fbpx

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين “فتح لاند” و”حماس لاند”، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعيداً من الوظيفة السجالية غير المجدية لحقيقة أن فتح الجبهة الجنوبية في لبنان، لم “يُشغل” بنيامين نتانياهو عن مهمته الإبادية في غزة، لا بل أن فتح الجبهة قد يفتح شهيّته لإبادة موازية، يعلم اللبنانيون من معارضي حزب الله ومؤيديه، ومن الملتحقين الجدد في ركبه، أن الحزب، ولأسباب غير لبنانية، كان من الصعب عليه تفادي فتحها، على رغم عدم رغبته فيها. فالمعادلة التي رسمها أمين عام حزب الله منذ اليوم الأول لـ7 تشرين الأول أكتوبر، تتمثّل بـ”الإشغال” وليس الانخراط، وأن الحزب لم يكن على علم بالعملية، وبالتالي (وهذا استنتاج) لم يكن على استعداد لتبعاتها. 

أما الأصوات الداعية الى الانكفاء عن “المشاغلة”، على نحو ما انكفأ النظام السوري، وعلى نحو ما انكفأت إيران نفسها، فيعرف أصحابها ألا جدوى من صراخهم، وأن ما يجري في الجنوب هو قدر رُسم على مدى سنوات، سُلّم خلالها حزب الله “الجمل بما حمل”، ولا أحد بريءٌ منه، لا بل إن من بين غير الأبرياء، قوى مسيحية ترفع صوتها اليوم في وجه انفراد الحزب بقرار الحرب!   

لكن “الإشغال” رسم مشهداً لبنانياً أُعيد فيه الزمن عقوداً إلى الوراء. 

نعم حزب الله لم يستشر أحداً من اللبنانيين بقراره فتح الجبهة، لكنه وفي سعيه غير الدؤوب الى تعويض انفراده في قرار الحرب، راح يُشرك أطرافاً أهلية ومذهبية، اكتشف اللبنانيون أن لها أجنحة مسلّحة. ولعل أبرز هذه القوى، هي الجماعة الإسلامية، أي الجناح اللبناني للإخوان المسلمين، التي استيقظ فصيلها المسلّح “قوات الفجر” على نحو مفاجئ وراح يقاتل في القرى الحدودية السنية، وتحديداً في منطقة العرقوب. ومرة أخرى على المرء أن يسأل عن جدوى القتال، وعن نتائج “الإشغال”، من دون أن يغفل طبعاً دور شهيّة القتل لدى نتانياهو.

لكن الأمر لم يقتصر على الحضور في منطقة العرقوب، ذاك أن “قوات الفجر” راحت تتماهى مع الحضور المسلّح لحزب الله خارج الحدود، فظهر مسلحوها في بيروت وفي صيدا أثناء تشييع عناصر لها سقطوا في الجنوب. وتولى شيوخ وأئمة مساجد شنّ حملة على نواب بيروت ممن اعترضوا على عراضات السلاح في شوارع العاصمة. وشهدنا خلال هذه الحملة، عودة للغة “القرآن دستورنا”، و”السلاح زينة الرجال” و”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. وإذا كان المزاج السني اللبناني العام لا يألف ظواهر السلاح، فإن بناء جيوبٍ مسلّحة في البيئة السنية أمر أكثر من ممكن، ولنا بتجربة ما كنا نسميه في سنوات الحرب الأهلية بـ”دكاكين فتح” نموذجاً يصلح للتوقع.

نحن حيال فوضى أهلية يختلط فيها السلاح بالخوف منه، وتدفع مدن بعيدة إلى التحول إلى خلفية مذهبية تحصّنه، وأخرى تتحصن منه، ويحصل ذلك على وقع مواصلة آلة القتل الإسرائيلية اشتغالها في قطاع غزة. 

نحن حيال انتقال للسلاح من العرقوب إلى قلب المدن. هذه المعادلة تردّنا إلى آلية انتقال السلاح وتفشّيه من “فتح لاند” إلى المدن اللبنانية في المرحلة التي سبقت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وليس مصادفة أن “فتح لاند” التي حدّدها اتفاق القاهرة في العام 1969 هي نفسها منطقة العرقوب التي تتصدّرها اليوم الجماعة الإسلامية، المرتبطة أيضاً بحركة حماس عبر الرحم الإخواني. وهنا، يمكن أن نكون حيال “حماس لاند”. وإذا كان جمال عبد الناصر ونظامه فرضا على الدولة اللبنانية في حينها القبول بخاصرة فتحاوية في لبنان، ستتوسع لاحقاً لتبتلع أكثر من نصف الكيان، فإن حزب الله يمكن أن يحل محل عبد الناصر، وقد يحل البيان الوزاري الفضفاض الذي يشير إلى سلاح المقاومة، محل اتفاق القاهرة، ويصبح لأي لبناني الحق في حمل السلاح ونسبته إلى “المقاومة”. 

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين “فتح لاند” و”حماس لاند”، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم! نحن حيال فوضى أهلية يختلط فيها السلاح بالخوف منه، وتدفع مدن بعيدة إلى التحول إلى خلفية مذهبية تحصّنه، وأخرى تتحصن منه، ويحصل ذلك على وقع مواصلة آلة القتل الإسرائيلية اشتغالها في قطاع غزة. 

لا ناظمَ حكوميٌّ للمواجهة في جنوب لبنان، وبالتالي فإن لبنان مجرد ساحة، وهذه الحقيقة ستفضي إلى استيقاظ شياطين الطوائف والمذاهب، ناهيك بأنها لن تشغل نتانياهو عن مهمته الإبادية في غزة. ومرة أخرى، يتكرر السيناريو المضجر المتمثل بسقوط لبنان على مذبح مشاريع إقليمية، آخر ما يعنيها استعادة الحق الفلسطيني.

المأزق الإسرائيلي في غزة يفوق المأزق الفلسطيني على رغم المأساة الهائلة، فحقيقة “اليوم التالي” تشكل اختناقاً لكل المشهد الإسرائيلي من يمينه إلى يساره، ولا إجابة عنه سوى بالمزيد من التطرف والقتل. أما في لبنان، فتشعر حكومة الحرب أن المخرج من الاختناق هناك، قد يكون على الجبهة الشمالية. هذا ما لوّح به نتانياهو على نحو واضح في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

28.03.2024
زمن القراءة: 4 minutes

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين “فتح لاند” و”حماس لاند”، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!

بعيداً من الوظيفة السجالية غير المجدية لحقيقة أن فتح الجبهة الجنوبية في لبنان، لم “يُشغل” بنيامين نتانياهو عن مهمته الإبادية في غزة، لا بل أن فتح الجبهة قد يفتح شهيّته لإبادة موازية، يعلم اللبنانيون من معارضي حزب الله ومؤيديه، ومن الملتحقين الجدد في ركبه، أن الحزب، ولأسباب غير لبنانية، كان من الصعب عليه تفادي فتحها، على رغم عدم رغبته فيها. فالمعادلة التي رسمها أمين عام حزب الله منذ اليوم الأول لـ7 تشرين الأول أكتوبر، تتمثّل بـ”الإشغال” وليس الانخراط، وأن الحزب لم يكن على علم بالعملية، وبالتالي (وهذا استنتاج) لم يكن على استعداد لتبعاتها. 

أما الأصوات الداعية الى الانكفاء عن “المشاغلة”، على نحو ما انكفأ النظام السوري، وعلى نحو ما انكفأت إيران نفسها، فيعرف أصحابها ألا جدوى من صراخهم، وأن ما يجري في الجنوب هو قدر رُسم على مدى سنوات، سُلّم خلالها حزب الله “الجمل بما حمل”، ولا أحد بريءٌ منه، لا بل إن من بين غير الأبرياء، قوى مسيحية ترفع صوتها اليوم في وجه انفراد الحزب بقرار الحرب!   

لكن “الإشغال” رسم مشهداً لبنانياً أُعيد فيه الزمن عقوداً إلى الوراء. 

نعم حزب الله لم يستشر أحداً من اللبنانيين بقراره فتح الجبهة، لكنه وفي سعيه غير الدؤوب الى تعويض انفراده في قرار الحرب، راح يُشرك أطرافاً أهلية ومذهبية، اكتشف اللبنانيون أن لها أجنحة مسلّحة. ولعل أبرز هذه القوى، هي الجماعة الإسلامية، أي الجناح اللبناني للإخوان المسلمين، التي استيقظ فصيلها المسلّح “قوات الفجر” على نحو مفاجئ وراح يقاتل في القرى الحدودية السنية، وتحديداً في منطقة العرقوب. ومرة أخرى على المرء أن يسأل عن جدوى القتال، وعن نتائج “الإشغال”، من دون أن يغفل طبعاً دور شهيّة القتل لدى نتانياهو.

لكن الأمر لم يقتصر على الحضور في منطقة العرقوب، ذاك أن “قوات الفجر” راحت تتماهى مع الحضور المسلّح لحزب الله خارج الحدود، فظهر مسلحوها في بيروت وفي صيدا أثناء تشييع عناصر لها سقطوا في الجنوب. وتولى شيوخ وأئمة مساجد شنّ حملة على نواب بيروت ممن اعترضوا على عراضات السلاح في شوارع العاصمة. وشهدنا خلال هذه الحملة، عودة للغة “القرآن دستورنا”، و”السلاح زينة الرجال” و”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. وإذا كان المزاج السني اللبناني العام لا يألف ظواهر السلاح، فإن بناء جيوبٍ مسلّحة في البيئة السنية أمر أكثر من ممكن، ولنا بتجربة ما كنا نسميه في سنوات الحرب الأهلية بـ”دكاكين فتح” نموذجاً يصلح للتوقع.

نحن حيال فوضى أهلية يختلط فيها السلاح بالخوف منه، وتدفع مدن بعيدة إلى التحول إلى خلفية مذهبية تحصّنه، وأخرى تتحصن منه، ويحصل ذلك على وقع مواصلة آلة القتل الإسرائيلية اشتغالها في قطاع غزة. 

نحن حيال انتقال للسلاح من العرقوب إلى قلب المدن. هذه المعادلة تردّنا إلى آلية انتقال السلاح وتفشّيه من “فتح لاند” إلى المدن اللبنانية في المرحلة التي سبقت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وليس مصادفة أن “فتح لاند” التي حدّدها اتفاق القاهرة في العام 1969 هي نفسها منطقة العرقوب التي تتصدّرها اليوم الجماعة الإسلامية، المرتبطة أيضاً بحركة حماس عبر الرحم الإخواني. وهنا، يمكن أن نكون حيال “حماس لاند”. وإذا كان جمال عبد الناصر ونظامه فرضا على الدولة اللبنانية في حينها القبول بخاصرة فتحاوية في لبنان، ستتوسع لاحقاً لتبتلع أكثر من نصف الكيان، فإن حزب الله يمكن أن يحل محل عبد الناصر، وقد يحل البيان الوزاري الفضفاض الذي يشير إلى سلاح المقاومة، محل اتفاق القاهرة، ويصبح لأي لبناني الحق في حمل السلاح ونسبته إلى “المقاومة”. 

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين “فتح لاند” و”حماس لاند”، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم! نحن حيال فوضى أهلية يختلط فيها السلاح بالخوف منه، وتدفع مدن بعيدة إلى التحول إلى خلفية مذهبية تحصّنه، وأخرى تتحصن منه، ويحصل ذلك على وقع مواصلة آلة القتل الإسرائيلية اشتغالها في قطاع غزة. 

لا ناظمَ حكوميٌّ للمواجهة في جنوب لبنان، وبالتالي فإن لبنان مجرد ساحة، وهذه الحقيقة ستفضي إلى استيقاظ شياطين الطوائف والمذاهب، ناهيك بأنها لن تشغل نتانياهو عن مهمته الإبادية في غزة. ومرة أخرى، يتكرر السيناريو المضجر المتمثل بسقوط لبنان على مذبح مشاريع إقليمية، آخر ما يعنيها استعادة الحق الفلسطيني.

المأزق الإسرائيلي في غزة يفوق المأزق الفلسطيني على رغم المأساة الهائلة، فحقيقة “اليوم التالي” تشكل اختناقاً لكل المشهد الإسرائيلي من يمينه إلى يساره، ولا إجابة عنه سوى بالمزيد من التطرف والقتل. أما في لبنان، فتشعر حكومة الحرب أن المخرج من الاختناق هناك، قد يكون على الجبهة الشمالية. هذا ما لوّح به نتانياهو على نحو واضح في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.