تتواصل الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي للتحريض على الكلاب الشاردة، وتنتشر دعوات إلى وجوب قتلها والتخلّص منها.
حتى إن فيديوات انتشرت عن كلاب تهاجم أطفالاً أو سيدات، تبيّن لاحقاً أنها ليست في الأردن أصلاً، فيما بعضها الآخر يعود إلى فترات سابقة، إنما تم توظيفها لخدمة الوحشية وللقضاء على المزيد من الكلاب.
ولأن مواقع التواصل الاجتماعي هي ساحة الجدل الأساسي حول كل شيء، بما في ذلك قضية الكلاب، فقد برز دور أشخاص وهيئات مدنية من المهتمين بحقوق الحيوانات، في نشر مقاطع فيديو توثيقية تظهر عمليات قتل تلك الكلاب بالدهس أو رمياً بالرصاص أو بالتسميم وغيرها من الأساليب العنيفة التي تكررت في الفترة الأخيرة.
الناشطة والمتطوعة بحقوق الحيوان ومنسقة رعاية الحيوان في مؤسسة الأميرة عالية، لانا دباس، تقول “لا أعلم ما سبب بدء هذه الحملة، حتى إننا بعد التدقيق والبحث وجدنا فيديوات منتشرة بشكل واسع أرعب الناس، كالمقطع الذي يظهر كلباً أسود يهاجم طفلاً، فضلاً عن أن هذا المقطع غير صحيح وليس في الأردن”.
تتواصل الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي للتحريض على الكلاب الشاردة، وتنتشر دعوات إلى وجوب قتلها والتخلّص منها.
الكلاب والإعلام
جمعية “الرحمة للرفق بالحيوان” استنكرت ما يحدث للحيوانات على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، متّهمة الإعلام بالتجييش قائلة: “أصبح أي شخص يشاهد كلباً، يشعر تجاهه بالخوف ويتصور له بأنه سيهاجمه، وازداد العنف تجاه الكلاب حتى أصبحت الكلاب المسالمة والأليفة تذهب ضحية تجييش إعلامي سببه غير معروف أو مبرر”.
نشرت وسائل إعلام أن حالات عقر الكلاب أو “الكَلب”، وصلت إلى 6000 حالة السنة الماضية، إلا أنه في إحدى المقابلات التلفزيونية وبعدما أثارت الموضوع إحدى الحقوقيات بسؤال “مدير دائرة الأمراض السارية بوزارة الصحة محمد الحوارات”، تبين أن وزارة الصحة تسجل كل حالات العقر سواء كانت من قطة، جرذ، أفعى، تحت المسمى ذاته، ولا فصل بينها. وبالتالي، تضاف هذه المعلومة غير الدقيقة إلى سلسلة الأخبار التي تم بثها للتحريض على قتل الكلاب والاقتصاص منها.
وفي برنامج حواري على قناة “المملكة”، لم يجد المقدم مانعاً من الترويج لقتل الكلاب، فسأل المذيع ضيفه “حالياً القنص هو الحل الأسرع والأمثل؟”، ليؤكد الضيف أن القنص هو الأمثل، وأن الضرورات تبيح المحظورات.
إلى ذلك، وفي مقدمة لمذيع في برنامج حواري آخر على قناة “رؤيا”، يقول: “الواقع يقول الكلاب الضالة ضالة بكل شيء، لا مأكل ولا مأوى، وافتراس ما يمكن افتراسه، هذا مدخل القضية لا يستوي فيها أن نقول علينا أن نناقش بحنان ونجد حلولاً ناعمة”.
وقالت “جمعية الرحمة لحقوق الحيوان” في منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي: “بعد أول خبر تم نشره عن هجوم كلب على طفل نتمنى له السلامة، كثرت حوادث الإصابات بسبب تفاعل الناس الخاطئ مع البيئة المحيطة كرد فعل نتيجة الخوف والدفاع عن خطر غير موجود”.
ما قبل نظام الـABC
أكدت مقابلات صحافية أن البلديات الأردنية كانت سابقاً، تتعامل مع أعداد الكلاب الكبيرة بـ”القنص”، أي قتل الكلاب بالرصاص. إذ تخرج مجموعة من موظفي الحكومة الى أماكن تجمّع الكلاب وتقتلها ثم تضعها في سيارات النقل لوضعها في مكب النفايات للتخلص منها.
هذا القتل الجماعي الذي يناقض الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الحيوان، أثار حفيظة حقوقيين عمدوا إلى نشر صور الكلاب الميتة في سيارات النقل على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بإنهاء هذا العنف.
استجابت بعض البلديات لهذه الضغوط وطبقت نظام ABC، أي “السيطرة على توالد الكلاب”، الذي يهدف إلى تعقيم الكلاب للسيطرة على تكاثرها، فتُجمع الكلاب من أماكنها، إما عبر الحملات اليومية أو عن طريق شكاوى السكان. ثم تُنقل إلى مراكز الرعاية الخاصة بالحيوانات لتخضع لعمليات تعقيم وتطعيم على أيدي متخصصين، مع إعطائها علامات فارقة ليتم التعرف إليها لاحقاً، ويصار بعدها إلى إطلاق الكلاب مجدداً، الى المكان الذي أخذت منه لتحمي المنطقة من كلاب أخرى وللحفاظ على التوازن البيئي من دون أن تتكاثر.
وحول هذا الأمر، تؤكد الناشطة دباس أن أمانة عمان تقوم تطبيق نظام الـ ABC، إلا أن المشكلة تكمن في طريقة إعادة الكلاب، إذ لا تتم إعادتها إلى المواقع التي أخذت منها، ما يؤدي الى دخول كلاب أخرى غير معقمة أو مطعمة إليها وتكاثرها فيها، كما يتم تعريض الكلاب التي تم تعقيمها للخطر عند نقلها الى منطقة أخرى غير منطقتها.
إقرأوا أيضاً:
الكلاب الكنعانية عبر التاريخ
بحسب “النادي الأميركي للكلاب الكنعانية” الذي تشكل عام 1965 بعد دخول أول كلب كنعاني البلاد، يعد هذا النوع من الكلاب من أقدم الكلاب، ويعود أصله إلى ما قبل الميلاد، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى أرض كنعان، بعدما وُجد أقدم نقش لهذه الكلاب على مقابر بني حسن، التي يعود تاريخها إلى عام 2000 قبل الميلاد.
كانت مهمة هذه الكلاب تقتصر على الحراسة وحماية المواشي، الى أن جاء الدكتور رودلفينا مينزل الذي تم تكليفه بتدريب جيش من الكلاب لحماية المستوطنات الإسرائيلية المعزولة، فاكتشف الكلاب الكنعانية وقام بتدريبها، لأنها سريعة التعلم وتستطيع تحمل الطقس الصحراوي القاسي، كما ساعدت هذه الكلاب في إيجاد الألغام بالحرب العالمية الثانية.
وتروي دباس العلاقة التي تربط العرب بالكلاب التي لطالما استُخدمت للحراسة والحماية، أما اليوم فتنتشر الدعوات إلى قتلها وتصفيتها.
تضيف دباس أن الأطفال يفتقرون إلى التوعية بالتعامل مع الكلاب من المدرسة والأهل، إذ عندما يرون كلباً يهلعون ويركضون أو يرمون عليه الحجارة، مشددة على ضرورة السيطرة على السلوكيات الخاطئة، كتربية كلاب غير كنعانية وتحويلها الى كلاب شرسة بأساليب غير إنسانية، ليتم لاحقاً إطلاقها في الخلاء، لتهاجم الناس.
تشير دباس الى ندرة البلاغات عن عمليات تعذيب وقتل الكلاب الكنعانية غير المملوكة، لعدم وجود الوعي الكافي بالقوانين، إذ تعتبر أن العقوبة غير عادلة، لكن بحسب قانون الزراعة و قانون العقوبات، تحديداً المادة 452 و المادة 472، يعاقب مرتكب العنف سواء كان قتلاً أو تعذيباً بحق الكلاب، بالحبس لمدة تصل إلى سنتين.