ترفض مريم الذهاب إلى وظيفتها في مركز التدليل (المساج) في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد، وذلك بعدما نفذت مجموعة تحمل العصي وترتدي أزياءً كتب عليها عبارة “ربع الله”، غارة على مركز “جبل بيروت” للتدليك، يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، واعتدت بالضرب على العاملات فيه بحجة أنه “يشيع الفاحشة بين الناس”.
صور الفيديو أظهرت رجالاً يقتحمون المكان مجموعاتٍ، ويكسرون ويعتدون بالضرب والسحل على العاملات في المركز ويتفاخرون بما يفعلون. حصل هذا من دون تدخل من أحد بل ولم يلاحق أي من المعتدين.
ومريم، التي اختارت أن تستخدم اسماً مستعاراً، تقول إن هذه المجموعة التي تعمّدت نشر ما ارتكبته بالفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، جعلتها تحسب ألف حساب قبل العودة إلى العمل، على رغم أنه يكسبها مردوداً مالياً جيداً، ومعها عشرات الفتيات اللواتي يشاطرنها الخوف نفسه من تكرار هذه الحادثة، وترى أن هذه الجماعات لا تتردد في قتل من تراه مخالفاً لمبادئها. إحدى زميلاتها هاتفتها وأخبرتها بأنها تفكر بترك العمل نهائياً في المركز والهجرة خارج العراق.
هذه المجموعة أو الميليشيات الجديدة التي ظهرت على الساحة العراقية بشكل مفاجئ وبدأت تنشط بشكل غريب وبقوة، تسير وفق تكتيك منظم يستند الى هيكلية قائمة على خبرة ومعرفة، وظهر اسم هذه الميليشيات للمرة الأولى على جدران السفارة الأميركية إبان تظاهرات كانون الأول/ ديسمبر عام 2019، والتي جاءت بعد القصف الأميركي لمقار كتائب “حزب الله” العراقية غرب البلاد، وسقط في الغارة 25 مقاتلاً من الكتائب.
هذه المجموعة تلعب دوراً مختلفاً عن التشكيلات والفصائل المسلحة الأخرى، فهي تستعين بفئة من الشبان أعمارهم بين 15 و20 سنة، ممن لديهم قناعات شديدة التطرّف ذات ميول عقائدية تتفق مع ولاية الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتحاول تطبيق الحكم الإسلامي الشيعي في العراق .
ولهؤلاء الشبّأن مهمّات أخرى غير الضرب و”التأديب”، بالتحريض الإعلامي من خلال استخدام حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لتهديد خصومها أو لجذب تعاطف الناس مع طروحاتها. وكانت اولى نتائج هذا التحريض حرق مقر قناة الـmbc عراق بعد انتقادها دور الحشد الشعبي ليقوم بعدها شبان غاضبون بحرق مقر “الحزب الديموقراطي الكردستاني” بعد انتقاد الوزير السابق هوشيار زيباري بعض ممارسات الحشد الشعبي، لتختم هذه الجماعة أفعالها بحرق مقر قناة دجلة الفضائية بعد اتهامها بازدراء المعتقدات الدينية للمذهب الشيعي في العراق من خلال بث الأغاني الرومانسية في ليلة العاشر من المحرم، ذكرى مقتل الإمام الشيعي الثالث الحسين بن علي، وكل هذه الممارسات جاءت من دون أي تحرك حكومي رادع، ما يعكس سلطة هذه الجماعة وسطوتها وتمكنها من تحقيق أهدافها مهما كلّفت.
المحلل السياسي أحمد الحداد يوضح لـ”درج” ان بروز حركات ولائية شبه مسلحة على غرار حركة “ربع الله” هو أسلوب تكتيكي تمارسه فصائل مسلحة لتوسيع رقعة نفوذها من طريق تخويف الخصوم وبث الرعب لدى المنافسين: “هذا التشكيل يمكنه أن يمارس أكثر من دور لتحقيق مصالح الجهات الممولة له وأجنداتها”.
المعطيات الأمنية المتوافرة تشير بأصابع الاتهام إلى كتائب “حزب الله” العراقي المدعومة من إيران بالوقوف وراء مجموعة “ربع الله”، التي تنشط غالباً في بغداد، وتمارس الضغط والترهيب انطلاقاً من العاصمة، ثم يقية المحافظات. وتلاحق الاتهامات “ربع الله” باشتراكها مع غيرها من الميليشيات بقتل ما يناهز 800 متظاهر خلال العام الماضي في أعقاب انتفاضة تشرين.
ويبدو أن “ربع الله” باتت تضم مئات الشبان ويتوقع أن يزيد عدد افرادها إلى ما يقارب 2000 شاب يمارسون دوراً شبيهاً بشرطة الآداب في محاسبة الناس على حياتهم الشخصية وقمع حرياتهم. وتستهدف “ربع الله” النساء في تكثيف لذكورية تتسلح بمعتقدات دينية بالية لتعنيف النساء وضربهن لمجرد تجرؤهن على العمل في مراكز التدليك أو الملاهي الليلية، التي تشكّل أمكنة لـ”نشر الفاحشة” بحسب لغة المجموعة المتطرفة التي وصفها ناشطون بأنها “داعش الشيعية”. ويؤكد شهود عيان أن العمليات التي تنظّمها جماعة “ربع الله” عادة ما تكون منظمة وذلك من خلال نوع الأسلحة والعربات التي يستقلها أفراد الميليشيات، والتي غالباً ما تكون مشابهة للعربات الحكومية رباعية الدفع، فضلاً عن استخدامهم كاميرات وأجهزة تصوير احترافية لتصوير عمليات الضرب والتعنيف والتحطيم التي يمارسونها وعرضها “بكلّ فخر” على مواقع التواصل الاجتماعي، لنشر الذعر. وهذا أسلوب اعتمده “داعش” في عملياته عبر تقديمها بصيغة مصوّرة على مواقع التواصل الإجتماعي، لتسهيل نشرها وتناقلها.
حادثة الاعتداء الأخيرة على مراكز للتدليك في بغداد لاقت موجة غضب واسعة، حتى من جهات وشخصيات داخل “هيئة الحشد الشعبي” وهو ما يعكس تفلّت هذه الجماعة من إمرة الحشد وقيادته. وخرجت أصوات من الحشد تنتقد “إرهاب الناس وضرب النساء في الشوارع” وهي أفعال وُجد “الحشد الشعبي” لمحاربتها ومنع عناصر تنظيم “داعش” من ممارستها بحق العراقيين والعراقيات. ويرى مراقبون أن استهداف مراكز “المساج” وصالات الملاهي الليلية تاتي للضغط باتجاه أخذ الإتوات والابتزاز المالي لتمويل العمليات التي تنفذها هذه المجموعة.
تلاحق الاتهامات “ربع الله” باشتراكها مع غيرها من الميليشيات بقتل ما يناهز 800 متظاهر خلال العام الماضي في أعقاب انتفاضة تشرين.
تمتلك “ربع الله” ماكنية إعلامية مؤثرة عبر حسابات وتطبيقات للتواصل الاجتماعي مدعومة وممولة، لعل أبرزها موقع “صابرين نيوز” وموقع “ربع الله سهل نينوى” و”ابو جداحة في بغداد” والذي يشير الى استخدامه “ولاعة” لحرق مقار الخصوم والجهات التي تعتبرها “ربع الله” “معادية”.
لا يستبعد نشطاء في التظاهرات، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، أن يكون لـ”ربع الله” دور في عملية اغتيال المتظاهرين والنشطاء واختطافهم، خصوصاً عبر عناصرها الذين يقدرون على الاختلاط بسرعة وفهم تركيبة المتظاهرين وانتقاء القيادات من بينهم ثم تصفيتهم بعد ذلك، كما حدث في أكثر من حادثة اغتيال ومحاولة اغتيال وخطف، في بغداد وخارجها. وفيما لم تسجل محافظات الوسط والجنوب ظهوراً علنياً لهذا التشكيل منذ ظهوره، إلا أن هذا الأمر لا يعني الاطمئنان إلى عدم ظهور فروع لـ”ربع الله” خارج العاصمة بغداد.