fbpx

العراق وتغيّر المناخ: شحّ في المياه وتلوّث في دجلة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بينما كنا نسير، لم تركز محادثاتنا على ملحمة السياسة العراقية المستمرة، بل على الأزمة البيئية التي تعاني منها البلاد، بفعل الظواهر المترابطة لتغيرّ المناخ وسوء إدارة الموارد الطبيعية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في فصل الربيع، تعجّ كردستان بالأزهار البرية والفواكه الطازجة التي تغذي الروح والحواس. الأرض تكسوها الزهور: الخردل البري بلونه الأصفر، اللبلاب الوردي، الخشخاش الأحمر، وكذلك البرتقال يُزهر على أشجار الرمان.

أثناء القيادة عبر حقول القمح الناضجة، وبصحبة صديق كردي يعمل في حكومة إقليم كردستان، توقفنا بالقرب من بلدة حلبجة لتناول التوت مباشرة من الأشجار-التوت الأسود الحامض والتوت الأبيض الحلو. وعلى الجانب الجبلي من مدينة سيتاك، أعدّ لنا المسكوف (سمك الشبوط المشوي على الطريقة العراقية)، وأكلناه مع الخبز التقليدي والطماطم المشوية والبصل.

أمضيت أحد أيام الجمعة في نزهة في مرغابان مع برهم صالح، السياسي الكردي الذي شغل سابقاً منصب رئيس العراق والذي أعرفه منذ 20 عاماً، منذ أن عملت في التحالف في العراق. عبرنا نهراً منخفض الجريان باستخدام أحجار للعبور وبمساعدة أيدي حراس البيشمركة، وسرنا عبر الأعشاب الطويلة وسط أشجار البلوط الحلبي على سفوح الجبل، وتوقفنا كثيراً لتصوير الإطلالات عبر الوادي.

بينما كنا نسير، لم تركز محادثاتنا على ملحمة السياسة العراقية المستمرة، بل على الأزمة البيئية التي تعاني منها البلاد، بفعل الظواهر المترابطة لتغيرّ المناخ وسوء إدارة الموارد الطبيعية.

معالجة الأزمة البيئية هي شغف برهم. فقد أشار إلى أن عدد سكان العراق تضاعف تقريباً إلى 40 مليون نسمة منذ الغزو عام 2003، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد مرة أخرى بحلول عام 2050. في حين تزيد التغيرات الديموغرافية الطلب على المياه فيما تتأثر نسبة 39 في المئة من العراق بالتصحّر، وتهدّد الملوحة نسبة 54 في المئة من الأراضي الزراعية.

عندما كان رئيساً للعراق، أطلق صالح مشروع “إحياء بلاد الرافدين”، وهو استراتيجية بيئية تشمل زراعة الأشجار، وتحديث إدارة نهري دجلة والفرات، وتوليد الطاقة النظيفة، وتشجيع الاستثمار من خلال منشآت تمويل المناخ. لقد كانت خطة طموحة. ويشعر بالأسف لعدم تحقيق تقدّم يُذكر في تنفيذها.

بعد ذلك، تناولنا، على الفناء خارج منزله، الدومبالان (الكمأ الصحراوي) والفريكا نوك (الحمص الأخضر) والبالبينا (الرجلة) في السلطة والحساء، والكاردي (اللُوف البري) والغاراس (المشمش الأخضر)، وشربنا الزبادي مع القزوان (الفستق البري). زوجته، سرباغ صالح، هي عالمة نبات حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة “باث”، وأسست “مؤسسة كردستان للنباتات”، ونشرت ثلاثة كتب عن الحياة البرية والنباتات في المنطقة، وكشفت عن أنواع عدة غير مسجلة سابقاً في العراق. والطعام الذي يقدمونه في منزلهم محلّي وعضوي.

من المحزن أن الطقس الذي لا يمكن التنبؤ به، يهدد هذا الاسترخاء الريفي. على مدى السنوات الأخيرة، شهد العراق جفافاً وعانت البلاد من أدنى مستويات هطول الأمطار في التاريخ، مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، مسجّلة ارتفاعاً أسرع بكثير من المتوسط العالمي. خلال الأسبوع الذي أمضيته في زيارتي، أدت العواصف الرعدية غير الموسمية إلى إشعال النيران في حقول زراعية بالقرب من كركوك، وتسببت الفيضانات في إتلاف المحاصيل في جميع أنحاء الشمال. وقد حددت الأمم المتحدة العراق على أنه خامس أكثر دول العالم عرضة لتغير المناخ، بينما حذر البنك الدولي من أن العراق سيواجه ندرة شديدة في المياه بحلول عام 2030، وتتوقع وزارة الموارد المائية العراقية عجزاً يبلغ 11 مليار متر مكعب من المياه بحلول عام 2035.

نشر ليون ماكارون، وهو مستكشف ومؤلف من أيرلندا الشمالية أخيراً، كتاباً بعنوان “نهر دجلة الجريح: رحلة نهرية عبر مهد الحضارة”، وهو وصفٌ لرحلته التي استغرقت ثلاثة أشهر عام 2021 بالقوارب من منبع نهر دجلة في تركيا، مروراً بالعراق، وصولاً إلى الخليج. في رحلته، يشهد كيف يتعرض النهر للتدمير بسبب مناجم الحصى غير القانونية وبناء السدود والنفايات غير المعالجة، وكيف يُجبر الرعاة والمزارعون على مغادرة أراضيهم.

بيد أنه يلتقي أيضاً بالناشطين المحليين الذين يعملون على حماية النهر، وإحياء المجتمع والتراث. هذا الكتاب يحذّر من موت نهر عظيم قد لا يتدفق إلى الخليج بحلول عام 2040، ويدعو إلى العمل على منع مهد الحضارة من أن يصبح غير صالح للسكن.

أثناء وجودي في السليمانية، تابعت محاضرة في الجامعة الأميركية في العراق حول الآثار السياسية والاقتصادية للاتفاق النفطي الأخير بين بغداد وحكومة إقليم كردستان. بعدها، سألت المتحدث الرئيسي عن التقدم الذي أحرزه العراق نحو بلوغ محايدة الكربون، فضحك.

لم يعط ذلك أولوية سوى عدد قليل من القادة السياسيين، على الرغم من تصديق البرلمان العراقي على اتفاق باريس في عام 2021. وقد التزم العراق، في مساهماته المحددة وطنياً، بالحد من الحرق في منشآت النفط والغاز، والتحول من الوقود السائل إلى الغاز الطبيعي، وتحسين كفاءة الطاقة، والتوسع في تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وتبني تقنيات النقل العام المستدامة. فالعراق هو إحدى الدول الموقعة على التعهد العالمي للميثان، إذ تعهد بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 15 في المئة بحلول عام 2030.

بيد أن العراق لم ينجح حتى الآن في تنويع اقتصاده. إذ تمثل صادرات النفط نحو 90 في المئة من الإيرادات الحكومية. ويعد قطاع الطاقة المسؤول عن 75 في المئة من إجمالي الانبعاثات في العراق. وبينما كنت أتجول، لاحظت الغاز يحترق من منصات إنتاج النفط، ما يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الكربون الأسود في الغلاف الجوي. وعلى الرغم من التعهدات باستخلاص الغاز واستخدامه، تشير تقارير البنك الدولي إلى أن العراق يحرق نحو 17 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، بقيمة تصل إلى نحو 8 مليارات دولار (6.4 مليار جنيه إسترليني). وفي الوقت نفسه، يستمر العراق في استيراد الغاز من إيران.

وثمة أيضاً نقص في الوعي العام بشأن أزمة المناخ وضرورة حماية البيئة. لقد صُدمت من مشهد القمامة التي ألقيت في الأنهار، وأكوام النفايات المنزلية المتراكمة على جوانب الطرقات، والتي تلوّث البيئة وتفسد المناظر الجميلة والساحرة. فالحكومة المحلية لا تتخلص من النفايات بشكل فعال، وليست هناك عقوبة على إلقاء القمامة، والطرق مزدحمة بشدة بحركة المرور. ونظراً الى عدم تطوير وسائل النقل العامة، يستخدم الناس السيارات الخاصة.

تشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة إلى تزايد النزوح في العراق بسبب الآثار المشتركة للنزاع وارتفاع درجات الحرارة والتدهور البيئي. تشتري الحكومة العراقية القمح والشعير مباشرة من المزارعين بضعف الأسعار العالمية، لكن المساحة المزروعة بالمحاصيل المروية تقلصت لتقليل استهلاك المياه. ويتنقل عدد متزايد من العراقيين من المناطق الريفية إلى المدن لإيجاد فرص عمل، ما يزيد من الضغط على الخدمات. فقد ازداد عدد سكان إقليم كردستان بنسبة 30 في المئة تقريباً بسبب تدفّق اللاجئين السوريين والعراقيين النازحين من المناطق التي دمرها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وفقاً لما قاله عزام علوش، وهو أحد أبرز الناشطين البيئيين في العراق والرئيس التنفيذي لمنظمة “طبيعة العراق”، كانت الزراعة مستدامة في بلاد ما بين النهرين لقرون بسبب الفيضانات الدورية التي جرفت الأملاح الناتجة من التبخر، ما أدى إلى تخصيب الأرض بالطمي. لكن في العقود الأخيرة، أدى بناء السدود عند المنبع إلى توقف الفيضانات، وانخفضت معدلات هطول الأمطار بشكل كبير. وفي الوقت الحالي، تأتي نسبة 90 في المئة من تدفقات المياه في نهر الفرات و40 في المئة من تدفّق المياه في نهر دجلة من تركيا، وقد دأبت إيران على تحويل روافد المياه لتلبية احتياجاتها الخاصة من المياه.

وحثّ علوش العراق وإيران وتركيا على التعاون للوصول إلى اتفاق لتنسيق بناء السدود وتحويل روافد المياه وإدارة الموارد المائية. ويعتقد عزام بشدة أنه من خلال اتباع سياسات صحيحة واستثمارات في الطاقة المتجددة، بخاصة الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، بإمكان العراق أن يصبح مرة أخرى منتجاً رئيسياً للغذاء و”سلة غذاء” للشرق الأوسط.

يتطلب بقاء الأجيال القادمة في المنطقة، التعاون والاعتراف بحقيقة أن المنطقة ستشهد ارتفاع خمس درجات مئوية في حرارة الأرض بحلول نهاية القرن إذا سارت الأمور كالمعتاد، وقد تم إطلاق مبادرة شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط لتغير المناخ (EMME-CCI) في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) التي عقدت في شرم الشيخ. وقد اعتمد كل من البحرين وقبرص ومصر واليونان والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان وعمان وفلسطين قراراً لتنسيق الجهود بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتعميم السياسات المناخية في جميع القطاعات. لقد كانت لحظة من العقلانية والشجاعة.

لكن، يجب أن يكون هناك توافق بين الخطابات الرنانة والعمل لضمان توفير الموارد لهذه الخطط وتنسيقها وتنفيذها. ونظراً الى امتلاكه النفط والأنهار والتنوع البيولوجي – وموقعه الجغرافي المركزي – يجب أن يكون العراق قدوة يُحتذى بها، قبل فوات الأوان.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
14.06.2023
زمن القراءة: 6 minutes

بينما كنا نسير، لم تركز محادثاتنا على ملحمة السياسة العراقية المستمرة، بل على الأزمة البيئية التي تعاني منها البلاد، بفعل الظواهر المترابطة لتغيرّ المناخ وسوء إدارة الموارد الطبيعية.

في فصل الربيع، تعجّ كردستان بالأزهار البرية والفواكه الطازجة التي تغذي الروح والحواس. الأرض تكسوها الزهور: الخردل البري بلونه الأصفر، اللبلاب الوردي، الخشخاش الأحمر، وكذلك البرتقال يُزهر على أشجار الرمان.

أثناء القيادة عبر حقول القمح الناضجة، وبصحبة صديق كردي يعمل في حكومة إقليم كردستان، توقفنا بالقرب من بلدة حلبجة لتناول التوت مباشرة من الأشجار-التوت الأسود الحامض والتوت الأبيض الحلو. وعلى الجانب الجبلي من مدينة سيتاك، أعدّ لنا المسكوف (سمك الشبوط المشوي على الطريقة العراقية)، وأكلناه مع الخبز التقليدي والطماطم المشوية والبصل.

أمضيت أحد أيام الجمعة في نزهة في مرغابان مع برهم صالح، السياسي الكردي الذي شغل سابقاً منصب رئيس العراق والذي أعرفه منذ 20 عاماً، منذ أن عملت في التحالف في العراق. عبرنا نهراً منخفض الجريان باستخدام أحجار للعبور وبمساعدة أيدي حراس البيشمركة، وسرنا عبر الأعشاب الطويلة وسط أشجار البلوط الحلبي على سفوح الجبل، وتوقفنا كثيراً لتصوير الإطلالات عبر الوادي.

بينما كنا نسير، لم تركز محادثاتنا على ملحمة السياسة العراقية المستمرة، بل على الأزمة البيئية التي تعاني منها البلاد، بفعل الظواهر المترابطة لتغيرّ المناخ وسوء إدارة الموارد الطبيعية.

معالجة الأزمة البيئية هي شغف برهم. فقد أشار إلى أن عدد سكان العراق تضاعف تقريباً إلى 40 مليون نسمة منذ الغزو عام 2003، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد مرة أخرى بحلول عام 2050. في حين تزيد التغيرات الديموغرافية الطلب على المياه فيما تتأثر نسبة 39 في المئة من العراق بالتصحّر، وتهدّد الملوحة نسبة 54 في المئة من الأراضي الزراعية.

عندما كان رئيساً للعراق، أطلق صالح مشروع “إحياء بلاد الرافدين”، وهو استراتيجية بيئية تشمل زراعة الأشجار، وتحديث إدارة نهري دجلة والفرات، وتوليد الطاقة النظيفة، وتشجيع الاستثمار من خلال منشآت تمويل المناخ. لقد كانت خطة طموحة. ويشعر بالأسف لعدم تحقيق تقدّم يُذكر في تنفيذها.

بعد ذلك، تناولنا، على الفناء خارج منزله، الدومبالان (الكمأ الصحراوي) والفريكا نوك (الحمص الأخضر) والبالبينا (الرجلة) في السلطة والحساء، والكاردي (اللُوف البري) والغاراس (المشمش الأخضر)، وشربنا الزبادي مع القزوان (الفستق البري). زوجته، سرباغ صالح، هي عالمة نبات حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة “باث”، وأسست “مؤسسة كردستان للنباتات”، ونشرت ثلاثة كتب عن الحياة البرية والنباتات في المنطقة، وكشفت عن أنواع عدة غير مسجلة سابقاً في العراق. والطعام الذي يقدمونه في منزلهم محلّي وعضوي.

من المحزن أن الطقس الذي لا يمكن التنبؤ به، يهدد هذا الاسترخاء الريفي. على مدى السنوات الأخيرة، شهد العراق جفافاً وعانت البلاد من أدنى مستويات هطول الأمطار في التاريخ، مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، مسجّلة ارتفاعاً أسرع بكثير من المتوسط العالمي. خلال الأسبوع الذي أمضيته في زيارتي، أدت العواصف الرعدية غير الموسمية إلى إشعال النيران في حقول زراعية بالقرب من كركوك، وتسببت الفيضانات في إتلاف المحاصيل في جميع أنحاء الشمال. وقد حددت الأمم المتحدة العراق على أنه خامس أكثر دول العالم عرضة لتغير المناخ، بينما حذر البنك الدولي من أن العراق سيواجه ندرة شديدة في المياه بحلول عام 2030، وتتوقع وزارة الموارد المائية العراقية عجزاً يبلغ 11 مليار متر مكعب من المياه بحلول عام 2035.

نشر ليون ماكارون، وهو مستكشف ومؤلف من أيرلندا الشمالية أخيراً، كتاباً بعنوان “نهر دجلة الجريح: رحلة نهرية عبر مهد الحضارة”، وهو وصفٌ لرحلته التي استغرقت ثلاثة أشهر عام 2021 بالقوارب من منبع نهر دجلة في تركيا، مروراً بالعراق، وصولاً إلى الخليج. في رحلته، يشهد كيف يتعرض النهر للتدمير بسبب مناجم الحصى غير القانونية وبناء السدود والنفايات غير المعالجة، وكيف يُجبر الرعاة والمزارعون على مغادرة أراضيهم.

بيد أنه يلتقي أيضاً بالناشطين المحليين الذين يعملون على حماية النهر، وإحياء المجتمع والتراث. هذا الكتاب يحذّر من موت نهر عظيم قد لا يتدفق إلى الخليج بحلول عام 2040، ويدعو إلى العمل على منع مهد الحضارة من أن يصبح غير صالح للسكن.

أثناء وجودي في السليمانية، تابعت محاضرة في الجامعة الأميركية في العراق حول الآثار السياسية والاقتصادية للاتفاق النفطي الأخير بين بغداد وحكومة إقليم كردستان. بعدها، سألت المتحدث الرئيسي عن التقدم الذي أحرزه العراق نحو بلوغ محايدة الكربون، فضحك.

لم يعط ذلك أولوية سوى عدد قليل من القادة السياسيين، على الرغم من تصديق البرلمان العراقي على اتفاق باريس في عام 2021. وقد التزم العراق، في مساهماته المحددة وطنياً، بالحد من الحرق في منشآت النفط والغاز، والتحول من الوقود السائل إلى الغاز الطبيعي، وتحسين كفاءة الطاقة، والتوسع في تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وتبني تقنيات النقل العام المستدامة. فالعراق هو إحدى الدول الموقعة على التعهد العالمي للميثان، إذ تعهد بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 15 في المئة بحلول عام 2030.

بيد أن العراق لم ينجح حتى الآن في تنويع اقتصاده. إذ تمثل صادرات النفط نحو 90 في المئة من الإيرادات الحكومية. ويعد قطاع الطاقة المسؤول عن 75 في المئة من إجمالي الانبعاثات في العراق. وبينما كنت أتجول، لاحظت الغاز يحترق من منصات إنتاج النفط، ما يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الكربون الأسود في الغلاف الجوي. وعلى الرغم من التعهدات باستخلاص الغاز واستخدامه، تشير تقارير البنك الدولي إلى أن العراق يحرق نحو 17 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، بقيمة تصل إلى نحو 8 مليارات دولار (6.4 مليار جنيه إسترليني). وفي الوقت نفسه، يستمر العراق في استيراد الغاز من إيران.

وثمة أيضاً نقص في الوعي العام بشأن أزمة المناخ وضرورة حماية البيئة. لقد صُدمت من مشهد القمامة التي ألقيت في الأنهار، وأكوام النفايات المنزلية المتراكمة على جوانب الطرقات، والتي تلوّث البيئة وتفسد المناظر الجميلة والساحرة. فالحكومة المحلية لا تتخلص من النفايات بشكل فعال، وليست هناك عقوبة على إلقاء القمامة، والطرق مزدحمة بشدة بحركة المرور. ونظراً الى عدم تطوير وسائل النقل العامة، يستخدم الناس السيارات الخاصة.

تشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة إلى تزايد النزوح في العراق بسبب الآثار المشتركة للنزاع وارتفاع درجات الحرارة والتدهور البيئي. تشتري الحكومة العراقية القمح والشعير مباشرة من المزارعين بضعف الأسعار العالمية، لكن المساحة المزروعة بالمحاصيل المروية تقلصت لتقليل استهلاك المياه. ويتنقل عدد متزايد من العراقيين من المناطق الريفية إلى المدن لإيجاد فرص عمل، ما يزيد من الضغط على الخدمات. فقد ازداد عدد سكان إقليم كردستان بنسبة 30 في المئة تقريباً بسبب تدفّق اللاجئين السوريين والعراقيين النازحين من المناطق التي دمرها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وفقاً لما قاله عزام علوش، وهو أحد أبرز الناشطين البيئيين في العراق والرئيس التنفيذي لمنظمة “طبيعة العراق”، كانت الزراعة مستدامة في بلاد ما بين النهرين لقرون بسبب الفيضانات الدورية التي جرفت الأملاح الناتجة من التبخر، ما أدى إلى تخصيب الأرض بالطمي. لكن في العقود الأخيرة، أدى بناء السدود عند المنبع إلى توقف الفيضانات، وانخفضت معدلات هطول الأمطار بشكل كبير. وفي الوقت الحالي، تأتي نسبة 90 في المئة من تدفقات المياه في نهر الفرات و40 في المئة من تدفّق المياه في نهر دجلة من تركيا، وقد دأبت إيران على تحويل روافد المياه لتلبية احتياجاتها الخاصة من المياه.

وحثّ علوش العراق وإيران وتركيا على التعاون للوصول إلى اتفاق لتنسيق بناء السدود وتحويل روافد المياه وإدارة الموارد المائية. ويعتقد عزام بشدة أنه من خلال اتباع سياسات صحيحة واستثمارات في الطاقة المتجددة، بخاصة الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، بإمكان العراق أن يصبح مرة أخرى منتجاً رئيسياً للغذاء و”سلة غذاء” للشرق الأوسط.

يتطلب بقاء الأجيال القادمة في المنطقة، التعاون والاعتراف بحقيقة أن المنطقة ستشهد ارتفاع خمس درجات مئوية في حرارة الأرض بحلول نهاية القرن إذا سارت الأمور كالمعتاد، وقد تم إطلاق مبادرة شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط لتغير المناخ (EMME-CCI) في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) التي عقدت في شرم الشيخ. وقد اعتمد كل من البحرين وقبرص ومصر واليونان والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان وعمان وفلسطين قراراً لتنسيق الجهود بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتعميم السياسات المناخية في جميع القطاعات. لقد كانت لحظة من العقلانية والشجاعة.

لكن، يجب أن يكون هناك توافق بين الخطابات الرنانة والعمل لضمان توفير الموارد لهذه الخطط وتنسيقها وتنفيذها. ونظراً الى امتلاكه النفط والأنهار والتنوع البيولوجي – وموقعه الجغرافي المركزي – يجب أن يكون العراق قدوة يُحتذى بها، قبل فوات الأوان.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.