصابات للموت وبين الحراك التشريني الذي اجتاح الساحات العراقية عام 2019 والذي اعتبرته الأحزاب والميليشيات تهديداً لوجودها، لذا عمدت إلى خلق فرق لتنفيذ عمليات قتل وترويع بحق المتظاهرين وكل من يخالفهم الرأي أو يرفع الصوت ضد ممارسات أحزابهم. ولا يستبعد كاظم وجود عصابات أخرى ترث “عصابة الموت” وتكمل وظيفتها، لأن استهداف النشطاء والصحافيين لم ينته.
إقرأوا أيضاً: