fbpx

“الكبير أوي”… الضحك من أجل الضحك
ينتصر في مصر الحزينة! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

القالب المتجدد والحيوي لـ”الكبير أوي” أنقذه من فخ المط والتطويل والملل، فأصبح ملجأ للجمهور الغارق في حياته “الراكدة” في مصر. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لقي المسلسل الكوميدي المصري”الكبير أوي 6″ ترحيباً كبيراً وقبولاً غير مسبوق، إذ نجا من فخ تسييس الفن، المُسيطر على الدراما المصرية منذ سنوات، وعبر- حتى الآن- بهدوء ومهارة دون استخدامه في تصفية الحسابات السياسية أو السخرية من المنافسين في المشهد العام المصري، حتى نالَ المرتبة “الثانية” من حيث “الأكثر مشاهدة” على منصة “Watch it”، التي تعرض 14 مسلسلاً- حصرياً- في الموسم الرمضاني 2022… فما هو السر الذي يحمله “مكي” وشركاؤه حتى يصالح المصريين على الكوميديا مجدداً؟ 

كيف أصبح “الكبير أوي” أيقونة رمضانية؟

يعود المسلسل إلى الكوميديان المصري، أحمد مكي، صاحب فكرة “الكبير أوي” الشخصية المستوحاة من فيلم “طير انت” الذي قدم بطولته. وكان “الكبير اوي” في “طير انت” إسقاطاً على شخصية عتريس الشهيرة في تاريخ السينما المصرية بظهورها في فيلم “شيء من الخوف“. 

كان عتريس طفلاً بريئاً في جنوب مصر، حيث قسوة الطباع والبشر والعادات والتقاليد، التي غيَّرت شخصيته إلى القسوة والبطش والجبروت والتسلط، اقتداءً بجده في الفيلم. كان عتريس بارزاً في قرية الدهاشنة، أحبّ فؤادة في طفولته، وحين كبر واكتسب روح جده المستبدة، رفضته فقرَّر أن يتزوّجها بالقوة، فهتفت القرية بالكامل “جواز عتريس من فؤادة باطل”، الذي أصبح أحد أشهر الهتافات في تاريخ السينما المصرية. وكان الفيلم بكامله رمزاً إلى الحاكم المستبد الذي يغتصب وطنه بالقوة المفرطة. 

حفل عام 2010 بالكثير من الغضب على الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ولتصبح إسقاطاً كوميدياً على الوضع السياسي في مصر، تحوّل عتريس إلى “الكبير” الذي يحكم قرية المزاريطة بالحديد والنار، فهو العُمدة الذي يتمتع بالعلاقات والمال والسلطة، وينفرد بحكم القرية وحده، يجمع إتاوات، ويضرب الفلاحين، ويسلبهم حريتَهم، ويجبرهم على العمل دون أجر، ويقاسمهم أموالهم وأراضيهم وأبقارهم. 

بلغ الإسقاط على الوضع السياسي في “الكبير” حداً كبيراً، حين قدم جوني من الخارج لمنافسة “الكبير” على “العمودية”، وامتلأت القرية باللافتات الانتخابية، التي تعرض مفهوم كل منهم للحكم، وبرنامجه، وأفكاره. وكانت تلك إشارة إلى ما يحدث بين الغريمين حسني مبارك ومحمد البرادعي، العائد من الخارج لينافسَ على الرئاسة.

في الموسم الأول، كان “الكبير” 15 حلقة فقط، عُرضت ثم أُعيد عرضها في النصف الثاني من رمضان، في سياق قبول النظام السياسي في ذلك الوقت للتنفيس الجماهيري، وحقق مشاهدات غير متوقعة، وبدأ العمل على تطوير الشخصيات والأفكار والكوميديا وإضافة شخصيات وحذف شخصيات أخرى، ليحافظ المسلسل على جرأته ورموزه وإسقاطاته السياسية والاجتماعية، فقد تزامنت صناعته مع ذروة الأحداث السياسية في ثورة 25 يناير، والحراك على مواقع التواصل الاجتماعي.

 ظلّ المسلسل يأخذ أحداثه من الواقع المصري، ويدمجها في واقع المزاريطة، ويصنع عالماً مختلفاً حافلاً بالأحداث، استمراراً لطريقة الكبير- الشخصية الأساسية لمكي- التقليدية (الغشيمة) في معالجة الأمور، فكانت زوجته تتابع الفتى التركي الذي شغل فتيات مصر في عهدٍ ما “مهند” حين غزت الدراما التركية المنازل المصرية، وعرف الكبير، أنها تشاهده عبر الإنترنت، فقرر أن يقطع “الكامل البحري” عن مصر، ويقطع اتصال الجميع بالعالم الخارجي، ليمنع زوجته من المشاهدة. هكذا كانت تُدار الأمور، وليس داخل حدود “المزاريطة” فقط. 

تدريجياً، تحوّل “الكبير” إلى إحدى أيقونات رمضان في مصر، فالجيل الذي صنع الثورة كان يكملُ لوحة نجومه المفضَّلين في مراحل المختلفة، واستمرارية عرضه لسنوات متتالية كانت سلاحاً مهماً جعله “مسلسل رمضان الأول” الذي يتحوّل إلى رمز للشهر، وعمل يمكن أن يستمرَ طويلاً، لكن الظرف السياسي لم يكن يسمح. 

توقف إنتاج “الكبير” عام 2015، حين أصبح المجال العام لا يحتمل السخرية والكوميديا والإسقاطات السياسية والاجتماعية، كما توقف “برنامج” باسم يوسف وصار صُناع الضحك والظرفاء مُطاردين. وذلك لأن نوعية الضحك التي صارَ يقدّمها ما بين عامي 2013 و2015 صارت مقلّمة الأظافر، وأليفة، وغير جارحة، أو مشتبكة مع الواقع، فسار المسلسل الكوميدي إلى المزيد من الضعفِ ثم أصبح ثقيل الظل، لعدم اشتباكِه مع قضايا الناس، وما يحيط بهم يومياً، وخلوه من الإسقاطات والرموز السياسية والاجتماعية، التي كانت تجعله، إلى جانب كونه كوميدياً، متنفساً ومساحة حرية. 

إقرأوا أيضاً:

جئنا لنحارب الملل بعد “سنوات بلا كوميديا”

عاد “الكبير أوي” في موسمه السادس، بطولة أحمد مكي، ليفتح باباً درامياً للسخرية وتناول القضايا الاجتماعية، ففي إحدى حلقاته، قدَّم “قضية المستريحين” الذين يهبطون بقرى فقيرة، ويجمعون الأموال، مقابل خدمات ووعود بالاستثمار للأهالي، قبل الاختفاء والاحتيال، ولكن هذه المرة كان التناول أليفاً، وبعيداً من سلطة الدولة، اكتفى بالجانب الكوميدي، بعيداً من الإسقاطات.

تقدم كل حلقة من حلقات “الكبير أوي” موضوعاً جديداً، في قالب كوميدي، وهو ما يجعل رتمه سريعاً ومتجدداً ومعاصراً وبعيداً من المط والتطويل، بناءً على القاعدة التي بُني عليها المسلسل منذ عرضه الأول، وهو أنه جاء ليحاربَ الملل، الذي تتسبَّب به الأعمال الأخرى، ففي الموسم الرمضاني الحالي مشكلات عدة تتعلّق بالتطويل غير المبرَّر في الأحداث، كي تصل المسلسلات إلى 30 حلقة، بحسب التعاقدات الإعلانية، وهو ما يثير مللَ المشاهدين ويبعدهم من المسلسلات تدريجياً، كما حصل هذا الموسم مع مسلسل “المشوار” لمحمد رمضان، الذي فشل في الحفاظ على الجمهور برغم شعبية نجم المسلسل ومخرجه.

القالب المتجدد والحيوي لـ”الكبير أوي” أنقذه من فخ المط والتطويل والملل، فأصبح ملجأ للجمهور الغارق في حياته “الراكدة” في مصر. 

ترى الناقدة الفنية ماجدة خير الله، أن “الموسم الرمضاني كان بحاجة إلى الكوميديا دائماً، لأن طبيعته تميل إلى الوجبات الخفيفة، لا القضايا والمسلسلات العميقة”.

وتقول لـ”درج”: “الجمهور أيضاً كان مشتاقاً لأحمد مكي ولشخصيات الكبير أوي، وتحديداً الكبير نفسه، وجوني، لأن تلك الوجبة الكوميدية، كوميديا من أجل الكوميديا، مطلوبة ومؤثرة وجذابة، كما أن الناس ارتبطوا بشخصياته (كهجرس وبقية أهل المزاريطة) طوال المواسم الخمسة، فأصبح هناك تشوّق للعمل”.

وتضيف: “من الواضح أن مكي اجتهد بشدّة ليعودَ بشكل قوي، حتى لا يخذل جمهوره، الذي انتظره لسنوات”.

عاد “الكبير أوي” في موسمه السادس، مقدماً على تحدٍ مردّه سقف التوقعات العالي للمشاهدين، لأنهم ينتظرون عملاً طال انتظاره، كما أنه مسلسل بلا معارضين من الناحية السياسية أو الاجتماعية، لكونه كوميدياً، في وقت تواجه فيه الأعمال الكوميدية أزمة ضخمة، ففي العام الماضي (رمضان 2021) تدهورت أحوال المسلسلات الكوميدية وكانت تعاني فقراً في النص وارتباكاً في الحبكة الدرامية وبناء الأحداث، لتكتفي بالإفيهات والشخصيات الهزلية، حتى أنّ أحدَها لم يصعد إلى المراتب الأولى في قوائم المشاهدة. 

“الموسم الرمضاني كان بحاجة إلى الكوميديا دائماً، لأن طبيعته تميل إلى الوجبات الخفيفة، لا القضايا والمسلسلات العميقة”.

خيوط طازجة ونجوم جدد… الخلطة السرية لأحمد مكي

الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، صنَّف “الكبير أوي 6” بين الأفضل في رمضان، وقال لـ”درج”، إن “المسلسل يمثل عودة قوية للكوميديا في دراما رمضان، وهذا النوع من المسلسلات الذي يجبرك على الضحك، وتشاهدها البيوت المصرية في ساعة الإفطار، كنا مشتاقين لهذا النوع من الأعمال في رمضان الماضي، فالأسرة المصرية تفرَّقت في وقت الإفطار، لأنه لم يكن هناك عمل محوري يجذب الأسرة بالكامل، ويقدم ضحكاً دون حسابات أو محاولات مستميتة (ومملة) للإضحاك، وذلك لأن الكبير أحدث تغييراً هذه المرة في الكوميديا، وهو أنه يبني مشهداً كوميدياً، ويخرج الكوميديا من البناء الضخم للأحداث والمواقف وليس من الإفيهات… هناك طريقة جديدة في صناعة الكوميديا”.

كانت أكثر الحلقات انتظاراً بالنسبة إلى المشاهد المصري، هي “لعبة السبيط“، المحاكاة الكوميدية لمسلسل الجريمة الكوري الشهير “لعبة الحبار“، الذي حقق نسب مشاهدة كبيرة خلال العام الماضي. وهو ما يقصده الشناوي بـ”بناء حدث كوميدي”، فمكي أعاد تقديم اللعبة بتفاصيل مصرية، من واقع البيئة والحياة المصريتين ومخاوف الشخصية المصرية وتفاصيلها، معتمداً على القالب الكوميدي. وهي الطريقة التي تسيرُ بها أغلب حلقات “الكبير أوي 6″، التي نجحت في إضحاك الجمهور وإرضائه، بعد سنوات من الغضب على الكوميديا التقليدية التي كانت ذروة فشلها في مصر مسلسل “رجالة البيت”، الذي تبرَّأ من أبطاله. 

وكي لا يقع “الكبير أوي” في فخ الملل، ويتجنّب الإسقاطات والسخرية السياسية والاجتماعية، التي صارت خطاً أحمر، نسج خيوطاً جديدة لإنتاج الأحداث الكوميدية تؤسس لتطورات جديدة داخل عائلة العمدة، فأصبحت هي الغالبة على المسلسل، الأول هو خيط علاقته بولديه، والثاني هو ظهور عمته “الكبيرة فحت” المخيفة، التي تهدّد سعادته واستقراره وعرشه كـ”عمدة”، والثالث زواجه من “مربوحة” الفتاة القروية الصاخبة التي ملأت حياته بمشاهدها وأزيائها وتعليقاتها العبثية.

الخيوط الجديدة أضافت كثيراً للمسلسل، بخاصة أنها لم تعتمدْ على شخصية واحدة. يرغب مكي دائماً في تقديم مواهب جديدة، بعد عدة سنوات من انغلاق الوسط الفني على وجوه متكرِّرة في كل الأعمال. تلك الوجوه أصابت المسلسلات والأفلام لفترات بالجمود، لكن التحدّي أجبر “مكي” على البحث عن وجوه تنعش مشروعه، فاستعان بالعترة الطفل، وجوني الصغير ومربوحة ونفادي، وأغلبها شخصيات محدودة الشهرة، أتت من خلفيات مسرحية، وليس من الأوساط الفنية وجمعيات أبناء الفنانين العامرة بالوساطات والمجاملات، والوجوه الطازجة أحد الأسرار الكبرى لـ”الكبير أوي 6″.

التنميط يضرب “الكبير أوي”… أين المدافعات عن أنثى “الكابوريا”؟

برغم الحفاوة التي قوبل بها مسلسل “الكبير أوي” نقدياً وجماهيرياً في مصر، إلا أنه لم يخلُ من التنميط. في إحدى الحلقات، سخر من المدافعات عن حقوق المرأة “الفيمنست”، باعتبارهنّ معقدات، ومعاديات للرجل في المطلق، دون قضية حقيقية أو أسباب منطقية، يتصيّدن أخطاءً تافهة لإثارة قضية المساواة بين الرجل والمرأة، فكانت صديقات زوجته، أمجاد، في أحد اللقاءات، منفعلات بسبب حبه لتناول الكابوريا الأنثى لا الذكر، لإعجابه بلحمها حتى إن إحداهنّ تصف المجتمع بـ”الذكوري” لتفضيله تناول الطيور والحيوانات المؤنثة. 

حوار عبثي بين “حزلقوم”- الشخصية الثانية لأحمد مكي- ومجموعة “الفيمنست” يروّج الكثير من الأفكار المغلوطة والمتحاملة على أفكار النسويات، ويؤكّد أن الكوميديا في مصر لم تتخلَّ في إنتاج الضحك عن إقصاء الآخر وتشويهه، والرقص على سُمعة بعض الفئات. 

انهالت التعليقات الساخرة من المدافعات عن حقوق المرأة على المشهد، وبرغم أنها محاولة عابرة للإضحاك، لا تعبر عن انحياز ممنهج ضد النساء- وقد حاول في حلقة لاحقة مصالحة النسويات مرة أخرى- إلا أنها تشير إلى أنّ الكوميديا والفن في مصر لا يزالان ساقطين في فخ تسليع المرأة وحبسها داخل الفكرة النمطية التي تُلقَى حولها، دون إظهار حقيقة الأفكار النسوية وأهدافها.

إقرأوا أيضاً:

28.04.2022
زمن القراءة: 7 minutes

القالب المتجدد والحيوي لـ”الكبير أوي” أنقذه من فخ المط والتطويل والملل، فأصبح ملجأ للجمهور الغارق في حياته “الراكدة” في مصر. 

لقي المسلسل الكوميدي المصري”الكبير أوي 6″ ترحيباً كبيراً وقبولاً غير مسبوق، إذ نجا من فخ تسييس الفن، المُسيطر على الدراما المصرية منذ سنوات، وعبر- حتى الآن- بهدوء ومهارة دون استخدامه في تصفية الحسابات السياسية أو السخرية من المنافسين في المشهد العام المصري، حتى نالَ المرتبة “الثانية” من حيث “الأكثر مشاهدة” على منصة “Watch it”، التي تعرض 14 مسلسلاً- حصرياً- في الموسم الرمضاني 2022… فما هو السر الذي يحمله “مكي” وشركاؤه حتى يصالح المصريين على الكوميديا مجدداً؟ 

كيف أصبح “الكبير أوي” أيقونة رمضانية؟

يعود المسلسل إلى الكوميديان المصري، أحمد مكي، صاحب فكرة “الكبير أوي” الشخصية المستوحاة من فيلم “طير انت” الذي قدم بطولته. وكان “الكبير اوي” في “طير انت” إسقاطاً على شخصية عتريس الشهيرة في تاريخ السينما المصرية بظهورها في فيلم “شيء من الخوف“. 

كان عتريس طفلاً بريئاً في جنوب مصر، حيث قسوة الطباع والبشر والعادات والتقاليد، التي غيَّرت شخصيته إلى القسوة والبطش والجبروت والتسلط، اقتداءً بجده في الفيلم. كان عتريس بارزاً في قرية الدهاشنة، أحبّ فؤادة في طفولته، وحين كبر واكتسب روح جده المستبدة، رفضته فقرَّر أن يتزوّجها بالقوة، فهتفت القرية بالكامل “جواز عتريس من فؤادة باطل”، الذي أصبح أحد أشهر الهتافات في تاريخ السينما المصرية. وكان الفيلم بكامله رمزاً إلى الحاكم المستبد الذي يغتصب وطنه بالقوة المفرطة. 

حفل عام 2010 بالكثير من الغضب على الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ولتصبح إسقاطاً كوميدياً على الوضع السياسي في مصر، تحوّل عتريس إلى “الكبير” الذي يحكم قرية المزاريطة بالحديد والنار، فهو العُمدة الذي يتمتع بالعلاقات والمال والسلطة، وينفرد بحكم القرية وحده، يجمع إتاوات، ويضرب الفلاحين، ويسلبهم حريتَهم، ويجبرهم على العمل دون أجر، ويقاسمهم أموالهم وأراضيهم وأبقارهم. 

بلغ الإسقاط على الوضع السياسي في “الكبير” حداً كبيراً، حين قدم جوني من الخارج لمنافسة “الكبير” على “العمودية”، وامتلأت القرية باللافتات الانتخابية، التي تعرض مفهوم كل منهم للحكم، وبرنامجه، وأفكاره. وكانت تلك إشارة إلى ما يحدث بين الغريمين حسني مبارك ومحمد البرادعي، العائد من الخارج لينافسَ على الرئاسة.

في الموسم الأول، كان “الكبير” 15 حلقة فقط، عُرضت ثم أُعيد عرضها في النصف الثاني من رمضان، في سياق قبول النظام السياسي في ذلك الوقت للتنفيس الجماهيري، وحقق مشاهدات غير متوقعة، وبدأ العمل على تطوير الشخصيات والأفكار والكوميديا وإضافة شخصيات وحذف شخصيات أخرى، ليحافظ المسلسل على جرأته ورموزه وإسقاطاته السياسية والاجتماعية، فقد تزامنت صناعته مع ذروة الأحداث السياسية في ثورة 25 يناير، والحراك على مواقع التواصل الاجتماعي.

 ظلّ المسلسل يأخذ أحداثه من الواقع المصري، ويدمجها في واقع المزاريطة، ويصنع عالماً مختلفاً حافلاً بالأحداث، استمراراً لطريقة الكبير- الشخصية الأساسية لمكي- التقليدية (الغشيمة) في معالجة الأمور، فكانت زوجته تتابع الفتى التركي الذي شغل فتيات مصر في عهدٍ ما “مهند” حين غزت الدراما التركية المنازل المصرية، وعرف الكبير، أنها تشاهده عبر الإنترنت، فقرر أن يقطع “الكامل البحري” عن مصر، ويقطع اتصال الجميع بالعالم الخارجي، ليمنع زوجته من المشاهدة. هكذا كانت تُدار الأمور، وليس داخل حدود “المزاريطة” فقط. 

تدريجياً، تحوّل “الكبير” إلى إحدى أيقونات رمضان في مصر، فالجيل الذي صنع الثورة كان يكملُ لوحة نجومه المفضَّلين في مراحل المختلفة، واستمرارية عرضه لسنوات متتالية كانت سلاحاً مهماً جعله “مسلسل رمضان الأول” الذي يتحوّل إلى رمز للشهر، وعمل يمكن أن يستمرَ طويلاً، لكن الظرف السياسي لم يكن يسمح. 

توقف إنتاج “الكبير” عام 2015، حين أصبح المجال العام لا يحتمل السخرية والكوميديا والإسقاطات السياسية والاجتماعية، كما توقف “برنامج” باسم يوسف وصار صُناع الضحك والظرفاء مُطاردين. وذلك لأن نوعية الضحك التي صارَ يقدّمها ما بين عامي 2013 و2015 صارت مقلّمة الأظافر، وأليفة، وغير جارحة، أو مشتبكة مع الواقع، فسار المسلسل الكوميدي إلى المزيد من الضعفِ ثم أصبح ثقيل الظل، لعدم اشتباكِه مع قضايا الناس، وما يحيط بهم يومياً، وخلوه من الإسقاطات والرموز السياسية والاجتماعية، التي كانت تجعله، إلى جانب كونه كوميدياً، متنفساً ومساحة حرية. 

إقرأوا أيضاً:

جئنا لنحارب الملل بعد “سنوات بلا كوميديا”

عاد “الكبير أوي” في موسمه السادس، بطولة أحمد مكي، ليفتح باباً درامياً للسخرية وتناول القضايا الاجتماعية، ففي إحدى حلقاته، قدَّم “قضية المستريحين” الذين يهبطون بقرى فقيرة، ويجمعون الأموال، مقابل خدمات ووعود بالاستثمار للأهالي، قبل الاختفاء والاحتيال، ولكن هذه المرة كان التناول أليفاً، وبعيداً من سلطة الدولة، اكتفى بالجانب الكوميدي، بعيداً من الإسقاطات.

تقدم كل حلقة من حلقات “الكبير أوي” موضوعاً جديداً، في قالب كوميدي، وهو ما يجعل رتمه سريعاً ومتجدداً ومعاصراً وبعيداً من المط والتطويل، بناءً على القاعدة التي بُني عليها المسلسل منذ عرضه الأول، وهو أنه جاء ليحاربَ الملل، الذي تتسبَّب به الأعمال الأخرى، ففي الموسم الرمضاني الحالي مشكلات عدة تتعلّق بالتطويل غير المبرَّر في الأحداث، كي تصل المسلسلات إلى 30 حلقة، بحسب التعاقدات الإعلانية، وهو ما يثير مللَ المشاهدين ويبعدهم من المسلسلات تدريجياً، كما حصل هذا الموسم مع مسلسل “المشوار” لمحمد رمضان، الذي فشل في الحفاظ على الجمهور برغم شعبية نجم المسلسل ومخرجه.

القالب المتجدد والحيوي لـ”الكبير أوي” أنقذه من فخ المط والتطويل والملل، فأصبح ملجأ للجمهور الغارق في حياته “الراكدة” في مصر. 

ترى الناقدة الفنية ماجدة خير الله، أن “الموسم الرمضاني كان بحاجة إلى الكوميديا دائماً، لأن طبيعته تميل إلى الوجبات الخفيفة، لا القضايا والمسلسلات العميقة”.

وتقول لـ”درج”: “الجمهور أيضاً كان مشتاقاً لأحمد مكي ولشخصيات الكبير أوي، وتحديداً الكبير نفسه، وجوني، لأن تلك الوجبة الكوميدية، كوميديا من أجل الكوميديا، مطلوبة ومؤثرة وجذابة، كما أن الناس ارتبطوا بشخصياته (كهجرس وبقية أهل المزاريطة) طوال المواسم الخمسة، فأصبح هناك تشوّق للعمل”.

وتضيف: “من الواضح أن مكي اجتهد بشدّة ليعودَ بشكل قوي، حتى لا يخذل جمهوره، الذي انتظره لسنوات”.

عاد “الكبير أوي” في موسمه السادس، مقدماً على تحدٍ مردّه سقف التوقعات العالي للمشاهدين، لأنهم ينتظرون عملاً طال انتظاره، كما أنه مسلسل بلا معارضين من الناحية السياسية أو الاجتماعية، لكونه كوميدياً، في وقت تواجه فيه الأعمال الكوميدية أزمة ضخمة، ففي العام الماضي (رمضان 2021) تدهورت أحوال المسلسلات الكوميدية وكانت تعاني فقراً في النص وارتباكاً في الحبكة الدرامية وبناء الأحداث، لتكتفي بالإفيهات والشخصيات الهزلية، حتى أنّ أحدَها لم يصعد إلى المراتب الأولى في قوائم المشاهدة. 

“الموسم الرمضاني كان بحاجة إلى الكوميديا دائماً، لأن طبيعته تميل إلى الوجبات الخفيفة، لا القضايا والمسلسلات العميقة”.

خيوط طازجة ونجوم جدد… الخلطة السرية لأحمد مكي

الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، صنَّف “الكبير أوي 6” بين الأفضل في رمضان، وقال لـ”درج”، إن “المسلسل يمثل عودة قوية للكوميديا في دراما رمضان، وهذا النوع من المسلسلات الذي يجبرك على الضحك، وتشاهدها البيوت المصرية في ساعة الإفطار، كنا مشتاقين لهذا النوع من الأعمال في رمضان الماضي، فالأسرة المصرية تفرَّقت في وقت الإفطار، لأنه لم يكن هناك عمل محوري يجذب الأسرة بالكامل، ويقدم ضحكاً دون حسابات أو محاولات مستميتة (ومملة) للإضحاك، وذلك لأن الكبير أحدث تغييراً هذه المرة في الكوميديا، وهو أنه يبني مشهداً كوميدياً، ويخرج الكوميديا من البناء الضخم للأحداث والمواقف وليس من الإفيهات… هناك طريقة جديدة في صناعة الكوميديا”.

كانت أكثر الحلقات انتظاراً بالنسبة إلى المشاهد المصري، هي “لعبة السبيط“، المحاكاة الكوميدية لمسلسل الجريمة الكوري الشهير “لعبة الحبار“، الذي حقق نسب مشاهدة كبيرة خلال العام الماضي. وهو ما يقصده الشناوي بـ”بناء حدث كوميدي”، فمكي أعاد تقديم اللعبة بتفاصيل مصرية، من واقع البيئة والحياة المصريتين ومخاوف الشخصية المصرية وتفاصيلها، معتمداً على القالب الكوميدي. وهي الطريقة التي تسيرُ بها أغلب حلقات “الكبير أوي 6″، التي نجحت في إضحاك الجمهور وإرضائه، بعد سنوات من الغضب على الكوميديا التقليدية التي كانت ذروة فشلها في مصر مسلسل “رجالة البيت”، الذي تبرَّأ من أبطاله. 

وكي لا يقع “الكبير أوي” في فخ الملل، ويتجنّب الإسقاطات والسخرية السياسية والاجتماعية، التي صارت خطاً أحمر، نسج خيوطاً جديدة لإنتاج الأحداث الكوميدية تؤسس لتطورات جديدة داخل عائلة العمدة، فأصبحت هي الغالبة على المسلسل، الأول هو خيط علاقته بولديه، والثاني هو ظهور عمته “الكبيرة فحت” المخيفة، التي تهدّد سعادته واستقراره وعرشه كـ”عمدة”، والثالث زواجه من “مربوحة” الفتاة القروية الصاخبة التي ملأت حياته بمشاهدها وأزيائها وتعليقاتها العبثية.

الخيوط الجديدة أضافت كثيراً للمسلسل، بخاصة أنها لم تعتمدْ على شخصية واحدة. يرغب مكي دائماً في تقديم مواهب جديدة، بعد عدة سنوات من انغلاق الوسط الفني على وجوه متكرِّرة في كل الأعمال. تلك الوجوه أصابت المسلسلات والأفلام لفترات بالجمود، لكن التحدّي أجبر “مكي” على البحث عن وجوه تنعش مشروعه، فاستعان بالعترة الطفل، وجوني الصغير ومربوحة ونفادي، وأغلبها شخصيات محدودة الشهرة، أتت من خلفيات مسرحية، وليس من الأوساط الفنية وجمعيات أبناء الفنانين العامرة بالوساطات والمجاملات، والوجوه الطازجة أحد الأسرار الكبرى لـ”الكبير أوي 6″.

التنميط يضرب “الكبير أوي”… أين المدافعات عن أنثى “الكابوريا”؟

برغم الحفاوة التي قوبل بها مسلسل “الكبير أوي” نقدياً وجماهيرياً في مصر، إلا أنه لم يخلُ من التنميط. في إحدى الحلقات، سخر من المدافعات عن حقوق المرأة “الفيمنست”، باعتبارهنّ معقدات، ومعاديات للرجل في المطلق، دون قضية حقيقية أو أسباب منطقية، يتصيّدن أخطاءً تافهة لإثارة قضية المساواة بين الرجل والمرأة، فكانت صديقات زوجته، أمجاد، في أحد اللقاءات، منفعلات بسبب حبه لتناول الكابوريا الأنثى لا الذكر، لإعجابه بلحمها حتى إن إحداهنّ تصف المجتمع بـ”الذكوري” لتفضيله تناول الطيور والحيوانات المؤنثة. 

حوار عبثي بين “حزلقوم”- الشخصية الثانية لأحمد مكي- ومجموعة “الفيمنست” يروّج الكثير من الأفكار المغلوطة والمتحاملة على أفكار النسويات، ويؤكّد أن الكوميديا في مصر لم تتخلَّ في إنتاج الضحك عن إقصاء الآخر وتشويهه، والرقص على سُمعة بعض الفئات. 

انهالت التعليقات الساخرة من المدافعات عن حقوق المرأة على المشهد، وبرغم أنها محاولة عابرة للإضحاك، لا تعبر عن انحياز ممنهج ضد النساء- وقد حاول في حلقة لاحقة مصالحة النسويات مرة أخرى- إلا أنها تشير إلى أنّ الكوميديا والفن في مصر لا يزالان ساقطين في فخ تسليع المرأة وحبسها داخل الفكرة النمطية التي تُلقَى حولها، دون إظهار حقيقة الأفكار النسوية وأهدافها.

إقرأوا أيضاً: