كيف يمكنني كصحافية خليجية أن أقارب قضايا المرأة الخليجية والوضع في محيطي عموماً؟
السؤال بدا ملحاً علي خصوصاً بعد نحو 15 سنة من العمل في أروقة وسائل إعلامية مرئية مختلفة، تمويل بعضها خليجي.
أستطيع تلخيص التجربة بأنني في غالبها لم أكن قادرة بما يكفي على تحديد معطيات نقاش مواضيع المرأة ومتطلباتها، على رغم أنني في عمق تلك المعطيات والتجربة. كما أنني لم أستطع حتى وأنا ابنة الخليج العربي، اقتراح مواضيع أكثر ملاءمة للشارع الخليجي، حتى أصبح دوري يرتكز على اقتراح أسماء الضيوف ومن ثم الاعتذار منهم بعد الانتهاء من حوار بدائي أو استضافة رأي آخر سطحي، يواجه الضيف لخلق جدل واسع وتحقيق مشاهدات عالية لا أكثر.
السبب ببساطة يعود إلى معظم فرق العمل الإعلامية التي عملت إلى جانبها واعتمادها على خبرات زملائي التي تكبرني بكثير بعيداً من تجربتي التي تكبر تجاربهم ومعرفتهم بالواقع الخليجي والنسوي.

لست هنا أتحدث عن مواضيع المرأة الخليجية وبخاصة السعودية التي أغرقت قنواتنا بها فحسب، ولا عن نشرات الاقتصاد وأسواق المال الخليجية ولا عن برامج الجدل بين الرأي الحكومي والمعارضة، بل أنا هنا أبحث في المعلومات العامة عن قضايا البيت الخليجي والشارع الخليجي التي كونت للرأي العام الصورة العامة عن بيئتنا.
مذ بدأت العمل الإعلامي في أوساط عربية في مدينة دبي وأنا أجيب على أسئلة زملائي الصحافيين الصادمة، والتي تؤكد لي نيتهم محاولة فهم بيئتنا، لكن من دون جدوى طالما أن رب المال ومقص الرقيب لا يريد أن يظهر لهم سوى صورة محددة، تلقى إعجاب زملائي حتى يصبح غض البصر عن حقيقة الأمر محبذاً.
فتجدني أجيب زميلي التونسي عن طبيعة انتمائي إلى مكة وأنا لست محجبة وكأن أهل مكة قديسون! وأحدث زميلتي اللبنانية التي تسألني عن القبائل السعودية فأجيبها بأن أصولي التي تعود إلى حضرموت مثلها مثل الأرمن في لبنان، تكشفها أسماؤنا الأخيرة في محاولة لاختصار الإجابة، ثم يسألني زميلي الأردني عن درجة سعوديتي ليلحقه زميل مغربي بسؤالي عن سبب تباين البنية التحتية في المدن السعودية وصدمته بتقدم دبي عنها، على رغم أنها دولة غنية وكأن دبي هي الإمارات والإمارات هي الخليج!
كل هذا قد يدور داخل غرفة الأخبار التي تنقل المشهد إلى المشاهد العربي، تنقل أخبار تصنيفات أغنى 100 امرأة عربياً في قائمة تغلب عليها الأسماء الخليجية، وقائمة لأجمل نساء العالم التي حصلت فيها المرأة السعودية على مركز متقدم، وعن ثورة “الفاشنيستات” الخليجيات وأرباحهن، وعن حملة معارضة لحقوق المرأة، وعن ناشطات يسجن وعن لقاء مع رجل أعمال شهير وجدال خليجي حاد حول انهيار الأسواق أو ضيف خليجي، قال معلومة خاطئة فتناقلت الصحافة الخبر ليصبح أضحوكة!
ولكن كم مرة شاهدت قنوات عربية وخاصة في الخليج العربي تناقش أزمات البطالة والفقر، بخاصة بعد خروج أرقام وتصريحات رسمية، أو وجود الاخوان في الخليج العربي او معتقلي الرأي في الامارات وكم اسماً تذكر منهم؟ وما الذي يحدث في الكويت سياسياً ولماذا هذا الاحتقان كله؟ أو كيف نشأت العنصرية في الخليج وهل تمارس محلياً بين مواطنيها؟ ولعل هذا ما يقودنا إلى مقارنة وجود الصوت الخليجي في وسائل الإعلام التقليدي وبين صوته الصاخب في الإعلام الجديد!
تنجح تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد دون أخرى في منطقتنا العربية، فما السبب يا ترى؟
لسنا هنا لنلوم الإعلام ووسائله ولكن الاعتراف بالحق فضيلة، وعلينا الاعتراف بأن الرأي العام العربي ما زال ينتظر الكثير من وسائل الإعلام التقليدية، فيما الحدث تصنعه وتفككه وسائل الإعلام الجديدة، وتنقله تلك التقليدية.
عندما أحاول استذكار تجربتي مع هذه التطبيقات والمواقع وبداية معرفتي فيها، فغالباً ما أتذكر أصدقائي الكويتيين، الذين شجعوني على استخدام “فايسبوك” في بداياته، و”إنستاغرام”، الذي نصحتني به صديقتي قماشة الكويتية، وحتى حسابي في “تويتر” الذي أنشأته مطلع عام 2010 بطلب من جهة عملي “قناة الآن” آنذاك، إلا أنني كنت أشعر بأنني في ديوانية كويتية في بدايته، إلى أن أصبح لاحقاً سعودياً بامتياز، خليجياً على الأقل نتيجة عدد السكان، وهذه هي حالة “فايسبوك” اليوم المعروف بالانتشار المصري فيه عربياً.
هذه هي أبرز التطبيقات الناجحة عدداً وشعبية حتى اليوم، ومع دخول “كلوب هاوس” بفكرته البسيطة غير المتكلفة، يعاد طرح السؤال من جديد عن مدى نجاح هذا التطبيق ومستقبله، ولعلي هنا أقولها بصراحة، فبعد تفكير مطول انضممت أخيراً إلى التطبيق وما إن وجدت الحضور الكويتي فيه، حتى تكهنت بنجاح مستقبله إلى حد ما. ففي هذا التطبيق وفي الوهلة الأولى تمكنك رؤية نوعين بارزين من المواضيع وهما “خفة الدم” المصرية بمواضيعها المسلية، وجدية النقاش الكويتي المحتدمة لحل مشكلات أعاقت نقاشاتها إجراءات الحظر إثر تفشي الجائحة، وإن كان لهما ثالث فهو النقاشات النسوية البارزة في نسخة التطبيق العربية.
هذه المواضيع الساخنة والتي تلقى تفاعلاً وتجاوباً كبيراً تدعونا للتساؤل، لماذا تلقى مثل هذه التطبيقات وأدوات الإعلام الجديد قبولاً باستمرار، على رغم استمرار وجود الإعلام التقليدي، بخلاف ما توقع المتشائمون خلال العقد الأخير؟
لقد طرح الإقبال على تطبيق “كلوب هاوس” أسئلة كثيرة لدي حول بساطته، وما إن كان الشارع العربي بحاجة إلى “راديو” وحسب، وسيلة سمعية بعيدة كل البعد من المظاهر، لا تسجل مكالماته وتمنحه مساحة للفضفضة ومناقشة الآخر بعيداً من القيود وتتبع الحكومات.
لسنا هنا لنلوم الإعلام ووسائله ولكن الاعتراف بالحق فضيلة، وعلينا الاعتراف بأن الرأي العام العربي ما زال ينتظر الكثير من وسائل الإعلام التقليدية، فيما الحدث تصنعه وتفككه وسائل الإعلام الجديدة، وتنقله تلك التقليدية.
إقرأوا أيضاً: