يشيطن نظام بشار الأسد كلّ من هاجر أو ترك سوريا، وكأن تخطي الحدود تقابله بشكل حتميّ الخيانة والتنكر للبلاد التي علّمت أبناءها “مجاناً”، فالخائن بالنسبة إلى “الشبيحة” هو من لم يتحمل ظلم الديكتاتور، ومن خرج بحثاً عن حياة كريمة، أو أراد مستقبلاً أفضل لأطفاله. لنظام الأسد قاموسه الخاص حيث للوطن تعريف مختلف عن سائر العالم.
عنصرية المفتي السوري
من غير المستغرب اتباع أذرع النظام طريقته في شيطنة اللاجئين، لكن ما لم يحسب النظام حسابه هو “الذكاء المحدود” لداعميه، فحماسة مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون في التشبيح ستجعله يفسر إحدى سور القرآن على أنها تتحدث عن سوريا بالتحديد.
في عزاء الفنان الراحل صباح فخري، أكد المفتي السوري بدر الدين حسون ذكر سوريا في القرآن الكريم وقال إن خريطة سوريا موجودة في سورة “والتين والزيتون” قائلاً: “لقد خلقنا الإنسان في هذه البلاد في أحسن تقويم، فإذا تركها رددناه أسفل سافلين”. في تصريح المفتي هجوم واضح على اللاجئين والذين تركوا سوريا وهو ما أكده بالفعل إذ قال: “ثم يكمل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في هذا الأرض فلهم أجر غير ممنون، أي الذين بقوا في سوريا”. لينهي تصريحه الحماسي بدعوة اللاجئين إلى العودة بحجة أنهم لن يجدوا من يصلي عليهم في مماتهم. عنصرية حسون لم تقتصر على اللاجئين من السوريين وحسب بل امتدت إلى الأمم الأخرى، إذ اعتبر من أن ولد في سوريا أكثر حظاً من سواه من جهة خلق الله له.
استنكر المجلس العلمي الفقهي في دمشق ما أورده حسون وقال في بيانٍ أصدره لاحقاً إن التفسير مغلوط ويصب في مصلحة وأهواء شخصية دون ذكر اسم حسون وهو ما يشي بعودة نزاع قديم بين رئيس وزارة الأوقاف محمد عبد الستار السيد والمفتي حسون.

النظام السوري يقطع إحدى أذرعه
أصدر لاحقاً رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً انتقلت بموجبه مهمات المفتي حسون إلى المجلس الفقهي الأعلى وكانت مهمات حسون متمثلة في تحديد مواعيد الأشهر القمرية والتماس الأهلّة وإعلان الأحكام الفقهية وإصدار الفتاوى، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها، لتنتهي 17 عاماً من تولي حسون منصب مفتي الجمهورية العربية السورية بطرفة عين.
قد يبدو ما حصل مجرد خطأ عوقب عليه المفتي إلا أن ما خلف الكواليس في سوريا هو دوماً أكبر من مجرد تفسير خاطئ للقرآن. بدايةً، محاولة التأثير سياسياً في السوريين من خلال الإسلام ليس بالأمر الجديد، حافظ النظام السوري على هذه العلاقة على مدار عقود، وكانت الذراع الدينية المتمثلة بوزارة الأوقاف ومفتي الجمهورية هي الظهر الذي يلجأ إليه كلما اقتضت الحاجة شأنه شأن كلّ أذرعه الأخرى. والذراع بالنسبة إلى النظام إضافة الى دعمها قراراته وأساليبه القمعية فهي “المطبّلة” لوجوده، وعلى رغم هذه العلاقة القوية بين النظام ومطبليه، إلّا أن الأول قادرٌ على التخلي عن أيّ منها متى اقتضت الحاجة أو إذا اكتفى من وجودها، فالتخلص من المؤيدين لا يتعلق بارتكابهم أخطاء وحسب، إنما قد يقرر النظام ضرورة التخلص من كلّ الأذرع القوية في مرحلة ما لما تشكله من تهديد له، أو قد يكتفي منها ببساطة، فالنظام يعرف اللعبة الديكتاتورية جيداً، فلا مجال للمخاطرة بترك أي فراغ قد يملأه الإسلام السياسي مثلاً. وهكذا تمكن النظام من اللعب لسنوات على الخط الفاصل بين السياسة والإسلام، لكن واقع اليوم يبدو مختلفاً، بخاصة مع التأثير الإيراني في المجلس العلمي الفقهي والذي قد يفتح المجال لدخول الإسلام السياسي بشكل جديّ.
إقرأوا أيضاً:
الدور الديني الإيراني
يثير إلغاء منصب مفتي الجمهورية أسئلة حول الدور الإيراني في سوريا، بخاصة الديني، لن تكتفي إيران بطبيعة الحال بدورها السياسي، وتقوية وجودها الديني يتطلب تعزيز قواها على أرض الواقع عبر إلغاء منصب مفتي الجمهورية وتوسيع تمثيلها في المجلس الفقهي الأعلى والذي يضم جنسيات سورية وغير سورية. المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري مطيع البطين صرح بأن وزير الأوقاف في حكومة النظام السوري يسمي من يشاء للعضوية في المجلس وأن المجلس يضم بالفعل جنسيات سورية وأجنبية “في إشارة للدور الإيراني”.
التأثير الديني لإيران موجود بالفعل منذ سنوات، سواء باتخاذ القرارات السياسية أو التمدد الاجتماعي والثقافي داخل البلاد، على سبيل المثال كانت وزارة الأوقاف سابقاً تتبع دولة السعودية في التماس هلال شهر رمضان، لكن وبعد التبدلات السياسية خلال السنوات الماضية باتت تنتظر إعلان إيران التماس الهلال لتسارع إلى إعلانه وكأنها هي التي التمسته بنفسها وهو ما ينطبق على قرارات النظام السياسية الذي يبدو ظاهرياً أنه من يمسك بزمام القرارات في البلاد.
حادثة حسون ما زالت تشكل سبقاً صحافياً بخاصة بعد تصريح الممثل السوري دريد لحام الذي كرر ما قاله حسون في إحدى مقابلاته بأن السوريين مذكورون في آية “والتين والزيتون”، لكن السؤال هنا لماذا كرر لحام العبارة ذاتها؟ ألم يقرأ ردود الفعل أو يسمع بتصريح المجلس العلمي الفقهي؟ أم أن كلّ ما في الأمر هو محاولة النظام التأثير في السوريين المتعبين من خلال شخصيات مؤثرة، فعلى رغم الفقر والحرب، سوريا مذكورة في القرآن، لذلك على السوريين الجائعين أن يفرحوا!
إقرأوا أيضاً: