“النقاش حول العنصرية في أوروبا يخفي حقيقة المشكلة”. هذا ما قالته مستشارة الهجرة في منظمة “مالتيزر”، ومقرّها الرئيسي في ميونيخ، جين ماري سينداني التي تعرف جيداً معنى الاستعباد والتمييز العنصري كونها مهاجرة من الكونغو. وأضافت: “النقاش والجدل مستمرّان منذ 500 عام، الجدل ليس جديداً على الإطلاق، فهذه المشكلة ترافقنا نحن الأفارقة طوال حياتنا خارج أفريقيا”.
لمست سينداني بنفسها حجم المعاناة كونها هي شخصياً عاشت لحظات قاسية ولا تزال، لأنها سوداء، تتلقى كلمات مؤذية وإهانات قاسية. عملها كمستشارة للهجرة أتاح لها سماع قصص آباء يبكون قائلين إن “أطفالهم لم يعودوا يرغبون في الذهاب إلى المدرسة بسبب التنمّر على لون بشرتهم، لهذا فعلى الأطفال السود أن يكافحوا أكثر في المجتمع، وهو ليس أقل صعوبة على البالغين الذين نشأوا في أفريقيا، لأنهم لا يعرفون العنصرية في بلدانهم”. وأضافت: “أرى مراراً وتكراراً خلال عملي مع اللاجئين أن قوات الأمن في شرق أوروبا تستخدم العنف ضد الأفارقة بسبب لون بشرتهم”.
شيبوندا شيمبيلو صحافي أميركي من أصول زامبية يعمل في ألمانيا تحدث في مقال نشره موقع “دويتشه فيلله” عن معاناته من العنصرية بسبب لون بشرته الأسود. كتب: “لست أفضل حالاً من الأفارقة الأميركيين لأنني أعيش في أوروبا، فأنا محبط ويائس ممّا يتعرض له ذوو البشرة السوداء من اضطهاد وعنصرية داخل دول الاتّحاد الأوروبي، فمعاناتنا كبيرة في مواجهة العنصرية المؤسساتيّة والمجتمعية في أوروبا أيضاً”.
أوروبا لم تنجُ من تسونامي الاحتجاجات التي اجتاحت الولايات المتحدة ضد العنصرية وتضامناً مع حركة “حياة السود مهمة”، إذ شهدت العواصم والمدن الأوروبية الكثير من الاحتجاجات بعد مقتل جورج فلويد على يد أحد أفراد الشرطة الأميركية.
خرج المتظاهرون في باريس وبرلين ولندن وروما وميلانو وفلورنسه وغيرها من عواصم ومدن بلدان الاتحاد الأوروبي للتعبير عن غضبهم ضد عنف الشرطة مع الأعراق المختلفة الذي تزايدت وتائره خلال السنوات الخمس الأخيرة، بحسب ما ورد في استطلاع بعنوان “أن تكون أسود اللون في الاتحاد الأوروبي”. كشف الاستطلاع عن معاناة حوالى ثلث الأوربيين من ذوي الأصول الأفريقية من التعسف العنصري للشرطة وأجهزة الأمن. وذكر تقرير لشبكة المنظمات الاجتماعية الأوروبية غير الحكومية (اينار-ENAR) أن “نبرة معاداة طالبي اللجوء والمهاجرين تزداد حدتها مع تنامي نفوذ الجماعات الشعبوية واليمينية المتطرفة بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي”. ووثّقت الشبكة تصريحات لسياسيين منتخبين في دول مثل رومانيا وسلوفينيا وبولندا والمجر وغيرها تنطوي على الكثير من العداء للأجانب، ففي كرواتيا وبولندا على سبيل المثال حصلت الأحزاب التي تروِّج أفكار العنصرية على أكثر من 30 في المئة من أصوات الناخبين، ووصلت هذه النسب في دول مثل النمسا والدنمارك والمجر إلى أكثر من 30 في المئة”.
ورصد استطلاع للرأي أجري عام 2018 أن “الخطاب العنصري في أوروبا انتقل من الأروقة السياسية إلى الشارع”. وأضاف أن “العنف المرتبط بالعرق والتمييز العنصري لأجهزة الشرطة يعد ظاهرة راسخة في العقلية الغربية إلى درجة يضطر معها المواطنون المنحدرون من أصول أفريقية إلى مواجهة التحيّز العنصري والتمييز في الوظائف والسكن”. ويتضح من الاستطلاع أن “فنلندا سجلت أعلى معدلات العنف والتمييز المرتبطة بالعرق والأصول الاثنية حيث وصلت إلى 38 في المئة”، وهو ما يسري أيضاً على النمسا وإيطاليا. وقال مقدم البرامج البريطاني جوني بيتس في كتابه “ملاحظات من أوروبا السوداء”، إن “العبودية في شكلها القديم انتهت، إلا أن المجتمعات الأوروبية ما زالت تحمل الفكر الاستعماري على رغم أنها تنكر ذلك”. وأضاف: “حركة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لعبت دوراً كبيراً في تكوين الصورة التي ينظر بها الغرب إلى “العرق” بخاصة على مستوى اللاوعي”، موضحاً أن “تناول مسائل العرق في التعليم لم يصل بعد إلى المستوى اللائق للقضاء على التمييز العنصري من الجذور”.
ويعد التمييز على أساس الأصل العرقي الأكثر شيوعاً في أوروبا، وفق دراسة أجراها “يوروباروميتر”. ففي سلوفينيا وبلغاريا يعتبر الغجر هدفاً رئيساً للعنصريين، كونهم مختلفين عن بقية السكان. وأشارت دراسة جديدة نشرها موقع “دويتشه فيلله” الألماني في نسخته العربية إلى أن “المغاربة المقيمين في دول أوروبية يواجهون صعوبات كثيرة في حياتهم اليومية كالعثور على وظيفة أو سكن”. ويتضح من دراسة أجراها مجلس الجالية المغربية في ألمانيا بالتعاون مع معهد “إيبسوس” للأبحاث أن “64 في المئة من الشباب المغربي يواجهون صعوبة في إيجاد عمل، بينما 57 في المئة يواجهون صعوبات في إيجاد مسكن”.
تحطيم تماثيل العنصريين
أثارت صور التماثيل المحطمة في إنكلترا وبالتحديد في مدينة بريستول الساحلية، حيث تم إسقاط تمثال تاجر الرقيق في القرن التاسع عشر ادوارد كولستون الذي لعب دوراً في تهريب 80 ألف رجل وامرأة وطفل أفريقي إلى العبودية، ردود فعل متباينة في المجتمع. إلا أن معارضة تهديم ذاكرة الماضي لم تمنع المحتجين من المطالبة بإزالة تمثال (سيسل رود) في جامعة اكسفورد. ذكرت صحيفة “الغارديان” إن “العنصرية ليست بعيدة من المجتمع البريطاني، إذ شهدت بريطانيا خلال السنوات القليلة الماضية حوادث عنف كثيرة، كان أبطالها رجال شرطة، وضحاياها من أصول أفريقية”. وأشارت إلى انه عام 2010 “قُتل ثلاثة عناصر من شرطة الهجرة جيمي موبنغا، أثناء تقييده على متن طائرة في مطار هيثرو”. و”عام 2011 أطلق أفراد الشرطة النار على مارك دوغان وهو من أصول أفريقية”
. وفي بلجيكا قام المحتجون بتشويه تمثال نصفي للملك ليوبولد الثاني الذي حكم بقتل ملايين من شعب الكونغو واستغلالهم في أواخر القرن التاسع عشر، بحسب تقرير وزعته “يورونيوز”. ورأت مديرة مركز المحفوظات الثقافية السوداء، وهو مركز متخصص بالحفاظ على تاريخ أفريقيا والكاريبي في بريطانيا أريك روكي أن “أحداث أميركا تعيد تذكيرنا بأن مجتمعنا الأوروبي هو الأب الشرعي لتلك العنصرية والأب الشرعي لتجارة الرقيق”. واعتبرت الناشطة في مجال تمثيل الأقليات الأفريقية في بلجيكا بريمروز نتومبا أن “مقتل فلويد أعطى زخماً واهتماماً لمناقشات حول العرق والتاريخ الاستعماري لبلجيكا الذي يثيره نشطاء كثيرون مثلها منذ سنوات”. وأضافت: “لدينا الكثير من التاريخ الذي لا يعرفه كثر، وهو يؤثر بالفعل في الملونين وبخاصة السود في بلجيكا، ولهذا فإن المواطنين البيض في بلادي لا يفهمون غضب السود، ما يُحتِّم اطلاعهم على هذا التاريخ”. وقالت إن “بلجيكا شهدت أيضاً حالات عنفٍ من الشرطة”. وبحسب قول تيمي موالي مدير مشروع (Front4)، وهي منظمة شبابية تدعم أولئك الذي تعرضوا للعنف، “لدينا الكثير من أمثال فلويد”.
العنصرية في أوروبا: حالات متباينة
يتبين من تقرير للشبكة الأوروبية ضد العنصرية أن 10 إلى 15 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي يعتنقون ايديولوجيات عنصرية، وأحياناً سلوكيات عنصرية، وهذه نسبة ثابتة. فقد صرّح مدير الشبكة مايكل بريفو أنه “هناك حركة نمت خلال السنوات العشر الأخيرة في أوروبا تعبر بشكل أوضح عن الآراء والأفكار والسلوكيات والايديولوجيات العنصرية” مستدركاً، “هذه صورة تتغير، وتمثل حالات متباينة من بلد إلى آخر” موضحاً، “هناك تقاليد وعوامل تؤثر في صياغة هذه التعبيرات العنصرية في أوروبا”.
لا يتفق بريفو مع الآراء التي تقول أن هذه الحالة مؤسساتية ويقول: “يمكن القول إن هناك تمييزاً في بنية النظام الذي يفرز هذه الظواهر العنصرية وليس الأفراد”. ويشير إلى أن “هناك إدارات في الشرطة توظِّف رجالاً ونساء من الأقليات، ولكنهم عندما يصبحون جزءاً من قوات الشرطة يتصرّفون مثل زملائهم البيض، ويقومون بسلوكيات مماثلة، وبالتالي فإن المنظومة تفرز هذه السلوكيات، لهذا عندما نتحاور معهم نقول لهم لا نعتبركم عنصريين كأفراد، لكنكم كمنظومة تستهدفون أقليات بعينها”.
أشارت بيانات مؤشر الإرهاب العالمي الصادرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 إلى أن “الإرهاب العنصري في بلدان أوروبا الغربية زاد 320 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية”. وأردف مدير وكالة الاتحاد الأوروبي مايكل اوفلاهرتي أن “العنصرية القائمة على العرق ولون البشرة لا تزال آفة منتشرة في دول الاتحاد الأوروبي”.
ألمانيا: عنصرية مجتمعية متجذرة
ألمانيا تحتل موقع الصدارة في الإرهاب العنصري فلقد كشفت بيانات الشرطة الألمانية أنها سجلت زيادة كبيرة في وتيرة التطرف اليميني والهجمات التي تستهدف الأجانب، إذ ارتفع عدد الجرائم ضد الأجانب إلى 179 جريمة، مقارنة بـ152 العام الماضي. ووفقاً للتقرير السنوي لمكتب مناهضة التمييز الصادر في العام الماضي، “عدد الاعتداءات للمنظمات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة ارتفع بنحو 10 في المئة”.
تُعاني ألمانيا من مشكلة دائمة مع التمييز العنصري، وقال مدير المكتب بيرنهارد فرانكة في تصريح نقلته وكالة “دويتشه فيله” إن “الحكومة لا تقدم الدعم الكافي لمعارضي التمييز في ما يتعلق بإنفاذ القانون”. وقال: “نشعر بأننا وحيدون في مواجهة أي ظلم ما يهدد على المدى البعيد بعواقب وخيمة وبشكل سيؤدي إلى تقويض التماسك والنسيج الاجتماعي”. وأضاف: “عام 2019 كانت الكراهية ومعاداة الأجانب فيه بارزةً وخلفت آثاراً عميقة ومؤلمة”. وأشار إلى “اغتيال السياسي المحافظ فالتر لوبكة المعروف بدفاعه عن مصالح اللاجئين على يد يميني متطرف، إضافة إلى الاعتداء على الكنيس اليهودي في مدينة هالة”. ويتضح من التقرير أن “الكثير من الأشخاص المعرَّضين للتمييز ينتابهم شعور بأن الوضع العام لا يتحسن منذ سنوات، وبأن القتل والاعتداءات هي التي تحكم المجتمع، وأن العنف والكراهية ليسا إلا قمة جبل الجليد للمواقف العنصرية التي تتجلى عبر التهميش اليومي”. أظهر استطلاع للرأي أن “واحداً من بين ثلاثة من أصول أجنبية عانى من التمييز خلال السنوات العشر الأخيرة خلال البحث عن مسكن”. وأعلن 41 في المئة من الألمان أن لديهم تحفظات كبيرة لتأجير شقة لمهاجر، هذا يحصل على رغم أن قانون المساواة السائد يحظر هذه المعاملة التمييزية غير اللائقة. وكشفت دراسة قانونية أعدت بتكلف من المكتب أن “قانون مكافحة العنصرية الأوروبي لا يلقى في ألمانيا سوى تطبيق محدود.
30 ألف يميني متطرف في ألمانيا
صنفت السلطات الأمنية الألمانية ما يزيد على 30 ألف ألماني ينتمون إلى تيارات اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون لدرجة تنفيذهم هجمات واعتداءات خطيرة. وذكر تقرير للاستخبارات الداخلية نشرته وكالة أنباء (د. ب. أ) الألمانية في حزيران/ يونيو 2020 أن “الألمان الذين ينتمون إلى هذا التيار ازداد عددهم عام 2019 إلى أكثر من 30 ألف شخص”.
وأنشأ اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، يستخدمونها للتواصل في ما بينهم، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل ألعاب إلكترونية تفادياً للمراقبة. ورصدت الشرطة الألمانية ارتفاعاً حاداً خلال السنوات الأخيرة في عنف اليمين المتطرف، وازدياداً في عدد الجرائم التي يرتكبها المنتمون إلى هذه الشبكات. وبحسب “وكالة حماية الدستور” (الاستخبارات الألمانية الداخلية)، إن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
فرقة حرب النار الدموية
تفيد دراسة أجراها معهد «مكافحة التطرف» في جامعة أوسلو، بأن ألمانيا تقف على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد نحو 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة ذاتها. في هذا الإطار، شهدت ألمانيا مجزرة بشعة في مقهيين لتدخين النرجيلة في مدينة هاناو في ولاية هسن، ارتكبها يميني متطرف يكره المهاجرين، بحسب رسالة وشريط فيديو تركهما، بعدما قتل 9 أشخاص قبل أن يعود إلى منزله ليقتل والدته وينتحر. وأحبطت الشرطة في شباط الماضي هجمات واسعة لجماعات يمينية متطرفة ضد مساجد في مناطق مختلفة من ألمانيا مماثلة لتلك التي حدثت في نيوزيلندا.
وبحسب تقرير لمجلة “دير شبيغل” على موقعها الإلكتروني، فإن كشف هذه المجموعة واعتقال قائدها وعناصرها حصلا بعد اختراق مجموعة دردشة داخلية بفضل شخص متخف، وكشفت المحادثات المتداولة عن نزعة الكراهية لدى هذه المجموعة التي تطلق على نفسها تسمية “فرقة حرب النار”. وبحسب المجلة نفسها فإن عناصر هذه الفرقة الألمانية هم أعضاء في “فرقة الحرب النووية”. وقالت إن هذه الشبكات تعمل في خلايا صغيرة مستقلة، تقوم على مبدأ “المقاومة بلا قيادة” في حالة تشبه أسلوب منظمة “داعش” التي تعطي لا مركزية لخلاياها النائمة في العالم في تحديد مكان العمليات الإرهابية وزمانها. وهو مفهوم نُشر داخل الهياكل اليمينية المتطرفة أيضاً لعقود من الزمن. وكان اثنان من سياسيي “حزب الخضر” هما كلوديا روت ووس ازديمير تلقيا رسائل تهديد في العام الماضي، تحتوى على عبارة “أصبحت الآن على قائمة الموت”، وحملت توقيع “فرقة السلاح النووي – فرع ألمانيا”. وظهرت هذه الفرقة للمرة الأولى في الولايات المتحدة وأسسها متطرفون بيض، ومن ثم وصلت إلى ألمانيا التي لا تزال بحسب “دير شبيغل”، تشكل أرضاً خصبة لتفشي النازية على رغم مرور عقود على هزيمة هتلر”. وقالت رئيسة “الحزب الاشتراكي الديموقراطي” الشريك في الائتلاف الحاكم زاسكيا إسكن إن “هناك عنصرية كامنة أيضاً لدى قوات الأمن الألمانية”. واقترحت إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة عمل الشرطة لأنه” عند التعامل مع حالات عنف الشرطة غير المبررة، لا بدَّ من أن ينشئ انطباعاً بأن هيبة الجهاز، أهمّ من حقوق المواطنين”.
فرض وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر حظراً على نشاط المجموعة اليمينية المتطرفة المعروفة باسم نورد أدلر، وتعني “نسر الشمال”، والتي يمجد أعضاؤها الاشتراكية القومية “النازية” من جديد. وتتبنى المنظمة مواقف معادية للسامية وتروِّج نظريات المؤامرة. ورصدت الشرطة أن الحركة تشتري العقارات بخاصة في شرق البلاد، لإقامة مراكز تدريب مماثلة لتلك التي كانت تديرها “حركة الهوية” لمؤسسها اليميني المتطرف غوتس كوبيتشيك في مدينة هالة. وتقيم هذه المراكز “تدريبات عسكرية رياضية” على غرار تلك التي تعرف بـ”خدمة الرايخ العمالية” في عصر النازيين، والتي كانت تلزم الشباب بالعمل 6 أشهر بداية من أوائل عام 1935. وكان أحد عناصرها اعترف أمام الشرطة بأنه تم شراء عقارات بولاية تورينغن وبالتحديد في قرية ماكنروده التي تقطنها 500 نسمة وتقع على الحافة الجنوبية لجبال هارتس. وتمركز في هذه القرية خلال الحقبة النازية فرع لمعسكر الاعتقال (ميتلباو- دورا). وكانت المجموعة اقتنت الأسلحة والذخيرة لتنفيذ اعتداءات عنصرية.
يعزو الخبراء عجز السلطات الألمانية عن التعامل مع العنصرية على مستوى المجتمع إلى الفهم العنصري الذي ساد في البلاد في مرحلة الرايخ الثالث، وهو فهم مفاده أن الاعتراف بالفروق العنصرية سيكون بمثابة ترويجها”، وذلك وفق ما ذكرته المدافعة عن العدالة الاجتماعية سارا شاندر. ودعت السياسيين إلى تبني المفاهيم التي تعرضها المنظمات المناهضة للعنصرية ليُتاح لها التعامل بجدية مع التمييز العنصري. وكانت ميركل استخدمت في قمة الاندماج التي انعقدت في آذار/ مارس 2020 تعبير (السود) لوصف معاناة الألمان من أصول أفريقية في مساعيهم لإثبات أنهم ألمان حتى إن كانوا وُلدوا وترعرعوا في البلد”. وقالت “دويتشة فيلله” إن “هذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي يستخدم فيها مسؤول رفيع هذا التعبير”. ورأت أستاذة دراسات الطفولة والتنوّع في جامعة ماغدابورغ ماورين مايشا آوما أن “ما يبعث على الارتياح أن يشار إلى الناس الذين يعانون من التمييز بوضوح”. وأضافت أن “رؤيتنا للعالم مختلفة لأننا نراه من منظورنا كأناس سود، لكن في ألمانيا بدأ يتبلور معنى واضح لهذه الرؤية”.
يعد السود أكبر أقليّة في ألمانيا، إلا أن معاناتهم من التمييز لا تزال بعيدة من الميديا، ويسعى مشروع Afrozensus- إحصاء الأفارقة- إلى تغيير هذه الحالة من خلال إجراء تحريات عن أوضاع السود في البلاد. ويقدر عدد الألمان ذوي أصول أفريقية بأكثر من مليون شخص طِبْقاً لتقديرات غير رسمية.
اقترح “حزب الخضر” على البرلمان شطب مصطلح “العرق” من القانون الأساسي الذي يُعد بمثابة دستور لألمانيا، لأنه برأيه “تمييزي ولم يعد ملائماً للتطورات المعاصرة”. وقال رئيس جامعة “فريدريش شيلر” في يينا إن “مصطلح (العرق) ليس إلا تركيبة عنصرية”. وأكد أن “تصنيف البشر إلى أعراق لم يعد له أساس علمي الآن، ما يستلزم إلغاءه من الدستور”. وأشار إلى أن “لون البشرة أو الأصل كأساس لتعريف مجموعات مختلفة غير معقول وتعسّفي” و”أن مفهوم الأعراق كان دوماً مرتبطاً بمصالح اجتماعية وسياسية ويعني في مضمونه، أن الصفات الخارجية لمجموعات عرقية يتم ربطها مع طبيعة وخاصية هؤلاء الناس، ما أدّى ويؤدي إلى القمع والتمييز والعنف عبر التاريخ، فالصورة الذاتية للأوروبيين البيض كانت لوقت طويل تمثل التفوق والتحضّر، ونتيجتها كانت العبودية والتهجير والقتل الجماعي”. مستدركاً الإشارة إلى أن “هذا لن يمثل بالطبع نهاية العنصرية المنظمة أو اليومية في ألمانيا، لكنه سيكون بمثابة رمز قوي في الكفاح ضد العنصرية التي يواجهها كثيرون يومياً في ألمانيا”.