fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الفايروس الضال: العودة إلى نقاط انطلاق الوباء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن ما يدهش هو اللامبالاة تجاه نقاط انطلاق المرض، وكأن المجتمع لا يهمه سوى نقطة الوصول: أي اللقاح والعلاج والإنعاش. لكن من دون نقطة الانطلاق لن يتحقق العلاج…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في انتطار لقاح يُفترض أن يبعد شبح الموت، لم يعد العالم مهتماً بأصول الفايروس الضال وتلك الأوعية الرطبة التي خرج منها، ذاك أن الخوف منه اخترق نظام المناعة بين الناس قبل أن يخترق الفايروس رئاتهم. وفي هذه الأثناء حيث الوباء ما زال يتمدد، تشير الأوساط العلمية إلى أن العودة إلى نقاط انطلاق الفايروس أو أصوله تشكل العامل الأهم في لجمه والحد من انتشاره. فمن دون تحديد الأسباب التي أدت إلى انتشار الفايروس الناشئ بين البشر، هو فايروس حيواني بحسب معظم الأبحاث العلمية، لا يمكن ضمان عدم ظهور أجيال أخرى منه؛ بخاصة أن النوع الحالي، كوفيد-19 وقبله “سارس” استوطنا واستقرا بين البشر. 

قد تكون نقطة الانطلاق الأولى لهذا الوباء هي سوق مفتوح في مدينة ووهان الصينية، ويصفه كثيرون بوعاء رطب تتراكم فيه الحيوانات البرية والثعابين والخفافيش والبنغولين. يتم شراء هذه الحيوانات في الصين لمناسبة عيد رأس السنة الفأرية بأعداد هائلة، إنما السوق دائم ومتصل بمهرّبي الحيوانات في شرق آسيا كما في أفريقيا. في وصفه البؤس الذي تعيش فيه الحيوانات في هذا السوق، يقول الطبيب الاختصاصي في الأمراض المعدية ديدييه سكار، الأستاذ الفخري في جامعة سوربون، “حيوانات فقيرة يلمسها الباعة، ملطخة بالبول، تنتشر بينها القراد فيما تشكل البعض سحابة حولها. وفي مثل هذه الظروف تصيب الحيوانات المصابة حيوانات أخرى في غضون أيام قليلة. لنفترض أن البائع جرح نفسه أو لامس البول الملوث قبل أن يلمس وجهه بيده. إنها نقطة انطلاق”. إن ما يدهش بالنسبة إلى العالم الفرنسي المذكور هو اللامبالاة تجاه نقاط انطلاق المرض، وكأن المجتمع لا يهمه سوى نقطة الوصول: أي اللقاح والعلاج والإنعاش. ويقال إن أسواق الحيوانات البرّية مثل أسواق المخدرات تجني الكثير من الأموال. وفي المكسيك مثلاً، يتم تهريب حيوان البنغولين حتى في حقائب السفر. 

نقطة الانطلاق الثانية هي التجارة غير المشروعة بحيوان البانغولين الذي يعتبر من بين أكثر الأنواع المهددة بالانقراض في العالم، وذلك بسبب تزايد الطلب على لحمه من جانب والمعتقدات الشعبية المختلفة حوله من جانب آخر. تقول رئيسة مؤسسة Animals Asia، ميشيل جونغ، إن “حيوان البانغولين هو ضحية لمعتقدات في الطب الصيني التقليدي”، ذاك أن لحمه إضافة إلى أنه يحظى بشعبية كبيرة في الصين وفيتنام وجنوب شرق آسيا وعلامة الثراء، يزيل سموم الجسم بحسب المعتقدات الشعبية الصينية. وبالقدر نفسه تحظى حراشف البانغولين بالكثير من المعتقدات الشعبية والخرافات، ما يزيد حجم التجارة بها على مستوى واسع. ففي المعتقدات الأفريقية تجلب الحراشف الحظ السعيد، أما في آسيا فتحتوي مساحيق مصنوعة من الحراشف وفقاً للتقاليد الصينية على الكثير من الفضائل: هو مثير للشهوة الجنسية لدى البعض، علاج ضد أمراض الكبد أو الجلد، أو حتى آلام الدورة الشهرية لدى بعض آخر. وعلى رغم عدم التحقق من هذه الفوائد علمياً أصبح هذا الكائن النادر بشكله ونمط حياته إذ يعيش بالقرب من المناطق الرملية التي يكثر فيها النمل، يتعرض للتجارة غير المشروعة والتهريب على نطاق واسع في العالم. وتشير معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البرّي المهدد بالانقراض إلى تهريب 17000 من البانغولين كل عام بين 2000-2016. 

نقطة الانطلاق الثالثة لانتشار الأمراض الناشئة أو المستجدة هي تخريب موائل الحيوانات في الدول والشركات والمجتمعات. وتمكن الإشارة في هذا السياق إلى تقلص مساحات الغابات العذراء في جنوب شرقي آسيا (الصين، لاوس، تايلاند، ماليزيا وسنغافورة) بسبب إنشاء شبكات سكك القطار والمحطات التي تعبر الغابات وتدمر موائل الحيوانات من دون احتياطات صحية، الأمر الذي يخفي المساحة المتبقية بين المستوطنات البشرية والحيوانية ويؤدي إلى نقل الفايروسات الحيوانية الناشئة بين البشر. وقد يسهل طريق الحرير، الذي يكمله الصينيون حالياً، انتشار الأمراض الخطيرة في المستقبل. 

إن بناء الطرق وشبكات المواصلات في الغابات العذراء في جنوب شرقي آسيا والعالم يسهل وصول الانسان إلى موائل الحيوانات واستغلالها لأغراض زراعية بالقرب من خزّان الفايروسات وهو أمر في غاية الخطورة، لأنه يؤدي إلى نزوح أعداد هائلة من الخفافيش القاطنة في كهوف داخل الغابات ذاتها، ناهيك بحيوانات أخرى تشكل تلك الغابات مستوطناتها الدائمة والحامية للنظام الأيكولوجي. ويؤكد رئيس معهد باستور الفرنسي في لاوس، بول بري، أن الخفافيش تحمل ما يقارب 30 نوعاً من الفايروسات التاجية، إنما لا تنتقل هذه الفايروسات إلاّ بعد اقتراب الإنسان منها أو تناول لحم الحيوانات الحاملة لها.

تالياً، لا يقتصر علاج وباء الفايروس الضال على أجهزة التنفس الصناعية، على انتظار لقاح منقذ، و”دبلوماسية الكمامات” كما تفعل جمهورية الصين الشعبية بطبيعة الحال، بل يقتصر على العودة إلى نقاط الانطلاق ورفع غطاء الوعاء. قد يتم اخترع عقار فعال هذا العام، ولكن تدمير النظام البيئي والقضاء على التنوع الحيوي قد يولّدان أوبئة أخرى فتاكة تتجاوز سرعة انتشارها جميع الأوبئة التي تميز بها القرن 21. 

إن ما يدهش هو اللامبالاة تجاه نقاط انطلاق المرض، وكأن المجتمع لا يهمه سوى نقطة الوصول: أي اللقاح والعلاج والإنعاش. لكن من دون نقطة الانطلاق لن يتحقق العلاج…

في انتطار لقاح يُفترض أن يبعد شبح الموت، لم يعد العالم مهتماً بأصول الفايروس الضال وتلك الأوعية الرطبة التي خرج منها، ذاك أن الخوف منه اخترق نظام المناعة بين الناس قبل أن يخترق الفايروس رئاتهم. وفي هذه الأثناء حيث الوباء ما زال يتمدد، تشير الأوساط العلمية إلى أن العودة إلى نقاط انطلاق الفايروس أو أصوله تشكل العامل الأهم في لجمه والحد من انتشاره. فمن دون تحديد الأسباب التي أدت إلى انتشار الفايروس الناشئ بين البشر، هو فايروس حيواني بحسب معظم الأبحاث العلمية، لا يمكن ضمان عدم ظهور أجيال أخرى منه؛ بخاصة أن النوع الحالي، كوفيد-19 وقبله “سارس” استوطنا واستقرا بين البشر. 

قد تكون نقطة الانطلاق الأولى لهذا الوباء هي سوق مفتوح في مدينة ووهان الصينية، ويصفه كثيرون بوعاء رطب تتراكم فيه الحيوانات البرية والثعابين والخفافيش والبنغولين. يتم شراء هذه الحيوانات في الصين لمناسبة عيد رأس السنة الفأرية بأعداد هائلة، إنما السوق دائم ومتصل بمهرّبي الحيوانات في شرق آسيا كما في أفريقيا. في وصفه البؤس الذي تعيش فيه الحيوانات في هذا السوق، يقول الطبيب الاختصاصي في الأمراض المعدية ديدييه سكار، الأستاذ الفخري في جامعة سوربون، “حيوانات فقيرة يلمسها الباعة، ملطخة بالبول، تنتشر بينها القراد فيما تشكل البعض سحابة حولها. وفي مثل هذه الظروف تصيب الحيوانات المصابة حيوانات أخرى في غضون أيام قليلة. لنفترض أن البائع جرح نفسه أو لامس البول الملوث قبل أن يلمس وجهه بيده. إنها نقطة انطلاق”. إن ما يدهش بالنسبة إلى العالم الفرنسي المذكور هو اللامبالاة تجاه نقاط انطلاق المرض، وكأن المجتمع لا يهمه سوى نقطة الوصول: أي اللقاح والعلاج والإنعاش. ويقال إن أسواق الحيوانات البرّية مثل أسواق المخدرات تجني الكثير من الأموال. وفي المكسيك مثلاً، يتم تهريب حيوان البنغولين حتى في حقائب السفر. 

نقطة الانطلاق الثانية هي التجارة غير المشروعة بحيوان البانغولين الذي يعتبر من بين أكثر الأنواع المهددة بالانقراض في العالم، وذلك بسبب تزايد الطلب على لحمه من جانب والمعتقدات الشعبية المختلفة حوله من جانب آخر. تقول رئيسة مؤسسة Animals Asia، ميشيل جونغ، إن “حيوان البانغولين هو ضحية لمعتقدات في الطب الصيني التقليدي”، ذاك أن لحمه إضافة إلى أنه يحظى بشعبية كبيرة في الصين وفيتنام وجنوب شرق آسيا وعلامة الثراء، يزيل سموم الجسم بحسب المعتقدات الشعبية الصينية. وبالقدر نفسه تحظى حراشف البانغولين بالكثير من المعتقدات الشعبية والخرافات، ما يزيد حجم التجارة بها على مستوى واسع. ففي المعتقدات الأفريقية تجلب الحراشف الحظ السعيد، أما في آسيا فتحتوي مساحيق مصنوعة من الحراشف وفقاً للتقاليد الصينية على الكثير من الفضائل: هو مثير للشهوة الجنسية لدى البعض، علاج ضد أمراض الكبد أو الجلد، أو حتى آلام الدورة الشهرية لدى بعض آخر. وعلى رغم عدم التحقق من هذه الفوائد علمياً أصبح هذا الكائن النادر بشكله ونمط حياته إذ يعيش بالقرب من المناطق الرملية التي يكثر فيها النمل، يتعرض للتجارة غير المشروعة والتهريب على نطاق واسع في العالم. وتشير معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البرّي المهدد بالانقراض إلى تهريب 17000 من البانغولين كل عام بين 2000-2016. 

نقطة الانطلاق الثالثة لانتشار الأمراض الناشئة أو المستجدة هي تخريب موائل الحيوانات في الدول والشركات والمجتمعات. وتمكن الإشارة في هذا السياق إلى تقلص مساحات الغابات العذراء في جنوب شرقي آسيا (الصين، لاوس، تايلاند، ماليزيا وسنغافورة) بسبب إنشاء شبكات سكك القطار والمحطات التي تعبر الغابات وتدمر موائل الحيوانات من دون احتياطات صحية، الأمر الذي يخفي المساحة المتبقية بين المستوطنات البشرية والحيوانية ويؤدي إلى نقل الفايروسات الحيوانية الناشئة بين البشر. وقد يسهل طريق الحرير، الذي يكمله الصينيون حالياً، انتشار الأمراض الخطيرة في المستقبل. 

إن بناء الطرق وشبكات المواصلات في الغابات العذراء في جنوب شرقي آسيا والعالم يسهل وصول الانسان إلى موائل الحيوانات واستغلالها لأغراض زراعية بالقرب من خزّان الفايروسات وهو أمر في غاية الخطورة، لأنه يؤدي إلى نزوح أعداد هائلة من الخفافيش القاطنة في كهوف داخل الغابات ذاتها، ناهيك بحيوانات أخرى تشكل تلك الغابات مستوطناتها الدائمة والحامية للنظام الأيكولوجي. ويؤكد رئيس معهد باستور الفرنسي في لاوس، بول بري، أن الخفافيش تحمل ما يقارب 30 نوعاً من الفايروسات التاجية، إنما لا تنتقل هذه الفايروسات إلاّ بعد اقتراب الإنسان منها أو تناول لحم الحيوانات الحاملة لها.

تالياً، لا يقتصر علاج وباء الفايروس الضال على أجهزة التنفس الصناعية، على انتظار لقاح منقذ، و”دبلوماسية الكمامات” كما تفعل جمهورية الصين الشعبية بطبيعة الحال، بل يقتصر على العودة إلى نقاط الانطلاق ورفع غطاء الوعاء. قد يتم اخترع عقار فعال هذا العام، ولكن تدمير النظام البيئي والقضاء على التنوع الحيوي قد يولّدان أوبئة أخرى فتاكة تتجاوز سرعة انتشارها جميع الأوبئة التي تميز بها القرن 21.